www.elhanafi.com
1) إننا عندما نتكلم عن البورجوازية الصغرى لا نتكلم عن طبقة عادية، إنها طبقة حربائية لا تستقر على حال ، و لا تترك الحال لحاله في نفس الوقت ، و لا تعمل على أن تترك الأمور تسير بشكل طبيعي . و لا تسمح بحدوث تطور إيجابي في الواقع الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الثقافي ، و المدني ، و السياسي . لأن كل ذلك يتناقض مع حربائيتها من جهة ، و لأن تلك الحربائية لا تحدث إلا في شروط تنتفي فيها الموضوعية ، و تحضر الذاتية . و لذلك فهي تعمل على إشاعة الفكر الطائفي في المجتمع المغربي . فهي ثارة تعمل على إشاعة النعرة القبائلية ، و أخرى النعرة الأمازيغية، و ثارة تعمل على استحضار الجهوية في ممارستها السياسية ، و أخرى تبث في المجتمع الفكر الظلامي المنبثق عن أدلجة الدين، أنى كان هذا الدين ، و خاصة ، إذا تعلق الأمر بأدلجة الدين الإسلامي . لتكون بذلك سنية ، أو شيعية ، أو خوارجية ، أو عدالية ، أو عدلية و احسانية، و تعمل على إنشاء أحزاب أمازيغية ، أو دينية ، أو مذهبية ، حتى تعمل بذلك على شرعنة الطائفية التي تعمل على تجسيدها في ممارستها السياسية ، و الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية .
2) و يتمظهر سعي البورجوازية الصغرى في إشاعة الفكر الطائفي في المجتمع ، باعتماد البعض رفع شعار دسترة الامازيغية . ذلك أن المغاربة و منذ القدم لم يفكروا أبدا في كون البعض منهم ينتمي إلى الامازيغ ، أو ينتمي إلى العرب ، أو أي عرق آخر، بل إنهم لم يستحضروا إلا كونهم ينتمون إلى الشعب المغربي ، الذي هو الملاذ لكل إنسان مغربي . و إذا كان هناك حيف يلحق المجتمع المغربي الكادح . فهو الحيف الطبقي الذي يتساوى في المعاناة منه الكادحون ، و الأمازيغ الكادحون على السواء . و النعرة الامازيغية التي يدعو إليها هؤلاء البورجوازيون الصغار، و المتمثلة في الدعوة إلى دسترة الامازيغية ، و إلى تأسيس حزب أمازيغي ، لا يمكن أن تكون إلا خدمة كبرى تقدم إلى التحالف البورجوازي الإقطاعي الحاكم ، و إلى الإمبريالية العالمية . كما لا يمكن أن تكون إلا وسيلة لشرعنة سلب الحريات الفردية ، و العامة ، التي تمت شرعنتها حتى الآن ، حتى يتم في نفس الوقت إعادة الاعتبار للاستبداد بمضامينه الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية .
و بالدعوة إلى شرعنة الطائفية على أساس الدعوة إلى دسترة الامازيغية ، و المطالبة بتأسيس الحزب الأمازيغي تكون البورجوازية الصغرى قد ارتكبت جريمة في حق الإنسانية ، و في حق الشعب المغربي . لأن سعيها ذاك سيشرعن صراعا آخر غير الصراع الطبقي الحقيقي ، و سيجد المجتمع المغربي نفسه منقسما إلى طوائف تتصارع فيما بينها لتحرق الأخضر و اليابس . و ستنهار كل القيم التي تأسست عليها وحدة الشعب المغربي .
3) كما يتمظهر سعي البورجوازية الصغرى ، ذاك ، في السعي إلى إشاعة أشكال أدلجة الدين الإسلامي ، لأن البورجوازية الصغرى ، و بسبب فقدانها لأيديولوجية واضحة تعتمدها في بناء تنظيماتها الحزبية ، فإننا نجد أنها تلجأ إلى أدلجة الدين الإسلامي بصفة خاصة عن طريق اللجوء إلى تأويل النصوص المختلفة ، التي تعمل على إعطاء فرصة التأويل حتى تصير بذلك في خدمة المصالح الطبقية للبورجوازية ، التي تعمل على تضليل جماهير المسلمين ، و خاصة منهم ، أولئك الذين لا يملكون القدرة على تلاعب البورجوازية الصغرى بالنصوص الدينية التي تتحول إلى تعبير إيديولوجي متنوع تنوع المشارب المصلحية للبورجوازية الصغرى ، و تنوع ادعاءاتها التي تدفع إلى تجييش المسلمين وراءها سعيا إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية ، أو سعيا إلى الوصول إلى السلطة من أجل فرض الاستبداد بالمجتمع، و التمكن من رقاب المسلمين .
و نظرا لتعدد التأويلات الإيديولوجية ، فإن الطبقة البورجوازية الصغرى تسعى إلى تشكيل تنظيمات متعددة ، تعدد التأويلات المؤدلجة للدين الإسلامي ، مما يؤدي إلى تشكيل الطوائف المؤدلجة للدين الإسلامي ، كالطوائف الشيعية ، و الطوائف السنية ، التي تسمي كل طائفة منها نفسها على أنها هي حزب "الله" و ما سواها حزب "الشيطان". و تلك الطوائف القائمة على أساس أدلجة الدين الإسلامي . تدخل في صراع مع كل من لم ينسق وراءها ، و مع بعضها البعض ، لتعطي للصراع وجها آخر ، و تحرف الأمور السياسية ، و تصرف أنظار الكادحين عن الصراع الطبقي الحقيقي . و هو ما يمكن اعتباره خدمة عظيمة تقدمها شرائح البورجوازية الصغرى المؤدلجة للدين الإسلامي إلى التحالف البورجوازي الإقطاعي ، و إلى سائر المستفيدين من الاستغلال الطبقي ، الذين يضاعفون استغلال الكادحين حتى لا يعملوا على المطالبة بحقوقهم الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية . و من أجل أن ينشدو إخلاصهم في ما يدعو إليه مؤدلجو الدين الإسلامي الذين يفتقدون القدرة على الوضوح الإيديولوجي ، فيعملون على تأويل النصوص الدينية بما يخدم مصالحهم الطبقية.
4) و البورجوازية الصغرى لا تقف عند حدود أدلجة الامازيغية أو أدلجة الدين الإسلامي ، بل تتجاوزها إلى إثارة النعرات القبلية أو الجهوية الضيقة ، و من ذلك نجد إثارة النعرة الصحراوية ، و النعرة السوسية ، و النعرة الرحمانية ، أو النعرة الريفية . و هكذا مما يهدد أمن المغرب و سلامته على المستوى المتوسط و البعيد . و في هذا الإطار ، تأتي قضية الصحراء المغربية التي أبت على نفسها إلا أن تكون موضوع التطرف اليساري المغربي ، الذي يبني استراتيجيته على دعم ما صار يعرف بحق تقرير مصير "الشعب الصحراوي" ، و تأتي الدعوة إلى قيام صراع بين شمال المغرب و جنوبه ، و بين شرقه و غربه ، و كان المغرب لا يشكل وحدة متكاملة و منسجمة ، لينسى المغاربة بسيادة النعرات الجهوية ، ما تمارسه الطبقة الحاكمة في سياستها الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و المدنية ، و السياسية ، التي تقتضي قيام هذه الطبقة بتقسيم المغرب إلى مغرب نافع ، و مغرب غير نافع، بدل التعامل معه على أنه بلد واحد يجب الاهتمام بجميع جهاته ، على أساس المساواة فيما بينها ، و على أساس قيام تنمية حقيقية شاملة ، و في جميع الجهات ، و على جميع المستويات ، و في جميع مناحي الحياة .
5) و البورجوازية الصغرى عندما تثير النعرات الطائفية، فلأنها تسعى إلى استقطاب طوائف معينة حولها من أجل جعلها مطية لتحقيق تطلعاتها الطبقية . و عندما تسعى إلى إثارة النزعات الامازيغية ، فلكي تجعل الأمازيغيين ، على اختلاف لهجاتهم ، يسعون إلى تحقيق وجودهم على المستوى اللغوي ن و السياسي ، حتى يصيروا وسيلة لتقوية التنظيم البورجوازي الصغير ، حتى يمارس الضغط على الطبقة الحاكمة من اجل جعلها تحقق التطلعات البورجوازية الصغرى . و عندما تلجأ إلى أدلجة الدين الإسلامي ، فإنها تسعى إلى استثمار الأمية التي لازالت سائدة في المجتمع المغربي ، و من أجل أن تقوى على ممارسة الابتزاز على المجتمع ككل ، و على الطبقة الحاكة ، حتى تتمكن من تحقيق تطلعاتها الطبقية عن طريق الوصول ، باسم الدين الإسلامي ، إلى المؤسسات "المنتخبة" ، أو عن طريق الوصول إلى امتلاك أجهزة الدولة ، و العمل على بناء ما يسميه مؤدلجو الدين الإسلامي من البورجوازية الصغرى ب"الدولة الإسلامية" . و هي عندما تثير النعرات الجهوية ، فلأنها تسعى إلى تقديم خدمات محسوبة إلي جهات خارجية ، مقابل ما تستفيده من تلك الجهات ، و على حساب وحدة الشعب المغربي ، لتكون بذلك البورجوازية الصغرى وراء كل الكوارث التي يعرفها الشعب المغربي ، و لكن هذا لا يعني خلو هذه الطبقة من أناس يسعون إلى تحقيق طموحات الشعب المغربي الكادح .
محمد الحنفي
ابن جرير في 15/09/2005