وقرار تمديد عقوبات السودان هو أحد أوضح القرارات المعبّـرة عن تناقضات السياسية الأمريكية تجاه السودان و يعكس طبيعة اللّـحظة الراهنة دوليا، حيث تتجاهل أمريكا المجتمع الدولي بأثره في فرض ما يتوافق مع معاييرها ورؤيتها للقضايا الإقليمية المختلفة، دون اعتبار لرؤى وآليات القوى أو المنظمات الإقليمية الأكثر التصاقا وفهما وإدراكا لطبيعة ما يجري بالفعل.
ويبدو أن واشنطن أدمنت منطق العقوبات على من تصفهم بالخارجين عن بيت الطاعة الأمريكي والمخالفين للسياسات والمصالح الأمريكية، استنادا إلى أن واشنطن تقوم بدور المعلم الأكبر، وباقي العالم هم التلاميذ الصغار الذين لا ينفع معهم سوى منطق الزجر والتعنيف وفرض الشروط، حين الغضب، وإعطاء صكوك السلوك الحسن، والشهادات التقديرية حين الرضا. ولذلك، فإن سن قانون أمريكي بفرض عقوبات على بلد ما، يبدو دائما أسهل وأيسر، وذلك مقارنة باتخاذ قرار برفع هذه العقوبات، وهو الأمر الذي يتطلب مساومات، ليس فقط مع الطرف الخاضع للعقوبة، بل مع أطراف محلية وقوى ضغط مختلفة تكون لها حساباتها الذاتية بعيدا عن الحسابات الأمريكية العامة. والواضح أن هناك في الداخل الأمريكي، قوى الضغط ذات الهوى الإفريقي، من يفضلون دائما أن تكون الدول المغضوب عليها لأسباب شتى واقعة دائما تحت سيف العقوبات الأمريكية، لأن ذلك يساعد في تغيير سلوكها وسحبها مرة أخرى إلى دائرة المصالح الأمريكية الأوسع.
والسودان، وفقا لهذه الرؤية العامة، ما زال تحت الاختبار، حتى بالرغم من أنه نجح في اختبار السلام في الجنوب، على الأقل في بنوده والتزاماته الأولى. أما اختباره الجديد، فهو أزمة دار فور ، التي تصفها الدوائر السودانية بأنها مبالغة أممية و يصفها المجتمع الدولي بأنها تقصير سوداني, تريد واشنطن لدار فور أن تكون بصورة أو بأخرى نسخة جديدة من الجنوب، من حيث تقسيم الثروة والسلطة والعلاقة التي تسمح بعد حين إلى انفصال ودّي يؤدي إلى بلورة أكثر من كيان ذي شخصية دولية متميزة. وهنا، تظهر المفارقة المتعلقة بالمنطق الأمريكي نفسه في مسألة العقوبات. وإذا رجعنا إلى صيغة القرار الأمريكي بمد العقوبات، سوف نجد تغيّـرا، من الناحية الشكلية، ولكنه لا يخلو من دلالة مهمة، حيث ربط مد العقوبات بالوضع المتفجر في دار فور، وبضرورة إحلال السلام هناك، وهو أمر جديد على الحيثيات التقليدية التي فرض على أساسها قانون فرض العقوبات على السودان منذ سبع سنوات، والتي تشمل تأخر السلام في الجنوب، وتقاعس حكومة الخرطوم بهذا الصدد، وكون السودان متورط في عمليات زعزعة الاستقرار الإقليمي، وهي حيثيات كان لها ما يسندها في ذلك الوقت، ولو نسبيا. أما ألان هذه الحيثيات لم تعد موجودة بحكم التطورات في الجنوب، و تطبيق ولو النذر اليسير من اتفاقية السلام التي أسست الأطر الدستورية لتشكيل أعمدة النظام السياسي السوداني الجديد في الفترة الانتقالية ، و تتبلور المعادلات السياسية للفترة الانتقالية في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية رغم اللاتجانس في أروقة مجلس الوزراء. فهناك من شارك في السلطة التنفيذية، كالاتحادي الديمقراطي المسجل، والأمة الفيدرالي، والأمة والإصلاح والتجديد، والأمة - القيادة الجماعية، والإخوان المسلمين وجماعة أنصار السُـنة، وجبهة الإنقاذ الديمقراطية، ويوساب وسانو. وهناك من أصرّ على موقف المعارضة، مثل حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، والحزب الشيوعي.
وتحسن علاقات السودان مع كل جيرانه، إضافة جديدة وأيضا بحكم التقييمات الأمريكية نفسها، التي وصلت إلى أن السودان، حسب تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2004 بات متعاونا في جهود الحرب على الإرهاب الدولي. كما يبدو أن مد العقوبات دون ذكر الحيثيات التقليدية، تأكيدا لانتفاء وجودها.