( صلاح شكوكو )

كلما دنا موسم التسجيلات أطلت علينا من جديد قضية الإتفاقات السرية التي تتم في الغرف المظلمة .. كثير من الأندية خرجت لتوها من معركة مماثلة .. أهدر فيها المال العام بلا طائل .. حشد فيها بعض الاعبين أو دعونا نقول أنصاف لاعبين مقابل ملايين لا تحصى ولا تعد من الجنيهات ..

صحيح أن بعض هؤلاء اللاعبين يعتبرون مميزين بأنديتهم ولكن تميزهم هذا يظل تميزا نسبيا وفق مستوانا العام في اللعبة .. لكنهم بالمقاييس الفنية والمنطقية يعتبرون عاديين الى الحد البعــيد .. ونحن حينما نقول ذلك لآ نتجنَى على أحد ولا نبخس الناس أشياءهم .. بل لسنا حاقدين ولسنا مخذلين .. لكننا ببساطة واقعين تحت تأثير حزم معقدة من المفاهيم التي نرزح تحت نيرها وهي تقبض بكلكلها على بؤرة تفكيرنا ولا نكاد نتزحزح عنها قـيد أنملـة ..

ذلك أنك حالما تسجل لاعبا يكون عمره يدور حول الثلاثين فإنك تكون قد سجلت لاعبا بلا جدوى حقيقية ، مقابل مبلغ كبير من المال .. حتى لو كان هذا اللاعب لاعبا في المنتخب القومي .. لأنك ببساطة تأتي بلاعب تكونت لديه وتشكلت فيه كل السمات والخصائص ومن الصعب إخضاعه للمعايير التدريبية الجديدة التي تريدها .

ثم أن هذا اللاعب يكون قد كلف مبلغا كبيرا كان من الممكن أن يسجل به عدة لاعبين ناشئيين في أعمار دون ذلك كثيرا مما يعني أن أعمارهم الإفتراضية في الملاعب ستكون أكثر من أولئك الآخرين .. علاوة على إمكانية ترسيخ الولاء فيهم للنادي الجديد ..

أما اللاعب ( الكبير ) فقد يأتيك وقد حدد ( خانته ) في الملعب ولا أحد يمكن أن يجزم بأن الخانة التي حددها اللاعب لنفسه هي الوظيفة المثلى مع إمكانياته ذلك أن أمر إختيار ( الخانة ) المناسبة يتم في الغالب الأعم من خلال أسس عشوائية تحكمها ظروف اللاعب في مراحله المختلفة .. بينما الوضع الصحيح هو أن المدرب هو الذي يحدد للاعب المكان المناسب والوظيفة المناسبة في الملعب وفقا لمعايير يدركها المدرب جيدا .

كما أن هذا اللاعب يكون أحيانا بمقدرات معينة تصلح لأكثر من وظيفة في الملعب فبقوم المدرب بإختيار أنسب تلك الوظائف وأكثرها فائدة للاعب والفريق وبالتالي يقوم اللاعب بالتدرب عليها وإدخالها في طيات التلقائية عنــده من خلال عمليات التدريب المتكررة والمتراكمة .

ولهذا كانت التدريبات المختلفة .. خاصة المهارية منها تحتاج الى زمن أكبر من غيرها حتى تدخل حيز الإعتياد والتلقائية لدى اللاعب الذي بدوره يضيف اليها طابعه الشخصي والذاتي فتتحول الى أسلوب خاص له .. بل تتحول الى توقيع أو بصمة خاصة تعبر عنه ..

ولنضرب مثلا على ذلك فعندما يريد أي شخص منا أن يختار ( توقيعا ) جديدا له فإن هذا التوقيع أو ( الإمضاء ) سيصبح بصمة خاصة به .. لكنه قبل أن يتقن هذا التوقيع سيقوم بتكراره عشرات المرات ولربما مئات المرات حتى يرسخ في طيات عقله الباطن ثم يدخل دائرة التلقائية و اللا شعور .. ووقتها يستطيع التوقيع على كل الأشياء و الشيكات وهو يتحدث بالهاتف مثلا .. ولن يختلف هذا التوقيع كثيرا عن الواقع حتى لو تم في سيارة أو طائرة أو على طاولة أو داخل الإستاد أو المكتب .

لأن هذا التوقيع قد أصبح تشكيلا مطبوعا في العقل وبمجرد إتجاه نية الشخص للتوقيع تتوجه الإرادة الكتابية الى رسمة وفق السمات المحددة له والمرسومة مسبقا في الذاكرة الخلفية عنده .

مما يعني عمليا أن هذا الفعل قد دخل دائرة لا يحتاج فيها اللاعب الى التفكير الإحتمالي بل ينفذ فورا ما هو معــد سلفا .. وهنا تتكشف الثقة من خلال الخبرة الذاتية فيأتي العمل بكفاءة عالية وتنفيـــذ سليم .

نعود للاعب .. ودعونا نجري إسقاطا عليه وفق هذه المعايير .. ودعونا نرصد لاعبا قارب الثلاثين من عمرة ودعونا نسأل .. كيف لهذا اللاعب أن يتحرر من إلفه القديم ويتحول الى نمط جديد من خلال التلقي .. كيف له أن يمسح من ذاكرته كل ماتعلم ليعيد تركيب شريط جديد من خلال ( الإحلال ) ؟؟ خاصة وأن اللاعب لدينا يتسم بالضعف الثقافي في الغالب الأعم .. بل يعتبر ( فاقدا تربويا من الدرجة الأولى ) بل أنه في أحايين كثيرة يرفض ذلك ذاتيا لإعتقاده بأنها أبجدية جديدة قد تجاوزها .. وهنا تكمن العلة ويكمن الإشكال .

عفوا .. أستميحكم عذرا في أن أستخدم مثالا آخر أكثر ملائمة للواقع .. لكنه من مملكة الحيوان ودعونا نرى حمارا إعتاد صاحبه على الذهاب به يوميا من منزله الى مكان عمله والعودة به الى المنزل بعد الفراغ من العمل .. بعد مدة سنجد أن هذا الحمار قد خط دربا في الطريق لا يتزحزح عنه أبدا .. بل أنه لو مرَ على منطقة بها حشائش فإنه سيرسم مسارا ودربا وإتحناءات في هذه الحشائش يظل يلتزمها مهما حاولنا إثناءه عنها .. بل أنه لو ترك يسير وحده فإنه لن يغير هذا المسار الذي تعود عليه .

ولا أود أن أقول أن بعض أصحاب هذه الحمير ينامون على ظهورها مطمئنين ومدركين أنها ستقودهم دون عناء الى حيث إعتادوا دونما توجيه منهم .. أما الحديث عن حيوانات السيرك لهو أمر عجيب جدا بل لا يحتاج مني الى تبيان .. لأن الجميع مدركون لأثر التدريب فيها .

العلماء يقولون بأن الإنسان حيوان ناطق .. وحتى لو إختلفنا أو إتفقنا معهم فإننا حتما سنتفق في أن الإنسان يتميز بالعقل والإدراك السليم ... وهذا الإدراك هو الذي يجب أن يميز أفعالنا وقناعاتنا ومعتقداتنا .. ومن أجل هذا كان الدين مهتما بقضية العقل .. ومن لاعقل له لا تكليف عليه .

إذن متى سيدرك عقلنا هذه المعايير ؟؟ ومتى سيخرج من دائرة الممارسة العمياء الى إعتناق مفاهيم عصرية واعية تخرجنا من هذه الممارسة العقيمة ؟؟ متى سنتجاوز أنفسنا ونقفز فوق الحواجز الوهمية التي نتخيلها أمامنا ؟؟ متى سيكون همنا أن نسجل إرضاءا للهتيفة على حساب الأداء العام ؟؟

وللحديث بقية .. ومازالت في فمي بقية من ماء لم يراق .

----------------------------
ملء الســنابل تنحني بتواضــع ....... والفارغات رؤوسهن شوامــخ
----------------------------

كلمـــــات متقاطعـــــة :-

• لا تثريب علينا في إستخدام الحمار مثالا .. فقـد ضـرب الله به الأمثال في القـرآن .

• توقيع حقيقي على بطاقة تهنئة لكل الرياضيين أينما كانوا بمناسبة عيد الفطــــر المبارك .. أعـــاده الله عليــــنا جميعا ونحـــن في أمن وأمان ..
• توقيع حقيقي آخر على بطاقة تهنئة لكل الذين يقرأون حـروفنا ويتواصلون معنا بصـدق السريرة ونقاء الطوية .. جعلهم الله من عتقاء شهر رمضان المعظم .

• التحية للرائع / عبدالقادر خليل يونس ( السعودية ) الذي شارك بقوة في حمــلتنا لمناصـرة ســامي الحـاج ( مصور الجزيرة ) وبنى له موقعا رائعا كروعته .. نرجو زيارة هذا الموقع والتوقيع في دفتر الحضور تضامنا مع سجين الحقيقة من خلال الرابط :-
( http://www.sami.alra7ba.net/index.php ) .

صلاح محمد عبدالدائم ( شكوكو )
[email protected]