تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

هل السودانين متسامحين دينياً. . بقلم Mading Wada Manyiel الدوحة - قطر

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
16/11/2005 3:32 ص


يصعب للمرء أن يجزم بشأن التسامح أو التعايش الديني ,لأن الأمر يتعلق بالإنسان، فكره ووجدانه بل تصرفه لذا نكون قد ظلمنا عامة الناس عندما نصفهم بأنهم غير متسامحين دينياً، لأن التعايش هنا شئ نسبي ، ما يعقد الأمر في اعتقادي هو التداخل بين دور الفرد والجماعة والدولة في شأن التعايش , لذا تجد نفسك وبالذات في قطر مثل السودان يصعب التمييز بين المكونات وذلك يعزى للتداخل في الأدوار.
لقد أصبحت قضية التسامح الديني في السودان لا تشغل بال الكثير من النقاد والمتتبعين للشأن السوداني، بل أصبح من المألوف كلما صدر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الدول الأكثر إضهاداً لرعاياها دينياً، فأن أول ما يتبادر لذهن المرء هو يظهر اسم السودان على اللآئحة، وبالفعل وبدون عناء أو الرجوع إلى صفحة وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت، تجد السودان ضمن الدول المقدمة في التقرير وفي كافة وسائل الإعلام المرئي والسمعي , و من الناحية الأخرى تجد إجابة جاهزة من أعوان نظام الإنقاذ فحواها أن السودان مستهدف من قبل الحكومة الأمريكية، وأن السودان و مشروعنا الحضاري هو المقصود، وأن ليس هنالك إضهاد ديني، و أن تم تشكيل لجنة وطنية للتعايش الديني، ولكن تلك اللجنة هي بالتأكيد لذرالرماد على العيون، بل أن موظفيها يتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم من الدولة، وتتكون اللجنة من بعض الشيوخ والقساوسة و كما ذكرت سلفاً فدورهم محدود و يتلخص في القيام بأعمال العلاقات العامة وتلميع صورة النظام عالمياً و محلياً.
نقرأ كثيراً كتابات وتعليقات من بعض العلمانيين من الإخوة المسلمين وبعض العناصر الإسلامية المعتدلة يتحدثون دون حياء عن التعايش الديني، متخذين من تجاربهم الشخصية معياراً للتعايش الديني، وهم يتحدثون عن علاقات الجوار مثلاً للتعايش، خاصة في أمدرمان مع الإقباط، ومدى مشاركة هؤلاء لهم في أفراحهم وأحزانهم، وأنهم يرفعون الفاتحة عند وفاة واحد من الأقارب، وأنهم يشاركون في الأعياد والزيارات المتبادلة بين الأسر، نفس السيناريو ينطبق على الجنوبيين والنوبة المسيحيين، وأن بعض هؤلاء يرتدون الجلاليب ويزورونا ، و في بعض الأحيان يكثر البعض من التحدث عن الأقباط والأرمن وغيرهم من القوميات التي كانت تعيش في السودان إلى وقت قريب. الحديث عن عم جورج القبطي جارنا الرجل الطيب هاجر إلى كندا، و تادروس اليوناني المضياف الذي قد غادر إلى قبرص وغيرها من أقوال. وأخيراً يتم إختزال الأمر في نهاية المطاف إلى ممارسات الإنقاذ من الإضهاد الديني لغير المسلمين، لذا هاجرت تلك الأقليات من البلاد. وينتهي الحوار الفوقي بأن السودانيين من أكثر شعوب العالم تعايشاً دينياً و أن السودان لم يشهد في تاريخه القريب أو البعيد إضطهاداً دينياً، هذا إستخفاف بعقول الناس إما جهلاً أو تعمداً أو لمجرد مواقف إيديولجية وحزبية ضيقة، تحصل على أنصاف الحقائق و تتشدق في تسويقها بأن الحقيقة الكاملة.
نعود إلى الجانب الإجتماعي أولاً:
لماذا لا يتزاوج تادروس .... وجورج .... ومنقار... ولادو.... وكوكو... من بنات المسلمين ، بما أن المسلمين يتزوجون من أهل الكتاب وأحياناً تجار الشماليين الذين إستقروا في الجنوب يتزوجون حتى من غير الكتابيات من أصحاب المعتقدات الأخرى، و لكن وللمفارقة ومن باب التعالي الديني، يجد هؤلاء أنفسهم في المحك الحقيقي و يصعب عليهم التصرف بل يفضحهم الوضع, عندما يطلب مسيحي الزواج من مسلمة، يقابل بالرفض بحجة أن الدين الإسلامي لا يقبل بذلك ، و إذا أردت الزواج من بناتنا فعليك تغير دينك حتى يتم ذلك ، وفي بعض الأحيان حتى الشماليين المتزوجين من غير الكتابيات يضعون نفس الشروط أن تتزوج ابنته من المسلم، ناسين بأن والدة تلك الفتاة كانت غير كتابية ، وأن المعروف عند المسلمين إباحة الزواج من الكتابية يعني نصرانية أو يهودية وليس من الكافرة. سؤالي كيف يتزوج المسلم من الكافرة ويرفض أن تتزوج أبنة تلك الكافرة من غير المسلم؟ الأدهى في الأمر أن بعض المثقفين الشماليين الذين تزوجوا من الأجنبيات من غير المسلمات وبزواج مدني في المجتمعات الغربية أو بعض الدول التي مسموح به الزواج المدني، يتمسكون أيضاً بنفس الشروط بل في بعض الأحيان يهربون بناتهم لكي يتزوجن من الإقارب في السودان من المسلمين، أو بعمل إقامة دائمة أو فرصة عمل لإبن الأخ أو الأخت بغرض أن يتم تزويجه من الفتاة، العجيب في الأمر هو نفاق أولئك العلمانيين واللبرياليين الشماليين الذين ينادون بمساواة إجتماعية في حين ليس لديهم جرأة لتطبيق هذا المساواة على أنفسهم ناهيك عن الآخرين.
الحجة التي يتعلل بها هؤلاء هي أن الدين الإسلامي يمنع زواج المسلمة من غير المسلم, أنا لست مسلماً ولست على إلمام بذلك مع إحترامي للعقيدة الإسلامية التى يدين به غالبية أهل السودان، وبذلك فأن الأمر متروك للمسلمين لكي يفتوا فيه. ما أريد إيصاله هو هل من الممكن أن نكون دولة مدنية معافاة من التعالي،بينما الوضع الديني و العرقي و الثقافي ناهيك عن الدساتير والفرمانات التى تصدر من البرلمانات والرؤساء بعيد كل البعد عن الوضع الإجتماعي المعاش.
إما من جانب الديانة المسيحية، فأنها تحرم زواج المسيحية والمسيحي المؤمن من غير المسيحي أو المسيحية، هذا من تعاليم الإنجيل لأن زواج المسيحي أو المسيحية لابد أن يتم طبقاً للطقوس الدينية الكنسية وأن المؤمن المسيحي والمسيحية لابد أن يطبقوا تعاليم المسيحية في حياتهم الإجتماعية، هذا هو خلاصة ما ورد في الكتاب المقدس، إذاً زواج المسيحي أو المسيحية خارج الدين الذي يؤمن به باطل لأنه لم يتم بناء على تعاليم الإنجيل، وللعلم فإن أي تزاوج خارج عن ذلك يعتبر زواجاً مدنياً يتيحه القانون لمواطنيه بغض النظر عن معتقداتهم الدينية في ظل دولة مدنية تؤطر لحقوق المواطنة وليس للدين علاقة به، بل في معظم دول إفريقيا و في جنوب السودان وبعض مناطق جبال النوبة التي تتداخل فيها العلاقات الإجتماعية يتم الزواج بين الناس دون مراعاة لهذه الفوارق، بل العلاقات الإجتماعية والقبلية هي التي تقنن هذه العلاقة بين المسلم والمسيحي والمؤمن بديانات غير سماوية و هذا من الجوانب الإيجابية، إما الجانب السلبي فنجد مثلاً العرف السائد لدى بعض القبائل النيلية مثل الدينكا والنوير بعدم تزويج بناتهم للقبائل الأخرى أى من يسمونهم بالغرباء، مثل الإخوة من الإستوائية، و هذا يعود إلى نظام قبلي متخلف عف عليه الدهر، بل بدأت تعلو في الأفق هذه الأيام بوادر التزاوج بين القبائل المختلفة ولو بنسب ضئيلة لكن البداية مشجعة للغاية.
لن نحمل على علمانيين والليبراليين كثيراً، فرغم إيماني الصادق بأنهم يخدعون أنفسهم والآخرين بدلاً من مواجهة الحقيقة بصدق وأمان من أجل التغيير. إما الشريحة الأخري من الإسلاميين والطائفيين فموقفهم واضح و نشكرهم على ذلك مع إختلافنا معهم لأنهم واضحون فيما يفعلون ويقولون.


نعود إلى صلب الموضوع - السودانيين شعب غير متسامح دينياً :-
قد ينزعج غالبية القراء من العنوان الذي منحته لهذه الصفحة ، ما أقصده هنا بعدم التسامح عند السودانيين، لا يعني بأنه ليس هناك متسامحين وسط الشعب السوداني، هنالك قلة ضئيلة بين أمواج من المتشددين، (الشمالين غالبيتهم قوميون دينيون متشددين) , والدليل الحروب التي دارت ولا تزال تدور في السودان، حرب الجنوب ،،،، دارفور ،،،،جبال النوبة ،،،،،النيل الأزرق ،،،،، شرق السودان، استبسل الشمالين ذوداً و حماية للوطن كما يدعون وكأن الوطن ملك لهم وحدهم، وكأنهم هم فقط الحريصون على مستقبله ووحدته و عن حمايته من أيدي العداء والخونة المارقين من طاعة الدولة ، ويعود ذلك إستعارة لبعض مصطلحات إستخدمت في العهد الإسلامي ضد الخوارج و غيرهم.
سنتذكر هنا بعض الحقائق التاريخية لإثبات عدم وجود تعايش ديني.
1. كيف تحول جميع سكان الممالك النوبية المسيحية إلى الإسلام، هل كان ذلك بإرادتهم أم بفعل فاعل ؟؟؟ هل يجوز منطقياً أن تغير ممالك وشعوب بأكملها ديانتها هذا أمر يصعب للمرء أن يتصوره، من الممكن أن يغير البعض دياناتهم ولكن لا يجوز أن يغير 99.9% دينهم بإرادتهم، هنالك جدل بأن الذين كانوا يدينون بالمسيحية في الممالك النوبية هم من طبقة الملوك والأمراء، و لكن هنالك روايات تدحض هذه الفرضية، بل تذهب إلى أبعد من ذلك فتذكر بأنه كانت هنالك كنائس وأديرة و أماكن عبادة في تلك الممالك، وأن المسيحية لم تكن دين الملوك والأمراء فحسب، بل كانت دين عموم الناس في تلك الممالك، والدليل هو وجود طقوس دينية مسيحية عند أهل الشمال من الدناقلة والمحس والحلفاويين تمارس إلي يومنا هذا وتعتبر تراثاً نوبياً ، مثلاً أخذ المولود الي النيل بعد ميلاده عند الدناقلة و هي طقوس مسيحية تعرف بالتعميد و غيرها من العادات ذات الصلة بالتراث النوبي.
إذا عدنا إلى الفتوحات الإسلامية منذ أيام الخلفاء الراشدين مروراً بالدولة الأموية ثم العباسية و أخيراً فتوحات الإمبراطورية العثمانية، كل هذه الفتوحات حافظت على أوضاع غير المسلمين في البلدان التي خضعت للدولة الإسلامية نسبياً ، مثلاً الأشوريين والكلدانيين في العراق لاتزال كنائسهم باقية في المجتمع الإسلامي , ونفس الأمر في دول الشام والهلال الخصيب أي (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) ماتزال المسيحيون العرب متمسكين بديانتهم، و كذلك في مصر الأقباط لا زالوا متواجدين بطقوسهم الدينية في المجتمع المصري. هذه أمثلة لابد من ذكرها حتى نحلل أوضاع السودانيين المسيحيين قبل فتوحات عبدالله بن أبي السرح، هل يعقل أن تندثر قوميات بدياناتهم؟ لذلك أشك فيمن يقول بأن السودانيين متسامحين دينياً، لماذا إختفى المسيحيين النوبيين في السودان؟ ماذا حدث لهم؟ هل أعتنقوا الإسلام جلهم بمحض إردتهم، هذا سؤال محير لن نجد له إجابة أبداً.
2. الحروب الجهادية في تاريخ الدولة سواء في عهد الدولة المهدية أو الإنقاذ.
تم تعبئة الناس في عهد الدولة المهدية دينياً دفاعاً عن الوطن ضد القوى الإجنبية التي كانت تستعمر البلاد، وكان للثورة المهدية حق الدفاع عن الوطن ضد المستعمر، أعلنت الإنقاذ الجهاد ضد أهل الجنوب وجبال النوبة و الأنقسنا، وذلك بحجة أنهم عملاء يحاربون دولة المسلمين وخارجين عن حكم الإمارة الإسلامية. بعد أن تم مبايعة الرئيس البشير أميراً للمسلمين لحكم دولة التوجه الحضاري، لم ينج من تلك الهجمة الشرسة حتى مسلمو تلك المناطق، بل نالوا نصيبهم من الخراب والدمار ، بل أعتبروا مارقين مأجورين ,, السؤال كيف تم بسهولة تعبئة الناس خلال قرن لحربين جهاديتين في ظل مجتمع متسامح دينياً، إن مبدأ الجهاد مسألة جدلية عند المسلمين، ولكن يصعب تعبئة الناس على أساس ديني إلا في مجمتعات فيها قدر وافر من الغلو الديني.
3. في شمال السودان أزيلت 38 كنيسة في معظم مدن الشمال بحجة أن تلك الكنائس بنيت في مناطق عشوائية وبدون ترخيص. من حق الدولة أن تزيل كل ما كان عشوائياً، ولكن شريطة توفير البديل للناس حتى يعبدوا ربهم، ولكن المفارقة أنه في نفس المناطق العشوائية لم يتم إزالة المساجد التي تم تشيدها عشوائياً مثل الكنائس، ماذا يعني ذلك ؟ لطفاً مرجع (النشرة الدورية للكنيسة الكاثوليكية - الفاتيكان) هل هذا تعايش ديني؟
4. في ندوة عقدت في قاعة الشارقة بالخرطوم عن الدستور الإنتقالي والتسامح الديني، ذكر الدكتور صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم وهو قبطي، ذكر بأنه لم يمنح ترخيص لبناء كنيسة في ولاية الخرطوم لمدة 20 عام، أي منذ عهد الحكومة المدنية الثالثة إلى يومنا هذا، أمر غريب في ظل دولة تدعي بأنها دولة مواطنة يتمتع مواطنوها بحقوق دينية متساوية، ذكر بأن في الخرطوم بحري كنيسة عمره تسعون عاماً يتوافد عليها المصلون المسيحيون من الحاج يوسف والخرطوم بحري و شرق النيل ، وكان سبب رفض الحكومات منح الكنائس تراخيص البناء ، بأن كثرة الكنائس قد يستفز مشاعر المسلمين. كانت إجابة متحدث الإنقاذ في نفس الندوة بأن في العهد الإستعماري بنيت عدة كنائس في مناطق إستراتيجية في العاصمة القومية منها القصر الجمهوري وشارع النيل و غيرها من المناطق في وسط العاصمة، ذهب إلى ذكر أن بعض الكنائس بينها مسافة ليس أكثر من حوالي 300 متر فقط, هذا فهم غريب فما علاقة العهد الإستعماري بالعهد الوطني، هل لا يحق للمسيحيين السودانيين أن يبنوا كنائسهم و بما أنهم يتكاثرون ، إذا فرضنا جدلاً بأن المستعمر كان قد ظلم المسلمين هل يعني ذلك أنه يحق للمسلمين أن يظلموا المسيحيين السودانيين؟ أي هل أصبح الحكومات التي من المفترض أن تكون وطنية قد حلت مكان المستعمر وأصبحت هي الأخرى مستعمراً؟ هذا جدل سمعته من الكثيرين و بالذات الإسلاميين يتعللون دائماً بأن المسلمين في العالم الغربي لا يتمتعون بحقوقهم، فهل يعني ذلك أنه لابد من مضايقة المسيحيين في السودان؟ نحن ضد ظلم المسلم والمسيحي واليهودي والكجور أينما كان ذلك، بل ليعلم اخواننا المسلمين السودانيين أننا لسنا مهاجرين إلى المجتمع السوداني، فهؤلاء المسلمون الذين هاجروا إلى الغرب جاءوا إلى تلك الدول بمحض إردتهم و بعلمهم بقوانين تلك الدول ، بل الإسلام والمسيحية دخلا إلى السودان في وقت كان هنالك سكان سودانيون منذ القدم، منهم من اعتنق الإسلام والمسيحية، ومنهم من لم يعتنق أي من العقيدتين بل هو سوداني، إذا تحدثنا عن المساواة لا هو أفضل مني ولا أنا المسيحي أفضل منه.
5. هنالك جدل دار بين الكنيسة القبطية في الخرطوم و الحكومة المدنية الثالثة في عهد الإمام الصادق المهدي ، طلب أقباط أن يبنوا كنيسة في مقبرة في وسط الخرطوم حتى يتم تجهيز الموتى والصلاة على روح الميت في كنيسة صغيرة في باحة المقبرة ، رفضت الحكومة بحجة أن المكان مرخص للمقبرة، لذا لا يمكن أن يبنى كنيسة ، لكن الجدل بأن الكنيسة هي تابعة للمقبرة،و وصل الأمر إلى المحاكم وكان محام الكنيسة في ذلك الوقت المحامي القبطي المخضرم عبد الله نجيب، و أخيراً تم كسب القضية و بنيت الكنيسة الصغيرة، و بشروط من ضمنها أن يتم تسوير المقابر بسور من الطوب وليس سلك شائك ، لأن الموقع إستراتيجي في وسط البلد وأن ضيوف الدولة السودانية من الوافدين يرون بأم عيونهم كنيسة ومقبرة مسيحية في وسط الخرطوم عاصمة الدولة الإسلامية.
6. مصادرة دار النادي الكاثوليكي وتحويله إلى دار حزب المؤتمر الوطني الحاكم و الحجة بأن الأرض كان مستأجرة للكنيسة الكاثوليكية، وأن للدولة السودانية الحق أن لا تمدد إستئجار الأرض، هل هذا من المعقول لماذا لم تؤول الأرض إلى الدولة السودانية بدلاً أن تسلم. أو تصبح داراً لحزب المؤتمر الوطني، و هو حزب إسلامي أليس ذلك إستفزازاً لمشاعر المسيحيين، بل ما كان يدور في مجالس الخرطوم بأن الرئيس الإيراني هاشم رفسنجاني كان قد زار السودان و على المخرج من بوابة المطار لمح بصره لافتة مكتوب عليها (Catholic Club (وسط الخرطوم عاصمة الدولة الإسلامية، فأصيب رافسنجاني بالذهول إمامه، وبما أن كبار الزوار الذين يزورون الدولة الإسلامية يتلمسون وجود مشاهد لدور العبادة لغير المسلمين في وسط الخرطوم، فأن هذا الأمر خلق كابوساً للجبهة، فأرادت التخلص من النادي الكاثوليكي بالرغم من أن مسجداً قائماً في المطار، لكن لم ترحم الإنقاذ النادي الكاثوليكي الذي كان ضحية من ضحايا مشروع التوجه الحضاري.
7. زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني،ثم زيارة راعي الكنيسة الأنجيلية البريطانية الأسقف/ جون كيري، و ما صحب تلك الزيارتين من خلافات، قبلت الإنقاذ بالزيارتين لأغراض سياسية، بعد أن تاكدت من إمكانية توظيفهما لمصلحتها السياسية، وذلك عندما كانت الإنقاذ في أضعف أيامها لتعرضها لضغوط دولية. أرادت الأنقاذ إستثمار الموقف ونجحت في تلميع سمعتها السيئة آنذاك، وبما أن الزيارة ليست دينية بل كانت سياسية في المقام الأول لذا وافق عليها الأنقاذييون، والمفارقة كانت رفض الأنقاذ لزيارة القس (بوانقي) الذي كان من المفترض أن يصلي بالجموع في الساحة الخضراء، و كان يقال أن هذا القس معروف بفعل المعجزات يشفي المرضى، كما يقال أن وزير الإنقاذ الإسلامي الدكتور / عصام البشير بتواطئ مع سلطات العاصمة القومية قد رفض منح الترخيص في الوقت المناسب ، مما تسبب في أعمال عنف بين شرطة الخرطوم و بعض المسيحيين في الساحة الخضراء، وقد إمتد العنف إلى العمارات شارع (1) عند دار الكنيسة الإسقفية في الخرطوم، إشتد النزاع حتى هوجمت الكنيسة و إستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع و السلاح الناري مما أدى إلى مقتل شاب و جرح آخرين، بل تم إعتقال كبار أعيان الكنيسة بمن فيهم راعي الكنيسة والسيد أبيل ألير نائب الرئيس السوداني الأسبق.
8. إعتقال و مسألة لبعض القساوسة إمثال كبير إساقفة مطرانية جوبا الأسقف فاولينو لكدو و الآب أوغسطينو من كنيسة الخرطوم شارع النيل تم إستجوبهم ثم إطلق سراحهم، كما تم إعتقال تحفظي لراعي الكنيسة الكاثوليكية في السودان الأب الكاردينال قبريال زبير واكو الذي كان في حينه كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في السودان ، بل أهين الأب زبير بحجة أنه تأخر في دفع بعض مبالغ للمقاول الذي كان ينفذ بعض أعمال للكنيسة ، كان الأمر يتعلق بالخلاف في بعض الأمور المتعلقة بإنجاز العمل وليس بعدم قدرة الكنيسة على دفع المبلغ، أهين الكاردينال بل إحتجز تحفظياً بالرغم من تمتعه بحصانة قانونية، وطلب منه أن يدفع المبلغ لشخص من كوادر الجبهة ليتم إطلاق سراحه‘ هل هذا هو التعايش الديني؟
9. إما من الجانب السياسي حسب رؤية المجتمع الدولي و من باب الحريات الدينية التى تقرها مواثيق الأمم المتحدة التي وقع عليها السودان، فإن التمييز الديني مرفوض، و لكن بعد إتفاقية نيفاشا أصبح كل الشمال إدارياً تحت حكم الشريعة الإسلامية دون إستثناء لغير المسلمين الذين يسكنون بعض مدن الشمال،وذلك بإستثناء الخرطوم العاصمة القومية التي أصبحت موضوع الجدل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان ، ناهيك عن غير المسلمين الذين يقطنون بعض مدن الشمال، هذا انتهاك صارخ لحقوق غير المسلمين، لقد توهمت الإنقاذ بأن إستثناء الجنوب وإنفرادها بالشريعة في الشمال تطبقها للمسلمين ولغير المسلمين، و بعد أن ضمنت الإنقاذ إتفاق السلام ، تنفس الإنقاذيون سعداء، لكنهم لم يتوقعوا بأن إتفاق السلام لا بد أن تتماشى مع المعيار المتتبع في مجال الحريات الدينية في العالم، لذا أصبح شبح تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال لغير المسلمين يطارد الإنقاذ، لأن القوانين الجنائية التي لاتتناسب مع المعايير الدولية لازالت سارية في السودان، وخاصة في الشمال على غير المسلمين و المسلمين بحد سواء، مثلاً اعدامات في دارفور ضد القصر بحجة إنتمائهم للحركات المسلحة، أو القصر من ضحايا الإنقاذ ممن وجهت لهم تهم قطع الطرق والسرقة طبق عليهم بعض العقوبات من الحد والجلد و غيرهم.
10. المناهج التعليمية والدور الديني في تلك المناهج لغير المسلمين، و كذلك أكراه كل من هو سوداني على أن يدرس أحدى الديانتين المسيحية أو الإسلام في المدارس، بل أصبح إلزامياً لأي طالب سوداني أراد أن يجلس لإمتحان الشهادة السودانية أن يمتحن مادة الدين إسلام أومسيحية ، و هذا خرق سافر لحقوق الإنسان خاصة بالنسبة للذين يدينون بمعتقدات إفريقية غير سماوية ، وإكراهم على اعتناق إحدى الديانتين.
11. وزارة الشؤون الدينية والإرشاد ودورها الوطني، لهذه الوزارة دور خاص في شؤون المسلمين في حين أن ميزانيتها من خزينة الدولة السودانية دون مراعاة لحقوق أصحاب الديانات الأخرى في السودان ، بل و بإحياء شديد قامت هذا الوزارة بتكوين مكتب لما أسمعته الإنقاذ مكتب لحوار الديانات في نفس الوزارة، و تم تعيين بعض رجال الدين المسيحي فيه و يدفع لهم رواتب وبعض المخصصات شأنه شأن من أي جمعيات الإنقاذ الكرتونية الديكورية .
12. الدستور السوداني يقر بحرية التبشير ولكن في الواقع لا توجد ذلك الحرية بمعنى الكلمة، يصعب للمرء القيام بالتبشير في أوساط المسلمين ولكن يحق للجمعيات الإسلامية أن تبشر في أوساط المسيحيين وأصحاب المعتقدات الأخرى , بل أن القانون الجنائي السوداني يعاقب كل من غير دينه الإسلامي، مما جعل عمل التبشير لغير المسلمين في أوساط المسلمين في غاية الصعوبة، تمت إعتقالات في أوساط المبشرين أكثر من مرة، و حتى بعض المسلمين الذين بدلوا دياناتهم تعرضوا للعقوبة، ومنهم من غادر السودان نهائياً و مثال لذلك زميل من أبناء القضارف درس في الهند وإعتنق المسيحية، تعرض للمضايقات بل أحياناً للتهديد من قبل الإسلاميين خارج السودان و تم تهديده بالعقاب إذا عاد إلى السودان، فقرر أن لا يعود إلى السودان واختار الهجرة هروباً من التهديدات بالقتل.
13. قانون العمل التبشيري لعام 1962 و ملحقاته لعام 1964وتعديلاته في عام عام 1967 و أيضاً في عهد الأنقاذ ، وضع هذا القانون حواجز لعمل الجمعيات الكنسية في السودان خاصة التبشيرية منها ، بل وضع عراقيل لتلك الجمعيات من الممارسة و حتى السودانية منها ، حيث حدد كوابح تصعب على الجمعيات العمل في جميع أنحاء السودان و بالذات في الشمال الجغرافي.
14. بناء على الدستور هل التنافس الديني في السودان موجود ، قد أجزم بأجابة لا إستغلت الأنقاذ نفوذها منذ أن اعتلت على سدة الحكم في السودان، فصادرت مواقع وميادين إستراتيجية في كل من( واو.... جوبا.... ملكال) وبأسعار زهيدة و شيدت فيها جوامع، وكذلك فتحت ثلاث جامعات للقرآن الكريم في كل من (واو ...ملكال...جوبا) ، و إنتظرت الكنيسة أن يسمح لها بإنشاء معهد للدراسات اللإهوتية حتى حصلت عليه مؤخراً. و ها هو الأمر الآن مع الجامعة الكاثوليكية التى تبرع بها البابا الراحل، أن يشيد في الخرطوم، وبما أن الجامعة مثل جامعات الأخرى الخاص وأن التعليم فيها ستكون لجميع السودانيين بغرض النظر عن دياناتهم، فأن كوابح الإنقاذ لا تزال باقي إلى إشار أخر.
15. الجانب الشعبي والإجتماعي ، أن أحداث الإثنين والثلاثاء المؤسفة دليل على أن التعايش الديني صعب ، بل كان الأمر سياسياً ولكن كان للدين دور أكبر وسوف نلخصه فيما يلي:-
• لا زال أبناء الجنوب يحملون لاخوانهم الشماليين ضغائن و أحقاد دفينة يعود البعض منها إلى الذكريات السيئة لتجارة الرقيق و بعض الأنتهاكات التي وقعت أبان الحروب الحديثة منذ أيام أنيانيا وكذلك الجيش الشعبي لتحرير السودان، و قد ظهر ذلك جلياً في أحداث يوم الأثنين الدامية التى راح ضحيتها أرواح عديدة من الأبرياء من أبناء الشمال بحجة أنهم شماليون، بالرغم أن كان للطبقات الأخرى دور فيما جرت خاصة الشماشة، هذه الروح لا تساهم في خلق وطن متعافي من تراكمات الماضي، بل لا زال معظم الجنوبين يتخندقون وراء تلك الممارسات التاريخية دون التحرك خطوة واحدة للأمام ، لا يجوز للإنسان أن يعيش دون أمل هذا سنة الحياة ,الغفران و الانعتاق من ربقة الماضي الكئيب لمصلحة الأجيال القادمة. هنالك أجيال بل ملايين من أبناء الشمال لهم رأي واضح في كل ما حدث، لماذا لا نفتح لهم قلوبنا ونتعامل معهم بصدق وأمانة، وأمامنا تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي أصبحت عضويتها اليوم تتضمن ألافاً من أبناء الشمال الغيورين على مستقبل هذا الوطن, إن الأنسان الثوري هو من يعيش مرفوع الرأس متسع الصدر يعيش في أمل لتحقيق مستقبل زاهر.
• الدور الديني و كان رد فعل يوم الثلاثاء لما حدث لأخواننا الشماليين قد ظهر في التعصب الديني، بل كانت التعبئة في الجوامع لها أثرها عادت للأذهان أيام الحرب الجهادية و التعبئة الدينية ضد أهل الجنوب، التي كانت سبباً لفقدان الكثيرين من أبناء الجنوب لأرواحهم دون سبب معقول سوى أنهم جنوبيون وكفار وعملاء للصليبين من منظور الإسلاميين .
إن المجتمع السوداني و خاصة بعد الحرب لم يستقبل ثقافة السلام بنفس الوتيرة التي إستقبل بها ثقافة الحرب، لذا وجب علينا الرقي إلى درجات سامية من المسؤلية والتركيز لبناء دولة مدنية حديثة قائمة على الإحترام المتبادل لدياناتنا و أثنياتنا دون العودة إلى التعصب الديني الأعمى ولايمكن أن يتم ذلك دون مواجهة الواقع بكل جرأة و التصدي بحزم لنقاط الخلاف بعيداً عن الأوهام والمجاملات التي لا تخدم قضية التعايش الديني، علاوة على التخلي من التمويه و التهرب من مواجهة الواقع المرير بكل شجاعة وأمانة.
[email protected]
[email protected]
الجوال- 5802130
الدوحة - قطر


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved