د. ابومحمـد أبوآمـــنة
قضية الشرق ظلت لفترة طويلة لا تحظي بكثير من الاهتمام الدولي او العربي اذ كانت الحرب الطويلة في الجنوب ثم جرائم الابادة الجماعية في دارفور تجذب الاهتمام اكثر. ولكن في الاسابيع الاخيرة بدأت بعض الدول الاوروبية وكذلك الولايات المتحدة تبدي اهتماما اكثر لملف الشرق وتبذل سعيها لحل قضيته. وهاهي الامم المتحدة تعقد دورات التحضير للكوادر البجاوية استعدادا لانطلاق المباحثات مع السلطة.
كذلك من الناحية الاقليمية كانت الدولة الارترية هي الأكثر فعالية في دعم نضال ابناء الشرق بشكل فعال وحاسم. ولا يمكن نكران دورها في دعم فصائل المعارضة الاخري بما فيها الجيش الشعبي لتحرير السودان المشارك الان في الحكم. لو لا ذلك الدعم لما تم توقيع اتفاقية السلام ومشاركة الحركة في الحكم .
اما الدول العربية فلم تعر اوضاع الازمة المتفاقمة في السودان اهتمام يذكر, غير مبادرات قام بها المرحوم الشيخ زايد في السنين الاولي من حكم الانقاذ للوفاق بين المعارضة وسلطة الانقاذ, ولكن تلك المحاولات لم تجد تجاوبا من السلطة. فماتت في مهدها. بعد ان بدا ملف الشرق يتحرك اعلنت الجماهيرية الليبية استعدادها الكامل للسعي لوضع حل لتلك القضية. وسبق ان اتصلت بقيادة جبهة الشرق وكذلك بسلطة الانقاذ تمهيدا لاجراء المباحثات بينهما. بل ان زيارة الشحومي الان للسودان تلقي الضوء علي مدي اهتمام الزعيم الليبي معمر القذافي، لحل الخلافات بين الحكومة وجبهة الشرق ـ في اطار رعاية الجماهيرية الليبية للسلام في دول الساحل والصحراء ـ الى جانب الاعداد للمفاوضات حول مشكلة شرق السودان التي ستعقد بطرابلس.
اهتمام عربي اخر عكسته جريدة الوطن الكويتية اذ نشرت تقاريرا ان النائبين الكويتيين مبارك الدويلة وفايز البغيلي، يسعيان لنزع سلاح المعارضة المسلحة لقبيلة الرشايدة في السودان وتفكيك تنظيم الاسود الحرة باصدار عفو عام من السلطة. كما اجريا اتصالات مكثفة في الخرطوم من اجل ذلك كما اكدت السفارة الكويتية ذلك. الا ان المناضل مبروك مبارك ـ القيادي ـ المعروف بجبهة الشرق ـ كان واضحا اذاء هذه المحاولات اذ ذكر في تصريح له للصحافة «ونحن ملتزمون بجبهة الشرق وقراراتها باعتبارها الوعاء الجامع لاهل الشرق» وأكد وجود اتصالات من قبل الكويتيين وصفها بأنها نوايا حسنة ومقدرة لكنها ـ اي الجهود الكويتية ـ لا ترقى الى مستوى المبادرة.
علي كل الاطراف التي تود ان تقوم بمبادرة فعالة لحل قضية الشرق ان تفهم طبيعة الاوضاع في السودان وخاصية قضية الشرق.
اول هذه الحقائق هي طبيعة السلطة الحاكمة, فهذه استولت علي الحكم بواسطة انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989 ومنذ ذلك الوقت يرزح السودان تحت حكم ديكتاتوري بشع, مارست فيه عصابة الانقاذ صنوف العذاب في بيوت الاشباح في كل مدن السودان, وباشرت عمليات الابادة البشرية في الغرب والشرق والجنوب, وقامت بحرق القري واغتصاب الفتيات والنساء, وهددت كيان دول الجوار,ونشرت الفساد والدمار واستولت علي عائدات البترول والذهب وحولتها لحساباتها الخاصة في البنوك الاجنبية.
عندما ضاق المجتمع الدولي بالممارسات الغير انسانية فرض علي الانقاذيين التوقيع علي اتفاق سلام الغرض منه انهاء حالة الحرب في الجنوب, والمشاركة في السلطة والثروة, والسلام والعمران والرخاء, ونشر الديموقراطية وتوسيع قاعدة الحكم. كما الزمها باعلان حالة ايقاف الحرب والابادة في دارفور.
الا ان الانقاذ توقع علي الاتفاقيات ولكن لاتلتزم بها.
هنا يلجأ المجتمع الدولي لفرض العقوبات والي التهديد بالتصعيد في فرض المزيد منها . لكن الانقاذ تواصل اعمالها الاجرامية رغم هذا.
هنا يبرز السؤال: هل ستـلجأ الحكومات العربية لفرض عقوبات علي حكومة الانقاذ في حالة عدم التزامها باي اتفاق قد توقعه مع جبهة الشرق تحت وساطتهم؟
الانقاذ لا تلتزم بالاتفاقيات, وعليه يجب توسيع قاعدة الجهات الضامنة للاتفاق لتشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وايطاليا وجميع دول الايقاد ودول المنظمة الافريقية والجامعة العربية وكل هذا تحت اشراف الامم المتحدة. يجب ان تشمل الوساطة جهات يمكن ان تضغط وتعاقب السلطة ان هي لم تلتزم.
اما النوايا الطيبة لوحدها فلن تجدي.
علي الاخوة العرب فهم ابعاد قضية الشرق قبل لن يطلبوا من السلطة اصدار عفو عنهم وكأنهم عصابة اجرامية تلاحقها السلطة. ففي الشرق تسكن قبائل لها لغتها الخاصة, تاريخها الخاص, تقاليدها الخاصة, وتسكن في الجزء الشمالي الشرقي من القطر. تعرض الشرق عبر القرون للاهمال من قبل السلطات, ولم يشهد اي مشاريع انماء وعمت فيه المجاعات وانتشرت الامراض وصارت تفتك بالانسان والحيوان. واهملت السلطة المشاريع الزراعية في دلتا القاش وبركة والرهد.
ليس هذا فحسب.
بل ان السلطة صارت تلاحق الناس حتي في وسائل كسبهم العيش التي اعتادوا عليها منذ القدم, كتجارة الحدود وصيد السمك والرعي علي ساحل البحر الاحمر بل صار مجرد الاقتراب من البحر لاي سبب من الاسباب يحتاج الي اذن مكتوب من سلطات الامن وصور فوتوغرافية وتحديد تاريخ الذهاب وتاريخ العودة. والا العقوبات والمسآلات والتشكيك في ارتكاب جريمة التهريب او التجسس او التخريب.
تعرضت قبيلة الرشايدة لغيرها من القبائل, اضافة الي ذلك, لحرب ضروس من قبل سلطة الانقاذ, فقد تم قتل الكثيرين منهم في مناسبات متعددة وتم الاستيلاء علي عرباتهم ذات الدفع الرباعي.
لذلك هب ابناء الرشايدة دفاعا عن حقوقهم وكونوا تنظيمهم المعروف بالاسود الحرة والذي انصهر مع مؤتمر البجا لتكوين التنظيم الموحد المعروف الان بجبهة الشرق ووضعوا اهدافهم المشتركة والمتمثلة في خلق سودان ديموقراطي فيدرالي, وبالمشاركة الفعالة في السلطة المركزية وتحقيق حكم اقليمي ذي سلطات واسعة, وانهاء حالة التهميش والتخلف, والتحكم في ثروات الاقليم الطبيعية.
وفوق هذا وذاك طالبوا بحق تقرير المصير, وهذا حق تتيحه لهم مواثيق الامم المتحدة, واتفاقية السلام, والدستور السوداني, هذا الحق الذي لن يتنازلوا عنه مهما كانت الظروف.
يقول ميثاق الامم المحـتدة: لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها . وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ..
لجميع الشعوب حق التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاص....
علي الدول الأطراف في هذا العهد أن تعمل علي تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق ، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة. انتهي.
هذه مطالب جبهة الشرق, فهي اذن ليست قضية خاصة بالرشايدة لوحدهم او البجا لوحدهم وانما بانسان الشرق اولا وبكل السودان دائما.
لقد كان المناضل مبروك في منتهي الوعي والمسئولية عندما وصف الجهود الكويتية بمجرد نوايا حسنة لا ترقي الي مبادرة واعلن بان الرشايدة ملتزمون بجبهة الشرق وبرنامجها.
لقد سعت الانقاذ دون كلل او ملل لتفتيت وحدة ابناء الشرق ولم تستطع. فهل تجد ضالتها في النائبين الكويتيين مبارك الدويلة وفايز البغيلي؟
المرجو من النائبين المحترمين تبني قضايا الشعب السوداني كله والتضامن معه في تحقيق الديموقراطية والعدل والمساواة والسلام والرخاء.