![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
توفيق الحاج
شاهدت مؤخرا في قناة فضائيةجادة فيلما وثائقيا يتحدث فيه شاعر وممثل وروائية عن
جراح انسانية متقيحة في نفوس سحقت عمدا ومع سبق الاصرار والترصد داخل سجن عربي
..في بلد عربي ..في زمن عربي..!!
لم أشعر من قبل بمثل هذا الحزن والرغبة الشديدة في البكاء..دمعتان تحجرتا
وتوقف الاحساس بكل شىء..بأي شىء وأنا أتابع تجربة الشاعر عدنان مقداد من خلال
صوته المتهدج..حركات عينيه..تلاحق انفاسه..بقايا الانسحاق المتيبس على قسمات
وجهه..حبيبات العرق المنزلقة فوق كلماته الخافتة..
كان يخبئ تحت رأسه ورقة وربع قلم أو عود كبريت محترق ليظل حيا متشبثا ببرق
القصيدة و تفاحة الكتابة.
ووصل بي الى قمة الاختناق وهو يروي أخر لقاء مع ابيه وهو يوصيه بالا يوقع
لسجانيه وبعد عمر تبخر ببطء في عتمة الزنازين الرطبة يكتشف الشاعر مع صراخ
عمته أمام قبر والده "عدنان طلع يامحمد"كم كان الاب ينتظر هذه اللحظة ..ولكن
بعد فوات الاوان
ولم أكد أفيق من غيبوبة الصورة حتى عاجلني الممثل عبد الحكيم قطيفان بتكامل
الانسحاق البشري أمام الجبروت حين تمنى ان يكون "ذبابة " لكي يستطيع الخروج من
الزنزانة لدقائق لاهربا وانما ليحط على صينية بقلاوة ويرشف منها ولو قطرة واحدة
فقد تملكه اشتهاء طعم الحلوى وكم كان احتفاله مؤثرا بقطعتين منها وكأنه يتأمل
الزغب الابيض في وجه حبيبته التى تماهى طيفها مع النور خارج الزنزانة .
أما الروائية حسيبة عبد الرحمن فقد كانت من وراء سحب دخان سيجارتهاأكثر نتوء و
قهرا حين اكتشفت أن السجن أغتصب عمرها واحلامها وحول ما بداخلها الى تجاعيد
جافة قاسية وكانت صراحتها كافية لتعرية وجوه سجانيها
والتأكيد على اننا لم نبتعد كثيرا عن شهوات الحجاج وخوازيق قراقوش وتنور الموت
المتوارث عن الخلفاء والامراء بل صار حكامنا أكثر منهجية وحداثة..!!
التعذيب الذي نعيش ليس غريبا من الامريكان أو الاسرائيليين ولكنه أشد وقعا
وسحقا حين يكون عريبا خالصا في الاقبية والسراديب التي تحمل تاريخا وتحفظ قصصا
وصرخات يشيب لها الولدان من أبرياء حملوا فكرة مختلفة أوحلما طازجا لايروق
لحاكم .
واستطيع القول بنفس مطمئنة ان أول من جاء من البشر بفكرة السجن جاء قبلها
بفكرة القتل لانهما من معين واحد والفرق بينهما في سرعة التنفيذ
والقاتل والسجان كلاهما لم ولن بستطيعا قتل الفكرة وانما يستطيعان ربما تدمير
جسد ..!!
أستطيع القول أيضا أنه يجب ألا نستغرب مانعانيه من قهر الآخرين ونحن نستمرئه
ونتلذذ به بين ظهرانينا
فمن أعمالكم سلط عليكم "
أحبائي عدنان..عبد الحكيم..حسيبة
أعتذر لكم ولكل سجناء الحرية العرب باسم أمة مقهورة عن معاناة لا تنتهي..وعن
عار لايمحى وحسبنا الله ونعم الوكيل