www.elhanafi.com
إلــى ...
كل الذين طالتهم الاعتقالات باسم الإخلال بالأمن .
كل من اقتنع بضرورة النضال من أجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ، فناضل ، فاعتقل بدعوى الإخلال بالأمن العام .
من أجل أمن حقيقي ، اقتصادي ، و اجتماعي ، و ثقافي ، و مدني ، و سياسي .
من أجل إنسان بكافة الحقوق في وطن آمن، و بمستقبل آمن.
حتى لا يبقى الإخلال بالامن العام ذريعة للتخلص من شرفاء هذا الوطن الحبيب .
من أجل سيادة الشعب على نفسه .
محمد الحنفي
مقدمة :
إن حفظ الأمن العام يعتبر شرطا لقيام حركة اقتصادية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و سياسية . كما يعتبر هما يوميا للدولة و المجتمع على السواء ، لأنه بدونه لا يقوم أي شيء ، فتسود الفوضى و الهمجية على أرض الواقع . إلا أنه ، و نظرا لأهمية الأمن العام ، و ضرورته للأفراد ، و المجتمع على السواء ، فإن جهات معينة تستغله للوصول إلى تحقيق أهداف محددة ، فتفرض على الناس الالتزام بقوانين معينة ، تلغي حريتهم و تحرمهم من ممارسة حقهم في الديمقراطية الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية ، و تغيب من حياتهم العدالة الاجتماعية ، و تستغل الواقع لتحقيق الأهداف المتمثلة في الإثراء السريع ، و في الارتباط اللامشروط بالمؤسسات المالية الدولية ، و في جعل الاقتصاد الوطني فاقدا لاستقلاليته . و عندما تتم مقاومة هذه الممارسة يتهم كل من قاومه ، و ناضل من أجل الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية ، بالإخلال بالأمن العام فيعتقل ، و يحاكم ، و يغيب لسنوات قد تستغرق بقية عمره داخل السجون ، أو يتم إعدامه لنفس التهمة . و قد ناضلت الأحزاب التقدمية ، و النقابات ، و الجمعيات الحقوقية ، و على مدى سنوات استقلال المغرب ، ضد قانون كل من شأنه ، السيء الذكر الذي وضعه الاستعمار الفرنسي لغاية في نفس يعقوب ، و قد تم فعلا إلغاء هذا القانون ، و اعترف المسؤولون بأن ما كان يمارس في حق المناضلين ، يعتبر خرقا لحقوق الإنسان ، و أخذت تظهر كتابات تحت عنوان : سنوات الجمر ، و الرصاص تفضح كل ما مورس في دهاليز التعذيب ، و تم تكوين لجن لدراسة ملفات المتضررين ، و تعويضهم عن ما لحقهم ، و ما عانوا منه . لكن بعض المسؤولين لازالوا يحنون إلى استعادة الماضي ، و استغلال النفوذ ، و توظيف الإخلال بالأمن العام ، السيء الذكر ، لتحقيق نفس الأهداف التي حققها سابقوهم . و حتى نجعل القارئ المتتبع في صلب الموضوع سنتناول : مفهوم الأمن بمضمونه الاقتصادي ، والاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي ، و مسؤولية حفظ الأمن العام على المستوى القانوني ، و على مستوى الدولة ، و على مستوى التنظيمات النقابية ، و على مستوى الجمعيات الثقافية ، و التربوية ، و الترفيهية ، و التنموية . و على مستوى الأحزاب السياسية المناضلة ، من أجل دستور ديمقراطي ، و إيجاد قوانين انتخابية متلائمة مع المواثيق الدولية ، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة ، و تفعيل المؤسسات الجماعية ، و المؤسسة البرلمانية ، إلى جانب تفعيل الحكومة . كما سنتناول مفهوم الإخلال بالأمن العام على المستوى القانوني ، و على مستوى الدولة ، و على مستوى المنظمات النقابية ، و على مستوى الجمعيات الثقافية ، و التربوية ، و الترفيهية ، و التنموية ، و مسؤولية الأحزاب السياسية القابلة بإقرار دستور غير ديمقراطي ، و غير الساعية إلى إيجاد قوانين انتخابية بضمانات كافية ، و لا تحرص على إجراء انتخابات حرة و نزيهة ، و لا تسعى إلى تفعيل المؤسسات الجماعية ، و مؤسسة البرلمان ، و الحكومة . لنصل إلى معالجة وضع الأحزاب السياسية ، بين حفظ الأمن العام ، و بين الإخلال به ، سواء تعلق الأمر بالأحزاب اليسارية المتطرفة ، أو اليسارية ، أو أحزاب البورجوازية الصغرى ، أو الأحزاب البورجوازية ، أو أحزاب البورجوازية التابعة ، أو الأحزاب الإقطاعية ، أو أحزاب اليمين المتطرف . لنكون بذلك قد ميزنا بين من يحفظ الأمن ، و من يسعى إلى الإخلال به ، سواء تعلق الأمر بالقانون ، أو بالدولة ، أو بالنقابات ، أو بالجمعيات ، أو بالأحزاب السياسية ، حسب منظورنا للأمن العام ، و الإخلال به ، على جميع المستويات الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية .
فهل يرقى المواطنون إلى مستوى الوعي بالأمن العام ، و الإخلال به ؟
و هل يعمل المسؤولون على حفظ الأمن العام ، بناء على القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية ؟
و هل تعمل النقابات على فرض احترام الأمن الاقتصادي ، و الاجتماعي للشغيلة ، و سائر الكادحين ؟
و هل تقوم الجمعيات بالعمل على حفظ الأمن الثقافي ، و التربوي ، و التنموي ؟
و هل تعمل الأحزاب السياسية على حفظ الأمن السياسي ؟
ذلك ما سنحاول الوقوف عليه من خلال هذه المعالجة ، التي نتوخى من خلالها الوقوف على مسؤولية كل جهة ، في حماية الأمن العام ، أو الإخلال به ، وصولا إلى حفز كل الجهات على وضع حد للخروقات التي ترتكب باسم حفظ الأمن العام .
مفهوم الأمن العام :
إن الأمن العام مفهوم يهم كل مجالات الحياة ، لعلاقته بسيرها العادي الذي يقتضي انضباط أفراد المجتمع للقوانين ، و العادات ، و التقاليد ، و الأعراف ، و لكون هؤلاء الأفراد لا يمكن لهم أن يعيشوا حياتهم العادية إلا بواسطة ذلك الانضباط الذي يجب أن تتوفر له شروطه الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية بما يتلاءم و متطلبات الحياة ، و مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
و في هذا الإطار يمكن أن نقول : إن الأمن العام يعني ضمان توفير الأمن الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي ، حتى يطمئن الناس الذين يعيشون في بلد معين على حياتهم ، و على واقعهم ، و على مستقبل أبنائهم ، و يتمكنوا من المساهمة في بناء وطنهم على جميع المستويات الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية . هذا البناء المستمر الذي لا يتوقف أبدا هو الذي يدخل في إطار إنضاج شروط الأمن المستدامة .
فماذا نعني بالآمن الاقتصادي ؟
و تبعا لما رأيناه أعلاه ، فإن الأمن الاقتصادي لا يعني إلا تمتيع جميع الناس بالحقوق الاقتصادية التي تجعلهم يحصلون على حاجياتهم الضرورية ، و الكمالية ، و الترفيهية حتى تتحقق كرامتهم التي هي شرط وجود الإنسان كإنسان ، و تمتيع الناس بالحقوق الاقتصادية ، يأتي عن طريق التوزيع العادل للثروة ، عن طريق ضمان الحصول على العمل للجميع ، و بأجور تتناسب مع متطلبات الحياة ، و تمكن الإنسان من تغذية روحه ، وعقله ، و جسده ، و اطمئنانه على حياته ، و حياة أسرته ، و على مستقبل أبنائه الاقتصادي .
أما الأمن الاجتماعي ، فلا يعني إلا تمتيع جميع الناس بجميع الحقوق الاجتماعية كالتعليم ، و الصحة ، و السكن ، و الشغل ، و غيرها من الحقوق الاجتماعية ، التي تضمن لكل فرد من أفراد المجتمع الاندماج الاجتماعي ، و المساهمة في العمل على حماية تلك الحقوق ، حتى لا تتعرض للخرق من قبل الجهات التي تستفيد من ممارسة الخرق . و العمل على جعل القوانين الاجتماعية متلائمة مع المواثيق الدولية ، حتى يصير أفراد المجتمع مطمئنين على مستقبلهم الاجتماعي ، و مستقبل أبنائهم الصحي ، و التعليمي ، و جعل السكن و الشغل متاحين للجميع في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية الرائدة .
و بالنسبة للأمن الثقافي فإننا نجد أنه يتجسد في تمتيع جميع المكونات الثقافية ، الرائجة في المجتمع ، بنفس الحقوق حتى يقوم بدوره في نشر القيم الثقافية في المجتمع ، و في النمو السليم للأدوات الثقافية الخاصة بكل مكون ، حتى تتطور القيم الثقافية و يتحقق الاندماج الثقافي لجميع أفراد المجتمع ، و تتحقق الوحدة الثقافية للمجتمع الذي يعتبر الحصن الحصين ضد كل أشكال الخروقات ، التي يمكن أن تتعرض لها كل المكونات الثقافية ، أو بعضها .
أما الأمن المدني ، فإنه يتجلى في تمتيع جميع الناس بالحقوق المدنية التي تقتضي ألا بكون ، هناك ، فرق بينهم بسبب الانتماء الطبقي ، أو العرقي ، أو اللغوي ، أو الجنس فكل الناس سواء ، في الحقوق ، و في الواجبات ، و أمام القانون . و الوعي بالحقوق المدنية ، يقتضي النضال من أجل ملاءمة القوانين المدنية مع المواثيق الدولية ، و خاصة منها ما يتعلق بقوانين الأسرة ، و قوانين حماية الأسرة ، و الطفل ، و العمل على حماية الحقوق المدنية ، بكافة الوسائل الممكنة ، حتى يأمن الناس ، أنى كان لونهم ، أو جنسهم ، أو لغتهم ، أو عرقهم ، أو الطبقة التي ينتمون إليها ، على حقوقهم المدنية ، في حاضرهم ن و مستقبلهم .
و بالنسبة للأمن السياسي ، فإننا نجد أنه لا يتحقق إلا بإقرار دستور ديمقراطي ، يضمن ممارسة ديمقراطية حقيقية اقتصادية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و مدنية بالإضافة إلى المضمون السياسي الذي يقتضي وجود قوانين انتخابية ، بضمانات كافية ، لإجراء انتخابات حرة ، و نزيهة ، من أجل إيجاد مؤسسات تمثيلية ، محلية ، و إقليمية ، و جهوية ، و وطنية تنبثق عنها حكومة تكون في خدمة الشعب ، ليسود بذلك الأمن السياسي الذي تترتب عنه كافة أشكال الأمن الأخرى .
و هذه المستويات من الأمن الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي تساهم بشكل كبير في سيادة الاستقرار فيسود الاطمئنان في المجتمع و تصير الحاجة إلى أجهزة الأمن ، ذات الطبيعة العسكرية ، ذات طابع ثانوي ، و من أجل المراقبة العامة ، ليس إلا .
و بذلك نجد : أن مفهوم الأمن العام ، هو مفهوم أعمق مما هو ممارس في حياتنا اليومية ، و الذي يعتمد بالدرجة الأولى على استعمال القوة ، التي يمكن اعتبارها ، في نظر الطبقة الحاكمة ، هي الوحيدة التي بواسطتها يمكن أن يتوفر الأمن ، بالمعنى المخالف لما رأيناه ، و الذي لا ينتج إلا حالة من الاسترهاب التي تسود في صفوف المواطنين ، فيقبلون الأمر الواقع على أنه قضاء و قدر، و هو في الواقع ليس إلا ممارسة إرهابية تهدف إلى تكريس سياسة اقتصادية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و مدنية ، و سياسية ، على أنها ممارسة تخدم مصلحة الطبقة الحاكمة ، و الطبقات التي تسبح في فلكها . و إذا قاوم أحد تلك السياسة ، يوضع في خانة الذين يمارسون الإخلال بالأمن العام ، فيتابع لأجل ذلك .
مسؤولية حفظ الأمن العام :
و الأمن العام – كما قدمنا تصورنا له – يحتاج إلى من يحفظه ، و يعمل على استمراره ، و استدامته ، و يحرص على أن لا يتم الإخلال به ، لضمان السير العادي للحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية . فمن المسؤول عن حفظ الأمن ؟ هل هذه المسؤولية قانونية ؟ أم إنها مسؤولية الدولة ؟ أم مسؤولية النقابات ؟ أم أنها مسؤولية الجمعيات الثقافية ، و التربوية ، و الترفيهية ، و التنموية ؟ أم إنها مسؤولية الأحزاب السياسية ؟
إن حفظ الأمن العام هي مسؤولية جميع ما ذكرنا ، و لكن بشرط أن يعمل الجميع على سيادة ثقافة حفظ الأمن العام ، حسب المفهوم الذي تعرضنا إليه . و كل من لم يعمل على سيادة تلك الثقافة ، فإنه يقف بشكل أو بآخر وراء سيادة الإخلال بالأمن العام .
و حتى نكون على بينة أكثر ، فإننا نستعرض طبيعة المسؤوليات المتعلقة بحفظ الأمن ، و مستويات تلك المسؤوليات :
1) و أول مسؤولية يمكن أن نستحضرها هنا هي : المسؤولية القانونية . فماذا نشترط في القوانين حتى تساهم بشكل كبير في حفظ الأمن العام ؟
إن ما تعودنا عليه في حياتنا : أن الطبقة الحاكمة عندما تخطط لتشريع القوانين التي تحكم سير الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية ، فإنها لا تراعي في التشريع إلا مصلحتها الطبقية . الأمر الذي يجعل أمن الطبقات الأخرى يتعرض للإخلال بالأمن العام . و لتجنب هذه الوضعية التي تجعل القوانين مصدر الإخلال بالأمن العام ، نرى ضرورة أن تكون الهيئات المعنية بالتشريع ، منبثقة عن انتخابات ديمقراطية حرة ، و نزيهة . و أن تكون القوانين التي تصدر عنها متلائمة مع المواثيق الدولية ، و مراعية لمصالح جميع أفراد المجتمع بقطع النظر عن لونهم، أو جنسهم، أو عرقهم، أو لغتهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها، حتى تصير تلك القوانين مصدر أمن جميع الناس على السواء. و إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن القوانين تبقى هي المصدر الحقيقي للإخلال بالأمن العام للعديد من الطبقات، و الشرائح الاجتماعية المتضررة من تلك القوانين.
2) و مسؤولية الدولة تعتبر امتدادا للمسؤولية القانونية، لأن الدولة بأجهزتها المختلفة هي المسؤولة عن تطبيق القوانين المختلفة. فإذا كانت تلك القوانين صادرة عن الأجهزة الديمقراطية، فإن إشراف الدولة يقف وراء حفظ الأمن العام. و إذا كانت تلك القوانين صادرة عن أجهزة غير ديمقراطية لا تحرص على ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية، فإن الدولة المشرفة على تطبيقها تكون مخلة بالأمن العام، إلا أن طبيعة الدولة نفسها عندما تكون مستبدة، فإنها لا تعطي أي اعتبار للقوانين، سواء كانت متلائمة مع القوانين، أو غير متلائمة معها. و لذلك فهي تتحول إلى دولة للتعليمات التي تراعي في إصدارها أن تتناسب مع مصالح الطبقة او الطبقات التي تتحكم فيها، و هي بذلك تصير اكبر مخل بالأمن العام، لأن تعليمات الدولة ستنتج هضم حقوق الناس الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، كما قد تنتج حرمان الناس من ممارسة حرياتهم السياسية، و النقابية، و الجمعوية، فتنعدم حرية التعبير عن الرأي، و تصير الصحافة مقيدة، و تصير الحريات الأخرى في خبر كان. و لذلك نرى أن دولة من هذا النوع هي دولة استبدادية يجب التصدي لاستبدادها، و النضال من أجل دولة ديمقراطية حقيقية، تشرف على تطبيق قوانين ديمقراطية متلائمة مع المواثيق الدولية، و تسعى إلى خدمة مصالح جميع الطبقات الاجتماعية. فمسؤولية الدولة في حفظ الأمن العام، إذن، لها علاقة أولا ، بطبيعة القوانين التي تشرف على تطبيقها، و هل هي ديمقراطية متلائمة مع المواثيق الدولية، أم لا ؟ و لها علاقة ثانيا، بطبيعة الدولة نفسها، وهل هي ديمقراطية ؟ أم أنها دولة استبدادية ؟ و انطلاقا من طبيعة القوانين ، فإن الدولة قد تساهم في حفظ الأمن فعلا، و قد تقف وراء الإخلال بذلك الأمن.
3) و بالنسبة لمسؤولية النقابات في حفظ الأمن، فإن تلك المسؤولية تتحدد في نضال تلك النقابات المستمر، و المسؤول، و المبدئي، من أجل تحمسين الأوضاع المادية، و المعنوية للشغيلة، حتى تأمن على مستقبلها، و على أبنائها، مهما كانت التضحيات التي يتحملها النقابيون المنتمون إلى النقابات المناضلة، و المبدئية. إلا أن بعض النقابات ذات القيادات البيروقراطية، أو الذين يعملون على جعل النقابة تابعة لحزب معين، أو منظمة حزبية موازية، أو جعلها مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين، نجد أنها تعمل على خدمة مصالح تلك القيادات، أو الأحزاب، على حساب الإخلاص لخدمة مصالح الشغيلة. و هو ما يعني مساهمة النقابات، اللامبدئية، في إنضاج الشروط الموضوعية للإخلال بالأمن، الذي تمارسه الدولة، بدعم من النقابات اللامبدئية. و لذلك كان من اللازم فضح و تعرية ممارسة نقابات من هذا النوع، في أوساط الشغيلة، حتى لا تنخرط في صفوفها، و تلتحق بالنقابات المبدئية، و تعمل على قيام شروط حماية الأمن العام عن طريق فرض تلبية المطالب المادية، و المعنوية للشغيلة، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى تأمن على مستقبلها، و مستقبل أبنائها، و تساهم مساهمة إيجابية في حماية الأمن العام لصالح الشغيلة، و لصالح المجتمع ككل.
4) و إذا تعلق الأمر بالجمعيات، فإن مساهمتها في حماية الأمن العام تتجسد في حرصها على مبدئية العمل الجمعوي، من اجل سيادة ديمقراطية الجمعيات، و تقدميتها، و جماهيريتها، و استقلاليتها، حتى لا تتحول إلى أدوات في يد قياداتها، التي توظفها لخدمة مصالحها الخاصة، أو مصالح الأحزاب التي ينتمون إليها، أو تحويلها إلى مجال للإعداد، و الاستعداد لتأسيس حزب معين، لأن الجمعيات إذا لمم تكن مبدئية، فإنها تكون منتجة للأمراض التنظيمية المختلفة، و تعمل على إشاعة الممارسة اللاديمقراطية، و اللاشعبية، فيختل الأمن بسبب ذلك لصالح الطبقات الرجعية المتخلفة، و اليمينية المتطرفة، ضدا على مصالح غالبية أفراد المجتمع، من الأجراء، و سائر الكادحين، و المحرومين، و المقهورين. و بتلك الممارسة، تكون الجمعيات اللامبدئية مخلة بالأمن العام للمجتمع، وحتى تصير خامية للأمن العام، لابد و أن تصير ديمقراطية، و تقدمية، و جماهيرية، و مستقلة، من أجل أن يكون منتوجها في خدمة جميع أفراد المجتمع، مهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها، أو اللغة التي يتكلمونها، أو العرق الذي يتأصلون منه، أو اللون الذي يحملونه، و في جعلهم يمتلكون وعيا ثقافيا، و تربويا، و تنمويا متميزا يقود إلى الاطمئنان على أوضاعهم المادية، و المعنوية، الحالية، و المستقبلية.
فالجمعيات الثقافية، و في سعيها إلى إنتاج القيم الثقافية المساهمة في تقويم الشخصية الفرديةن و الاجتماعية، تساهم بذلك في حماية الأمن العام. و تقويم الشخصية، لا يتم إلا بنشر القيم الديمقراطية، و ثقافة حقوق الإنسان، و قيم الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، و بناء قيم الرفض لكل ما يؤدي إلى تخريب الشخصية الفردية، و الاجتماعية. و استنبات قيم الانضباط لدولة الحق، و القانون التي تعمل على إشاعة حقوق الإنسان في المجتمع، و التربية عليها و التشبع بقيمها، و ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية، لضمان سيادة الأمن العام لجميع المواطنين على السواء، لتكون الجمعيات الثقافية قد لعبت دورها، و وفرت شروط قيام ثقافة ديمقراطية، تسمح بتنوع المكونات الثقافية، و تطورها، و مساهمتها في بث القيم في المجتمع.
و الجمعيات التربوية تسعى إلى إشاعة تربية التقدم، و التطور، و مناهضة تربية التخلف، من اجل نشأة الأجيال على التشبع بالقيم النبيلة، التي تساهم في بلورة الشخصية السليمة، التي تحرص على المساهمة الإيجابية في كل مناحي الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، مما يساهم، بشكل إيجابي، في جعل الأجيال حافظة للأمن العام، في جميع مجالات الحياة. لأن التربية التي تعني في عمقها تنظيم بث القيم، في صفوف الأجيال الصاعدة، انطلاقا من منظور محدد، تلعب دورا أساسيا في تحصين شخصية الفرد، و الجماعة ضد كل ما يؤدي إلى القيام بالإخلال بالأمن العام، أي ضد كل قيم التخلف، و الرجعية، و التطرف اليميني، أو اليساري.
و بالنسبة للجمعيات الترفيهية، فإن دورها يمتد إلى جعل الأجيال الصاعدة تمتلك الأمن النفسي، ضد مختلف الأمراض النفسية، التي تقود إلى التطرف اليميني، أو اليساري، الذي يعمل على الإخلال بالأمن العام. لأن الترفيه، هو أولا و قبل كل شيء، مساهمة غير مباشرة في علاج النفوس المريضة، و جعلها تتخلص من مختلف الأمراض، التي تبقى عالقة بها، بسبب غياب نظام تربوي سليم، على المستوى الرسمي، و الأسرى، و الاجتماعي، إلى أن تصير قادرة على الصمود، في ووجه القيم المتخلفة، التي تطبع النظام التربوي السائد، و تساهم بذلك في سيادة الأمن النفسي، بين جميع أفراد المجتمع. و هو ما يمكن اعتباره إعدادا، و استعدادا، للمساهمة في سيادة، و حفظ الأمن العام على جميع المستويات، و في مختلف مناحي الحياة.
أما الجمعيات التنموية، فإن مساهمتها في حفظ الأمن العام، تتمثل في حفز الشباب على التفكير الدؤوب، و المستمر، في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و في الآليات التي يمكن اعتمادها للإسراع بتلك التنمية. الأمر الذي يترتب عنه الانشغال العام بالتطور في مختلف مناحي الحياة، و في مختلف المجالات، بما فيها، مجال حماية ما يتوصل إليه الإنسان من إبداعات، في مجال التنمية. و هو ما يعتبر مساهمة فعالة في حفظ الأمن العام، خاصة، إذا تم العمل على إنضاج الشروط الموضوعية، بما فيها الشرط الديمقراطي، لقيام تنمية حقيقية، تساهم في تطور الفكر و المجتمع و علاقات الإنتاج، نحو الأفضل، و وفق ما تقتضيه حركة التاريخ.
و بهذه الأشكال من الجمعيات تتجسد مسؤولية الجمعيات في العمل على حماية الأمن الثقافي، و التربوي، و الترفيهي، و التنموي، و بطرق تتناسب مع طبيعة كل جمعية على حدة.
5) فما مسؤولية الأحزاب السياسية في حفظ الأمن العام ؟
إننا بعد استعرضنا لمسؤولية القانون و مسؤولية الدولة، و مسؤولية النقابات، و مسؤولية الجمعيات، في حفظ الأمن العام نصل إلى معالجة مسؤولية الأحزاب في حفظ الأمن العام. لأن الأحزاب السياسية، إما أن تكون ديمقراطية، فتسعى بما توفر لديها من تنظيمات، و من برامج محلية، و إقليمية، و وطنية، إلى إقرار سياسة اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية، و ديمقراطية، من الشعب، و إلى الشعب، فتقف بذلك السعي، وراء سيادة حفظ الأمن العام الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، و اطمئنان الناس على حاضرهم، و مستقبلهم، و انخراطهم في بناء ما يهم التنمية المستدامة، في جميع مناحي الحياة، و في مختلف المجالات.
و مسؤولية الأحزاب السياسية عن حفظ الأمن العام، تتجسد في العمل على :
إقرار دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب، و يضمن إجراء انتخابات حرة، و نزيهة. و الدستور الديمقراطي هو الذي يساهم الشعب في صياغته، و المصادقة عليه، حتى يتحمل مسؤوليته في وجود الدستور، نفسه، الذي يجب أن يكون متلائما مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الانسانية، الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى يكون مصدرا للقوانين المحليةن و المتلائمة مع تلك المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. و هو ما يعتبر مساهمة فعالة، و أساسية، في حماية الأمن العام.
إيجاد قوانين انتخابية، بضمانات كافية، لإجراء انتخابات حرة، و نزيهة، من أجل إيجاد مجالس جماعية، تكون في خدمة المواطنين، و مجالس إقليميةن و جهوية تقوم بتنظيم الشؤون الإقليمية، و الجهوية. بالإضافة إلى إيجاد مؤسسة البرلمان التي تقوم بمهمة تشريع القوانين اللازمة لتدبير أمور الناس الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و العمل على ملاءمة مختلف القوانين مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانية. و هو ما يعتبر مساهمة من القوانين الانتخابية، في حماية الأمن العام، لكونها تساهم في تكريس جانب مهم و أساسي من الديمقراطية الحقيقية، التي تمكن الشعب من الاختيار الحر، و النزيه، مع احترام ذلك الاختيار للجماعات المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و للبرلمان، الذي يفرز حكومة تكون في خدمة الشعب، و تشرف على تنفيذ الاختيارات الشعبية، و الديمقراطية، التي هي المدخل الأساس لحماية الأمن العام لجميع المواطنين على السواء.
و لأجرأة تلك القوانين الانتخابية، التي تحمل ضمانات كافية، لابد من العمل على إنضاج شروط إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، بإنشاء هيئات مستقلة، تشرف على إجراء الانتخابات من بدايتها، إلى نهايتها، انطلاقا من إيجاد لوائح انتخابية نظيفة من مختلف الشوائب التي تساهم في تكريس تزوير الانتخابات، و وضع حد لكل أشكال تمييع الانتخابات، عن طريق تجريم إقامة الولائم، و شراء الذمم، و توفير مناخ مناسب للحملات الانتخابية في وقتها، و إتاحة الفرصة لجميع الأحزاب من اجل قيامها بمراقبة التصويت، و الإعلان عن النتائج حتى يكون الجميع على بينة مما يجري، و حتى تكون نتائج الانتخابات معبرة، فعلا، عن إرادة الشعب، و عن الممارسة الديمقراطية الحقة، التي تعتبر ضمانة أساسية في حماية الأمن العام، لتكون الانتخابات مناسبة لتأكيد سيادة الشعب على نفسه، و لضمان سلامة أمنه، الذي يعتبر شرطا لقيام تنمية حقيقية في جميع مجالات الحياة.
و بعد الاختيار الحر و النزيه للمجالس الجماعية، لابد من حرص الأحزاب السياسية، على العمل على تفعيل المؤسسات الجماعية المختلفة، و في مقدمتها المجالس الجماعية، التي نرى أن تفعيلها في الاتجاه الصحيح، يعتبر شرطا لقيام تنمية محلية حقيقية اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية، و مدنية، و سياسية، تجعل أعضاء كل جماعة على حدة يطمئنون على مستقبلهم، و يأمنون على واقعهم، و يتخلصون من كل الأمراض التي تنخره، و تخرب كيانه، حتى يصير ذلك الواقع قدوة، و مقصدا لكل من يسعى إلى بناء حياة سليمة من كل عوامل التشويه، التي تجعل الناس يخافون على أمنهم، و لا يطمئنون على مستقبلهم. و لذلك، فتفعيل الجماعات المحلية يجعل المواطنين ينشغلون بشؤون حياتهم اليومية و هم مطمئنون، لا يوجد ما يعرقل مسيرتهم التنموية، نظرا لضمان حماية الأمن العام بسبب وضع الجماعات المحلية في خدمة المواطنين، على جميع المستويات، و في جميع المجالات، و في مختلف مناحي الحياة.
و إلى جانب حرص الأحزاب السياسية على تفعيل الجماعات المحلية، لابد من أن تحرص على تفعيل مؤسسة البرلمان، باعتبارها مؤسسة تشريعية، تقوم بوضع القوانين التي تقتضيها مستجدات الحياة في مختلف مناحيها، و في جميع مجالاتها، و على مختلف مستوياتها، و تعمل على ملاءمة القوانين القائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يحقق الغاية من وجوده، و المتمثلة في تحقيق إرادة الناخبين في الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية. فالبرلمان المنبثق عن انتخابات حرة، و نزيهة، لابد أن يعمل على تحقيق إرادة الناخبين، و لابد أن يكون مخلصا للبرامج الانتخابية التي أوصلت أعضاءه إلى قبة البرلمان، و لابد أن يفرز من بين أغلبيته حكومة تكون معنية بتنفيذ القوانين التي يصادق عليها، و لابد أن يصير أداة للتغيير الديمقراطي الحقيقي الذي ينشده الناخبون، و معهم الشعب الذي ينتمون إليه. و برلمان من هذا النوع، لا يمكن أن يعبر إلا عن وجود ديمقراطية حقيقية من الشعب، و إلى الشعب، و لابد أن يساهم مساهمة فعالة في حفظ الأمن العام، و سيادة ذلك الحفظ، على جميع المستويات المحلية، و الإقليمية، و الوطنية، و في جميع المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و في جميع مناحي الحياة. بالإضافة إلى كونه يكسب المواطنين مناعة ضد كل أشكال الإخلال بالأمن العام، لانعدام شروط ذلك الإخلال، و لانعدام الحاجة إليه.
و إلى جانب تفعيل المؤسسة البرلمانية، فإن الأحزاب السياسية تقوم بتفعيل الحكومة المنبثقة عن البرلمان، و من موقعها كأحزاب تتحمل مسؤوليات الحكومة، أو كأحزاب معارضة. فالحكومة المنبثقة عن البرلمان، تدرك اكثر من غيرها، أن من واجبها حفظ الأمن العام. و لكن ما هي الآليات التي يجب اعتمادها ؟ هل تحتمل القوة فقط كما تفعل الحكومات اللاديمقراطية و اللاشعبية ؟ إن الحكومة المنبثقة عن البرلمان، هي حكومة ذات برنامج، و تعمل على تنفيذ ذلك البرنامج، الذي أكسب أحزابها الأغلبية في البرلمان. و لذلك نجد أن الآليات، التي يمكن اعتمادها من قبل الحكومة، من اجل حفظ الأمن العام تتمثل في :
- إعداد مشاريع قوانين متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و عرضها على البرلمان من أجل المصادقة عليها.
- إعداد مشاريع مراجعة القوانين القائمة، من أجل ملاءمتها مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و التي تستهدف جميع مناحي الحياة.
- العمل على تطبيق جميع القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية، و على تفعيل البرنامج الحكومي الهادف إلى تغيير الواقع، و تطوير المجتمع.
- الحرص على أن يكون التعليم، و الصحة، و السكن، و الشغل للجميع، لا فرق في ذلك بين الناس بسبب الانتماء الطبقي، أو اللغوي، أو الجنسي، أو العرقي، أو القبلي.
- الحرص على احترام الحريات العامة الفردية، و الجماعية، السياسية، و النقابية.
- الحرص على تمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق، الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.
- العمل على وضع حد لجميع الخروقات، التي تطال حقوق الإنسان، و مهما كان مصدرها.
- استحضار احترام حقوق الإنسان، في العلاقات الدولية، حتى تحتل الحكومة مكانتها بين الحكومات القائمة في العالم.
- الحرص على تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية، و التعامل مع باقي الدول، على أساس الاستقلال الاقتصادي.
- الحرص على إنضاج شروط المنافسة الاقتصادية، حتى يحتل الاقتصاد الوطني مكانته بين الدول، في إطار ما صار يعرف بعولمة اقتصاد السوق.
و حكومة من هذا النوع، تلتزم بهذه الآليات لابد أن تكون منضجة لشروط حفظ الأمن العام، بدون اللجوء إلى الاكتفاء فقط بتفعيل أجهزة الأمن المختلفة، التي لا يمكن اعتبارها إلا أجهزة قمعية ليس إلا، تلجأ إليها الحكومات اللاشعبية، و اللاديمقراطية، التي لا تحترم حقوق الإنسان، و لا تعمل على ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية، و تتعامل مع الديمقراطية على أنها مجرد ديمقراطية للواجهة، موجهة للاستهلاك الخارجي.
و بذلك نكون قد وقفنا على مفهوم حفظ الأمن العام، و مسؤولية ذلك الحفظ القانونية، و مسؤولية الدولة، و النقابات، و الجمعيات، و الأحزاب السياسية. لأن حفظ الأمن العام هو مهمة جماعية اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية، و مدنية، و سياسية، و ليست مهمة أمنية موكولة إلى أجهزة الأمن القمعية، كما هو حاصل الآن في معظم الدول.
فهل تتحمل كل جهة مسؤوليتها الكاملة، و التاريخية في حفظ الأمن العام ؟
إن تحمل المسؤولية الكاملة و التاريخية يقتضي امتلاك الوعي الكامل، و من قبل جميع أفراد المجتمع، و مهما كانت مسؤوليتهم، بضرورة المساهمة في حفظ الأمن العام، كل من موقعه، حتى يسود الاستقرار الذي هو شرط البناء الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، الذي لا يمكن اعتباره إلا ممارسة ديمقراطية على أرض الواقع، الذي يتمتع فيه جميع أفراد المجتمع بجميع الحقوق. و تلك الممارسة الديمقراطية هي الحصانة ضد ممارسة الإخلال بالأمن العام.
مفهوم الإخلال بالأمن العام :
فماذا نعني بالإخلال بالأمن العام ؟
إن الإخلال بالأمن العام مفهوم يمكن أن يكيفه كل من يصل إلى السلطة، حسب ما يخدم مصلحته، أو مصلحة الطبقة، أو الحزب، أو التيار الذي ينتمي إليه. فيعتبره إخلالا ببنود قانون الحريات العامة. أو قانون تكوين الأحزاب السياسية، أو الجمعيات، أو النقابات، أو خرق قانون الانتخابات، و غير ذلك ، مما له علاقة بالشأن العام، من أجل تقييد كل من يقدم على عمل يهدف إلى الكشف عن القيود القانونية، التي تقيد الحريات العامة، و تحول دون قيام الناس بالمطالبة، و بشكل منظم، بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، لأن تلك المطالبة المنظمة، قد تعتبر إخلالا بالأمن العام الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. و هو ما يجعل الحاكمين يحركون القوات المختلفة لقمع الحركات المطلبية، بدعوى الإخلال بالأمن العام. فالإخلال بالأمن العام، حسب رأي الحاكمين، يعني مخالفة قوانين الحريات العامة، من اجل تحقيق غاية معينة، يسميها الحاكمون ب" تهديد أمن الدولة"، و لكن أي أمن ؟ إنه أمن السيطرة الإيديولوجية، و السياسية، التي تمارسها الدولة، إلى جانب السيطرة بواسطة أجهزة القمع المختلفة، و التي لا تتحرك إلا عندما تختل السيطرة الإيديولوجية، و السياسية. لأن الدولة، باعتبارها أداة السيطرة الطبقية، تعتمد بالدرجة الأولى، على السيطرة الاقتصادية المتجسدة في ملكية الطبقة الحاكمة لوسائل الإنتاج، ثم السيطرة الإيديولوجية، التي تجعل الكادحين يتوهمون في يوم من الأيام انهم سيصبحون مالكين لتلك الوسائل، ثم السيطرة السياسية التي تمكنها من السيطرة على الأجهزة التشريعية، و التنفيذية. فالمطالبة بالحقوق، و بالوسائل المشروعة عندما تكشف عن أباطيل الوهم الإيديولوجي، و تقف وراء تفنيد خلفيات المواقف السياسية، و تسعى إلى الكشف عن الأضرار الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي تهدد مستقبل الكادحين، فإن تلك المطالبة بالحقوق المذكورة تصير مخالفة للقوانين بصفة عامة، و لقوانين الحريات العامة بصفة خاصة، و بالتالي إخلالا بالأمن العام.
أما حسب رأي الكادحين، فإن الإخلال بالأمن العام لا يعني إلا حرمانهم من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و من ممارسة حرياتهم العامة، و النقابيةن و الجمعوية، و تزوير إرادتهم، و فرض مجالس محلية، و وطنية، لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة. و هو ما يعني قيام شروط موضوعيةن و برغبة ذاتية للطبقة الحاكمة، لإفراز العديد من الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي تجر الكثير من الويلات، التي تتجسد في سيادة ثلاثي الفقر، و المرض، و الجهل، و يطيل قائمة مطالب الجماهير الشعبية، التي تجد نفسها، تحت ضغط الحاجة، مضطرة للحركة في اتجاه طرح مطالبها، فتتهم بالإخلال بالأمن العام. و حسب هذا التصرف، فإن الذي يقف وراء وجود الإخلال بالأمن العام، هو الطبقة الحاكمة، التي تسخر كل شيء لخدمة مصالحها، و حماية تلك المصالح، مقابل دوس مصالح الكادحين على جميع المستويات. و لذلك فهي تقف وراء :
1) الإخلال بالأمن الاقتصادي، عن طريق فرض النظام الاقتصادي التبعي، الذي يغرق البلاد في الديون، و يعمق الفوارق الطبقية، التي تزيد من معاناة الكادحين الاقتصادية، و تدفعهم إلى اللجوء إلى القيام بممارسة اقتصادية غير طبيعية، في إطار ما صار يعرف بالاقتصاد غير المهيكل. و النظام الاقتصادي التبعي يقوم بدورين متلازمين : الدور الأول خدمة مصالح الدين الخارجي. و الدور الثاني يتجسد في سيادة الامتيازات، التي لا حدود لها، و التي تقف وراء وجود بورجوازية غير أصيلة، تقف وراء قيام اقتصاد هش، يمكن وصفه باقتصاد الريع، الذي يدر أرباحا طائلة على أصحاب الامتيازات المختلفة، و المتعددة، و التي يمكن اعتبارها بمثابة رشوة يتلقاها العديد من الأشخاص من قبل الطبقة الحاكمة، حتى يتحولوا، هم بدورهم إلى جزء من تلك الطبقة، و سوق لها، و تعبير عن التطور المشوه للاقتصاد المحلي، في علاقته بالاقتصاد الإقليمي، و العالمي. و سيادة النظام الاقتصادي التبعي، يكرس، و بشكل كبير، الإخلال بالأمن الاقتصادي لعموم الكادحين، لأنه يحرمهم من تحقيق العدالة الاقتصادية، التي تساهم بشكل كبير، في جعل جميع المواطنين يحصلون على حاجياتهم الضرورية، و الكمالية، و الترفيهية. و بالتالي، فإن المحرومين من الكادحين يجدون أنفسهم مضطرين للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية، فيتهمون بالإخلال بالأمن العام.
2) الإخلال بالأمن الاجتماعي، الذي يعتبر نتيجة للإخلال بالأمن الاقتصادي، فيحرم الكادحون من التعليم، و التطبيب، و السكن، و الشغل، و غير ذلك، مما له علاقة بالحياة الاجتماعية. فالحرمان من التعليم، أو الاستمرار فيه ،لا يعني إلا فرض سيادة الأمية بين الكادحين، حتى لا يقووا على مواجهة متطلبات الحياة، و حتى يقعوا تحت طائلة استغلال الطبقة الحاكمة، استغلالا همجيا إيديولوجيا، و سياسيا، و اقتصاديا. و الحرمان من العلاج معناه نخر كيان الكادحين، و ضعفهم، أمام قوة، و جبروت الطبقة الحاكمة، التي تستغل انتشار الأمراض المختلفة بين الكادحين، للتحكم في مصيرهم الاجتماعي. و الحرمان من السكن اللائقن و المناسب، و الصحي، يجعل الكادحين يتنازلون عن حقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، مقابل ازدهار ما صار يعرف بالسكن العشوائي، أو مدن القصدير، و هو سكن غير صححي، و يتكدس فيه الكادحون بشكل لا إنساني، و يعكس تعميق الفوارق الطبقية، و الاجتماعية، التي تقف الطبقة الحاكمة وراء سيادتها في المجتمع. و الحرمان من العمل يقود إلى انتشار البطالة بين أفراد المجتمع، و هو ما يعتبر وسيلة لممارسة الضغط على العاملين في مختلف القطاعات الخاصة، و العامة، مما يجعلهم يتخلون، و بصفة نهائية، عن المطالبة بتحسين أوضاعهم المادية، و المعنوية، خوفا من تعرضهم للتسريح. لأن انتشار البطالة الذي يلحق ضررا كبيرا بالكادحين لا يخدم، في نهاية المطاف، إلا مصالح الطبقة الحاكمة، التي تحكم السيطرة الإيديولوجية، و الاجتماعية، و الاقتصادية، على جميع أفراد المجتمع، لتفتقد بذلك العدالة الاجتماعية التي ينشدها الكادحون.
3) الإخلال بالأمن الثقافي الذي يتجسد في فرض سيادة ثقافة الطبقة الحاكمة، التي يمكن اعتبارها: ثقافة التضليل الإيديولوجي بامتياز، و في العمل على تهميش ثقافة التنوير، و ثقافة الطبقات الكادحة، و المقهورة، و في مقدمتها ثقافة الطبقة العاملة، الحاملة لقيم مناهضة الاستغلال، و التقدم، و التطور، بل و قمح كل القيم التنويرية، و التقدمية، و الإنسانية، التي تزخر بها مختلف المكونات الثقافية الجادة. كما يتجسد في فرض إعطاء حمولات رجعية، و يمينية متطرفة، لمختلف المكونات الثقافية، حتى تساهم، و بشكل كبير، في إشاعة قيم التخلف، و الرجعية، و التطرف. و هو ما يعتبر مساهمة من الطبقة الحاكمة في إرجاع المجتمع إلى الوراء، من اجل إنضاج شروط تأبيد سيطرتها الاقتصادية، و الاجتماعية، و لضمان سيطرتها الثقافية، و عندما يتحرك الكادحون من اجل قيام ثقافة حقيقية، و ديمقراطية، و تقدمية، و إنسانية، فإن الطبقة الحاكمة تعتبر ذلك إخلالا بالأمن العام، و لا تعتبر أن ممارستها الثقافية هي المكرسة للإخلال بالأمن العام. لأن الثقافة عندما لا تكون ديمقراطية تتحول إلي إيديولوجية. و الإيديولوجية لا يمكن أن تكون إلا قمعية، لأنها تعمل على نفي كل القيم التي لا تتناسب مع مصلحة الطبقة صاحبة تلك الإيديولوجية. و هي لذلك تنفي إمكانية التفاعل مع الثقافات الأخرى، و تدخل معها في صراع غير ديمقراطي، لكونه ينطلق من موقع السيطرة على أجهزة الدولة، و من التوفر على الإمكانيات الضخمة، المتجسدة في الأجهزة الإيديولوجية للدولة. و لذلك نرى أن الطبقة الحاكمة هي الممارس الحقيقي للإخلال بالأمن العام، ضدا على غالبية المقهورين الذين يعتمدون وسائل ثقافية بسيطة لا ترقى إلى مستوى ما تمتلكه الطبقة الحاكمة.
4) الإخلال بالأمن المدني الذي يتجسد في فرض دونية المرأة، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و هذا الفرض ينم عن عقلية مختلفة، يسمونها: بالشريعة الإسلامية التي توظف إيديولوجيا لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، التي تكرس تلك الادلجة. و الواقع أن فرض تكريس دونية المرأة لا علاقة له، لا بالإسلام، و لا بالشريعة، بقدر ما له علاقة بفرض الاستبداد، على نصف المجتمع، من قبل النصف الآخر، الذي يخدم بدون وعي، و بطريقة غير مباشرة، المصلحة الطبقية للطبقة الحاكمة القائمة على وجود الفوارق الطبقية، و الفوارق الاجتماعية، و خاصة بين الجنسين، لأنه، بتكريس تلك الفوارق، يمكن للطبقة الحاكمة أن تفرض استبدادها على المجتمع، و أن تجد، في الواقع، من يساعدها على فرض ذلك الاستبداد، حتى تتمكن من تأبيد سيطرتها، الذي يمكنها من توظيف أجهزة السلطة القائمة، لخدمة مصالحها الطبقية. و إلى جانب تكريس الفوارق بين الرجال، و النساء، على أرض الواقع، نجد أن تلك الفوارق قائمة، و أمام القضاء حيث نجد أن الطبقة الحاكمة، و من يسبح في فلكها، تحتل درجة معينة بسبب الامتيازات القانونية، و القضائية، التي تعطاها، و باقي الطبقات تحتل درجات متدنية، إن لم تكن اكثر تدنيا. و هو ما يعني أن الإخلال بالأمن المدني قائم في الواقع، و في القانون و أمام القضاء، و يلعب فيه الإخلال بالأمن الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، دورا كبيرا، و أساسيا، في وجود الإخلال بالأمن المدني. و كل من تصدى لهذا الشكل من الإخلال، يوصف بارتكابه جريمة الإخلال بالأمن العام، أو يوصف بمخالفة الشريعة الإسلامية، أو بالكفر، و الإلحاد، من قبل من يسعى إلى تكريس استبداد من نوع آخر، يسعى إلى بسطه على المجتمع مؤدلجو الدين الإسلامي، الذين يجدون في تحقير المرأة، و الحط من قيمتها، وسيلة لتحريض الرجال، على فرض حرمان المرأة من حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، بالإضافة إلى حرمانها من الحقوق المدنية. و ذلك الحرمان، هو الذي يسميه أولئك المؤدلجون، بتطبيق الشريعة الإسلامية في علاقة الرجال بالنساء. و هو، في الواقع، ليس إلا إخلالا بالأمن المدني، من قبل المؤدلجين للدين الإسلامي المشار إليهم.
5) الإخلال بالأمن السياسي، الذي يتمثل في نهج سياسة لا ديمقراطية، و لا شعبية، انطلاقا من دستور يفتقد فيه تكريس سيادة الشعب على نفسه. و فرض قوانين انتخابية، تفتقد فيها إمكانية حماية إرادة الشعب، في اختيار من يمثله في المؤسسات المنتخبة، محليا، و جهويا، و وطنيا. و الدستور القائم، والمؤسسات " المنتخبة"، انطلاقا من تلك القوانين، ما هما إلا خطاب موجه للاستهلاك الخارجي الذي تسميه الطبقة الحاكمة بالديمقراطية، و يسميه المناضلون الشرفاء بديمقراطية الواجهة، التي ترتكب في إطارها، ممارسات الإخلال بالأمن العام، التي تستهدف مستقبل الكادحين الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، حتى تبقى الطبقة الحاكمة، هي السائدة، و هي المتمكنة سياسيا، و دستوريا، و في إطار المجالس "المنتخبة". و إذا تحرك المواطنون، للمطالبة بممارسة الديمقراطية الحقيقية، التي تضمن تمتعهم بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، فإن الطبقة الحاكمة تعتبر ذلك إخلالا بالأمن العام. و لذلك فالإخلال بالأمن السياسي، ليس في عمقه إلا فرض حرمان المواطنين من تلك الحقوق المعبرة عن الحق في تقرير المصير المتجسد في إقرار الشعب لدستور ديمقراطي، و إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، لاختيار مجالس معبرة عن احترام إرادة الشعب. و ما سوى ذلك الحرمان ليس إلا مطالبة و سعيا إلى إقرار الأمن السياسي.
و بذلك نجد أن مفهوم الإخلال بالأمن العام يتخذ له الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و يصدر بالدرجة الأولى عن الطبقة الحاكمة، التي تتجسد مصلحتها في حرمان الكادحين من مختلف الحقوق، و أن ما تعتبره الطبقة الحاكمة إخلالا بالأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني و السياسي، لجميع المواطنين، و في جميع مناحي الحياة. و من سمات الحركة المطلبية أنها تتخذ طابع الاستمرار لمواجهة ما تمارسه الطبقة الحاكمة ضد غالبية المواطنين لخدمة مصالحها، و تأبيدا لسيطرتها، و فرضا لسياستها على أرض الواقع.
مسؤولية الإخلال بالأمن العام :
فمن يتحمل مسؤولية الإخلال بالأمن العام ؟ و هل هي مسؤولية قانونية ؟ أم أنها مسؤولية الدولة ؟ و هل تتحمل النقابات جانبا من تلك المسؤولية ؟ و ما نصيب الجمعيات في تحمل المسؤولية ؟ و ما دور الأحزاب في إشاعة الإخلال بالأمن العام في مختلف المجالات، و في جميع مناحي الحياة ؟
إن مسؤولية الإخلال بالأمن العام هي مسؤولية الجميع، و مسؤولية الطبقة الحاكمة، و مسؤولية القانون، و مسؤولية الدولة، و مسؤولية النقابات، و مسؤولية الجمعيات، و مسؤولية الأحزاب السياسية. فهي بامتياز مسؤولية جماعية لا يمكن أن يستثنى منها أي كان، و مهما كان. لأن الإخلال بالأمن العام يلحق الضرر بجميع أفراد المجتمع، مهما كان جنسهم، أو عرقهم، أو لغتهم، أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها. لكن يبقى أن نتساءل : كيف تتحدد تلك المسؤولية ؟ إن المسؤولية، أية مسؤولية، تتخذ مستويين : مستوى مسؤولية الحاكمين ، و مستوى مسؤولية المحكومين. فمسؤولية الحاكمين تتجسد في تكريس الإخلال بالأمن العام، و من موقع الحكم، في جميع المجالات، و باسم القانون، أو عن طريق استغلال النفوذ، أو تنفيذا للتعليمات الوافدة من جهات خارجية، كما يحصل في معظم الدول التابعة. أما مسؤولية المحكومين فتتجسد في الانسياق، و الانصياع، وراء ما يقوم به الحاكمون من إخلال بالأمن العام، و دون إبداء أية مقاومة تستهدف إرجاع الأمور إلى ما يجب أن تكون عليه، فيعمل الجميع على حفظ الأمن العام. لأن انسياق المحكومين وراء الحاكمين، و القبول بممارستهم المخلة بالأمن العام، لا يمكن اعتباره إلا مساهمة في تكريس الإخلال بالأمن العام.
و يتخذ الإخلال بالأمن العام مستويات متعددة يمكن تصنيفها في :
1) المسؤولية القانونية، المتمثلة في صياغة القوانين المختلفة، و خاصة قوانين الحريات العامة، لتناسب مصلحة الطبقة الحاكمة، ضدا على مصالح الكادحين، الذين تهضم حقوقهم في ممارسة حرياتهم السياسية، و النقابية فيضطرون، تحت ضغط القانون، إلى قبول كل ما يمارس عليهم، على أنه هو القانون نفسه، و هو الواقع الذي لا مفر منه. بالإضافة إلى عدم ملاءمة القوانين المختلفة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و بحقوق العمال، و حقوق المرأة، و حقوق الطفل، و غيرها من الحقوق الخاصة. لأن عدم الملاءمة لا يعني إلا الإخلال بالأمن العام، لكون القوانين تكرس الفوارق الجنسية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية. و تكريس تلك الفوارق، لا يمكن اعتباره إلا إخلالا بالأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، لصالح الطبقة الحاكمة، و من يسبح في فلكها، و ضدا على مصالح الكادحين، و سائر المقهورين. و هو ما يستوجب التحرك الجماهيري، بقيادة المنظمات النقابية، و الجمعوية، و الحزبية، من أجل استعادة الأمن، و وضع حد للإخلال به، عن طريق السعي إلى تحقيق العدالة، التي بدونها لا يكون هناك أمن اقتصادي، و اجتماعي، و ثقافي، و مدني، و سياسي. و هذه العدالة لا تتم إلا بمراعاة مصلحة جميع أفراد المجتمع في صياغة القوانين المختلفة، التي يجب أن تتلاءم مع المواثيق الدولية.
2) مسؤولية الدولة المتمثلة في اعتبار نفسها أداة في يد الطبقة الحاكمة، و حامية لمصالحها و مطبقة للقوانين التي تخدم تلك المصالح، و قامعة لمجموع الكادحين، و عاملة على تسخيرهم لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، و من يسبح في فلكها. لأن الدولة كما يقول بعض المنظرين، هي أداة السيطرة الطبقية. و لذلك، فالطبقة التي تحكم، تستغل أجهزة الدولة لحماية مصالحها، و بسط نفوذها، و قمع المقهورين، و إخضاعهم للاستغلال. و استغلال الدولة ليس إلا إخلالا بالأمن العام، لأنه يلغي الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، و يتسبب في المزيد من الكوارث التي تلحق المجتمع، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و لذلك يمكن القول : بأن أكبر إخلال بالأمن العام تقوم به أجهزة الدولة. و ذلك الإخلال، هو الذي يؤدي إلى تنظيم المقاومة الحقوقية، و الثقافية، و النقابية، والحزبية، من أجل وضع حد لذلك الإخلال، حتى تسود العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و تتعامل أجهزة الدولة مع جميع المواطنين، على أساس المساواة فيما بينهم في الحقوق، و الواجبات، و على أساس احترام تكافؤ الفرص. و الدولة لا تتخلى عن قمعها للشعوب المقهورة إلا إذا تحولت، من أداة لبسط السيطرة الطبقية، إلى أداة لتكريس الديمقراطية الحقيقية المنطلقة من دستور ديمقراطي، و انتخابات حرة، و نزيهة لإفراز مجالس تعكس احترام إرادة المناضلين، و تكوين حكومة من أغلبية البرلمان، تكون في خدمة مصالح المواطنين المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و الوطنية.
3) و إلى جانب مسؤولية الدولة في الإخلال بالأمن العام، نجد قيام مسؤولية النقابات في الإخلال بالأمن العام، عندما تغض الطرف عن الخروقات التي تمارسها الدولة المسخرة من قبل الطبقة الحاكمة، بأجهزتها القمعية المختلفة، الإيديولوجية، و العسكرية. و النقابات عندما تغض الطرف، إنما تمارس بشكل، أو بآخر العمالة للطبقة الحاكمة، و تتآمر على الأجراء، و على الطبقة العاملة بالخصوص، و بتلك العمالة، و بذلك التآمر اللتين تباركهما الطبقة الحاكمة، تصير النقابة مخلة بالأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، للأجراء. و بدل أن تعبئ الأجراء لخوض النضالات المطلبية المناهضة لإخلال الدولة، والطبقة الحاكمة، بأمنهم العام كما هو دورها الطبيعي، فإنها تتحول بعمالتها، و تآمرها، إلى وسيلة لتعميق أزمة الأجراء المادية، و المعنوية، و مساعدة على تكريس الإخلال بالأمن العام، في حقهم. و لذلك فإن حفظ أمن الأجراء، يقتضي إعادة النظر في التنظيمات النقابية، عن طريق رصد ممارستها، في علاقتها، مع الطبقة الحاكمة، و مع أجهزة الدولة. و العمل على تقويم تلك الممارسة، و فرض احترام مبادئ العمل النقابي، الذي يجب أن يكون منطلقا لإعادة هيكلة النقابة، من اجل وضع حد لإمكانية إنتاج ممارسة العمالة النقابية للطبقة الحاكمة، و لأجهزة الدولة. و تحويل النقابة إلى منظمة مناضلة من أجل حماية الأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، للأجراء، و طليعتهم الطبقة العاملة.
4) و إلى جانب مسؤولية النقابات في الإخلال بالأمن العام، هناك مسؤولية الجمعيات، التي تتحول إلى أداة في يد الطبقة الحاكمة، و من يسبح في فلكها نظرا للمجالات الكثيرة التي يمكن أن توظف فيها، و نظرا لغياب الوعي بخطورة الانسياق وراءها. و لذلك، فهي تساهم بشكل كبير في الإخلال بالأمن العام، بحيث نجد أنها :
تتحمل مسؤولية الإخلال بالأمن الثقافي، عندما تعمل على نشر ثقافة الميوعة، و التخلف، و الظلامية ، و ثقافة الاستبداد، و اللاديمقراطية، في أوساط الشباب، و اليافعين على السواء، حتى يتشبعوا بالقيم المختلفة، التي لا يستفيد منها إلا الطبقة الحاكمة. و بالتالي: فإن الثقافة الديمقراطية، و الشعبية الحاملة لقيم النبل، و الإخاء، و التضامن، و التعاضد، و الإنسانية، تتراجع إلى الوراء، أو تختفي بصفة نهائية. و إذا كان لابد من عمل يقوم به المستهدفون بالعمل الثقافي، الذي تمارسه جمعيات معينة، فيتمثل في الحرص على أن تكون تلك الجمعيات ديمقراطية، و تقدمية، و جماهيرية، و مستقلة، حتى تستطيع القدرة على تحديد هويتها الثقافية، التي ترضاها الجماهير الشعبية المستهدفة، و تعمل على نشر القيم، التي تجعل تلك الجماهير تعتز بنفسها، و تحرص على أن تكون قادرة على حماية أمنها الثقافي.
و تتحمل مسؤولية الإخلال بالأمن التربوي، لقيامها بنشر القيم التربوية المتخلفة الرجعية، و الظلامية، فتعمل على تنشئة الأجيال، وفق نموذج تربوي زائف، و جاهز، بدعوى المحافظة على القيم التقليدية البالية، التي يسمونها قيما إسلامية، في تربية الأجيال الصاعدة، التي تصير مرددة للمقولات الماضوية، و معبرة عن رغبتها في استرجاع "مجد" الماضي، و الانسياق تلقائيا، و دون تفكير، أو إعمال للعقل، وراء ما يريده الحاكمون، المستفيدون من تكريس التربية الرجعية، أو وراء مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يتوهمون أنهم بتلك التربية المتخلفة، و المتطرفة، يستعيدون "مجد" الإسلام، و هم في الواقع: إنما يعملون على تجييش الأجيال الصاعدة، حتى تنساق وراء تحقيق أهدافهم من أدلجة الدين الإسلامي. و هذه الأدلجة ليست إلا وسيلة لحماية مصالح الطبقة الحاكمة من جهة، و مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي من جهة أخرى. و ممارسة تربوية، كهذه، لا يمكن أن تقف إلا وراء إعادة إنتاج نفس العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و هي علاقات أثبتت التجارب البشرية: أنها تغرق المجتمعات في الجمود العقائدي، الذي يدخلها في الجمود الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. و هو ما يعتبر نتيجة لقيام تربية: رجعية متخلفة، و على أسس غير تربوية. و لتجنب الإخلال بالأمن التربوي يجب إعداد الجماهير الشعبية الكادحة لتحمل مسؤوليتها، في فرض نموذج تربوي يهدف إلى قيام تربية متحررة، و ديمقراطية، و تقدمية، في أفق إعداد أجيال قادرة على الاختيار الحر، و النزيه، و المساهمة الفعالة في بناء اقتصاد وطني متحرر، و في نهج سياسة اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية متحررة، حتى ينفض المجتمع ظاهرة الجمود، التي تعم جميع مناحي الحياة، و في جميع المجالات، لأن التربية الموجهة لا تنتج إلا الجمود، و التربية المتحررة تكسر ذلك الجمود، و تدفع في اتجاه الإبداع، في جميع المجالات. و كل حرص على تكريس التربية المنتجة للجمود، لا يمكن اعتباره إلا تكريسا للإخلال بالأمن التربوي، و مساهمة في تكريس الإخلال بالأمن العام.
و بالإضافة إلى الإخلال بالأمن التربوي، نجد أن الطبقة الحاكمة. و انطلاقا من منظورها المحافظ، و المؤدلج للدين الإسلامي، و يشاركها في ذلك الحريصون على ادلجة الدين الإسلامي، لحسابات سياسية، و مصلحية طبقة، تعمل على إلغاء الحاجة إلى الترفيه، و بصفة نهائية، من حياة الإنسان، حتى لا يكون ذلك وسيلة لتحرر الإنسان من الأمراض النفسية، و الأمراض الاجتماعية، و الثقافية التي يعاني منها أفراد المجتمع. لأن الترفيه صار شرطا لقيام شخصية إنسانية متزنة، و متحررة، و مبدعة، و لأن الطبقة الحاكمة، و معها مؤدلجو الدين الإسلامي،الذين ليس من مصلحتهم قيام تلك الشخصية المتزنة، فإنهم يهاجمون كل أشكال الترفيه، التي يلجأ إليها الناس، باعتبارها مخالفة للدين الإسلامي، و تخدش الحياء، و تعمل على ميوعة الحياة، و تخرب كيان المجتمع. و في مقابل ذلك الهجوم: يفرضون أنماطا من التفكير، و السلوك، و التمظهر المحافظ، باعتبار كل ذلك معبرا عن تجسيد الإسلام في القول، و العمل. و الواقع أن ما تذهب إليه الطبقة الحاكمة، و معها مؤدلجو الدين الإسلامي، ليس إلا ممارسة تهدف إلى تعميم الأدلجة على جميع أفراد المجتمع، و صياغة مسلكيات أولئك الأفراد، وفق ما تقتضيه تلك الأدلجة، حتى يصيروا في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، أو في خدمة مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي، و معيدين إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية المكرسة لتلك الادلجة، و المحققة لنفس المصالح. و هذا لا يمكن أن يعتبر إلا إخلالا من قبل الجمعيات التي توظفها الطبقة الحاكمة، و مؤدلجو الدين الإسلامي، بالأمن الترفيهي، الذي يعتبر أفراد المجتمع اكثر فقرا إليه، نظرا للتشوهات التي تلحق الشخصيات، بسبب الحرمان من الترفيه.
أما الإخلال بالأمن التنموي، فتقف وراءه الجمعيات التنموية، التي تشيع في المجتمع: أن التنمية من مهام المجتمع المدني، و هو زعم يقود إلى إعفاء الطبقة الحاكمة، و الدولة، و من يسبح في فلكهما، من تلك المسؤولية، التي تقتضي قيام الطبقة الحاكمة، و أجهزة الدولة، بالتنمية المستدامة. إلا أن هذا الاقتضاء يتم غض الطرف عنه، و يصير، بحكم الوهم، من مهام منظمات المجتمع المدني بصفة عامة، و من مهام الجمعيات التنموية بصفة خاصة، و قبول منظمات المجتمع المدني التنموية بذلك، و بالطرق الملتوية، و بدون قانون يحمي العاملين في إطار الجمعيات التنموية، و يضمن حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، باعتبار تلك الجمعيات تشغل العاطلين. و لكن على أساس أن ذلك التشغيل يرتبط ببداية، و نهاية المشروع التنموي، الذي قد يصرف القدر المرصود إليه، في أمور أخرى لا علاقة لها بالتنمية. و لذلك نرى أن مسؤولية الجمعيات التنموية، في الإخلال بالأمن العام، تتخذ مستويين: مستوى القبول بالقول: إن منظمات المجتمع المدني هي المسؤولة عن إيجاد تنمية مستدامة، و مستوى التلاعب بالمشاريع، التي تتم الموافقة عليها، فترصد لها الأموال الكافية. و لوضع حدا لهذا النوع من الإخلال، الذي تقوم به الجمعيات التنموية، نرى ضرورة إخضاع هذه الجمعيات للمحاسبة، و المراقبة الدقيقة، حتى تساهم فعلا في عملية التنمية، و لكن ليس على أساس أنها مسؤولة عن التنمية المستدامة. و إذا تبث في حقها ممارسة خرق معين، فإنها تحرم من الموافقة على المشاريع التي تقترحها.
و هكذا نجد أن مسؤولية الجمعيات، تتجلى في الإخلال بالأمن الثقافي، و التربوي، و الترفيهي، و التنموي. و هذه الأشكال من الإخلال كافية وحدها لجعل المجتمع يفقد توازنه في مختلف المجالات، و في جميع مناحي الحياة.
5) مسؤولية الأحزاب السياسية التي لا تقل أهمية عن مسؤولية الطبقة الحاكمة، و مسؤولية أجهزة الدولة، عندما يتعلق الأمر بالإخلال بالأمن العام. فهي إما أن تكون حاكمة، و بالتالي: فمسؤولية الطبقة الحاكمة، و مسؤولية أجهزة الدولة، هي مسؤوليتها، لأن قرارات الإخلال بالأمن العام الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، تكون صادرة عنها بطريقة مباشرة، أو أن هذه الأحزاب السياسية، توجد خارج الحكم. و بالتالي: فهي إما أن تكون مؤيدة لما تمارسه الطبقة الحاكمة، و أجهزة الدولة، من إخلال بالأمن العام، فتتحمل نفس مسؤوليتها، بذلك الإخلال، و إما أن تكون صامتة، لا تؤيد، و لا تعارض، فتتحمل مسؤولية الصمت، الذي يجعل الطبقة الحاكمة، و أجهزة الدولة تتماديان في الإخلال بالأمن العام. و إما أن تكون معارضة معارضة رسمية، فتتحمل نفس مسؤولية عدم قيادة الجماهير الشعبية المتضررة، من ذلك الإخلال، لمقاومة الإخلال بالأمن العام، الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، و أجهزة الدولة. وفي الحدود الدنيا، فإن الأحزاب السياسية المعارضة، تتحمل مسؤولية عدم توعية الجماهير الشعبية بخطورة الإخلال بالأمن العام على مستقبلها، مهما كانت الجهة التي تمارس ذلك الإخلال.
و يتمظهر إخلال الأحزاب السياسية بالأمن العام في :
القبول بعدم إقرار دستور ديمقراطي، أو عدم المطالبة به، أو عدم تعبئة الجماهير الشعبية الكادحة، من أجل المطالبة به، و فرضه، على أرض الواقع. فالقبول بعدم وجود دستور ديمقراطي متلائم مع المواثيق الدولية، لا يعني إلا حرمان الجماهير الشعبية من حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و من الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، و فرض قوانين غير متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و خاصة تلك المتعلقة بانتخاب المؤسسات المحلية، و الإقليمية، و الجهوية، و الوطنية، التي تقوم بمهمة التشريع، و التنفيذ، على جميع المستويات، و في مختلف المجالات، مما يجعل الدستور غير الديمقراطي يقف ووراء امتداد الإخلال بالأمن العام إلى جميع مناحي الحياة.
القبول بقوانين انتخابية، أو السكوت عنها، أو عدم تعبئة الجماهير الكادحة للمطالبة بإلغائها، إذا كانت تلك القوانين لا تحمل ضمانات إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، من بدايتها إلى نهايتها. و القبول بتلك القوانين يعتبر إخلالا بالأمن العام، أو مساهمة فيه، بشكل، أو بآخر، نظرا لما يترتب عن تلك القوانين من تزوير لارادة الجماهير الكادحة، جملة، و تفصيلا. و بالتالي فإن مصيرها يصير في يد أناس لا يمثلونها، و لا يسعون إلى خدمة مصالحها، بقدر ما يحرصون على تحقيق، و خدمة مصالح الجهات التي وقفت وراء وصولهم إلى المؤسسات، بطريقة غير ديمقراطية، لا يمكن وصفها إلا بالإخلال بالأمن العام، الذي تتحمل، في إشاعته، و استمراره، الأحزاب السياسية مسؤولية كبيرة.
القبول بإجراء انتخابات غير حرة، و غير نزيهة، عن طريق عدم الحرص على أن تكون تحت إشراف هيأة مستقلة، تقوم بوضع لوائح انتخابية حقيقية. و تطبيق قوانين انتخابية، بضمانات كافية، لإجراء انتخابات حرة، و نزيهة، لإفراز مجالس محلية، و إقليمية، و جهوية، و وطنية، تكون في خدمة المواطنين، و الضرب على أيدي المتلاعبين بالانتخابات، و الساعين إلى إفسادها، مهما كان مستواهم، و مهما كانت المسؤولية التي يتحملونها، و كيفما كان الحزب الذي ينتمون إليه. إلا أنه بدل العمل على إيجاد هيئة مستقلة، تشرف على إجراء الانتخابات، و تحرص على حماية الأمن الانتخابي، يتم اللجوء إلى الإخلال بالأمن الانتخابي، عن طريق اعتماد لوائح انتخابية فاسدة، و السماح باستغلال النفوذ لصالح هذه الجهة، أو تلك، و إطلاق يد أصحاب الأموال، لشراء الضمائر، و قتل النزاهة، و اغتيال احترام إرادة المواطنين، في الاختيار الحر، و النزيه.
عدم اللجوء إلى تفعيل المؤسسات الجماعية، التي تصير وسيلة، و إطارا لتسلق الأعضاء الجماعيين البورجوازي، على حساب خدمة مصالح المواطنين الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و الإدارية. فعدم تفعيل هذه المؤسسات الجماعية، ليس إلا إخلالا يالأمن العام، لأن المواطنين سيفقدون، بسبب قيام المؤسسات الجماعية بدورها الكامل، الاستقرار الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. ويرجع افتقاد الاستقرار إلى العقلية التي تحكم الأعضاء الجماعيين، تجاه المؤسسات الجماعية، لأنهم لا ينظرون إليها على أنها أداة، و وسيلةن لتطوير الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، بقدر ما ينظرون إليها، على أنها وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة للأعضاء الجماعيين، و خاصة أولئك الذين يتحملون المسؤولية في المكاتب الجماعية. و لذلك كانت المؤسسات الجماعية، و لازالت، تشبه مؤسسة الدولة، أو هي جزء منها، تخضع لإرادة الطبقة المسيطرة على السلطة. فالطبقة المسيطرة على مكاتب المؤسسات الجماعية، تحولها إلى أداة لتكريس سيطرتها الطبقية، عن طريق تسخيرها لخدمة مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و حرمان سائر الكادحين من الخدمات الضرورية لاستقرار أمنهم. و لذلك نجد أن الغاية من تزوير المؤسسات الجماعية، تتحدد في الحرص على جعل المؤسسات الجماعية، في خدمة الطبقة المسيطرة، و في خدمة حلفائها الذين يقبلون بذلك التزوير. الأمر الذي يجعل تزوير إرادة الشعب، هي المدخل لكل إخلال بالأمن العام. و هو ما يعني أن حماية الأمن العام، في المؤسسات الجماعية، و بواسطتها، تقتضي إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، أي بضمان سيادة الديمقراطية الحقيقية، من الشعب و إلى الشعب، و من أجل وضع حد للإخلال بالأمن العام في المؤسسات الجماعية.
و دور الأحزاب السياسية في الإخلال بالأمن العام يتجسد، أيضا، في عدم تفعيل مؤسسة البرلمان، في الاتجاه الذي يخدم مصلحة الشعب، بجميع طبقاته الاجتماعية، و خاصة الطبقات الكادحة، و هو ما يعني أن المؤسسة التشريعية تعمل على شرعنة الإخلال بالأمن العام، الذي يصبح مطبقا من خلال القوانين الصادرة عن مؤسسة البرلمان. و المفروض، أن تسعى الأحزاب السياسية، التي تدعي إخلاصها للجماهير الشعبية الكادحة، و بإخلاص، إلى تفعيل مؤسسة البرلمان، في أفق إعادة النظر في جميع القوانين المتبعة، و العمل على ملاءمتها مع المواثيق الدولية بحقوق الإنسان. إلا أن انسياق الأحزاب المتواجدة في البرلمان، وراء مخططات الطبقة الحاكمة، القاضية بتوظيف المؤسسة التشريعية لخدمة مصالح هذه الطبقة، و من يسبح في فلكها، يعتبر مساهمة منها في الإخلال بالأمن العام، بالنسبة للجماهير الشعبية الكادحة التي تفقد حريتها، و حقها في الديمقراطية الحقة، و في تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو عمل يقتضي اعتبار تلك الأحزاب معادية للجماهير الشعبية بقبولها بالتواجد في المؤسسة البرلمانية الناتجة عن انتخابات مزورة جملة و تفصيلا لتحقيق أغلبية برلمانية تكون في خدمة الطبقة الحاكمة، و تفرز حكومة تقوم بممارسة السلطة التي تريدها. و هو ما يجب النضال من اجل فضحه و تعريته باعتباره إخلالا بالأمن العام للجماهير الشعبية الكادحة، و النضال من اجل برلمان يكون في خدمة الجماهير، و تحقيقا لأمنها الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و تتكون من أغلبيته حكومة تعمل على حماية أمن الجماهير الشعبية في مختلف المجالات و في جميع مناحي الحياة.
أما دور الأحزاب السياسية في الحكومة فيتخذ مستويين : المستوى الأول هو المساهمة في تحمل مسؤوليات الحكومة التي تقوم بتطبيق القوانين و تنفيذ التعليمات التي تكرس الإخلال بالأمن العام و المستوى الثاني هو التواجد في المعارضة الرسمية التي تأكل الخلة و تسب الملة، كما يقولون، و في الحالتين معا. فالأحزاب السياسية تلعب دورا أساسيا و مركزيا و من خلال تحمل المسؤوليات الحكومية في ممارسة الإخلال بالأمن الاقتصادي للمواطنين عن طريق اللجوء إلى رفع الضرائب المباشرة و غير المباشرة . و تكريس خوصصة القطاع العام الذي تم بناؤه من عرق الشعب الكادح، و الزيادة في الأسعار، و تجميد الأجور، و الإخلال بالأمن الاجتماعي عن طريق فرض الحرمان من التعليم لقطاع عريض من المجتمع، و الحرمان من السكن الصالح، و من العمل و غير ذلك من الخدمات الاجتماعية الضرورية لحياة الناس، و الإخلال بالأمن الثقافي عن طريق دعم ثقافة التهريج على حساب تهميش الثقافية الجادة. و انعدام دعم المكونات الثقافية العاملة على نشر القيم الإيجابية و النبيلة في المجتمع. و الإخلال بالأمن المدني عن طريق فرض التمييز بين الجنسين في المعاملة اليومية و على المستوى القانوني، و عن طريق فرض عدم مساواة الناس أمام القانون بسبب الانتماء العرقي أو الطبقي أو الحزبي، و بسبب المواقف السياسية. بالإضافة إلى فرض الإخلال بالأمن السياسي المتجسد في فرض دستور غير ديمقراطي و إجراء انتخابات غير حرة و غير نزيهة لإفراز مجالس محلية، و إقليمية و جهوية و وطنية على المقاس.
و بهذه المستويات من الإخلال بالأمن العام تكون الأحزاب السياسية متورطة في إقرار دستور غير ديمقراطي، و وضع قوانين انتخابية بدون ضمانات لإجراء انتخابات حرة و نزيهة، و تزوير الانتخابات، و عدم تفعيل المؤسسات الجماعية في اتجاه خدمة مصالح المواطنين، بالإضافة إلى عدم تفعيل مؤسسة البرلمان في الاتجاه الصحيح و استغلال المسؤوليات الحكومية لتكريس كافة أشكال الإخلال.
و بذلك نجد أن مسؤولية الإخلال بالأمن العام هي مسؤولية قانونية، و مسؤولية الدولة، و مسؤولية النقابات و الجمعيات الثقافية و التربوية و الترفيهية التنموية، و مسؤولية الأحزاب السياسية. أي أنها مسؤولية جماعية تكاد تكون مسؤولية مجتمعية عندما يصير أفراد المجتمع قابلين بذلك الإخلال، و ممارسين له. و هذه المسؤولية الجماعية و المجتمعية تقتضي من الجميع إعادة النظر في كل الممارسات، و كل المسلكيات القانونية، و الرسمية و النقابية و الجمعوية و الحزبية من اجل إعادة الاعتبار لحماية الأمن العام.
الأحزاب السياسية بين حفظ الأمن العام و الإخلال به :
و انطلاقا مما سبق، فإن الأحزاب السياسية إما أن تحرص في برامجها، و مواقفها السياسية، من القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، على حماية الأمن العام في جميع المجالات، و في مختلف مناحي الحياة، و إما أن تنساق وراء مخططات الطبقة الحاكمة، في مخططاتها الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي تخدم مصالحها، و مصالح تلك الأحزاب في نفس الوقت، على حساب مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، لتنخرط بذلك في الإخلال بالأمن العام.
فحفظ الأمن العام، لا يعني إلا حماية المصلحة العامة، التي تهم جميع أفراد المجتمع، على أساس المساواة فيما بينهم، بقطع النظر عن الانتماء العرقي، و اللغوي، و الطبقي ، و الحزبي، و العمل على ضمان قيام شروط الصراع الديمقراطي في المجتمع، لأن ذلك الصراع، وحده، يجسد سيادة الأمن العام، و يضمن حفظه، و حمايته.
أما الإخلال بالأمن العام، فلا يعني التخلي عن حماية المصلحة العامة، لصالح خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، و من يسبح في فلكها، على مصالح الكادحين، و المقهورين الذين يغرقون في الويلات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.
و الأحزاب السياسية، و بحكم طبيعتها الطبقية، فإنها تجد نفسها : إما حامية للأمن العام. و إما مخلة بذلك الأمن. و نظرا لتنوع الأحزاب السياسية، بسبب التنوع الإيديولوجي المعبر عن تنوع المصالح الطبقية، فإن مواقفها السياسية المعبرة عن حفظ الأمن العام، أو عن الإخلال به، تتنوع أيضا، و تختلف درجتها من حزب إلى آخر، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
فالأحزاب اليسارية المتطرفة، هي أحزاب لا تومن إلا بالعنف، و لا تعرف الطريق إلى الممارسة الديمقراطية، فكل شيء، بالنسبة إليها، يؤخذ بالقوة، أو يفرض على ارض الواقع بالقوة. و ممارسة كهذه لا يمكن أن تعتبر إلا إخلالا بالأمن العام، لأن الأحزاب اليسارية المتطرفة، تخلق جوا من التوتر. و الخوف المستمر، في المجتمع، يؤثر جملة و تفصيلا في مسار الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و هو ما يمكن اعتباره إخلالا بالأمن العام، و من موقع الادعاء بالرغبة في تحسين الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية. و هو ادعاء ينطلق من التصورات الوافدة، و غير المنطلقة، من دراسة الواقع نفسه، و امتلاك تصور عنه، يصلح للعمل على تحقيقه، و بمساهمة الجماهير الكادحة المعنية بذلك التصور. و معلوم أن كل نضال لا ينطلق من الجماهير، و معها، و لا يعمل على قيادتها لتغيير أوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، إنما هو عمل ينطلق من تصور جاهز، لا علاقة له بالواقع. و بالتالي فإنه بدل أن يجعل اليسار المتطرف، يعمل على حفظ الأمن العام، في جميع المجالات، و في مختلف مناحي الحياة، نجده يمارس الإخلال بالأمن العام. و لذلك نرى أن يقوم اليسار المتطرف بإعادة النظر في إيديولوجيته، و في ممارسته السياسية، حتى ينسجم، جملة، و تفصيلا، مع الواقع الذي يتحرك فيه، و يتحول بذلك الانسجام إلى يسار مناضل، و ينضج شروط إمكانية وحدة اليسار الإيديولوجية، و السياسية، في أفق الوحدة التنظيمية، لأن اليسار الحقيقي، لا يمكن أن يكون إلا حاميا للأمن العام.
و الأحزاب اليسارية لا تكون إلا معبرة عن إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، في تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية. و دور هذه الأحزاب يتجسد في قيادة النضالات الجماهيرية، الكادحة على جميع المستويات الإيديولوجية، و السياسية، و الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية.
فعلى المستوى الإيديولوجي، تقوم أحزاب اليسار بفضح، و تعرية الممارسة الإيديولوجية للطبقة الحاكمة، القائمة على استغلال الدين، و التاريخ، و معطيات الحداثة البورجوازية، لتكوين توليفة إيديولوجية، استغلالية، تضليلية تجعل الكادحين، و سائر الجماهير الشعبية، مرضى بالوهم الإيديولوجي، الذي يجعل كل واحد منهم يتوهم أنه سيصبح، في يوم من الأيام، مصنفا إلى جانب الطبقة الحاكمة، أو يسبح في فلكها. فالكشف عن الأوهام إيديولوجية، هو مهمة أحزاب اليسار بامتياز، و لا يتم ذلك الكشف، إلا بجعل الكادحين، يدركون مواقعهم من الإنتاج، من خلال وعيهم بعلاقات الإنتاج القائمة في المجتمع، و حتى يتحققوا من جسامة الاستغلال الممارس عليهم، و يعرفوا موقع أولئك الذين يمارسون عليهم التضليل الإيديولوجي، و ما هي الغاية من ذلك التضليل، و ما هي الأيديولوجية المناسبة لمواجهة ذلك التضليل، و من هي الجهة التي يحق لها أن تقوم بقيادة تلك المواجهة الأيديولوجية.
و على المستوى السياسي، تقوم الأحزاب اليسارية بدراسة الواقع السياسي، دراسة معمقة، من اجل اتخاذ مواقف سياسية، تعبر عن إرادة الجماهير، و عن رغبة الكادحين، و تعمل على تشريح الممارسة السياسية للطبقة الحاكمة، و كل من يسبح في فلكها، و الكشف عن أهدافها الحقيقية، في حرمان الكادحين من التمتع بالحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية. و السياسة التي تنهجها الأحزاب اليسارية لا يمكن أن تكون سياستها إلا حقيقية، لأن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة، كما يقول الشهيد المهدي بنبركة. و سياسة الحقيقة، هي التي تضع الرأي العام أمام الواقع، كما هو، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و دون تضليل للجماهير الشعبية الكادحة.
و على المستوى الاقتصادي، تسعى الأحزاب اليسارية إلى تشريح الوضع الاقتصادي المتردي، بسبب فرض الاختيارات الاقتصادية الرأسمالية التبعية اللاديمقراطية، و اللاشعبية، و العمل على توجيه و قيادة النضالات الجماهيرية الكادحة، من أجل فرض اقتصاد وطني متحرر، و عادل، يتمكن، في إطاره، جميع أفراد المجتمع، من حصولهم على حاجياتهم الضرورية، و الكمالية.
و على المستوى الاجتماعي، تعمل الأحزاب اليسارية، على قيادة نضالات الكادحين، في أفق تحقيق نظام تعليمي، شعبي، و ديمقراطي، و فضح و تعرية كل مخططات الطبقة الحاكمة، في المجال التعليمي، و التي لم تنتج، إلا المزيد من الأمية، و التخلف، في المجال التعليمي، و عدم ربط التعليم بالعملية التنموية الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، كما تعمل على قيادة الكادحين، من اجل أن تكون الصحة للجميع، و تعمل في نفس الوقت، على تشريح وضعية الخدمات الصحية، التي تسير في اتجاه الخوصصة، و توضع في خدمة الطبقة الحاكمة، و من يسبح في فلكه،ا في أفق وضع حد للإخلال بالأمن الصحي. و تعمل الأحزاب اليسارية، على قيادة نضالات الكادحين، في أفق أن يكون الشغل للجميع، وفضح و تعرية سياسة التشغيل التي تقوم بها الطبقة الحاكمة، و التي لا تنتج إلا المزيد من العاطلين، و المعطلين،، و فضح و تعرية السياسة المتبعة في مجال السكن الاجتماعي، مما يخضع حاجة الكادحين، إلى السكن، إلى المضاربات العقارية، التي لا تستفيد منها إلا الطبقة الحاكمة، التي تقف وراء الإخلال بالأمن العام، في مجال السكن الاجتماعي.
و على المستوى الثقافي نجد أن الأحزاب اليسارية تعمل على مناهضة التدجين، و التضليل، التي تزرع قيم التخلف بين جماهير الكادحين، حتى يفقدوا قدرتهم على امتلاك الوعي الطبقي، مما يجعلهم قابلين بكل أشكال الاستغلال، التي تمارسها الطبقة الحاكمة. و في المقابل تعمل الأحزاب اليسارية على نشر ثقافة تقدمية، تهيئ الكادحين لامتلاك الوعي الطبقي، بقيمه النبيلة، و البديلة لقيم التخلف، التي تلتصق بسلوكهم. و بامتلاكهم لذلك الوعي يعملون على تخليص أنفسهم من الاستغلال، بالنضال المرير، و الدؤوب، من اجل تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية.
و بذلك، تكون أحزاب اليسار الحقيقي، و المتميز، منفردة وحدها بالعمل على حماية الأمن العام، و بالطرق الديمقراطية، التي لا وجود فيها لأي شكل من أشكال الإخلال بالأمن العام، حتى و إن كانت الطبقة الحاكمة تصف ممارستها بالإخلال العام، كما يحصل دائما، و في جميع أرجاء الأرض.
أما أحزاب البورجوازية الصغرى ، فإن طبيعتها تقتضي أن تتأرجح بين السعي إلى الإخلال بالأمن العام، و بين العمل على حماية الأمن العام. فهي عندما تنساق وراء مخططات الطبقة الحاكمة في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع مصالح الكادحين، فإنها تكون مخلة بالأمن العام، و من بابه الواسع، لأنها حينها تتحول إلى جزء من الطبقة الحاكمة، أو من الذين يسبحون في فلكها، لحرصها على تحقيق التطلعات البورجوازية للمنتمين إليها. و عندما تختار أن تقف إلى جانب الكادحين، و تعمل على قيادة نضالاتهم، فإنها تعمل على حماية الأمن العام للكادحين في جميع المجالات، و على جميع المستويات، و في جميع مناحي الحياة، حتى يصير الكادحون ممتلكين لوعيهم بخطورة مخططات الطبقة الحاكمة الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و مدركين لما يجب عمله لتحقيق إرادتهم في الحريةن و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية.
فأحزاب البورجوازية الصغرى، التي تعمل باستمرار على التوفيق بين مصالحها، و مصالح الطبقة الحاكمة، و مصالح الكادحين، حتى تحقق تطلعات المنتمين إليها، و تكسب احترام الطبقة الحاكمة، و احترام الكادحين في نفس الوقت، هو الذي يجعلها تتصف بهذه الازدواجية، التي تجعلها تارة تظهر إلى جانب الطبقة الحاكمة، مساهمة معها في تكريس كافة أشكال الإخلال بالأمن العام، التي يتضرر منها الكادحون في جميع المجالات، كما تجعلها تظهر، و كأنها تحرص على قيادة الكادحين، من خلال تغيير الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، لصالحهم، فتكون بذلك مساهمة في حماية الأمن العام. إلا أن هذه الازدواجية في ممارسة أحزاب البورجوازية الصغرى، غالبا ما تحسم لصالح الجهة الأكثر قدرة على فرض إرادتها، ففي شروط ضعف أحزاب البورجوازية الصغرى، و عدم ارتباطها بالكادحين، فإنها تنحاز إلى جانب الطبقة الحاكمة. أما عندما ترتبط بالكادحين، و تسود جماهيريا، فإنها تنحاز إلى جانبهم، و لكن، لا لتحقيق مطاالبهم، بل للعمل على تحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى، التي تقودها إلى السقوط في ممارسة الإخلال بالأمن العام. و هذا السقوط المحتمل، هو الذي يرشح أحزاب البورجوازية الصغرى، باستمرار، إلى خيانة الكادحين، التي تعتبر أكبر إخلال بالأمن العام، الذي تمارسه أحزاب البورجوازية الصغرى، لأن مصلحتها لم تكن، أبدا، و لن تكون، مع الكادحين، بقدر ما كانت، ولازالت، و ستبقى، مع الطبقة الحاكمة.
و بالنسبة لأحزاب البورجوازية، فإنها بحكم ليبراليتها، و تحررها من التبعية للمؤسسات المالية الدولية، و سواء تحملت مسؤولية الحكم، أم بقيت في المعارضة، فإنها تمارس، أو تسعى إلى ممارسة الديمقراطية بمفهومها الليبرالي التقليدي، الذي يتيح الفرصة، لجميع الطبقات الاجتماعية، من اجل العمل على تحقيق مكاسب معينة، قد تتناسب، و قد تتعارض مع الليبرالية نفسها. إلا أن هذه الأحزاب البورجوازية، و بسبب غلبة التبعية، و الارتماء في أحضان الإمبريالية من الطبقة الحاكمة، فإنها تجد نفسها مضطرة للعمل على حفظ مصالحها الطبقية، فتنحاز، بشكل سافر، إلى جانب الطبقة الحاكمة لتمارس ما اصطلح على تسميته بالليبرالية المتوحشة، التي تهضم جميع حقوق الكادحين الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.
فعلى المستوى الاقتصادي، نجد أن أحزاب البورجوازية، تقبل بكل الممارسات التي تفرضها الطبقة الحاكمة، من اجل الزيادة في الأرباح، و تقليص الأجور، و فسح المجال أمام الشركات العابرة للقارات، و إغراق البلاد بالديون الخارجية، و القبول بشروط، و املاءات صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و رهن الاقتصاد الوطني، بخدمة الدين الخارجي، و تقليص عدد العاملين في جميع المجالات الاقتصادية، الإنتاجية، و الخدماتية، من اجل ضمان الزيادة في أرباح البورجوازية، التي صارت مرتبطة بالطبقة الحاكمة، و بذلك تفقد أحزاب البورجوازية استقلالها الاقتصادي، و تصبح مخلة بالأمن الاقتصادي للكادحين، حتى تحافظ على مصالحها، و مصالح المنتمين إليها الاقتصادية.
و على المستوى الاجتماعي، نجد أن أحزاب البورجوازية، تقبل بتنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، فيما يخص تقليص الخدمات الاجتماعية، و العمل على خوصصتها، مما يؤدي إلى زيادة استفادة البورجوازية، التي تساهم في تكريس الخوصصة في مجالات التعليم، و الصحة، و السكن، و كل الخدمات الاجتماعية الأخرى. و هو ما يترتب عنه حرمان الجماهير الشعبية الكادحة، من مختلف الحقوق الاجتماعية، بسبب ضعف، أو انعدام إمكانياتها المادية، التي تمكنها من الحصول على تلك الخدمات. و هو ما يعني قيام الأحزاب البورجوازية بالإخلال بالأمن الاجتماعي للكادحين، في مجموع التراب الوطني، نظرا للقبول بتملص الدولة، التي تسيطر عليها الطبقة الحاكمة، من تقديم تلك الخدمات.
و على المستوى الثقافي، نجد أن أحزاب البورجوازية، تعمل على نشر ثقافة التخلف، التي تعمل على تدجين الكادحين، و تضليلهم، و جعلهم يقبلون، و بدون تردد، ما تمارسه البورجوازية من استغلال عليها، لأن الدور الإيديولوجي للثقافة البورجوازية يبقى حاضرا، مادامت تلك الثقافة، تجعل الكادحين يتوهمون بأن النظام البورجوازي هو مصدر الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، في الوقت الذي ينتشر بينهم البؤس، و التخلف، و كافة الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، المعبرة عن تكريس البورجوازية للإخلال بالأمن الثقافي في حق الكادحين.
و على المستوى المدني، نجد أن أحزاب البورجوازية، تساهم، و بشكل كبير، في تكريس عدم المساواة بين الناس، على أساس طبقي، و أمام القانون، بالعمل على سن قوانين تكرس التميز الطبقي، بين أفراد المجتمع، مخالفة بذلك ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و في المواثيق الدولية، بل وحتى في بعض الديانات، و خاصة في الدين الإسلامي. لأن تكريس الفوارق تتبناه الأحزاب البورجوازية، و تعمل على فرضه، على أرض الواقع، بما في ذلك الفوارق بين الجنسين، و بين اللغات، و القبائل، و غير ذلك مما يكرس إخلال الأحزاب البورجوازية بالأمن المدني.
و على المستوى السياسي، فأحزاب البورجوازية تقبل بممارسة سياسة الطبقة الحاكمة، القاضية بتكريس الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللاديمقراطية، و اللاشعبية، ابتداء بالدستور الذي يغيب سيادة الشعب على نفسه. و يكرس سيادة الطبقة الحاكمة، باختياراتها الرأسمالية التبعية، و تزوير الانتخابات لتنصيب مؤسسات مزورة لخدمة المصالح الرأسمالية، و تنصيب حكومة تقوم بتنفيذ القوانين، التي تجعل تلك الاختيارات جزءا من الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، لتكون البورجوازية، بذلك، مساهمة بشكل كبير، و أساسي، في الإخلال بالأمن السياسي للمواطنين الكادحين.
و بذلك نجد أن أحزاب البورجوازية، كان يمكن أن تساهم بنسبة معينة في حفظ الأمن الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي لو حافظت على ليبراليتها التقليدية، إلا أنها و بعد انحيازها إلى جانب الطبقة الحاكمة فإنها صارت مساهمة، و في جميع المجالات، في الإخلال بالأمن العام تبعا للإخلال بالأمن العام الذي تمارسه الطبقة الحاكمة.
و فيما يخص الأحزاب البورجوازية التابعة، التي قامت على أساس التوسط بين الرأسمال العالمي، المتمثل في صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و بين الرأسمال المحلي. و هو نفس الدور الذي تجسده الطبقة الحاكمة، بواسطة أجهزة الدولة، و بواسطة القوانين المتبعة، انطلاقا من الدستور، و انتهاء بالقوانين الإجرائية، التي تكرس مصادرة جميع الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و حرمان الجماهير الشعبية الكادحة، من تلك الحقوق، و الإصرار على عدم ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، و حقوق الإنسان الخاصة بالعمال، و بالمرأة، و بالطفل، و بالمعوقين، و بالعجزة، و بالعاطلين، و غير ذلك من الحقوق، التي لا تخدم مصلحة المنتمين إلى أحزاب البورجوازية التابعة، لتكون بذلك صانعة الإخلال بالأمن الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي لعموم الكادحين، و مشرعنة لهذا الإخلال حتى يصير جزءا من ممارسة الحياة اليومية لعموم الكادحين، الذين تتحول حياتهم اليومية إلى خوف، و رعب، و حذر مستمر، خاصة بعد انتشار الأمراض الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافيةن و المدنية، و السياسية التي تبرز في الحياة العامة، تعبيرا عن تكريس الإخلال بالأمن العام. و حياة هذه الأحزاب البورجوازية التابعة، تبقى مرتبطة بتكريس الإخلال بالأمن العام، كواقع قائم لا مفر منه. و لذلك نجدها تستقطب حولها الأحزاب البورجوازية، و أحزاب البورجوازية الصغرى، التي تجمعها مصالح معينة، ترشحها باستمرار، للتخلي عن الكادحين، لصالح حفظ مصالحها، التي تدفعها إلى الانحياز إلى جانب البورجوازية التابعة، و تقبل القيام بالإخلال بالأمن العام، و العمل على شرعنته على جميع المستويات، و في جميع المجالات، حتى تصبح تلك المسؤولية جماعية، لتصير أحزاب البورجوازية التابعة، مجرد مشاركة في ذلك الإخلال.
و بالنسبة للأحزاب الإقطاعية، فإننا نجد أنها تتمسك بالنماذج التقليدية: الإيديولوجية، و السياسية، و التنظيمية، و الفكرية، و تبني سياستها على هذا الأساس، و تحرص على الإنتاج الزراعي التقليدي القائم على استغلال الفلاحين المعدمين، كعبيد للأرض. إلا إنها، و بسبب التحول السريع للواقع بكل تجلياته، فإن هذا الأحزاب قبلت أن تتحول إلى طبقة إقطاعية، بورجوازية تبعية، تتمسك بالقديم، و لكنها، في نفس الوقت، تسعى إلى الارتباط بالمشاريع الاقتصادية الرأسمالية، التي لها علاقة بالزراعة، و ذات الربح السريع، لتصير بذلك إقطاعية بورجوازية، و لأنها تستغل الفلاحين، و العمال الزراعيين، و تهضم حقوقهم، فإنها أيضا تستغل العمال، و تهضم حقوقهم المختلفة. و لحماية مصالح المنتمين إليها، تصنف هذه الأحزاب نفسها إلى جانب أحزاب الطبقة الحاكمة. و هي لذلك تساهم في كل أشكال الإخلال بالأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، التي ترتكبها الطبقة الحاكمة، في حق الكادحين، إلى جانب أشكال الإخلال التي تخصها هي، باعتبارها أحزابا إقطاعية، في حق الفلاحين المحرومين من الأرض، الذين يستغلون أبشع استغلال.
و نظرا لأن أحزاب البورجوازية الصغرى، في مرحلة معينة، و أحزاب البورجوازية التابعة، و الأحزاب الإقطاعية، هي أحزاب يمينية، لا تخرج عن إرادة الطبقة الحاكمة، و لا تعارضها، و لا تمتنع عن تنفيذ مخططاتها، و لا تقاومها، و لا تعمل على تعبئة الكادحين، للنضال ضد إخلالها بالأمن العام في جميع المجالات، فإن أحزاب اليمين المتطرف، تنازعها في الاستبداد بالمجتمع، و تعمل باستماته في سبيل تحقيق أهدافها في ادلجة الدين، و فرض تلك الادلجة بواسطة العنف، و تجييش أفراد المجتمع، لمهاجمة الطبقة الحاكمة، و السعي إلى إرهاب جميع المعارضين، و التخلص منهم.
و الأحزاب اليمينية المتطرفة، هي أحزاب، تحتكر الكلام باسم الدين، و تفرض تأويلها له على جميع أفراد المجتمع، و تسعى إلى استعادة مثال الحكم من الماضي، تعادي الديمقراطية، و لكنها، في نفس الوقت، تستغلها للوصول إلى السلطة، تعادي العلم، و لكنها تستغل نتائجه. و تعتبر أمر الناس، بيد الفقهاء، الذين لهم الحق وحدهم في التقرير، في أمور الناس، باعتبارهم ينوبون عن الله في الأرض، و تعادي حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، باعتبارها إبداعا غربيا كافرا، و يعتبر تأويلها للدين الإسلامي، هو الضامن وحده لحقوق الإنسان، التي ليست إلا حقوق المنتمين إليها، في التصرف المطلق بأمور الناس، و وتكن للمرأة عداء مطلقا لا حدود له، و تختزل أمور الدين في العلاقة بين الرجل، و المرأة، في مسلكية المرأة في المجتمع.
و الأحزاب اليمينية المتطرفة، عندما لا ينساق الناس وراء خطابها، تلجأ إلى معاداة جميع أفراد المجتمع، الذي يصير، في نظرها، كافرا. و هي، في قيامها بأعمال العنف، لا تميز بين الناس. لأن الكل في نظرها يجب أن يقتل، مادام يخالف "شرع الله"، الذي ليس إلا تأويلا، و أدلجة للدين الإسلامي.
و الأحزاب اليمينية بذلك تتميز بشموليتها، في ممارستها للإخلال بالأمن العام، الذي لا يعفي حتى دواخل النفوس، بالإضافة إلى مظاهر الإخلال بالأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، و في جميع مناحي الحياة، و على جميع المستويات. و يمكن أن نجزم بأن وجود أحزاب التطرف اليميني، في حد ذاته، إخلالا بالأمن العام. لأن الطبقة الحاكمة، و من وراءها النظام الرأسمالي العالمي، بقيادة أمريكا، عندما شجعت على ظهور اليمين المتطرف، و قدمت له الإمكانيات المادية، و المعنوية، إنما كانت تسعى إلى محاربة تجذر اليسار في صفوف الشعب، أنى كان هذا الشعب، حتى لا يقوى على قيادة الجماهير الشعبية الكادحة، في أفق التغيير المؤدي إلى التمتع بالحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية. و لذلك، فوجود أحزاب اليمين المتطرف، يعتبر امتدادا للإخلال بالأمن العام، الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، لأنه في العمق لا يخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، و مصالح الرأسمالية العالمية، التي ليس من مصلحتها تحرر الشعوب، و ممارستها للديمقراطية الحقة، و تحقيقها للعدالة الاجتماعية بقيادة اليسار.
و بذلك نجد أن تأرجح الأحزاب السياسية بين حفظ الأمن العام، و الإخلال به، رهين بطبيعة هذه الأحزاب، و بطبيعة الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع، و بطبيعة الأيديولوجية التي تتسلح بها. و بناء على ذلك وجدنا أن أحزاب اليسار المتطرف، و أحزاب البورجوازية الصغرى، و أحزاب البورجوازية، و أحزاب البورجوازية التابعة، و الأحزاب الإقطاعية، و أحزاب اليمين المتطرف، هي أحزاب قائمة على الاختلال بالآمن العام لجميع أفراد الشعب الكادح، بينما نجد أن أحزاب اليسار الحقيقية، هي وحدها التي تحرص، و باستماتة، من أجل حماية أمن الجميع في جميع المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و في جميع المجالات، و على جميع المستويات. و إذا ظهر أن الأحزاب القائمة على أساس الإخلال بالأمن العام، تعمل على حفظ الأمن العام، فلأنها حولت ذلك الإخلال إلى قانون، و إلى شريعة، حتى يتم تضليل الرأي العام، و يفقده القدرة على التمييز بين الإخلال بالأمن العام، و بين حفظ الأمن العام.
خــاتمة :
و ما يمكن أن نستخلصه مما تناولناه بالتحليل، هو أن الأمن العام لا يمكن اختزاله في فرض الأمن بالقوة، من قبل الطبقة الحاكمة، بقدر ما يمتد ليشمل إنضاج الشروط الذاتية، و الموضوعية، التي تمكن جميع الناس من جميع الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، باعتبارها ضرورية للاطمئنان على مستقبل الحياة الفردية، و الجماعية. ذلك الاطمئنان الذي لا يقوم إلا بالتمتع بتلك الحقوق، كما أن الإخلال بالأمن العام لا يمكن اختزاله في مخالفة القوانين المطبقة، من قبل المواطنين، بل يمتد ذلك الإخلال ليشمل مختلف الممارسات، التي تقوم بها الطبقة الحاكمة، و حلفاؤها، تجاه الكادحين، مما يؤدي إلى حرمانهم من مختلف الحقوق. الأمر الذي يجعلهم غير مطمئنين على حاضرهم، و على مستقبلهم.
و لتوضيح هذا التصور بما فيه الكفاية، تناولنا مفهوم الأمن العام، الذي يندرج ضمنه الأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي. و تناولنا مفهوم حفظ الأمن العام، و الجهات الثقافية، و التربوية، و الترفيهية، و التنموية، و مسؤولية الأحزاب السياسية على مستوى إقرار دستور ديمقراطي، و على مستوى إيجاد قوانين انتخابية، و على مستوى إجراء انتخابات حرة و نزيهة، و على مستوى تفعيل المؤسسات الجماعية، و مؤسسة البرلمان، و مؤسسة الحكومة. و بعد ذلك تناولنا مفهوم الإخلال بالأمن العام، باعتباره إخلالا بالأمن الاقتصادي، والاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، و مسؤولية الإخلال بالأمن العام باعتبارها مسؤولية قانونية، و مسؤولية الدولة، و النقابات، و الجمعيات الثقافية، و التربوية، و الترفيهية، و التنموية، و مسؤولية الأحزاب السياسية، على مستوى إقرار دستور غير ديمقراطي، و إيجاد قوانين انتخابية بدون ضمانات، و على مستوى إجراء انتخابات غير حرة، و غير نزيهة، و على مستوى تفعيل المؤسسات الجماعية، و مؤسسة البرلمان، و مؤسسة الحكومة، في الاتجاه الذي لا يخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة و من يسبح في فلكها، ثم تناولنا الأحزاب السياسية بين حفظ الأمن العام، و الإخلال بالأمن العام، و وقفنا على طبيعة الأحزاب اليسارية المتطرفة، و الأحزاب اليسارية، و أحزاب البورجوازية الصغرى، و الأحزاب البورجوازية، و أحزاب البورجوازية التابعة، و الأحزاب الإقطاعية، و أحزاب اليمين المتطرف، لنتبين في النهاية مدى مسؤولية كل جهة، في حفظ الأمن العام، أو الإخلال به.
فهل يعيد المسؤولون النظر في فهمهم الأمن العام و الإخلال به ؟
و هل تدرك النقابات مسئوليتها في حفظ الأمن العام، أو الإخلال به ؟
و هل تعمل الجمعيات على تحديد ما يجب عمله، حتى تساهم في حفظ الأمن العام، و تتجنب أن تسقط في ممارسة الإخلال به، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة ؟
و هل تقوم الأحزاب السياسية، بدورها، في حفظ الأمن العام، و تجنب الإخلال به ؟
و كيفما كانت الإجابات المحتملة على هذه الأسئلة، فإن حفظ الأمن العام ينطلق من وجود دستور ديمقراطي، و من ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة، لإفراز مجالس جماعية، تخدم مصالح المواطنين، و لإيجاد برلمان يعمل على إصدار قوانين متلائمة مع المواثيق الدولية، حتى تكون في خدمة مصالح المواطنين، مهما كان انتماؤهم الطبقي، أو العرقي، أو اللغوي، أو العقائدي، و إفراز حكومة تكون في خدمة برنامج يسعى إلى تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. و ما سوى ذلك ليس إلا إخلالا بالأمن العام، حتى و إن كان باسم حماية الأمن العام، مادام لا يخدم إلا مصلحة الطبقة الحاكمة.
ابن جرير في 25/06/2004
محمد الحنفي