1- اعني بالتواطؤ المسؤولية الاخلاقية لابناء النخبة النيلية عن التهميش الذي وقع في جنوب السودان ودارفور وشرق السودان‚ فالتواطؤ يقوم على جملة عناصر لجرائم هي التستر والتحريض‚ والمشاركة في التنعم بالمال المسروق‚‚ والسلطة المسروقة‚ وسوف نفصل هذا الكلام لاحقا ونفرزه بالامثلة‚
2- سياسة (التمكين) للنخبة النيلية هي سياسة قديمة كانت تمارس بوعي تام في الخفاء‚‚ بشيء من الاستحياء‚ الاضافة التي تمت في عهد الانقاذ هي ايجاد المبرر الديني للتمكين «الذين ان مكاناهم في الارض اقاموا الصلاة»‚‚ فالتمكين هو في النهاية فساد ومحسوبية لأن جوهره يقوم على فكرة عزل المعارضين للنظام واستبدالهم بـ (الموالين) فهذا الاجراء في حد ذاته ينطوي على فساد‚‚ ثم يعقبه فساد آخر في البديل الذي يتم اختيارهم (بنسبة 80%) من ابناء النخبة النيلية ليس على اساس الكفاءة والجدارة‚‚ وانما بدرجة قوة الواسطة ولما كانت النخبة النيلية هي المهيمنة منذ عام 1953 على الخدمة المدنية منذ (السودنة) - استبدال الوظائف التي كان يشغلها الكادر الاداري من الاستعمار الثنائي الانجليزي - المصري بالكادر السوداني - فضلا على ان غالبية الوزراء في كل العهود منذ 1953 حتى 2005 من ابناء الشمال هذا الوضع جعل التمكين خلال الخمسين سنة الماضية لصالح ابناء النخبة النيلية الشمالية التي استمرأت سياسة التمكين لمصلحتها‚‚ مشاركة بذلك في الفساد لكونها المستفيدة من ذلك‚‚ ومعلوم ان الراشي والمرتشي سيان‚ ومعلوم ايضا ان (الغرم بالغنم)‚‚ فمن غنم الوظيفة من اخيه ابن عمه الحاكم فعليه ان يغرم ويدفع الثمن‚‚ واضعف الايمان ان يكون شريكا لابن عمه في الادانة ويتحمل معه مسؤولية الحرمان الذي وقع على المهمشين الذين وقع عليهم الضرر بالحرمان‚
3- سياسة الاستعلاء والتهميش هي نتاج لايديولوجية (مؤسسة النخبة النيلية)‚‚ ولم تكن آراء فردية لدى قيادات الاحزاب التي حكمت السودان (الاتحادي‚‚ الامة‚‚ الشيوعي والجبهة الاسلامية) كما لم تكن آراء فردية للحكومات العسكرية (حكومة عبود‚‚ النميري‚‚ والترابي/البشير علي عثمان)‚‚ ان حكام النخبة النيلية كانوا ينطلقون من ضمير جماعة هي النخبة النيلية‚‚ كل النخبة النيلية تنظر للجنوبيين باعتبارهم عبيدا ويروجون لثقافة الاقصاء (لا تتبول في الشق ولا تصادق العبد)‚‚ وكذلك ينظرون لابناء غرب وجنوب كوستي كلهم بأنهم عبيد ويروجون لثقافة (البييجي من الغرب ما يسر القلب)‚ وهذا الاستعلاء يمارس حتى على القبائل العربية في كردفان وفي دارفور‚ فالشريعة الاسلامية تلزم اهل القاتل وعائلته بالدية وذلك لأن القاتل حين قتل كان مدفوعا بالقبيلة وثقافتها وفتوتها‚‚ فالقاتل يعبر عن ضمير جماعة‚‚ وكذلك حكام المركز يعبرون عن ثقافة المركز‚
4- مارس الجيش السوداني - الذي يطلق عليه الجيش القومي - مارس التهميش والاستعلاء والقهر‚‚ ضد المهمشين في الجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق وفي دارفور الشرق‚ لقد قام الجيش السوداني بتصفية كل العقول الحية من الجنوبيين ومن ابناء جبال النوبة تصفية جسدية بحجة انهم انفصاليون ومن الافضل القضاء عليهم وهم صغار قبل ان يكبروا‚‚ بحيث تصعب تصفية القادة والزعماء‚‚ لم ينج من التصفية حتى الزعيم وليم دينق الذي هلل الجيش لمقتله واعتبر تصفيته انجازا عظيما‚‚ فقام ضباط الجيش بتهنئة بعضهم على هذا الانجاز كما تقول وثائق التاريخ التي دونها شهود العيان‚‚ نعم‚‚ تمت تصفية الشهيد وليم دينق بواسطة الجيش السوداني رغم انه كان حليفا لحزب الامة جناح الصادق وجبهة الميثاق الاسلامي‚‚ بل افادني احد اقطاب الانصار - بالدوحة- ان السيارة التي قتل فيها الشهيد وليم دينق كانت مهداة له من السيد الصادق المهدي إمام الانصار الحالي‚‚ فقد كان الشهيد وليم دينق بشراكه في مؤتمر القوى الجديدة يعتقد انه ليس هدفا للجيش (القومي المزعوم)‚‚ ولكن بكل اسف خاب فأله‚‚ لذلك تحرك دون طوق حماية من الجيش‚‚ فأصبح صيدا للجيش!! هذه الجريمة يعلمها الكثير من ابناء النخبة النيلية‚‚ ولكنهم لا يتحدثون عنها علنا‚‚ وهذا الصمت هو عين التستر والتواطؤ‚
إنهم الخلايا النائمة
مصطلح الخلايا النائمة ارتبط بتنظيم القاعدة ويقصد بهذا المصطلح الصف الثاني‚ لقد عملتنا تجربة الخمسين سنة الماضية ان رؤية النخبة النيلية كلها واحدة تجاه المهمشين بحيث انك لو اخذت في أي وقت خلال الخمسين سنة الماضية أي (30 شخصا) وشكلت منهم مجلس وزراء فإنهم سيعملون بالمهمشين ذات الفعل الذي قام به الحكام والوزراء الذين قدرت الظروف ان يقوموا بمهام السلطة التنفيذية‚‚ واكبر دليل على ذلك هو الآتي:
أ- نقض العهود بدأ في الديمقراطية الاولى 1956- 1958 وأول عهد تم نقضه هو تحقيق امال الجنوبيين في الفيدرالية‚
ب- جاء نظام عبود وسار على درب الديمقراطية الاولى وانتهج الحل العسكري‚‚ العقلية التي تريد الجنوب بثرواته وارضه ولا تقبل الجنوبي نفسه‚ بل كان نظام عبود اكثر عدائية للكنيسة وقام بسودنة الكنائس بطريقة عسكرية قسرية‚ وجعل نظام العبود الكنيسة طرفا في مشكلة جنوب السودان‚ كما كرس نظام عبود سياسة الاسلمة والتعريب قسريا‚
ج- في عهد اكتوبر وعلى طاولة المائدة المستديرة رفضت الاحزاب الشمالية فكرة الفيدرالية‚‚ بل ذهبت الاحزاب كلها الى اعداد الدستور الاسلامي‚‚ وقد خلصت مسودة الدستور وبعد مداولات موثقة الى انه يشترط في رئيس الجمهورية ان يكون مسلما‚‚ وبذلك انتهت فكرة دولة المواطنية‚‚ ورتبت مسودة الدستور لدولة دينية (اسلامية)‚
د- جاء نظام نميري (1969- 1985) ومكث 16 سنة لينتهي بالدولة الدينية‚‚ والى الدستور الاسلامي نفسه الذي اجمعت عليه احزاب السودان القديم (الامة‚‚ الاتحادي‚‚ الميثاق الاسلامي)‚
هـ - الديمقراطية الثالثة اتت باحزاب السودان القديم الثلاثة المشار اليها ورغم ان كل الاحزاب تشتم نظام نميري الا انها لم تجرؤ على الغاء قوانين سبتمبر مما يؤكد ان كافة الحكام مشروعهم واحد‚
ي- جاءت ثورة الانقاذ بالدولة الدينية علنا‚‚ وبالجهاد‚‚ مكرسة جهود الحكام السابقين في الاستعلاء والتهميش ولم يقف الاستعلاء عن الجنوبيين فحسب وانما شمل ابناء الهامش داخل الحركة الاسلامية نفسها فانقسمت الى وطني وشعبي على اساس شبه جهوي‚
الخلاصة اذن هي اولا يجب ان نعترف بأن التهميش ليس مصدره الحكام وانما مصدره النخبة النيلية بثقافتها الاستعلائية الاقصائية‚ ثانيا: الحل هو في اعادة صياغة الانسان الشمالي - في المركز- وفي الهامش على السواء‚‚ بخلق ثقافة التسامح‚‚ وللموضوع بقية‚