تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

حزب البعث وقضية المشاركة في السلطة التنفيذيه . بقلم:محمد سيد احمد عتيق عضو هيئة قيادة التجمع الوطني

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
29/11/2005 4:07 ص


محمد سيد احمد عتيق عضو هيئة قيادة التجمع الوطني
كرس التجمع الوطني الديموقراطي سلسلة اجتماعات خلال الشهور الماضيه لبحث موضوع المشاركة في الاجهزة التشريعية والتنفيذية المنشأة وفق اتفاقية السلام الشامل. وكما يعلم الراي العام فأن الاجماع الذي تحقق في هذه الاجتماعات حول المشاركة في الاجهزة التشريعيه علي المستويين المركزي والولائي لم يتيسر فيما يتعلق بالسلطة التنفيذيه لذلك تم الاتفاق علي ان يترك الامر لتقدير كل طرف من اطراف التجمع ( بيان بتاريخ اول نوفمبر ).
في الوقت الذي يؤمن فيه حزبنا علي اسباب المشاركه واهدافها فأن لموقفه خلفية خاصة به لاستناده الي استراتيجية متكامله تقوم علي حفر في عمق الطبقات المتراكمة للازمة السودانيه سأشرحها هنا بأختصار موضحا علاقتها بتنفيذ تلك الاهداف. وقبل الدخول في هذا الجانب لابد من الاقرار بأن مستوي اهتمام الرأي العام السوداني بموقف التجمع من موضوع المشاركه برمته كان منخفضا للغايه انعكاسا لحقيقة ان اتفاقية نايفاشا حددت بصورة قطعيه ماهية الشريكين الرئيسيين كما ظهر من دخولها حيز التنفيذ دون ان تتمكن المعارضة التجمعية وغير التجمعيه من تعديل بنودها بما يتمشي مع انتقاداتها السليمة للاتفاقيه. وفيما يتعلق بحزب البعث السوداني بالذات فأن السؤال الاضافي الذي جال بخاطر الكثيرين هو : ماشأن حزب البعث بالسلطتين التنفيذية والتشريعيه وخاصة الاولي، وهو الذي لم يقترب منهما في يوم من الايام او اقتربت هي منه حتي عندما كان في اوج قوته خلال نصف الثمانينيات؟. وهو تساؤل لانتردد في التاكيد علي مشروعيته عملا بمقتضيات الصراحه ليس فقط لان الحزب يعرف حجمه الحقيقي وهو يمر بمرحلة اعادة تأسيس ديموقراطي صعبة للغايه بل ايضا لقناعته بأن هناك حاجة ماسة لطرح موضوع اوزان الحركات السياسية السودانيه علي ضوء التغييرات الجذرية في واقع المجتمع السوداني خلال العقود القليلة الماضيه. فالمركز المحوري لرؤية الحزب التي تقوم عليها استراتيجيته وصدر عنها قراره بتأييد المشاركه في السلطة التنفيذيه هو ان سودان ربع القرن الاخير مختلف تماما عن سودان ثلاثة ارباع القرن الذي سبقه فيما يتعلق بحالة الفئات الاجتماعيه التي قامت الحركة السياسية الحزبيه والنقابات علي اكتافها وهي القوي الحديثه الممثلة بنخب وجماهير المناطق الحضريه، حتي الاحزاب ذات القواعد الطائفية الولاء كانت منذ نشوئها في الاربعينيات شكلا تنظيميا مستحدثا كما ان قياداتها وكوادرها الوسيطه تنتمي الي الفئات التي تتشكل منها تلك القوي. فواقع الامر في بداية الالفية الثالثه هو ان هذه الاكتاف قد انهدت متاكلة تدريجيا خلال الفترة المذكوره تحت تأثيرعوامل اساسية شخصتها استراتيجية الحزب ووردت في دراسة الاستاذ محمد علي جادين التي نشرت في جريدة الايام خلال مايو الماضي ووزعت عبر الانترنت بكونها " ترييف المدن تحت وطأة الحروب الاهليه وانهيار الهياكل الاقتصادية الزراعية- البدوية ثم ذوبان الطبقة الوسطي في خضم تدهور الاقتصاد وتحريره غير المرشد ديموقراطيا واجتماعيا والتوسع الكبير للمنظومة التعليميه علي حساب نوعية التعليم من حيث المناهج واساليب التدريس والبنية التحتيه .. وذلك بالاضافة الي العوامل الثانويه مثل الهجرة المدينية الي الخارج ".
عبر جهد عظيم وصل حد التضحية بالنفس في العمل المسلح جرب مئات الناشطين من داخل الاحزاب وخارجها ومن داخل التجمع وخارجه تفجير الانتفاضة الشعبية الثالثه ضد سلطةانقلاب يونيو 89 ولكن ذلك لم يتحقق رغم توفر دوافعه التي لانظير لقوتها في تاريخ الدكتاتوريات السودانيه في سياسات النظام وفي هذا دليل قاطع علي صحة التحليل حول التدهور المريع في الوزن النوعي للشرائح السودانية الحضريه صانعة الانتفاضات. لقد تمكنت ثورة اكتوبر 1964 من اقتلاع النظام الانقلابي الاول من جذوره لان القوي الحديثة كانت عندئذ في اوج حيويتها بينما كان سقوط النظام الانقلابي الثاني جزئيا لان هذه الشرائح الحديثه كانت قد دخلت مرحلة التراجع في حيويتها بعد ان بدأت عوامل التاكل التي اطلقتها الحقبة المايويه تفعل فعلها ممثلة بصورة اساسيه في تضعضع المنظومة التعليميه والاوضاع الاقتصاديه. فالشاهد هو ان الركن الاقتصادي للمؤسسة المايويه ( راس المال الطفيلي) وركنها الايديولوجي( الاسلام السياسي )، لم يذهبا بذهاب الركن السياسي ( رئاسة النظام وحزبه ) ومن هنا كان انبثاق مصطلح الانتفاضه وليس الثورة كصفة للتحركات الشعبية التي وقعت في مارس/ ابريل 85. لذلك لم يكن غريبا ان يأتي الانقلاب الثالث علي يد الحركة السياسية الوحيدة التي ترعرعت في اجواء هذه المتغيرات السلبية الكبري وهي الحركة الاسلامية بينما بدأ وزن الحركات الاخري في التقلص مع التقلص المضطرد لوزن القوي الحديثه الكيفي كما يبدو واضحا من استمرار نظام الانقلاب حتي الان دون مخاطر حقيقة علي حياته مستكملا عملية استنزاف ماتبقي من حيوية هذه القوي بشكل كامل تقريبا.
انطلاقا من هذا التحليل لطبيعة الازمه وتجلياتها المختلفه لابد ان يكون المخرج منها معقدا وطويل الامد متكافئا في ذلك مع تعقيد الازمة وعمرها المديد. فالمسألة تجاوزت منذ زمن كونها ازمة حكم يعانيها السودان بفشل التجارب الديموقراطيه منذ الاستقلال علي صحة ذلك لتصبح ازمة مجتمع تعطل القلب الذي يضخ الحياة في شرايينه بركود القوي الاجتماعية المؤهلة بالوعي لاعادة تأسيس تلك التجارب. واكثر من ذلك فأن الشرائح الحضرية المعنيه تحولت الي كم معوق لاي تقدم كما يستدل من وقوع القطاع الطلابي لمدة تقارب الثلاثين عاما تحت سيطرة التيارات الاسلامية بأنواعها الاصلية ( الاخوان والجبهه ) وتلك الخارجة من عباءتها نحو مجاهل ظلامية سلفيه لم يعرفها السودان الشعبي من قبل ناهيك عن السودان المتعلم. اي ان عشرات الالاف من خريجي تعليم ضحل فاقد لمقدرة تكوين ملكة النقد والتحليل في افضل الاحوال ومصمم عمدا او اهمالا في معظم الاحيان لتسميم العقول ضد افكار التقدم والانفتاح اصبحوا الان عصب الحياة السودانيه بمختف جوانبها.
بناء علي ذلك فان اعادة الحياه الي هذا القلب تبدأ من معالجة هذا القطاع بالذات ففيه بدأت الكتلة التاريخية الحديثة حياتها مع تأسيس المنظومة التعليمية الحديثة اوائل القرن الماضي. ولكنها بدلا من ان تتطور بعد الاستقلال في اتجاه تعميق وترسيخ دورها في بناء الفرد السوداني الواعي المستنير تحولت تأثير الانظمة الشموليه الي النقيض. ومع ان مجالات هذه الكتلة وحجمها تجاوز كثيرا حجم القطاع الطلابي بمستوياته المتعدده فأن اي جهد يبذل لاعادة تكوين عقلية الشرائح الاجتماعية المكونة لها خارج المدرسة والجامعه، علي ضرورته، سيظل ضئيل المردود اذا لم تصاحبه عملية تنقية للنبع الذي يستقي منه القطاع من حيث المناهج واساليب التدريس واوضاع المعلمين ومعاهد التعليم. ولكن السبيل الي ذلك مسدود بعقبة كبيرة وهي اختلال التوازن السياسي ضد القوي الديموقراطية احزابا ونقابات بفعل ضعف فئاتها الحضرية النوعي بينما وضع المناهج وتخصيص الميزانيات وادارة التعليم العام والجامعي عموما صلاحية حكوميه. واضطرار الحركة الشعبية للقبول بدور الشريك الاساسي الثاني في الحكومة الانتقاليه تحت ضغوط المعاناة الاستثنائية لقاعدتها الجنوبيه من الحرب الاهليه والشركاء الغربيين وراء الاتفاقيه، زاد من درجة الاختلال لمصلحة المؤتمر الوطني / الجبهة الاسلامية القوميه بحيث اصبح واضحا اكثر من اي وقت مضي ان المنفذ الوحيد للتأثير في سياسات الدولة التعليميه كسرا للحلقة المفرغة المسببة لهذا الخلل المزمن هو القبول بالفرص المتاحة للدخول في الحكومه لاضعاف قبضة الاسلاميين علي عقول وافئدة التلاميذ والطلاب ومن خلال ذلك علي المجتمع. وهناك عاملان يرجحان امكانية تحقيق هذا الهدف في مدي زمني قصير نسبيا الاول هو مايعنيه تواجد التجمع في السلطه من استعادة التحالف مع الحركة الشعبيه وعلي اسس اكثر رسوخا وديمومة مما مضي لانه سيتم وفق برنامج محدد وقابل للتنفيذ وينسجم تماما مع حاجة الحركه لتدعيم موقفها تجاه شريك مفروض عليها والثقة بينهما مفقوده. وعلي سبيل المثال فقد سبق لي ان بدأت بحث هذا الموضوع بصورة اولية مع القائد الشهيد جون قرنق في القاهره واسمرا كما ان الحزب كان قد سلم عددا من قيادات الحركة الشعبيه مذكرة باللغة الانجليزيه تضمنت شرحا لاستراتيجيته. اما العامل الثاني فهو ان الوزارتين المختصتين مباشرة بشؤون التعليم ستكونان من مسئولية التجمع فالتربية والتعليم معروضة علي التجمع حاليا والتعليم العالي تتولاها الحركةالشعبيه. الي جانب هذين العاملين فأن هناك حقيقة كون الشريك الثالث والاقوي من وراء الستار في صياغة الاتفاقيه وتنفيذها، الولايات المتحدة الامريكية واوروبا، لامصلحة له في الاعتراض علي اصلاح النظام التعليمي بل ان العكس هو الصحيح بعد اهتداء امريكا بالذات مؤخرا الي اهمية الاصلاح السياسي الديموقراطي. لقد ظل هذا الاصلاح مطلبا تاريخيا للحركات والنخب المستنيرة تعارضه امريكا حتي استهدفتها موجات الانتحاريين خريجي معاهد التعليم السعودي وغير السعودي التي تعاني من نفس عيوب معاهدنا التعليمية الراهنه. وكما لايغيب علينا كسودانيين فأنه لايغيب علي الغرب الاوروبي والامريكي ان هذه النوعية من الشباب الذي شوهت عقله ونفسيته اساليب ومناهج الحشو والتلقين التدريسيه موجودة بين ظهرانينا كما ثبت في اكثر من مناسبة فاجعه. وليس مستبعدا ان يكون بعضهم يتهيأ الان لتفجير نفسه ضد مايعتبره تزايد الوجود التكفيري الغربي في السودان كالامم المتحده والامريكان والاوروبيين.
ان رفع مرتبة قضية الاصلاح التعليمي الي اقصي درجات الاولوية في الاجندة الوطنيه بات مسألة حياة او موت لبلادنا. ولايعني ذلك الكف عن ممارسة اقصي ماتسمح به حالة القوي الحديثة والاحزاب الديموقراطيه الراهنه من ضغوط علي الحكومه من خارجها ضمن النشاط العام الرامي لتحقيق مجموعة الاهداف التي تتفق عليها المعارضة التجمعية وغير التجمعيه، ولكن عمق واتساع الازمة السودانيه يفرض اوضاعا تنطبق عليها المقولة التي عرفتها التجربة الثورية البشريه ويقول بها التفكير العقلاني حول التراجع الي الخلف مؤقتا كضرورة للتقدم الصاعد والدائم الي الامام وامامنا هذه الايام نموذج حاضر بقوه لما يمكن تحقيقه من تضافر بين الضغط التحالفي مع الحركةالشعبيه من داخل الحكومة وخارجها ممثلا في المعركة الي يخوضها دكتور محمد يوسف وزير الدولة بوزارة العمل بخصوص قوانين النقابات والمفصولين سياسيا اذ انه من بين المعارك الكثيرة التي تواجهنا يعتبر العمل النقابي ذو اهمية خاصه .
علي اساس هذا التحليل فأننا بكل تواضع ندعو اطراف التجمع الوطني الديموقراطي الي اخذ هذه الافكار في الاعتبار وهي تخطط لتطوير برنامجه وهياكله في المرحلة الجديده كما نأمل ان يجد فيها حزب الامه وكافة الاحزاب والشخصيات غير المنتمية الي التجمع مايثير اهتمامها.

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved