محمد الحنفي
[email protected]
www.elhanafim.cjb.net
1) إن كلمة مدرسة هي كلمة موحية بالتحول و التغيير إلى الأحسن في إطار نظام معين، و انطلاقا من خطة معينة و تطبيقا لبرنامج معين يتدرج من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى لتحقيق أهداف معينة تتجسد في تحقيق الإنسان الحر و الديمقراطي و الوطني، و الإنساني الذي يستطيع أن يساهم في بناء مجتمع متحرر و ديمقراطي، و عادل في إطار الوطن الواحد و على المستوى الإنساني.
و عندما ننتقل من هذا المفهوم العام إلى مستوى المفهوم الخاص. فإن المدرسة المغربية لا تصير كذلك، فهي لا توحي بالتغير إلى الأحسن و لا بالتحول. لأن النظام الرأسمالي التبعي لا يسعى إلى ذلك، لأنه يفرض خطة معينة من خلال تطبيق برنامج معين يتدرج من مرحلة أدني إلى مرحلة أعلى لتحقيق أهداف معينة تتجسد في إعادة إنتاج نفس الهياكل القائمة المساهمة في إنتاج مجتمع لا ديمقراطي و غير عادل، تتفاحش في إطاره الفوارق الطبقية ، و يسود فيه الحرمان من الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و يخضع في كل ما يتعلق به لتعليمات صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي و المؤسسات المالية الدولية. بالإضافة إلى الشركات العابرة للقارات لتحقيق مجتمع على مقاس تعليمات هذه المؤسسات التي لا يهمها إلا نهب ثروات الشعوب لصالح الرأسمالية العالمية التي عولمت الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.
و إذا كان هناك من تطور يحدث في المدرسة المغربية، فإن هذه المدرسة تسعى في كل مرحلة من مراحل تطور المغرب. و خاصة في مراحل ما بعد الاستقلال، إلى إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية المتناسبة مع التشكيلة الإقطاعية كما شكلها الاحتلال الأجنبي للمغرب و كما تسعى إلى الاستفادة منها المؤسسة المخزنية. تم التشكيلة الإقطاعية البورجوازية التي تشكلت بعد الاستقلال كما كان يريدها الاستعمار الذي كان يسمى بالاستعمار الجديد ، و كما كانت تسعى إلى صياغتها المؤسسة المخزنية التي عملت على الجمع بين التعليم ذي الطابع المخزني الإقطاعي الذي كان و لازال يسمى ب"التعليم الأصيل" و التعليم ذي الطابع الرأسمالي التبعي الذي كان يسمى ب"التعليم العصري" بالإضافة إلى مدارس البعثات الأجنبية، و التعليم الخاص الذي صار مع مرور الأيام و في جميع المراحل التعليمية بديلا للتعليم الرسمي . و هذه الأشكال من التعليم لا يمكن أن تؤدي كلها إلا إلى تحقيق التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية كما تريدها المؤسسة المخزنية، و كما تتصورها المؤسسات المالية الدولية، وصولا إلى قبول الاندماج في إطار منظمة التجارة العالمية التي تعولم استغلال الشعوب بالسعي إلى إزالة الحدود الجمركية . الأمر الذي يقتضي أن تقوم المدرسة المغربية بإعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المتناسبة مع القبول و الانخراط فيما صار يسمى بعولمة اقتصاد السوق، و كبح كل التوجهات التي تسعى إلى تحقيق جبهة مضادة لتلك العولمة.
فالمدرسة المغربية إذن هي المدرسة التي سعت و تسعى باستمرار إلى إنتاج نفس الهياكل التي كانت تخطط لها المؤسسة المخزنية، و خطط لتشكيلها الاحتلال الأجنبي، و خطط لها المسؤولون انطلاقا من توجيهات ما كان يسمى بالاستعمار الجديد، ثم انطلاقا من توجيهات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و المؤسسات المالية الدولية ثم انطلاقا مما يقتضيه الانخراط في منظمة التجارة العالمية لاعداد المجتمع للانخراط في عولمة اقتصاد السوق و عدم مقاومتها. لتصير المدرسة المغربية بذلك وسيلة للتعبير عن رغبة التحالف الطبقي المسيطر الذي ترتبط مصالحه بالمؤسسة المخزنية من جهة، وبالمؤسسات المالية الدولية و بمنظمة التجارة العالمية. و هو ما يعني الإلغاء المطلق لامكانية قيام تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر، و الشعارات التي ترفع، إنما ترفع لدغدغة عواطف الشعب و للاستهلاك الخارجي، و ما خفي كان أعظم كما يقولون.
2) و قد كان الشعب المغربي قبل الاستقلال و بعده يعقد آمالا كبيرة على المدرسة المغربية في مختلف مستوياتها التربوية و التعليمية.
فقبل الاستقلال كان يريد منها أن تحقق أهداف الديمقراطية و إعداد الوطنيين و المقاومين الذين يسعون إلى مقاومة الاحتلال الأجنبي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و العسكرية. و هو ما قامت بجانب كبير منه المدارس الأهلية التي كان يمولها الشعب المغربي حتى تقوم بدورها كاملا لصالحه ، و إلى جانب المدارس الأهلية كان هناك التعليم الأصيل الذي قام بنفس الدور، كما يدل على ذلك كون قادة المقاومة و جيش التحرير و الزعماء الوطنيين من خريجي المدارس الأهلية و التعليم الأصيل . و قلما نجد من بينهم من تخرج من مدارس الاحتلال الأجنبي التي أنشأها لإعداد أجيال تخدم مصالحه أثناء الاحتلال و بعده . و قد أدت ذلك الدور فعلا، كما تجلى من خلال إعداد الكوادر المساعدة للاحتلال الأجنبي قبل الاستقلال، و التي خلفته من بعد خروج جنود الاحتلال في الإمساك بدواليب الدولة المغربية، و تسخيرها لخدمة مصالح استمرار الاحتلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لتصير مهمة المدرسة المغربية بعد ذلك متجسدة في إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية المتلائمة مع التحول الحاصل في طبيعة تعليمات المؤسسات المالية الدولية التي تسير في اتجاه تحويل الاقتصاد الوطني إلى جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الرأسمالي العالمي. و بهذه الصيرورة تتبخر الطموحات التقليدية للشعب المغربي في الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، و التي لازالت فئات عريضة من المجتمع المغربي تتمسك بها . و بدلها تصير فئات الشباب المستهدفة بتعليمات المؤسسات المالية الدولية، و باستغلال الشركات العابرة للقارات تحمل طموحات أخرى، لا شعبية و لا وطنية، و لا ديمقراطية و لا تحررية، إنها طموحات تتجسد في الرغبة الجارفة في الهجرة إلى البلدان ذات الأنظمة الرأسمالية العالمية هروبا من الفقر و الجوع و المرض الذي صار يستهدف الفئات العريضة من الشباب الذي صار متعلما، و حاملا للشهادات، و لمختلف المؤهلات العلمية و المعرفية و التكنولوجية و غيرها مما يزخر به الشباب العاطل عن العمل، و الذي يحرم من وجود اختيارات شعبية و ديمقراطية و تقدمية و إنسانية تستطيع أن تستوعب مختلف الكفاءات التي تذهب سدى، و تعمل على الهجرة إلى أوربا، حتى تكون تلك الاختيارات مشجعة على عودة الكفاءات المهاجرة إلى المغرب.
و النضال من أجل تحقيق الاختيارات الشعبية و الديمقراطية يجب أن يتخذ مسار العمل الجبهوي انطلاقا من برنامج حد أدنى يأتي من بين بنوده إيجاد مدرسة وطنية تسعى الى تحقيق طموحات الشعب المغربي، و بمساهمة الأحزاب التقدمية و الديمقراطية، و النقابات و المنظمات الحقوقية و الجمعيات الثقافية و التربوية من اجل قيام تكتل فاعل يستطيع فرض تلك الاختيارات على المسؤولين حتى تصير منطلقا لتحقيق طموحات الشعب المغربي من قيام مدرسة وطنية.
3) و بما أن المدرسة المغربية لا تستجيب إلا لتحقيق الأهداف المخزنية و أهداف البورجوازية التابعة. فإن هذه المدرسة لا تنتج، بالنسبة إلى شعب المغربي، إلا ما يكرس تخلفه على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن المدرسة المغربية تهدر أموالا طائلة بدون حدود، و نظرا لكون التعليم في بلادنا غير مرتبط بالتنمية الاقتصادية، فإن انعكاس التعليم على التنمية الاقتصادية غير وارد، إلا بالقدر الذي يخدم مصالح الفئات المستفيدة من الاستغلال و خاصة الطبقة البورجوازية التابعة، و سيدتها المؤسسة المخزنية، و المؤسسات المالية الدولية، و الشركات العابرة للقارات . و بالنسبة للشعب المغربي، فإن التعليم لا ينتج بالنسبة إليه إلا بطالة حاملي الشواهد من مختلف المستويات الذين يتصنفون إلى جانب الذين لا شواهد لهم ، و لا يحملون أية مؤهلات تساعد على الاندماج في الاقتصاد الرأسمالي القائم . و بالتالي فإن المتعلمين الحاملين للشهادات من مختلف المستويات ، لا يستطيعون الاندماج في الاقتصاد الرأسمالي التبعي ، و إذا لجأوا إلى إقامة مقاولات صغرى، فإنها لا تستطيع أن تصمد أمام المقاولات الكبرى، و غالبا ما تصل إلى مرحلة الإفلاس.
و على المستوى الاجتماعي، فإن التعليم لا يساعد على الاندماج الاجتماعي لكون ذلك الاندماج له علاقة بالاندماج الاقتصادي، و هو لا يساعد أبدا على جعل الناس يمتلكون الوعي بحقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، كما أنه لا يساعد على امتلاك الوعي الديمقراطي على الأقل . لأن كل خريجي المدارس يفتقدون في مسلكياتهم ، سواء في أسرهم أو في المسؤوليات التي يتحملونها، الممارسة الديمقراطية الحقة التي تحول دون تفريخ الأمراض الاجتماعية المختلفة ، و التي تكون سببا في امتلاك أسس الوعي الطبقي الحقيقي الذي يصير ضروريا للوعي بمختلف الحقوق الضرورية لتحقيق كرامة الإنسان التي تتحقق معها إنسانيته التي لا تحترم إلا في مجتمع حر و ديمقراطي و عادل ، و هو ما لا تعد لتحقيقه المدرسة المغربية الأجيال المتعاقبة.
و على المستوى الثقافي ، و نظرا للتوجيه الذي يحكم البرامج الدراسية ، و الطرق التربوية ، فإن المدرسة المغربية لا تنتج إلا القيم المتخلفة التي لا علاقة لها بثقافة أدلجة الدين الإسلامي، أو الثقافة الإقطاعية أو الثقافة البورجوازية التابعة، أو البورجوازية ، أو البورجوازية الصغرى ، الأمر الذي يجعل المدرسة المغربية مصدرا للقيم المختلفة ، و المتعارضة أحيانا، و هو ما ينعكس على المسلكية العامة التي تتواجد فيها المسلكية المحافظة، و المنفتحة انفتاحا بورجوازيا في اتجاه إنتاج التخلف المحافظ ، أو البورجوازي.
و على المستوى السياسي فإن المدرسة المغربية لا تربي الناشئة على احترام الرأي الآخر، و لا على التمرس على اختيار المواقف السليمة و النبيلة. لذلك نجد أنهم لا يستطيعون احترام الآراء المتفاعلة في الواقع التي يراها خريجوا المدارس المغربية مخالفة للنماذج التي يحملونها في أدمغتهم، و هو ما يكرس سلبيتهم و يجعلهم غير قادرين على اختيار الانتماء إلى الأحزاب السياسية التي تتناسب مع وضعيتهم الطبقية الاقتصادية و الاجتماعية ، لانعدام أسس الوعي الطبقي عندهم . و بالتالي فإننا نجد أنهم يندمجون في الأحزاب الرجعية، أو المؤدلجة للدين الإسلامي.
و بذلك نجد أن المدرسة المغربية لا تنتج إلا التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي مما يجعلها عاجزة عن أداء دورها التاريخي.
4) و المدرسة بذلك التخلف الذي تنتجه ، إنما تنتج وظيفة إيديولوجية بامتياز، انطلاقا من "الأهداف و المرامي و الغايات" كما تسميها كتب التوجيهات الرسمية، لأن الأهداف الخاصة و الإجرائية تكون محكومة بالمرامي، و المرامي تكون محكومة بالغايات، و الغايات ليست إلا الوظائف الإيديولوجية المتنوعة التي تحكم مسلكيات خريجي المدارس، و الجامعات. و المعاهد العليا . ففي هذه المسلكيات نجد :
أ- تحقق البعد الإيديولوجي المخزني الذي يجعل جميع أفراد المجتمع يستحضرون المسلكية المخزنية في فكرهم ، و في ممارستهم ، و التي تتحول إلى وسيلة للإرهاب الفكري و الجسدي ، و النفسي ، و التي تضلل جميع أفراد المجتمع الذين يصيرون معتقدين أن العمالة للمؤسسة المخزنية هي المدخل لإيجاد حل للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، و أن كل ما سوى المؤسسة المخزنية لا يستطيع فعل أي شيء كما هو حاصل في الواقع، و على جميع المستويات، و في جميع المجالات. و هذا التوجه هو ما تنتجه المدرسة المغربية بامتياز باعتباره غايات كبرى تتحقق في إطار المجتمع من خلال البرامج الدراسية، و الطرق التربوية، و مناهج إعداد المعلمين في مختلف مدارس التكوين.
ب- تحقق البعد الإيديولوجي المؤدلج للدين الإسلامي كما حصل خلال سنوات السبعينيات و الثمانينيات و التسعينيات من القرن العشرين ، فقد تحولت البرامج الدراسي ة، و في معظم المواد الدراسية و على يد معظم المعلمين في الابتدائي و الثانوي و الإعدادي و الجامعي ، إلى وسيلة لاعداد المجيشين من التلاميذ و الطلبة وراء مؤدلجي الدين الإسلامي ، الذين يتحولون إلى أشخاص مقدسين يعبدهم أولئك الاتباع المجيشون . و لذلك فالبرامج الدراسية تعتبر بمثابة مفرخة مؤدلجة للدين الإسلامي ، و مساهمة في نشر إيديولوجية التخلف.
ج- تحقق البعد الإيديولوجي الإقطاعي من خلال عناصر ادلجة الدين الإسلامي و إدراج الفكر الخرافي عن طريق ترويج الكثير من الخرافات ، و العمل على تمجيد الحكم الإقطاعي في مختلف العصور باعتباره مثالا للحكم الذي بسط العدل في المجتمع العربي الإسلامي في التاريخ بصفة عامة، و في تاريخ العرب و المسلمين بصفة خاصة ، و في تاريخ المغرب بصفة أخص، و اعتبار مرحلة الحكم الإقطاعي مرحلة ذات بعد حضاري "عظيم" مما يجعل الأجيال تنشأ على تمجيد تلك المرحلة من التاريخ البشري، و تاريخ المغرب، و تعتبر أن الحكم الإقطاعي هو الصالح لكل "زمان و مكان".
د- تحقق البعد الإيديولوجي البورجوازي التابع الذي يجمع بين التصور الإيديولوجي الإقطاعي ، و التصور الإيديولوجي البورجوازي الغربي من خلال ثنائية الأصالة و المعاصرة ، و التقليد و التجديد ، و طبيعة الحكم السائد في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين ، و خاصة في المغرب حتى يتحصل تمجيد الماضي، و تمجيد الغرب في نفس الوقت ، و يصير الحكم الإقطاعي المتبرجز مثلا منشودا من قبل الأجيال التي تنشأ على تمجيد الماضي من جهة باسم الأصالة، و تمجيد الغرب باسم المعاصرة .
ه- تحقق البعد الإيديولوجي البورجوازي الليبرالي الذي يعتبر البورجوازية الليبرالية هي المثال الذي يجب أن نسعى إلى تحقيقه ، من منطلق أن لكل واحد الحق في أن يفعل ما يشاء في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، لبناء دولة بورجوازية ليبرالية ، لأن الكثير من فقرات البرامج الدراسية في المدرسة المغربية تدعم هذا التوجه ، و تجعل فئات من الأجيال المتخرجة تعتقد أن في إمكانها أن تفعل ما تشاء لتصطدم بعد ذلك بالاستبداد البورجوازي الإقطاعي المتخلف ، الذي يوجه العمل في كل مجالات الحياة.
و- تحقق البعد الإيديولوجي البورجوازي الصغير الذي ليس إلا خليطا من الإيديولوجيات المختلفة التي تعكس التلون الذي تعرفه البورجوازية الصغرى على جميع المستويات ، مما يجعلها توظف تلك الإيديولوجيات لتحقيق تطلعاتها المختلفة التي تنجيها من الانسحاق الذي يجرها إلى الأسفل . و هذا التصور البورجوازي الصغير يتجلى بالخصوص من خلال مسلكيات التلاميذ و المعلمين . و من خلال العديد من فقرات البرامج الدراسية التي توهم التلاميذ بإمكانية تحقيق تطلعاتهم الطبقية في وقت وجيز.
و الإيديولوجية الوحيدة التي تجمع كل فقرات البرامج الدراسية ، و في جميع المواد الدراسية في المدرسة المغربية ، على أنها يجب أن تحارب ، هي إيديولوجية الكادحين التي لا تجد لها من يعمل على استنتاجها من خلال البرامج الدراسية ، باعتبارها الإيديولوجية العلمية التي تعمل على إشاعة التحرر و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية . و هو ما لا يريده الموجهون للبرامج الدراسية المتبعة في المدرسة المغربية ، في الوقت الذي تساعد تلك البرامج على إشاعة جميع الإيديولوجيات الرجعية المتخلفة القائمة.
فوظيفة المدرسة المغربية الإيديولوجية تكون في العمل على إشاعة مختلف إيديولوجيات التحالف الطبقي الحاكم .
5) وهذا الهاجس الإيديولوجي المتخلف الذي صار يحكم البرامج الدراسية في المدرسة المغربية هو الذي يؤدي بالضرورة إلى تدني مستوى التعليم في المدرسة المغربية . لأن الهاجس الإيديولوجي الذي يحكم وضع البرامج و المناهج الدراسية التي تحكم مختلف مناهج و برامج إعداد المعلمين من اجل القيام بمهام التدريس ، و في مختلف المستويات التعليمية هو الذي يؤدي إلى جعل التعليم متدنيا ، لأن المواضيع المكونة للبرنامج الدراسي تعمل على تعطيل العقل ، و تجعله مأسورا ، لا يستطيع أن يتجدد ، و لا أن يبدع ، لأن كل فقرة من فقرات البرامج الدراسية تأسر العقل و توجهه ، و لا تحفزه على العمل و لا تدفعه إلى الإبداع في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية ، الأمر الذي يؤدي إلى العجز عن الرؤيا إلى الأمام ، و يشرع في ترجيع و ترديد ما يقوم به الأقدمون ، و يصبح هدف البرامج التعليمية هو كيف نحيي التراث , و إحياء التراث هو أكبر مقولة إيديولوجية سادت في المدرسة المغربية في النصف الأخير من القرن العشرين و كلفت المغرب أموالا طائلة لتنتج لنا في نهاية المطاف أد لجة الدين الإسلامي، و يصير إحياء التراث قدرة فائقة على أد لجة الدين الإسلامي التي صارت موضة النصف الثاني من القرن العشرين في صفوف المعلمين و التلاميذ و الطلبة خاصة ، و أنه منذ سبعينيات القرن العشرين تم إلغاء الفلسفة، و تم تحويل درس الفلسفة إلى مجرد ترجيع لشيء اسمه الفكر الإسلامي الذي ليس إلا تلقينا لمنهجية أد لجة الدين الإسلامي. كما تم إنشاء شعب الدراسات الإسلامية في كليات الآداب التي ساهمت بشكل كبير في تفريخ مؤدلجي الدين الإسلامي. مما جعل تلك الأدلجة مقياسا للانتماء إلى الإسلام و إلى الدين الإسلامي ، و مقياسا للانتماء إلى التاريخ الإنساني كما يصوغه مؤد لجو الدين الإسلامي . فإغلاق الشعب الفلسفية، و فتح شعب الدراسات الإسلامية، و تحويل دروس الفلسفة إلى مادة للفكر الإسلامي بالخصوص و الاستناد إليه في جعل التعليم في المغرب مناسبة لإنشاء و تربية و إعداد مؤد لجي الدين الإسلامي ، على أساس إحياء الماضي المظلم من التاريخ الإسلامي، استعدادا لإحياء " الدولة الإسلامية" التي تعمل على "تطبيق الشريعة" التي هي التعبير الإيديولوجي و السياسي عن إحياء التراث الإسلامي ، الذي يصير بفعل الواقع في خدمة الطبقات الحاكمة في المغرب ، و في خدمة مؤد لجي الدين الإسلامي ، و ضدا على مصلحة الشعوب التي تصير معانية من النتائج السلبية التي تنتجها المدرسة المغربية التي انحرفت عن مسارها الشعبي الديمقراطي التحرري لتصير وسيلة لإعادة إنتاج الاستبداد على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية ، و بصيغ مختلفة لا ترقى إلى مستوى العصر، و تدخل البشرية في دهاليز الظلام . و بعد ذلك فليذهب المستوى التعليمي المشرق إلى الجحيم ، لأن أبناء الطبقة الحاكمة لا يدرسون في التعليم العمومي، إنهم يتعلمون في مدراس البعثات الأجنبية، أو في مدارس التعليم الخاص، أو يذهبون للدراسة في المدارس الأجنبية المكلفة كثيرا .
6) و من العوامل التي ساعدت على تدني مستوى التعليم تحويل علاقة العديد من المعلمين بالتلاميذ في المدرسة ، في مستوياتها المختلفة ، إلى وسيلة للإثراء السريع ، عن طريق إيهام التلاميذ بأن الدروس الخاصة التي يتلقونها في بيوتهم سترفع مستواهم الدراسي ، و ستضمن حصولهم على نقط جيدة ، و ستمكنهم من النجاح المتفوق في مختلف المستويات.
فاعتماد التلاميذ على تلقي الدروس الخاصة في بيوتهم هو الضمانة الأكيدة على دخل محترم يناله المعلمون من الآباء يكاد يفوق أجورهم العادية ، إن لم يكن مضاعفا ، الأمر الذي يجعل المعلم يعتبر تلك الدروس أفضل بكثير من العمل الرسمي ، و في المقابل فإن العمل في إطار المؤسسة التي ينتمي إليها يصير إضافيا.
فالمعلم في القسم لا يقوم بدوره بما فيه الكفاية ، لأن العمل الجاد يصير في اتجاه الدروس الخاصة , و اللهث وراء إيجاد التلاميذ الذين يستفيدون من الحصص الإضافية يبقى الهاجس الذي يحكم ممارسة المعلم في مختلف المستويات التعليمية ، لأنه بقدر ما يزداد عدد التلاميذ الذين يتلقون الحصص الإضافية بقدر ما يتساقط الأمل في قيام المعلم بدوره الإيجابي داخل المؤسسة الذي يتحول إلى مجرد إغراء التلاميذ بإقناع آبائهم بالحصص الإضافية حتى يزداد مد خولهم . و معلوم أن تلقي الحصص الإضافية هو عمل غير قانوني ، لأنه يؤدي إلى وقوع عمل غير محسوب ، و غير مضبوط ، و تروج فيه و من خلاله أموال كثيرة فيها تهرب من الأداء الضريبي ، و يعتبر السكوت المريب عن هذه الظاهرة و عن عدم محاصرتها تشجيعا لها ، و بحثا عن تبرير لتشجيع القطاع الخاص في ميدان التعليم الذي صار بديلا للتعليم في المدرسة المغربية العمومية .
و نظرا لأن الاختيارات القائمة تسير في اتجاه قيام تعليم نخبوي مؤدى عنه، فإن استغلال المدرسة العمومية لتحويل العلاقة مع التلاميذ إلى ممارسة الابتزاز المادي على التلاميذ ، و على الأسر و في إطار تعليم لم يعد تنمويا ، و لم يصر شعبيا ، و ليس ديمقراطي ا، و لا يحقق مجتمعا ديمقراطيا ، صار مباحا ، و معمولا به على مدى التراب الوطني . و لذلك يتحول الهاجس لدى المعلمين إلى تحقق ما يمكن أن نعتبره تسلقا طبقيا على حساب تدني المستوى التعليمي الذي صار يطول كل أبناء الفقراء و الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة الذين لا يستطيعون تحمل مسؤولية أداء واجب الساعات المضافة للمعلمين .
و ما يجري في ميدان التعليم في المغرب يلعب فيه توجه الطبقة الحاكمة ، من خلال أجرأة "الميثاق الوطني للتربية و التكوين" دورا أساسيا ، لأن الطبقة الحاكمة نفسها تصرف أموالا طائلة على تدريس أبنائها مختلف المعارف التي لها علاقة بالتنمية الرأسمالية التبعية ، و بحاجيات الشركات العابرة للقارات ، و في جميع أنحاء العالم ، و في مدارس خاصة جدا . و لذلك لا ننتظر تخليص المدرسة المغربية من هذا المرض ، مرض تدني المستوى الدراسي المؤدي إلى استغلال العمل فيها لنسج علاقة مع الأسر في أفق إنجاز دروس إضافية مؤدى عنها في مختلف البيوت ، أو في مدارس خاصة . مما يؤدي إلى ضرب أهم مبدأ من مبادئ التربية في المدرسة العمومية ، و هو مبدأ تكافؤ الفرص الذي لم يعد واردا ، لأن التلاميذ الذين لا قدرة لهم على أداء واجب الساعات المضافة إلى المعلمين الذين يلهثون وراء تلك الساعات يصبح مصيرهم مهددا بسبب تدني مستواهم التعليمي ، و لعجزهم عن مسايرة التلاميذ الذين يؤدون واجب الساعات المضافة .
7) و المعلمون الذين تمرسوا على الساعات المضافة صاروا لا يستطيعون الاستغناء عنها ، لكونها صارت مصدر دخل مهم يحققون من ورائه تراكما ماليا كبيرا يساعدهم على التسلق الطبقي الذي يمكنهم من تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى ، لأن المعلم الإعدادي أو الثانوي أو الجامعي الذي يقدم دروسا خارج الإطار القانوني ، و بغض طرف المسؤولين ، و بسبب عدم التصريح بذلك العمل ، و نظرا لاستفادة أبناء المسؤولين من تلك الساعات المضافة ، و بدون مقابل ، فإن المعلمين يقلبون الكفة ، فيصير مدخولهم من عملهم الرسمي ثانويا ، و ضئيلا بالمقارنة مع مدخولهم من عملهم غير الرسمي . فالعمل الرسمي يصير عرقلة أمام العمل غير الرسمي الذي يوفر إمكانيات ضخمة في مجتمع ، كالمغرب الذي يصير فيه كل شيء نخبويا ، و تصير التطلعات الطبقية للمعلمين ، باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من شرائح البورجوازية الصغرى ، هي الهاجس الذي يحكم ممارسة المعلم الذي يتحول إلى مجرد لاهث وراء الراغبين في تلقين أبنائهم حصصا إضافية ، لأنه بقدر ما يزداد عدد الساعات المضافة ، بقدر ما يرتفع الدخل، بقدر ما يحقق المعلم تطلعاته الطبقية البورجوازية الصغرى من اجل القيام بحماية المستقبل ، الذي لم يعد محميا ، نظرا لتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي ، الذي يستهدف مجموع أفراد المجتمع .
و بما أن النظام الذي يخضع له المغرب ، هو النظام الرأسمالي التبعي ، فإن هذا النظام يقتضي استغلال كل الفرص الممكنة لجعل الجماهير تشتري جميع الخدمات الاجتماعية التي لم تعد خدمات اجتماعية مجانية . كما تشتري المواد الغذائية التي تستهلكها يوميا . و فرصة تقديم الحصص الدراسية المضافة ، و لو في البيوت هي أكبر ممارسة لإثبات أن التعليم المجاني لم يعد منتجا ، و أن أداء مقابل الحصص المضافة هو الذي يمكن أبناء الأسر الميسورة من التفوق على بقية التلاميذ ، و احتلال الصفوف الأولى في النتائج الدراسية التي تمكنهم من الالتحاق بالمدارس العليا في جميع أنحاء العالم . و هو ما يجعل الآباء يفضلون التعليم الخاص المؤدى عنه ، الذي صار مثالا للتعليم الجيد ، حتى في نظر المعلمين الذين يدخلون أبناءهم إلى مدارس التعليم الابتدائي الخاص ، لاقتناعهم بأن التعليم العام الذي يعملون فيه لم يعد مجديا، و لم يعد منتجا، و لا يلبي التطلعات الطبقية التي يسعى المعلمون إلى تحقيقها .
و لذلك فالمعلم يلعب دورا كبيرا –بممارسته المنحرفة ، في ترسيخ خوصصة الخدمات في مجال التعليم ، كما فعل الممرضون المرتشون في ترسيخ القبول بخوصصة الخدمات الصحية ،لإعداد مدارس التعليم العام للخوصصة ، كما عمل الممرضون على إعداد المستشفيات المغربية بالارتشاء للخوصصة ، تنفيذا لسياسة الدولة المبنية على أجرأة تعليمات صندوق النقد الدولي ، و البنك الدولي ، و المؤسسات المالية الدولية ، و الشركات العابرة للقارات . الأمر الذي يؤدي مستقبلا إلى إعلان إفلاس المؤسسة التعليمية الرسمية ، لتباع بدرهم رمزي إلى المعلمين في مختلف المستويات التعليمية ، الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف ، لتتحول إلى مدارس خاصة ، تدر على مالكيها الجدد مئات الملايين من الأرباح ، على حساب إفقار الشعب المغربي الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من خوصصة الخدمات التي تجعل المعلمين من كبار البورجوازيين المغاربة .
فخوصصة المدرسة المغربية ، سيكون بداية إفلاس قطاع التعليم في المغرب ، و سيكون ذلك الإفلاس شروعا في عملية ممارسة التجهيل على المجتمع المغربي ، الذي يصير أبناؤه محرومين من الحق في التعليم الجيد ، الذي يصير محتكرا على المدارس الخاصة التي تدرس برامج دراسية مخالفة للبرامج الرسمية ، كما هو الشأن بالنسبة لمدارس التعليم الأولى الخاص ، و مدارس التعليم الابتدائي الخاص . فكأن تلك المدارس هي مدارس فرنسية ، أو أمريكية ، و كأنها لا تخضع للمراقبة الرسمية . و الهدف الأساسي من كل ذلك هو ترسيخ أهمية الخوصصة في مختلف مجالات الخدمات العامة ، مقابل ما يتلقاه المعلمون من أموال إضافية هائلة من الآباء تتحقق معها تطلعاتهم الطبقية .
8) و نظرا لأن ازدهار التعليم الخاص ، الذي تأتي الساعات المضافة كامتداد له ، يتحقق في إطار الالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولي ، و البنك الدولي ، و المؤسسات المالية الدولية ، الذي لا يتحقق إلا في إطار الدولة الرأسمالية التابعة . و نظرا لأن التعليم بصيغتيه ، الرسمي و الخاص ، يسعى إلى الالتزام بتلك التعليمات . و نظرا لأن تلك التعليمات تسير في اتجاه خوصصة التعليم إلى جانب خوصصة جميع القطاعات العمومية ، فإن العلاقة بين الإيديولوجية الرأسمالية التبعية ، و ممارسة المعلمين للتسلق الطبقي ، تعتبر مسألة أساسية، لأن المعلمين لا يمكن أن يمارسوا التسلق الطبقي بدون قناعة إيديولوجية .
فالقناعة الإيديولوجية الإقطاعية ، و البورجوازية التابعة و البورجوازية الليبرالية ، و القائمة على أدلجة الدين الإسلامي ، التي تعمل المناهج و البرامج الدراسية على بثها في صفوف أجيال التلاميذ ، و الطلبة لا يمكن أن تنتج إلا معلمين متطلعين للالتحاق بصفوف الإقطاع و البورجوازية التابعة و البورجوازية الليبرالية، و بصفوف اليمين المتطرف ، الذي يسعى إلى الاستيلاء على السلطة من أجل تسخيرها لخدمة المصالح الطبقية لهذا اليمين .
و على خلاف ما كان ينتجه التعليم الذي كان يسعى إلى أن يصير تعليما شعبيا ، ديمقراطيا ، وطنيا متحررا من معلمين مقتنعين بأيديولوجية التحرر و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ، فيخلصون في أداء رسالتهم السامية لصالح أبناء الشعب المغربي ، و يسعون إلى تحقيق الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و إلى تحرير التعليم من إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية القائمة ، و يضحون بمصالحهم الخاصة ، و يعيشون الفاقة ، و البؤس ، إخلاصا لرسالتهم التاريخية التي تجعلهم ينخرطون في المنظمات الحقوقية ، و النقابية ، و الجمعوية ، و السياسية ، من اجل النضال و العمل على تحقيق مدرسة شعبية ديمقراطية وطنية ، متحررة ، فإن التعليم في المدرسة المغربية الآن ، و في مختلف المستويات التعليمية لا يرسخ في صفوف الأجيال إلا إيديولوجيات التخلف ، و لا يفرز إلا معلمين مرضى بتلك الإيديولوجيات ، التي تقودهم إلى ممارسة التطلع الطبقي ، مستغلين في كل ذلك كل الوسائل بما فيها ممارسة العمالة للطبقة الحاكمة ، و للمؤسسة المخزنية ، و الانخراط في الأحزاب الرجعية المتخلفة ، و العمل في إطار النقابات التابعة لتلك الأحزاب ، و التي لا تطرح أبدا مشكل التعليم الذي ابتلي باشتغال معظم العاملين فيه بأداء الساعات المضافة في البيوت ، و في المؤسسات الخاصة ، و منهم من يعمل في أكثر من وظيفة إلى جانب وظيفة الدولة التي يتولى بموجبها التدريس في المدرسة المغربية الرسمية . فبالإضافة إلى وظيفته الرسمية، هناك وظائف أخرى في اكثر من مؤسسة من مؤسسات التعليم الخاص ، و من اجل تحقيق التطلعات الطبقية ، و الالتحاق بصفوف الطبقات المستفيدة من استغلال الكادحين ، و على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، كنتيجة لفرض برامج دراسية قامت على أساس ادلجة الدين الإسلامي . و أجرأة تعليمات المؤسسات المالية الدولية ، و خاصة صندوق النقد الدولي ، و البنك الدولي ، و الشركات العابرة للقارات ، يفرض تجنيد الطاقات المناضلة من نقابات مبدئية ، و أحزاب سياسية ، و جمعيات حقوقية من أجل تعليم وطني و شعبي ، و ديمقراطي ، و متحرر تختفي من برامجه ، و مناهجه ، و من مسلكيات أطره كل الأساليب التي تعمل على جعله لا يخدم إلا المصالح الطبقية للمستفيدين من الاستغلال ، و لا يعمل إلا على تحقيق التطلعات الطبقية البورجوازية الصغرى . و هذا النضال صار ضرورة تاريخية لإيقاف التدهور المميت الذي تعرفه المدرسة المغربية ن و الذي لا يتضرر منه إلا أبناء الشعب المغربي . و ضرورته يجب أن تأتي في إطار برنامج حد أدنى تتفق حوله كل المنظمات ، و الأحزاب التي لازالت تحمل على عاتقها النضال من أجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .
9) و النضال من اجل مدرسة شعبية ديمقراطية وطنية متحررة ، و الذي يجب أن يتخذ بعدا شعبيا إلى جانب البعد الجبهوي ، لا بد أن يصاحبه نضال من أجل :
أ- تمكين الفئات الشعبية من التمتع بكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، و كما هي متلائمة مع القوانين المحلية ، التي تفرض احترام الحقوق المختلفة لجميع الناس بدون استثناء .
ب- العمل على إيجاد حلول لجميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية
التي تحول دون الوعي بأهمية التعليم ، بالنسبة لأبناء الشعب المغربي ، و ضرورة تعريبه ، و تعميمه ، و مغربته ، و تحريره ، و تحرره . لأنه بوجود المشاكل القائمة ينصرف الناس عن التفكير فيما هو جوهري ، كمشكل التعليم على سبيل المثال ، بسبب الانشغال بما هو يومي مما له علاقة بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، المترتبة عن سيادة الاختيارات الرأسمالية التبعية .
ج- إيجاد دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب الذي يتمكن بواسطته من تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي ، تأكيدا لسيادته التي تجعله يحتل مكانة مرموقة بين الشعوب.
د- إجراء انتخابات حرة و نزيهة لاختيار مؤسسات تمثيلية تعكس إرادة الشعب المغربي على جميع المستويات المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية .
ه- تكوين حكومة من أغلبية البرلمان المنتخب انتخابا حرا و نزيها تكون مهمتها حماية مصالح الشعب المغربي ، و خدمة تلك المصالح بناء على البرنامج الذي صوت عليه الناخبون .
و- و بتجاوز المشاكل القائمة في الواقع ، يمكن للحكومة القائمة على أسس ديمقراطية أن تعمل على إيجاد مدرسة مغربية تكون مهمتها إشاعة تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر.
ز- كما يمكنها وضع البرامج و المناهج التي يجب اعتمادها في المدرسة الشعبية الديمقراطية الوطنية المتحررة ، حتى تستطيع أداء دورها كاملا لأجل بناء أجيال ديمقراطية متحررة تعمل على تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .
ح- و في أفق ذلك، لابد من العمل على وضع خطة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية تهدف إلى ربط التعليم بالتنمية حتى يستوعب خريجي المدارس و الجامعات، و يصير التعليم في خدمة التنمية ، و التنمية في خدمة التعليم .
و النضال من اجل تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر ، هو مهمة شعبية أولا و أخيرا . لأن الشعب الذي يمتلك الوعي بحقه في التعليم لجميع أبنائه ، يجب أن ينخرط في النضال من أجل ذلك . و للوصول إلى تحقيق هذا المستوى من النضال الشعبي ، لابد من بناء جبهة وطنية للنضال من اجل الديمقراطية ، حتى تقود النضال الشعبي في اتجاه تحقيق تعليم شعبي مرتبط بتنمية شعبية شاملة في جميع مجالات الحياة ، لأن النضال من اجل تعليم شعبي مرتبط بالتنمية هو جزء لا يتجزأ من النضال من اجل الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي .
10 ) و العوامل التي تحول دون قيام تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر تتجسد في :
أ- سيادة النظام الرأسمالي التبعي الذي يلتزم بتعليمات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و المؤسسات المالية الدولية ، مما يفرغ التعليم من محتواه الشعبي الديمقراطي الوطني التحرري . كما هو الشأن بالنسبة للميثاق الوطني للتربية و التكوين ، الذي يلتزم المغرب في إطاره بأجرأة تلك التعليمات ، و تحويل التعليم في المدرسة المغربية إلى تعليم نخبوي ، لا شعبي ، و لا ديمقراطي ، و لا وطني ، و لا تحرري ، يكون في خدمة مصالح البورجوازية التابعة ، و مساعدا على إعداد الشعب المغربي لقبول المؤسسات المالية الدولية ببرامجها ، و بمخططاتها ، و بتعليماتها التي تستهدف إلى استنزاف خيرات الشعب المغربي لصالح تلك المؤسسات .
ب- غياب الالتزام باحترام حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، كما هي في المواثيق الدولية ، و كما يجب أن تتم أجرأتها مع القوانين المغربية ، و في مقدمتها الدستور ، حتى يصير جزءا من الحياة اليومية للإنسان المغربي الذي سيسعى بذلك إلى التمتع بحقه في التعليم .
ج- غياب التربية على حقوق الإنسان في المجتمع المغربي ، لأن النظام التربوي العام في المجتمع قائم على تكريس الخروقات الجسيمة على جميع المستويات ، بما فيها المستوى القانوني الذي تغيب منه الإمكانيات القائمة على أجرأة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية ، و التي تلعب دورا كبيرا في فرض التربية على حقوق الإنسان .
د- طبيعة العادات و التقاليد و الأعراف القائمة في المجتمع المغربي على أساس تكريس الخروقات الجسيمة في المسلكية اليومية ، و على جميع المستويات . و لا أحد يعتبر ما يحصل على مستوى العادات و التقاليد و الأعراف خروقات جسيمة ، و لا أحد يعمل على محاصرة تلك الخروقات ، و لا أحد يستطيع أن يطرحها للنقاش , لأن العادات و التقاليد و الأعراف تتخذ صفة القانون ، و هي فوق القانون عندما يتعلق الأمر بالمقارنة بينهما .
ه- عدم قيام المنظمات الجماهيرية الجمعوية ، و الحقوقية ، و النقابية على التربية على حقوق الإنسان ، و قوانينها و أنظمتها . و العلاقة بين أعضائها ، و علاقتها بالقواعد ، و الأهداف التي تسعى إليها ، غالبا ما تكون محكومة بشيء آخر، لا علاقة له بالتربية على حقوق الإنسان ، و لا يسعى إلى تكريس التربية على حقوق الإنسان في الواقع الاقتصادي ، والاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي نظرا للطبيعة الانتهازية لمعظم قيادات المنظمات التي تستغل إمساكها بتلك القيادات للوصول إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية التي لا تتحقق بدون الإمساك بقيادات المنظمات الجماهيرية التي تقوم على أساس القيادة الفردية بدل القيادة الجماعية التي تستلزم المحاسبة الفردية و الجماعية ، و النقد و النقد الذاتي ، و التي توجه عمل المنظمات في اتجاه احترام حقوق الإنسان ، و العمل على التربية عليها من خلال الممارسة اليومية للتنظيمات الجماهيرية ، و من خلال العلاقة مع الجماهير الشعبية المستهدف بالعمل الجماهيري .
و- عدم قيام التربية على حقوق الإنسان في التنظيمات الحزبية التي تمثل الطبقات الاجتماعية المختلفة التي تسعى إلى بناء المجتمع . فهذه التنظيمات لا تحترم حقوق الإنسان في قوانينها ، و لا في تنظيماتها ، و لا في برامجها ، و لا في علاقتها بقواعدها ، و لا في علاقتها بالجماهير المستهدفة بالعمل الحزبي . فالذي يهم القيادات الحزبية المغربية هو كيف تحقق التطلعات البورجوازية بالوصول إلى المؤسسات التمثيلية ، التي تصير وسيلة ناجعة لنهب ثروات الشعب التي يوكل أمر التصرف فيها إلى تلك المؤسسات التمثيلية ، و إلى الحكومة المنبثقة عنها . و هو ما يعني قيام هذه الأحزاب بمضاعفة الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية، لأنه بتلك الخروقات الجسيمة تتمكن من التصرف اللاحقوقي، و اللاديمقراطي الذي ينتج المزيد من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية كنتيجة لنهب ثروات الشعب المغربي . و هو ما ينعكس سلبا على المدرسة المغربية ، و على المحيط المستهدف بالمدرسة المغربية.
و هذه العوامل مجتمعة ، إذا أضفناها إلى طبيعة المناهج و البرامج الدراسية ، و طرق إعداد المعلمين ، و طرق تسيير المؤسسات التعليمية ذات الطبيعة البيروقراطية ، و الأهداف المحددة القريبة ، و المتوسطة ، و البعيدة ، هي التي تحول دون قيام المدرسة المغربية بدورها لصالح الشعب المغربي الذي يبقى محروما من تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر و إنساني .
11) و الذي يتحمل مسؤولية ما يجري في المدرسة المغربية ، على مدى عقود استقلال المغرب ، هو :
أ- المؤسسة المخزنية ، التي تحرص باستمرار على جعل التعليم في خدمة : المؤسسة المخزنية ، التي يقف وراء تجددها باستمرار ، حتى تصير قادرة على التحكم في تجدد تلك الأجيال ، و توجيهها لتحقيق الأهداف التي تسعى المؤسسة المخزنية إلى تحقيقها ، على المستوى المتوسط ، و القريب ، و البعيد.
ب- الطبقة الحاكمة ، التي تحرص على أن يكون التعليم في خدمة مصالحها الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية . و هو ما يقتضي منها الحرص على أن يكون التعليم خاليا من كل إمكانية لخدمة مصالح الشعب المغربي في الديمقراطية، و الحرية ، و العدالة الاجتماعية ، و في إمداد أجياله بالقيم النبيلة التي تشعره بحقه في الإنسانية .
ج- الطبقات المستفيدة من الاستغلال الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي للشعب المغربي ، لكون هذه الطبقات تساند الطبقة الحاكمة ، و تدعم مخططاتها ، و تساعدها على تحقيق أهدافها العامة ، و أهدافها من التعليم ، من خلال المدرسة المغربية في مستوياتها المختلفة .
د- المخططات السياسية العامة ، التي تضعها الطبقة الحاكمة ، و التي تسعى من وراءها إلى التحكم في التعليم ، و في نتائجه التي يجب أن تكون في خدمة الطبقة الحاكمة ، الأمر الذي ينعكس سلبا على مستقبل أجيال الشعب المغربي التي تتعرض للضياع جملة و تفصيل ا.
ه- برامج الأحزاب السياسية ، التي لا تختلف عن جوهر ، و حقيقة مخططات الطبقة الحاكمة ، ليفقد الشعب المغربي بذلك من يسعى إلى تحقيق تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر، لأن معظم الأحزاب المغربية ، و نظرا لتبعيتها للطبقة الحاكمة لا تسعى إلا إلى أن ترضى عنها الطبقة الحاكمة ، و تمكنها من التواجد في المجالس الجماعية ، و في البرلمان ، و عن طريقه في الحكومة ، لاستغلال ذلك التواجد في تحقيق التطلعات الطبقية للمنتمين إلى تلك الأحزاب ، و خاصة منهم أولئك المتواجدون في القيادات الحزبية ، و المجالس الجماعية ، و في البرلمان ، أما حاجة الشعب إلى تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر ، و إنساني ، فلنذهب إلى الجحيم.
و- البرامج النقابية التي صارت تجنح إلى العمل على تلبية المطالب المادية للعاملين في القطاع العام ، و تخلت و بصفة نهائية عن ربط تلك المطالب بالمطالب السياسية ، التي يعتبر النضال من اجل مدرسة مغربية شعبية ديمقراطية وطنية متحررة ، و إنسانية من بين تلك المطالب ، و هو ما يمكن اعتباره خيانة في حق الشعب المغربي الذي عقد في السابق آمالا عريضة على ما كان يعرف بالنقابات التقدمية ، و الديمقراطية ، و الجماهيرية ، و المستقلة ، بالربط الجدلي بين النضال النقابي و النضال السياسي .
ز- تعامل الجمعيات الحقوقية مع المطالب الحقوقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية تعاملا ثانويا ، لأنها لم تأخذ هذه المطالب بالجدية المطلوبة ، مع أن معظم معاناة الجماهير الشعبية الكادحة ناتج عن الحرمان المستديم من الحقوق الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية . و قد آن الأوان لكي تأخذ الجمعيات الحقوقية هذه الحقوق بعين الاعتبار، و أن تضع برنامجا متكاملا يهدف إلى إشاعتها بين الناس كما هي في المواثيق الدولية ، و كما يجب أن تتلاءم مع القوانين المحلية حتى تساعد على إشاعة الحقوق الإنسانية الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية بين أفراد المجتمع .
ح- الإدارة التعليمية ، التي تتهاون في الكثير من الإجراءات الضرورية ، للحرص على الأداء الجيد للتعليم العمومي ، حتى يحافظ على مستواه الفكري ، و العلمي، و حتى لا يتراجع إلى الوراء ، و يزداد تدهورا .
و بذلك نجد أن المسؤولية في ما يجري في المدرسة المغربية ، تتحملها المؤسسة المخزنية ، و الطبقة الحاكمة ، و الطبقات المستفيدة من الاستغلال ، و المخططات السياسية العامة ، و برامج الأحزاب السياسية ، و البرامج النقابية ، كما يتحملها تعامل الجمعيات الحقوقية مع المطالب الحقوقية : الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية ، و تتحملها ، بطريقة مباشرة ، الإدارة التعليمية .
12) و للوصول إلى تحقيق مدرسة شعبية ديمقراطية وطنية متحررة و إنسانية ، لابد من العمل الدؤوب و المستمر على إنضاج الشروط الضرورية إلى تحقيق تلك المدرسة :
أ- إيجاد دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب ، و أن يعمل ذلك الدستور على أن يكون متلائما مع المواثيق الدولية ، حتى يصير إطارا يتمكن الشعب بواسطته ، و من خلاله من تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي ، لأنه بدون امتلاك هذا الحق لا يمكن للشعب المغربي أن يقرر مصيره بنفسه في مجال التعليم الذي يختار ما يريده له و منه ، باعتباره تعليما يهم أبناء الشعب المغربي ، طبقا لما يقتضيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و ما تقتضيه المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، التي يأتي في مقدمة بنودها حق الشعوب في تقرير مصيرها ، لأنه لا يعقل أن يكون هناك شعب يحترم نفسه ، و لا يستطيع أن يقرر مصير تعليم أبنائه .
ب- إجراء انتخابات حرة و نزيهة لإيجاد مؤسسات تمثيلية تكون مهمتها التقرير في الشؤون المحلية و الوطنية ، و منها الشأن التعليمي ، الذي يعمل المغاربة على أن يخدم مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية . حتى تساهم تلك المجالس في العمل على إيجاد تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر ، و إنساني ، متلائم في برامجه ، و في طرقه ، و في قوانينه مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
ج- إيجاد حكومة ديمقراطية منبثقة عن صناديق الاقتراع ، تكون مهمتها تنفيذ الخطة الوطنية العامة ، و الخطة السنوية ، و الخطة المتعلقة بإيجاد تعليم شعبي ديمقراطي وطني متحرر و إنساني ، حتى يترسخ التعليم كما يراه الشعب المغربي ، و كما يريده أبناء الشعب المغربي .
د- قيام الأحزاب ، و النقابات ، و الجمعيات الحقوقية ، و الثقافية ، بتوعية الشعب المغربي بأهمية الحرص على التمتع بالحق في التعليم على جميع المستويات التعليمية ، حتى يتم القضاء ، و بصفة نهائية ، على الأمية بجميع أنواعها ، و على جميع المستويات ، و حتى يصير الوعي بالحق في التعليم جزءا من المسلمات التي يحرص عليها المغاربة .
ه- إنشاء هيئات يختارها الشعب من بين المتخصصين ، و من الأحزاب السياسية ، و النقابات ، و المنظمات الحقوقية ، أو الجمعيات الثقافية و التربوية ، لوضع مسودة تصور للميثاق الوطني للتربية و التعليم ، الذي يقدم إلى مختلف الهيئات ، و على جميع المستويات ، من اجل مناقشته ، و العمل على إغنائه بالمقترحات قبل إعادة صياغته ، من أجل عرضه على المصادقة في البرلمان ، ليصير ميثاقا وطنيا للتربية و التعليم ، من خلال مرحلة معينة ، قبل أن يخضع من جديد للمناقشة ، من أجل أن يتلاءم مع المستجدات ، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، و مع ما يستحدث من مواثيق وطنية ، و قومية ، و عالمية ، و إنسانية .
و- إنشاء هيئات يختارها الشعب من بين المتخصصين ، و من بين الأحزاب السياسية ، و النقابات و الجمعيات الحقوقية ، و الثقافية ، و التربوية ، تكون مهمتها مراقبة أجرأة الميثاق الوطني للتربية و التعليم على المستوى المركزي ، و المستوى الإقليمي ، و المحلي ، حتى يصير الميثاق الوطني الديمقراطي شعبي متحرر و إنساني ، و وسيلة لتحقيق التعليم كما اختاره الشعب المغربي ، و من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف المتوخاة منه .
ز- إنشاء لجان متخصصة ، تعمل تحت إشراف هيئات مراقبة أجرأة الميثاق الوطني للتربية و التعليم ، تكون مهمتها وضع البرامج الخاصة بكل مستوى على حدة ، و بكل تخصص على حدة ، و التدقيق في تلك البرامج ، و في المناهج المناسبة لها ، حتى يكون الالتزام بتنفيذها مناسبا لتكريس تعليم شعبي متلائم مع المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان ، و في جميع المواد ، و في جميع المستويات التعليمية ، حتى تنشأ أجيال بكاملها على أساس تلك البرامج ، و بتلك المناهج .
ح- اعتبار التربية على حقوق الإنسان ، المعتمدة على ما جاء في الإعلان العالمي المتعلق بحقوق الإنسان ، و الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية ، و المدنية و السياسية ، و ميثاق إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، و ميثاق حقوق الإنسان ، مبدأ من مبادئ المدرسة المغربية حتى تصير شعبية و ديمقراطية ، و تقدمية ، و وطنية ، و متحررة ، و إنسانية .
ط- اعتبار ربط التعليم بالتنمية الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية ، مبدأ من مبادئ المدرسة المغربية حتى تقوم العلاقة الجدلية بين التعليم من جهة ، و بين التنمية من جهة أخرى ، و حتى يصير التعليم وسيلة لتطور الاقتصاد ، و الاجتماع ، و الثقافة ، و تصير التنمية وسيلة لتطور التعليم إلى الأحسن .
ي- تفعيل جمعيات الآباء ، و الأولياء ، لجعل الآباء ، و الأولياء ، يساهمون بشكل إيجابي في تعليم أبنائهم ، و في توجيه تربيتهم ، و في تسيير المؤسسات التعليمية ، و في مراقبة السير الدراسي ، و في تقديم المقترحات ، و أجرأة القرارات المحلية ، و الوطنية ، حتى لا نقول للهيأة التعليمية " اذهب أنت و ربك فقاتلا انا ههنا قاعدون" ، و حتى يتحمل الجميع مسؤوليته في إنجاح العملية التعليمية-التربوية ، التي تتخذ لها بعدا شعبيا ديمقراطيا ، وطنيا ، تحرريا و إنسانيا ، من أجل إنسان جديد و مجتمع جديد تصير فيه السيادة للشعب جملة و تفصيل ا.
و بذلك نصل إلى أن إيجاد مدرسة شعبية ديمقراطية وطنية تحررية إنسانية ، يقتضي إنضاج الشروط الضرورية لأجل ذلك ، حتى لا يصير التعليم مجرد وسيلة لإشاعة الإيديولوجيات المتخلفة في المجتمع ، و حتى لا يتحول إلى مجرد مناسبة للتسلق الطبقي ، و بأبشع صور ذلك التسلق الذي يمارسه المعلمون الذي يفتقدون ، حتى الانتماء إلى الشعب المغربي ، كما يفتقدون الحس الإنساني .
13) فهل يمكن تحقيق مدرسة شعبية ديمقراطية وطنية تحررية ، و إنسانية ، في ظل الشروط القائمة ؟
هل يمكن أن تتغير الشروط الموضوعية لصالح قيام تلك المدرسة ؟
هل يمكن أن يقوم في المغرب تعليم واحد يتحقق في إطاره تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الشعب المغربي ؟
هل يتوقف التعليم في المغرب عن كونه مناسبة لإشاعة الإيديولوجيات المتخلفة ؟
هل يتوقف عن كونه وسيلة لتحقيق التسلق الطبقي للوصوليين و الانتهازيين من المعلمين ؟
هل تتخذ المدرسة المغربية مفهوما شعبيا ديمقراطيا وطنيا تحرريا و إنسانيا ؟
هل تستجيب هذه المدرسة إلى تحقيق طموحات الشعب المغربي ؟
إننا أمام واقع يفرض تظافر جهود المخلصين من أبناء هذا الوطن ، و من أحزاب و جمعيات حقوقية ، و نقابات ، للعمل على إقامة جبهة وطنية عريضة للنضال من اجل تعليم شعبي ديمقراطي وطني تحرري ، و إنساني ، حتى يتوقف التعليم عن إنتاج التخلف على جميع المستويات ، الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و السياسية ، و حتى يوضع حد لتدني المستوى التعليمي في المدرسة المغربية ، و وضع حد لجعل العلاقة بتلاميذ المدرسة المغربية للبحث عن الإثراء السريع . و استغلال الساعات المضافة لتحقيق التسلق الطبقي الصاروخي ، و عدم اعتبار كون التعليم مناسبة لنشر الإيديولوجيات المتخلفة ، التي تساعد على إيهام التلاميذ و الآباء باعتبار الساعات المضافة وسيلة لتحقيق ارتفاع المستوى التعليمي ، وصولا إلى تكريس تعليم وطني شعبي ديمقراطي متحرر ، و إنساني ، لإنقاذ مصير أبناء الشعب المغربي الذين يجب أن يرتبط التعليم عندهم ، كحق ، بالحق في التنمية الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، حتى تتاح الفرصة للجميع ، من اجل العمل على تحقيق مجتمع حر ، و ديمقراطي ، و عادل ، كغاية سامية تحلم بها البشرية ، و يسعى إلى تحقيقها المناضلون الأوفياء من أبناء الشعب المغربي .
و الطبقة الحاكمة ، مهما مارست التضليل على الشعب المغربي ، و مهما عملت على نشر الإيديولوجيات المتخلفة ، و مهما سمحت للمعلمين بالانشغال بالساعات المضافة عن التفكير الجدي في جوهر مشكل التعليم ، فإن الشعب المغربي لابد أن يمتلك ، في يوم ما ، وعيه بخطورة هذا التردي على مصير أبنائه ، و لابد أن يتحرك المخلصون من أبنائه من أجل جعل قضية التعليم في المغرب قضية الشعب المغربي الأولى ، و قضية الديمقراطية ، و قضية إنسانية ، تتظافر كل الجهود النظيفة ، و المخلصة ، لإيجاد حلول إيجابية لها على المدى القريب ، و المتوسط ، و البعيد في إيجاد حلول شاملة لمختلف القضايا المطروحة التي تحول الشعب المغربي إلى مجرد شعب منشغل ، باليومي ، عن مصيره الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و السياسي ، في الوقت الذي كان يفترض فيه اهتمام هذا الشعب بذلك المصير من أجل أن يقرر فيه ما يتناسب مع مصالح أبنائه .
المغرب : ابن جرير في 28/10/2004
محمد الحنفي