![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
"عندما تعلو الذات على النفس في سجن الجسد تحلم دائما بدفء الشموس و هي في
طرائقها المتشعبة في صراع المصالحة تطرق كل ادوات الكتابة و سلوك البشر لميلاد
البطولة و الى ان يعلو صوت الضمير الجمعي تتفرق بغاث الافكار في طرقات الليل
المظلمة منادية بالحرية و الانعتاق من وثن الخوف و معيار الازدواج ."
تلك الاسطر السابقة تحمل ما تحمل من معاناة و هموم تلقى على اجساد المعاناة
صوت الجراة المخنوق و الذي اصبح مخلوقا خرافي على حد قول الواقع . في مخبر
التجربة السودانية الطويلة في مجال الادب تقف محصلة السنوات الطويلة بلا نظام
يشبه الهوية المتارجحه التي تأن بما ينصب على كاهلها من اجحاف و هروب . ستثور
يوما تلكم الذات و لو على نفسها لتفسح الطريق للمارة و المتتبعين لتقتل الجبن
الجاسم على صدر التجارب . فتولد ادب جديد هو الحكي الذاتي بين اروقة المجتمع
الحائر و الذي ينكر اصواته المتعددة . و الحلم الفسيح و الامل البهيج قد يسكن
قرنا ما و لا يوجد من يخرجه الى الهواء الطلق تحت اجنحة الشمس الدفيئة . لا اجد
لنفسي و للاجيال الواقفة كنجمة الافق تعليل للوقوف . صحيح ان الاجيال السابقة
فيها العظيم و فيها الرمز لكن تصبح حبيسة الخواطر عندما لا يقدم اسلوب الحياة
الانساني الراقي في شكل من اشكال النص و اداة من ادواته حينئذٍ سيكون انبعاث
الفخر ضئيل و تصفيق الفرح ادني من الضآلة . يمكنني ان اقول نحن شعب الاديب
الواحد و جمهور الفرقة المسرحية الواحدة و نقاد الناقد الواحد اعني من ذلك
اختباء الثورة الادبية التي تنتظر الحريق كي تصعد على السنته و تعلن للناس
الانتصار . و لكن الهزيمة هي الركود و الانتصار هو قهر النفس بادوات الذات ان
كانت ذات ملائكية او بشرية . و المحفذات تنتشر في ارحام الاخيلة لا تظهر الا
كانواء المطر .
و الغريب ان عدو الذات لم يكن الا الذات نفسها حينما تعيش في دهاليز الحكم
المخيف و ان خرج سوف يروج لتجارة الحرية المنقبة بهوس الاولويات الشخصية الضيقة
. السودان بقعة تسبح في واحة صوفية يتصف بها جمال الازمنة و الامكنة الصامتة .
فادوات التجربة الذاتية او الشعورية ليس اكثر منها اذاً و اندفاق الاخيلة ليس
اسهل منها في اغبية النفوس اما ادوات النص فهي سربال بهي جميل تاتلف فيه موشحات
البلاغة و المعاني . و مع ذلك كله تقف التجربة الادبية كحمار الشيخ في العقبة
لا حاد يحدوها غير البكاء و التباكي مثل الانثى الارملة التي تمتليء حاشيتها
بالاحاسيس و هي تصارع قوانين الجاذبية المجتمعية . عندما تخرج من بيتك للعمل
اول شيء تفكر فية ان تشتري لك صحيفة تقرا فيها من عناوين مثيرة عن سياسة البلد
. و ان وجدت فيها ملفا ثقافيا و على ضآلته فانك ترميه خلف خاطرك متجاهلا بذلك
تلك الصفحة و كذلك يفعل ابنك من بعدك . فهو لن يشتري هذه الصحيفة ان كان فيها
ملفا ثقافيا لانها حسب رؤيته المتواضعة لقط وهذا بدوره ما اسقط لواء المستثمرين
في هذا المجال فاصبحوا بواقع التجربة خاسرين منطقية للذين يعدون دراسات الجدوي
لمثل هذه المشاريع في مثل هذا البلد . لذا فالمثقف نفسة يجري وراء سراب ظناً
منه بالنجاح و عندما يفقد الامل ينشر ثقافة الاحباط فتروج ثقافة الصحافة
الصفراء التي تستهوي افئدة المترفين و الجوعى هم من يقلدونهم . الجائع عندما
يبحث عن لقمة العيش و لا يجدها يكدح في سبيل الخلاص و عندما ينفرج حاله يركل
ذاته القديمة بعيدا مثلما فعل المترفون فياتي صوت الذات منكورا حتى في وضح
النهار تصحبه ثقافة البجاحة . يعيش الشاعر عندنا بلا مال و لا جاه فيسعد مدى
حياته و هو يفتخر ببذته البسيطة فتصبح ثقافة في مجتمعنا لا يلحق بها تحريف او
تعريف اخر . الحياة ليس الا جملة من القيم المال قيمة و الثقافة و المباديء
قيمة وفهم البشر قيمة لكن حصار الذات و التغلب عليها في الاتجاه المعاكس اتفه
قيمة بما تحمله من سوالب . نحن ننتظر خلاص الذات بالذات نضع ايدينا على خدودنا
منتظرين زلزلة الكيان على يد ثورة لا التي نعرفها بل ثورة الذات . ان طلبنا من
الناس ان تكبر لثورة الذات ترفض و لكن اضعف الناس ينجرون وراء ثورة سياسية وان
كانت الثورة السياسية ما هي الا ميلاد لمنظرين فكريين لا يكرسون فكرهم الا
للثورة المادية ذات العايد الاسهل و المال ثم تضعف المباديء بطول الزمن فيرجعون
الى المربع نفسه لا ينجبون الا جدلا يجنون هم المال و يقولون للاتباع عليكم
بالصبر فهو فضيلة . هكذا ازدوجت المعايير فيخلع جلد الميته و يعطى للتابعين ثم
يلوكون اللحم بحكم انه لحم ميتة حرام على الجوعى لانهم شرفاء . هذا منطق الذات
الراكدة في برك آسنة . الخوف اقوى ما يهدد ثقافة بعينها او حضارة ما وان انطلق
الخوف في اوصال الشعب فانه يؤدي الى استخدام اساليب الضعف و هي العنف و الحجة
العنيفة و التعصب للرأي . عندما انطلقت الثورة الفرنسية بعد الضنك من العيش
انجبت المدرسة الرومنسية لان الناس عشقت السلام و الرقة في الحياة بدلا عن
الضنك و عندما انطلقت الثورة الصناعية في اوربا لم تلد الا المدارس الواقعية في
اجناس الادب . و لكننا في السودان رغم اننا عشقنا الحرية و السلام زمانا في
مخادعنا و اسرتنا و لكن لم يلد المجتمع الا مزيدا من الكراهية و عدم الحكمة و
ظهرت الاوساخ على قارعة الطريق . يبدو ان تجاربنا لم يحالفها النجاح لان ذواتنا
تنكر اصداءها في قارعة الطرقات و تفسح لها في الغرفات السرية .لقد تلى علينا
المؤرخون و الكتاب و القصصيين من ملاحم ما اعظمها في الاندلس و في روما و في
اوربا و بلاد اليونان و لكن موت تلك الجيال لم تصبهم بخيبة الامل او احساس
التباكي بل ردعتهم و علمتهم ما يكونا يعلموه اما نحن فوقفنا بكل قاماتنا نتعاطف
سحريا و نتباهي اكاديميا بالارث الغيري النظري دون الجراة للاستفادة منه كتجربة
للنظر و الاعتبار. غير ان الاعتراف سرا غدا من سمات مجتمعاتنا التي تنبذ
الصراحة و الشجاعة التي هي اعظم تطهير للنفس . عندما كانت الخرطوم عاصمة
الثقافة كانت ترزح في نير الخداع وعدم الثقة لم تستطيع الاستمرار دون ان تذكر
بعض ابنائها الذين يعترفون بذواتهم في خارج رقعتها فطالت ازدواجية المعايير
صنوف الثقافة بعدما سئم الخطباء السياسيون من هذه العبارة . فاصبحت الخرطوم
تشاهد بدلا من ان تقرأ و خرت خاوية على عروشها . ثم ماتت تلك المقولة السحرية.
ان هذه المقولة الخرطوم تقرأ لا يمكن لها ان تصمد طول هذا الزمان لان الثقافة
صنو المال فبلا تضحيات مالية لا تستطيع ان تقرأ بعد ذلك ان لم يكن هنالك مطابع
او منابر صحفية سيارة او مساحات حرة . عندما تجوب هذه العاصمة التي تغلي وتحمل
في ادغالها ثلثي سكان السودان لا تجدهم الا يتصارعون من اجل ثقافة باهته شاهت
وجوهها من تساقط اعمدة البنيان الاساسي . و لم تلف نظرك مكتبات عاتية تخلد ما
قد كان و ما يتباكى عليه الناس . الفرد لا ينهض بمفرده و الفرج ليس له مفتاح
بلا غرائن و الخوف اثقل كائن على العواتق لا يصرخ بمفرده كما الطفل لا يصرخ الا
عندما تهزه القابلة . تشبيه بليغ لعاصمة مثقلة بالهموم و الادران . لشعب عكف
على نفق الحماية الكاذب و دواليب السلطة المعبأة بالهزائم . كل عزيمة لا بد لها
من رجل بقامة ثورة او شباب بجزوة نار تحرك ضد التيار فيصعدوا من درك المهاذل و
ضنك النفس المهزومة . دوامة ليست كمأزق جنوب افريقيا التي قضى من اجلها رجال جل
حياتهم وراء القطبان فتحررت و انعتقت من عفن الانسان . شعوب تصادمت ذاتيا و
عرفت اعظم النظريات لكنها قد الادراج . ادراج الخوف و كبرياء المقهور و منطق
المغالط . درجت الشمس عدة مرات من وراء النوافذ الزجاجية و لكنها مغيمة فالخوف
اكبر سلطان يمنع من خلعها عنوة و بدون تردد . اين عزائم البطولات لا اساس
الوترفين ؟ اين ثقافة المحروقين لا حضارة المتمسحين الذين يحسون بالامان تحت
ليالي الخريف في اوكار الدعة و النعيم ؟ فللننتظر الشموس حتى تصقعنا ثم نبكي
عليها و على صقعاتها فنقول اين الدفء؟
بقلم : أ / احمد يوسف حمد النيل - الرياض
_________________________________________________________________