ودعت مصر الفنان هبه عنايت الله إبراهيم المستشار الفني لروز اليوسف ،‏ ورئيس جمعيه الصداقة الصينية، ورئيس مجلس إدارة جمعيه أصدقاء الوادي الجديد‏، وجمعيه اتيليه القاهره وغيرها من الجمعيات واللجان‏، وهو حائز علي كثير من الأوسمة والنياشين‏ في مصر والعالم ، منها اعلي وسام فني من الصين‏.‏
هبه عنايت ذلك الإنسان المتعدد المواهب ، والذي عشق السودان فكان سفيرا لها في مصر .. تولى رئاسة تحرير مجلة " الوادي " في عهد الرئيس السادات ونميري ، التي كانت مشروعا تكامليا بين دار روز اليوسف ودار الصحافة ..
هبه عنايت عندما تعرفه تجد انك أمام إنسان من نوع فريد ، فهو فنان وقارئ وصحفي من الدرجة الأولى .. كان مكتبه بروز اليوسف صالونا يجود بكرم الضيافة ويجمع بين اهل مصر والسودان ..
كان يحب السودان وحينما يسافر الى الخرطوم – ايام مجلة الوادي – يحاول ان يجمع اكبر قدر من المعلومات والأحاديث لينشرها بدلا من ترك ذلك للجانب السوداني لانه يجيد فن البحث عن الأحاجي والونسه .. واذكر انه تكبد عناء السفر إلى دارفور لينشر بعدها سلسلة مقالات عن تاريخ وسلاطين دارفور ..
تجمعني بالفنان هبه رحمه الله علاقة من نوع خاص منذ ان كنت طالبا بكلية الإعلام – جامعة القاهرة وكنت فى نفس الوقت مسئولا فنيا عن مجلة " الثقافي " التى تصدرها السفارة السودانية بالقاهرة للطلاب السودانيين بالجامعات المصرية وكان الأستاذ الصحفي والمستشار الثقافي أيامها محمد سعيد معروف مسئولا عنها وعن هيئة تحريرها وتم اسناد مهمة الإشراف الفني لي ومتابعتها حيث أنها تطبع بمطابع روز اليوسف بالقصر العيني بالقاهرة .. رشح هبة لتولى إخراج المجلة فنيا الأستاذ الفنان المعروف رمسيس واصف ..
كنت دائم التردد على روز اليوسف ومجلة صباح الخير ، ومن خلال هبه تعرفت على عمالقة الصحافة المصرية كالأستاذ صلاح حافظ والأستاذ مفيد فوزي والأستاذ عادل حموده والفنان جمال كامل والأستاذ رشاد كامل وعزت الشامي ومحمد هيبه والفنان روؤف والفنان محمد حاكم وكل فناني ورسامي الكاريكاتير وصحفي دار روز اليوسف ، وقد عرض علي الأستاذ هبه العمل في مجلة الوادي بجانب إشرافي على مجلة الثقافي كمحرر فني لأنقل للقارئ السوداني فن مصر بقلم وعيون صحفي سوداني وبذلت في ذلك مجهودا كبيرا لأثبت لأستاذي هبه مقدرتي ان أكون عند حسن ظنه ، فأجريت مقابلات فنية بفناني مصر والسودان الذين يأتون إلى القاهرة .. وكتبت مقالات عن المسرح والسينما السودانية ..
للفنان هبه علاقة حب مع جمهورية الصين التي درس وتعلم فيها ، ومن هنا جاءت فكرة دعوة فرقة الفنون الشعبية الصينية لزيارة مصر والسودان ، وبذل في ذلك جهودا جبارة ليفاجئ الجمهور السوداني على خشبه المسرح القومي بأم درمان بأداء فنانة الفرقة الصينية لأغنية الفنان حمد الريح " لو عـــــــــارف عيونك " وعلمت منه فيما بعد انه أرسل شريط الأغنية للفرقة في الصين للتدريب وحفظها بالإضافة لاغاني مصرية قامت الفرقة بأدائها على مسارح مصر ..
واذكر أيضا للفنان هبه .. منذ سنوات كانت تراودني فكرة إصدار كتاب عن أحداث 19 يوليو 1971 من واقع الوثائق البريطانية ، وطلبت من الأستاذ هبه في إحدى لقاءاتي به بالقاهرة ان يقوم برسم غلاف الكتاب وقلت له أريد ان ترسم لي صورة تعبر عن شخصية عبد الخالق محجوب وسأقوم أنا بتكملة تصميم الغلاف .. فوافق ، غير ان المشكلة التى واجهتنا يومها الحصول على صورة فوتوغرافية واضحة لعبد الخالق ، فقال لي لا تقلق ، والتقينا في اليوم التالي لأجد انه قد جمع من أرشيف روز اليوسف صور مختلفة لعبد الخالق ، وفي خلال أيام انتهى من رسمها غير ان الصورة بقيت معي لسنوات حتى أصدرت كتابي في 2003 بعنوان " 3 أيام هزت العالم " ويتصدر غلافها وجه عبد الخالق كما تصورالفنان هبه عنايت ..
ولم أتوقف عن زيارة هبه أو الاتصال به تلفونيا للاطمئنان وكلما سافرت لقاهرة المعز أسجل له زيارة بمكتبه بروز اليوسف أو بمنزله العامر بضاحية المعادي بعد ان ساءت حالته الصحية .. التقيت به لآخر مرة قبل شهور قليلة بمنزله وطلبت منه الحضور لبريطانيا للعلاج فقال لي وهو يبتسم " مش حايطوله عمري يا طارق " وعندما سألته عن الرسم قال لى انه توقف عنه ولكنه يكتب أسبوعيا بجريدة الأهالي المصرية .. وقبل مغادرتي القاهرة اتصل بي وطلب مني شراء العدد الأخير من جريدة الأهالي لانه كتب شئ عن السودان .. لأجد هبه قد كتب مقالا عن السلام في السودان الذي كان يتمنى ان يعم كل أرجاء الوطن الذي احبه حتى النخاع ..
رحم الله هبه عنايت الفنان الكبير والرجل العملاق .. واسكنه فسيح جناته وألهمنا الصبر على فراقه ..