1) في أحد المؤتمرات النقابية في الدار البيضاء ، رفع منظمو المؤتمر الذي كنت عضوا فيه في نهاية السبعينيات من القرن العشرين شعار "الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية" . و الشعار الذي تصدر المؤتمر، و احتل مكانا بارزا على صفحة جريدة المحرر، الممنوعة من الصدور ن منذ سنة 1981 ، و التي كان يرأس تحريرها شهيد الطبقة العاملة : الشهيد عمر بنجلون ، مكانا بارزا . و قد أثار هذا الشعار إعجاب أعضاء المؤتمر، و إعجاب الشعب المغربي ، و في نفس الوقت أثار حقد و غضب الطبقة الحاكمة ، التي مارست الكثير من الضغط على أعضاء النقابة المذكورة . و شردت ، و حاكمت العديد من أعضائها ، و من قيادييها المحليين ، و الإقليميين ، و الوطنيين.. فكأن ما تكلفه المناضلون النقابيون لا يتجاوز كونه ضريبة النضال النقابي الصحيح . مما جعلنا نعتقد حينها أننا نسير على الخط الصحيح في بناء التنظيمات النقابية : القطاعية ، و المركزية . و كنا نتنبأ بأن العمل النقابي الصحيح ، لابد أن ينعكس إيجابا على الطبقة العاملة ، التي تحتضن فكرها الاشتراكي العلمي ، و تمتلك وعيها الطبقي الحقيقي الذي يعدها لأن تنتقل من مستوى النضال النقابي ، الذي يهدف إلى تحسين أوضاعها المادية و المعنوية ، إلى مستوى النضال السياسي الذي يمكنها من الالتحاق بالتنظيم الحزبي العمالي الذي يحمل اسم حزب الطبقة العاملة ، أو الحزب الثوري ، أو الحزب الشيوعي الذي يقود النضال العمالي ، في أفق العمل على القضاء على الاستغلال بقيام الدولة الاشتراكية بتحويل ملكية وسائل الإنتاج ، من ملكية فردية إلى ملكية جماعية ، حتى تتحقق الحرية ، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية .
2) غير أن أمراض البورجوازية الصغرى و المتوسطة التي تحكمت ، و لازالت ، في مسار العمل النقابي تحول دون تحقيق ذلك الارتباط العضوي بالطبقة العاملة ، الذي لا يعني ، في نظرنا ، إلا التخلص من الأمراض البورجوازية الصغرى ، و العمل على اعتناق فكر الطبقة العاملة ، و إيديولوجيتها الاشتراكية العلمية ، و الالتحاق بحزبها الثوري الذي يقود النضالات العمالية في أفق الوصول إلى السلطة السياسية التي تعتبر وسيلة لتحقيق الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية . فأمراض البورجوازية الصغرى فرضت قلب الشعار الذي تحول من الارتباط العضوي بالطبقة العاملة إلى الارتباط العضوي بالمصالح التي لها علاقة بتحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى ، التي يتم تصديرها إلى الطبقة العاملة التي تنسلخ عن فكرها الاشتراكي العلمي ، لتعتنق هي بدورها فكر البورجوازية الصغرى ، الذي يجعل العمال بدورهم مرضى بالتطلعات البورجوازية الصغرى ، ليتحول شعار الارتباط العضوي بالطبقة العاملة المغربية ، إلى شعار : "تبعية الطبقة العاملة للبورجوازية الصغرى" ، لتغيب الطبقة العاملة ، و تصير وسيلة لتحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى المتمثلة في الوصول إلى المؤسسات المنتخبة ، و إلى الحكومة ، باعتبارهما مساعدين على تحقيق التطلعات الطبقية المؤدية إلى التموقع الطبقي ، إلى جانب الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي ، و المعنوي للطبقة العاملة و لسائر الكادحين .
3) و لذلك كان من الضروري قبل التفكير في الوسائل المساعدة على التخلص من أمراض البورجوازية الصغرى، قبل التفكير في أي شيء آخر، حتى يصير الارتباط العضوي بالطبقة العاملة ، و بسائر الكادحين قائمة على أرض الواقع الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و السياسي .
فمن وسائل التخلص من أمراض البورجوازية الصغرى على المستوى الاقتصادي : العمل على أن تكون المطالب الاقتصادية ملبية لطموحات الطبقة العاملة ، و سائر الكادحين ، في تحقيق العدالة الاقتصادية ، حتى لا يكون هناك تفاوت في الدخل الاقتصادي لدى أفراد المجتمع ، و من أجل أن لا يكون ، هناك ، ذلك التفاوت المجحف ، في الأجور التي يتلقاها العمال ، و المستخدمون ، و في مختلف القطاعات الاجتماعية .
و على المستوى الاجتماعي يتم الحرص على المساواة في المطالب الاجتماعية بين جميع القطاعات الاجتماعية ، و بين جميع الأفراد ، سواء تعلق الأمر بالتعليم ، أو العلاج ، أو السكن ، أو الشغل ، حتى لا يكون هناك مواطن من الدرجة الأولى ، و مواطن من الدرجة الثانية ، و حتى لا تكون هناك جهة تتلقى العناية الاجتماعية الكاملة ، و جهات محرومة من تلك العناية كما هو حاصل في المغرب .
و على المستوى الثقافي ، نرى ضرورة محاربة قيم تمجيد الذات ، و العمل على تنمية و إشاعة قيم الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية ، لأنه بدون إشاعة تلك القيم ، في مختلف مجالات الحياة ، و في جميع مناحيها ، فإن الحرص على تمجيد الذات ، يبقى سائدا في الواقع ، و معرقلا لتجارب الحياة الهادفة إلى التغيير الشامل للواقع الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و السياسي.
و يعتبر المستوى المدني أفضل مناسبة لتجميد قيم المساواة بين الناس جميعا ، حتى تذوب الذوات الفردية في الذوات الجماعية ، و حتى يتمكن الأفراد من تحقيق ما يجب عمله للتمكن من إيجاد حياة عملية جماعية ، تستطيع تطوير الواقع الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ن و السياسي .
أما المستوى السياسي ، فيجب توظيفه لتحقيق ديمقراطية حقيقية ، انطلاقا من دستور ديمقراطي ، حتى يتم بناء واقع تختفي منه ، و بصفة نهائية ، كل الممارسات السياسية ذات الطابع الانتهازي ، الذي يمكن من الأمل في تحقيق تطلعات الانتهازيين ، لأنه باختلاف الممارسات الانتهازية الفردية ، يمكن أن نصل فعلا إلى بناء مؤسسات تمثيلية حقيقية ، من الشعب و إلى الشعب ، كعنوان للتغيير الديمقراطي المنشود ، عند جميع المغاربة ، و منذ بداية النضال ضد الاحتلال الأجنبي ، و إلى الآن .
4) فالتخلص من أمراض البورجوازية الصغرى الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية ، يعتبر شرطا لقيام أي ارتباط عضوي بالطبقة العاملة ، و إلا ، فإن الطبقة العاملة ستصير ضحية الممارسات الانتهازية للبورجوازية الصغرى ، كما هو حاصل في المغرب ، حيث نجد أن العمل النقابي يصير ضحية إما :
أ- للممارسة البيروقراطية التي تعتمدها البورجوازية الصغرى في بعض النقابات ، حتى توظف علاقتها بالشغيلة ، لتحقيق تطلعاتها الطبقية .
ب- أو للممارسة الهادفة إلى جعل النقابة تابعة لحزب معين ، و منفذة لتوجيهاته ، في المجالات التنظيمية ، و الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و السياسية ، حتى تصير النقابة محققة لأهداف الحزب ، بطريقة معينة .
ج- أو لجعل النقابة مجرد منظمة حزبية ، حتى يعتبر كل من ينخرط فيها عضوا في الحزب ، لتصير ، بمثابة مصيدة ، للاستقطاب الحزبي ، ليس إلا .
د- أو للتعامل مع النقابة كمجال للإعداد ، و الاستعداد لتأسيس حزب معين ، لتصير الطبقة العاملة مجرد مطية لتحقيق الأهداف ، و التطلعات البورجوازية الصغرى في إيجاد تنظيم حزبي .
و قد كان المفروض أن ينتبه المناضلون المخلصون للطبقة العاملة ، و لسائر الكادحين ، إلى هذه الممارسات ، و أن يعملوا على محاربتها في أفق جعل النقابة التي تدعي المبدئية ، مبدئية فعلا . و من أجل جعل العمل النقابي ، في خدمة مصالح الطبقة العاملة ، و سائر الكادحين ، بدل أن يخدم مصالح البورجوازية الصغرى .
5) وما قلناه في العمل النقابي نقوله في العمل الجمعوي بأشكاله المختلفة ، حيث يجب تصدي المناضلين المخلصين لمختلف الممارسات الانتهازية الهادفة إلى جعل البورجوازية الصغرى توظف العمل الجمعوي لتحقيق تطلعاتها الطبقية ، حتى يصير العمل الجمعوي الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و السياسي في خدمة الكادحين .
6) و بالنسبة للعمل الحزبي ، فإننا يمكن أن نعتبره هو المجال الخصب لتفريخ ، و نمو مختلف الممارسات الانتهازية للبورجوازية الصغرى التي تجد نفسها إما :
أ- ملتحقة بالأحزاب الإقطاعية التي تمكن الانتهازية من الاستفادة من الإقطاعيين من جهة ، و من الطبقة الحاكمة من جهة أخرى ، و من تضليل الكادحين من جهة ثالثة ، في أفق تحقيق التموقع الطبقي لانتهازيي البورجوازية الصغرى إلى جانب الإقطاعيين .
ب- أو ملتحقة بأحزاب البورجوازية التابعة التي توظف الانتهازيين من البورجوازية الصغرى ، لإعطاء الشرعية لتكريس التبعية للمؤسسات الدولية . و للخضوع لتعليمات تلك المؤسسات ، و في المقابل ، فإنها تغدق عليها العطاء ، بدون حدود ، مما يمكنها من التموقع إلى جانبها .
ج- أو مرتبطة بالأحزاب التي تستفيد كثيرا من انتهازية البورجوازية الصغرى ، لتمرير خطابها إلى الجماهير الشعبية الكادحة ، حتى تصير البورجوازية هي الأمل الذي ينقذ المجتمع من مختلف المشاكل التي يعاني منها . و في مقابل ذلك تمكن البورجوازية انتهازيي البورجوازية الصغرى من مختلف الامتيازات التي تمكنها من تحقيق تطلعاتها الطبقية ، و تتموقع إلى جانب البورجوازية .
د- أو مؤسسة لأحزاب البورجوازية الصغرى ، التي تستقطب إليها شرائح البورجوازية الصغرى ، التي تشكل قوة عظيمة ، و عريضة في نفس الوقت ، لتحقيق الضغط اللازم ، من أجل الوصول إلى المؤسسات "المنتخبة" ، و إلى الحكومة ، التي تستغلها جميعا ، لتحقيق تطلعاتها الطبقية ، الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و السياسية ، التي تمكنها من التموقع ، و بصفة تلقائية ، إلى جانب المستفيدين من الاستغلال الطبقي .
ه- أو عاملة على أدلجة الدين الإسلامي ، لاستغلال أمية المسلمين الذين يخضعون لتجييش المؤدلجين ، من أجل تشكيل قوة ضغط ضد الطبقة الحاكمة ، حتى تخضع لابتزاز مؤدلجي الدين الإسلامي من أجل التمكن من الوصول إلى المؤسسات "المنتخبة" ، التي تعتبر خير وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية ، أو من أجل الوصول إلى بناء "الدولة الإسلامية" ، المؤسسة لاستبداد بديل .
و- و قلما نجد شريحة من البورجوازية الصغرى ، تنتحر بتخليها ، و بصفة نهائية ، عن تطلعاتها الطبقية ، و الشروع في النضال من أجل تحقيق طموحات الشعب المغربي الكادح ، و طليعته الطبقة العاملة ، في الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية ، من خلال الانتماء إلى حزب الطبقة العاملة ، الذي يناضل من أجل تحقيق الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية ، عن طريق التغيير الشامل للواقع الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و السياسي ، و تحقيق الدولة الاشتراكية التي توكل إليها مهمة ذلك التغيير .
فهل تتخلص البورجوازية الصغرى المغربية من أمراضها المختلفة ؟
و هل تنخرط في النضال النقابي المبدئي ؟
و هل تحرص على أن يكون العمل الجمعوي مبدئيا ؟
و هل تحرص على أن تكون بعيدة عن الانتهازية السياسية ، و الحزبية ؟
إن ما نعرفه أن مصلحة البورجوازية الصغرى مع الكادحين ، و أنها لا ترتبط بمصلحة الكادحين إلا بتخلصها من أمراضها المختلفة ، و ذلك ما يجب أن يسعى إليه المناضلون المخلصون .
ابن جرير في 18/09/2005
محمد الحنفي