لم يفاجئني الشاعر الرقيق أحمد دحبور بالاعلان عن أميته الرائعة وعصاميته
الفولاذية بشجاعة أدبية يفتقدها الكثيرون .
وهو صاحب العيد الذي نفرح به صباح كل أربعاء وراوي الكسور العشرية التي كانت
أشبه ببئر جبرا الأولى ومن كلتيهما رأينا طفولتنا الضائعة في مرايا من دم ولحم
أحمد دحبور.. في غنى عن كلمات العبد الفقير الذي قد يجيد إعداد البيتزا
الإيطالية ولا يجيد المجاملة خاصة مع انتفاء المصلحة ويكفيه شرفا وفخرا إبداعه
المنتشر وبكل اللغات ورهافة حسه و هو بأميته يفوق عظمة وعطاء بل وخلودا مئات من
حملة الدكتوراه بالحق أو بالباطل ورسائلهم بعد زهو الاحتفال تنخر فيها الأرضة
على أرفف لا ينظر إليها أحد..!!
ليس معنى ذلك أن الأمية أفضل من ارتقاء درجات العلم بل المعنى المقصود وبكل
وضوح أن دحبور حالة استثنائية لا تتكرر كثيرا وتعبر عن قوة إرادة طفل فلسطيني
أراد ان يكون وكان كما كان العقاد وطه حسين وغيرهم من العصاميين في عالم الفكر
والإبداع وأمية كهذه هي بلا شك أعظم وأروع من دكتوراه خاملة تنتهي وتستسلم
لروتين الوظيفة ..!!
ولعل شاعرنا يتذكر ذلك ال"د" الذي كان يقدم برنامجا أدبيا في التلفزيون بحضور
متكلف و بلغة لاتميز بين المرفوع والمنصوب وبأسلوب العبارات المحفوظة والمملة
مؤكدا ان فاقد الشيء لا يعطيه وليته كان أميا مجتهدا..لكان ذلك أفضل!!
فقط..أشفق على الشاعر أحمد دحبور ونفسي من تكلس الوظيفة فوق فضاءاتنا وجاذبية
السياسة اليومية التى تنتزع منا لحظة التجلي وتجعلنا نهرول كصحفي شقي وراء
الحدث في عمود يومي أو مقالة عابرة
وفي النهاية أقف ويقف معي كل مثقف حقيقي ونرفع القبعة ثم ننحني إجلالا لهذا
الشاعر الأمي ..