تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

قراءة في أحدث تقرير لمجموعة الأزمات الدولية عن دارفور بقلم عبدالرحمن حسين دوسة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
11/11/2005 8:40 ص


قراءة في أحدث تقرير لمجموعة الأزمات الدولية عن دارفور


لعل من المفيد هنا التذكير بأن مجموعة الأزمات الدولية International Crisis group منظمة مستقلة غير حكومية وذات شخصية إعتبارية تتخذ من بروكسل مقرا رئيسيا لها بجانب (4) مكاتب عالمية بكل من واشنطن، نيويورك، لندن وموسكو أضافة ل (15) مقرا فرعيا موزعا علي القارات الخمس وأقرب تلك المقرات للسودان مقري نيروبي وعمان‘ علما بأن وجودها الحالي في السودان يتمثل في فريق عمل صغير تابع للمجموعة معني بالدرجة الأولي في رصد الوضع الأمني الدقيق بأعتبار السودان من البؤر المتوترة.

مجلس أمناء المجموعة Board of trustees يتكون من (55) شخصية عالمية مرموقة من بينهم ثلاثة عرب فقط هم عدنان أبو عودة المستشار السياسي السابق للعاهل الأردني، محمد سحنون الدبلوماسي الجزائري المعروف والذي يعمل ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة والثالث هو الدكتور غسان سلامة، وزير لبناني سابق ويعمل حاليا أستاذا للعلاقات الدولية بجامعة باريس، أما رئيس مجلس الأمناء فهو اللورد باتن Lord Patten مفوض الأتحاد الأوربي الأسبق للعلاقات الخارجية والرئيس التنفيذي للمجموعة هو غاريث إيفانز Gareth Evans وزير خارجية أستراليا الأسبق.

ما يميز هذه المجموعة عنصران، الأول يتمثل في المستوي المهني الرفيع لتقاريرها والتي يشارك في إعدادها وفق معايير علمية قاسية نخبةمختارة من الخبراء أعتمادا علي منهج البحث الميداني المباشر وبأسلوب تحليلي ونقدي مع دقة ووضوح في التوصيات والأطروحات التي تخلص إليها، أما العنصر الثاني فيكمن في الجهات التي ترفع إليها هذه التقارير حيث توضع مباشرة وعلي نحو دوري أمام الساسة الذين يتخذون أخطر القرارت والمسئولين بوزارت الخارجية والإستخبارات والمنظمات الدولية والأقليمية مما يضفي تأثيرا فاعلا علي صناعة السياسة الدولية.

منذ عام 2002 أعدت المجموعة (29) تقريرا عن الأوضاع الأمنية المتوترة بمنطقة القرن الأفريقي، وللمفارقة كان (21) تقريرا عن السودان أي بنسبة 72% من مجموع تقاريرها عن هذه المنطقة، والمفارقة الأكبر كانت حصة أقليم دارفور (11) تقريرا أي أكثر من ثلث التقارير التي كتبت عن القرن الأفريقي وحوالي نصف التقارير الصادرة عن السودان. هذه الملاحظة تقود بالضرورة الي التنبيه لمدي خطورة الوضع في دارفور.

أهم هذه التقارير – من حيث النتائج التي ترتبت عنها – هي تلك التي صدرت في مايو من عام 2004 تحت عنوانSudan: Now or never in Darfur والتقرير المطول الصادر في أغسطس من عام 2004 بعنوان Darfur Deadline: A new International Action Plan وأخيرا التقرير الذي صدر في مارس من العام الجاري بعنوان Darfur, the failure to protect وقد أسهمت هذه التقارير جميعها - بشكل أو آخر - في أصدار حزمة قرارات دولية خطيرة من مجلس الأمن.

أحدث تقارير المجموعة هو التقرير رقم (99) الصادر في 25/10/2005 تحت عنوان:
The EU/AU Partnership in darfur, Not yet a winning combination ويعتبر الأول في سلسلة من تقارير قادمة ستتناول بعمق وموضوعية نقاط قوة وضعف الأتحاد الأفريقي الوليد في إحتواء نزاعات القارة، أما هذا التقرير تحديدا فقد ركز علي آفاق التعاون والشراكة فيما بين الأتحاديين الأوربي والأفريقي لتحقيق السلام والأمن مع إتخاذ دارفور نموذجا Case study


في سياق رصده لتاريخ العلاقة بين الإتحادين، أشار التقرير الي أتفاقيات لومي Lome Conventions بأعتبارها البداية إلا أن ذلك غير صحيحا حيث تعود جذور العلاقة الي إتفاقيات ياوندي في عام 1964 وربما أبعد من ذلك عند تأسيس المجموعة الأقتصادية الأوروبية بعيد الحرب الكونية الثانية حينما خصصت آلية أوربية للمساعدات عرفت إختصار ب EDF أي European Development Fund.

لعل الأشارة لأتفاقيات لومي جاءت بأعتبارها أول محاولة جادة لتاسيس علاقة مستدامة بين بروكسل وأديس أبابا وقد وقعت الأتفاقية في 28/2/1975 بتوغو حيث شارك من الجانب السوداني الأستاذ بدرالدين سليمان وزير التجارة أنذاك. قامت هذه الأتفاقيات علي مفهوم المساعدات والمنحAid ليتطور فيما بعد في لومي الثالثة والرابعة (1985 – 2000) الي فكرة الشراكة التجارية Trade Partnership التي تشجع علي إمتيازات تفضيلية لصادرات الدول الأفريقية بهدف دعم موازين مدفوعاتها بيد أن السودان لم يستفد من هذه الأتفاقيات أعتبارا من عام 1990 وحتي اللحظة حيث جمدت مخصصاته نظرا لسجله السئ في مجال حقوق الأنسان.

الأطار القانوني الحالي للتعاون بين القارتين هو أتفاقية كوتونو (بنين) المبرمة في 23/6/2000 والتي حلت محل لومي وهي سارية حتي عام 2020 ويلاحظ أنها أكثر شمولا حيث أدخلت تعديلات جوهرية وتبنت مفاهيم جديدة مغايرة لفكرة المساعدات كما أنها تطرقت لمجالات لم تكن معهودة من قبل مثل مجال الشراكة في تحقيق السلام والأمن وهو المجال الذي شكل مدخلا للتعاون في أزمة دارفور.

أفريقيا كانت دولة تشاد هي السباقة في التعامل مع الأزمة وذلك لأسباب موضوعية منها الجوار الجغرافي والتداخل القبلي وتآثرها المباشر علي الصعيدين الأمني والأنساني. إنطلاقا من هذه المعطيات تحركت تشاد بسرعة لتشرف وتنظم وقفا لأطلاق النار في أغسطس/سبتمبر من عام 2003 وهو أتفاق سرعان ما إنهار لأسباب عدة، وعندئذ بدأت الأنظار ترنو لأول مرة نحو الأتحاد الأفريقي والذي أوعز بدوره لدولة تشاد بمواصلة تحركها فكانت مفاوضات أنجمينا التي شارك فيها مراقبون من الأتحادين الأفريقي والأوربي بجانب الولايات المتحدة وقد أثمرت هذه المفاوضات عن الإتفاق الثاني لوقف أطلاق النار المبرم في 8/4/2004 والذي ما زال ساريا وإن كان هشا.

التطور النوعي اللافت هو في خلق بعثة لمراقبة وقف أطلاق النار Cease Fire Commission وهي بعثة تشكلت بقيادة الأتحاد الأفريقي وشملت الأطراف الموقعة والأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكانت هذه البعثة هي البداية العملية للتعاون والشراكة بين بروكسل وأديس أبابا علي أرض دارفور.

ولتأمين تطبيق الأتفاقية كان لا بد من آلية عملية وهي ما إنبثقت عن لقاء أديس أبابا في 28/5/2004 حيث تم الأقرار رسميا بأن الأتحاد الأفريقي هو الجهة الدولية المعنية والمكلفة في آن واحد بقيادة وتنسيق الجهد الأممي في التعاطي مع أزمة دارفور، وبناء علي هذا الأقرار تعهدت أديس أبابا بتأمين فريق يتكون من (60) مراقبا للإشراف علي وقف إطلاق النار كما إلتزمت الخرطوم بتأمين نحو (300) عنصرا لحماية الفريق الأفريقي.

وبما أن الحكومة السودانية لم تبد ما يكفي من حماس للإمتثال للقرارات الدولية وبالنظر لتدهور الأوضاع الأمنية علي نحو ثابت ومستمر، تحرك الأتحاد الأوربي خطوة للأمام عن طريق مجلس السلام والأمن التابع له Peace & Security Council وطلب من رئيس الأتحاد ألفا عمر إعداد خطة شاملة ومفصلة لتحويل مهمة بعثة الأتحاد AMIS الي قوة لحفظ السلام مع تفويض كاف بدلا من مهمة المراقبة.

بحلول يوم 20/10/2004 تم إعداد الخطة المعدلة والتي قضت بتفويض البعثة صلاحيات أوسع وأكبر مع زيادة في حجم القوات علي الأرض ليرتفع الي 3320 عنصرا ثم لاحقا الي 7731 طبقا لقرار أصدره مجلس السلام والأمن في 28/4/2005 وكان من المفترض أن يكتمل هذا العدد في سبتمبر الماضي بيد أنه ولأسباب لوجستية وفنية بلغ العدد الكلي حتي نوفمبر الجاري 6773 بينهم 4847 قوة حماية، 700 مراقبا عسكريا، 1188 من الشرطة المدنية و 83 مراقبا دوليل مدنيا.

مضي التقرير قائلا بأن قلة خبرة الأتحاد الأفريقي ومحدودية بل وضعف أمكانياته حالت من دون تحقيق تقدم ملموس علي صعيد المفاوضات السياسية أو تثبيت إستقرار أمني ميداني، ومن ثم أصبحت الحاجة أكثر من ماسة لدعم جهة دولية قادرة ومليئة وكان من الطبيعي جدا أن تكون هذه الجهة هو الأتحاد الأوربي بسبب حساسية فرنسا من التطورات التي تجري علي تخوم مناطق نفوذها وقلق بريطانيا علي مستقبل مستعمرتها السابقة.

هنا جاء دور المرفق الأفريقي للسلام African Peace facility (APF) والذي جرت مناقشة فكرته في مؤتمر مابوتو Maputo في يوليو من عام 2003 ثم إنبثق عمليا في مارس من عام 2004 كآلية مالية للأتحاد الأوربي في تمويل عمليات حفظ السلام بأفريقيا.

بلغت الميزانية المخصصة لهذا المرفق حتي عام 2007 مبلغ (25) مليون يورو، جري إستخدام (92) مليون لعمليات دارفور ومبلغ (35) مليون لترقية القدرات الذاتية Capacity Building كما خصص (15) مليون للصومال ومبلغ مماثل للكنغو الديمقراطية وبالتالي لم يتبق من الميزانية المخصصة والتي هي متواضعة في الأصل ألا أقل من 5% وهي نسبة لا تكفي حتي عام 2007.

إذن وحتي إشعار آخر فأن التعاون أو الشراكة فيما بين بروكسل وأديس أبابا بشأن دارفور قائمة حاليا علي آلية المرفق الأفريقي للسلام (APF)ووسيلتها الدعم أو المساندة المالية المحدودة من جانب بروكسل. في ظل هذا الوضع لم يكن بإمكان البعثة الأفريقية تحقيق نجاحا ملموسا إذ ما زالت المفاوضات السياسية متعثرة تراوح مكانها والوضع الميداني يزداد سوءا.

الشاهد أن هناك ثمة معوقات عديدة تعترض وتحول دون تطوير هذه الشراكة فعلي صعيد الأتحاد الأفريقي اورد التقرير الملاحظات التالية:

- ضعف خبرة وتجربة الأتحاد الأفريقي في التعامل مع كوارث بهذا الحجم والتعقيد.
- الإمكانيات المادية المحدودة وربما الشحيحة للأتحاد أي عدم التناسب بين القدرات والطموحات.
- غياب أدوات تأثير فاعلة لدي الأتحاد سواء بالترغيب أو الترهيب.
- تقاطع مصالح وحسابات الدول الأفريقية منح فرصة واسعة للمناورات السياسية.
- أسباب قانونية وإجرائية أخري.

أما في شأن بروكسل فتمثلت الصعوبات في النقاط التالية:

- أسلوب عمل الأتحاد الأوربي في سياسته الخارجية له عدة مكونات وتدار من قبل مؤسسات مختلفة وأصدق تعبير عن ذلك ما ورد علي لسان أحد المسئولين حينما قال:

“The EU Political and Security Committee gives political direction to the EU’s external action, although it has often too distant from the reality on the ground to manage all the different priorities of the EU actors involved. The African Peace Facility is something of an anomaly: it supports a peace and security operation but it administered by the Commission, which has no mandate. An action like that in Darfur which is so dependent upon the Peace Facility, requires the EU institutions to work together in new ways”

أذن من الواضح جليا ضرورة أبتداع أساليب جديدة حتي يتسني تجاوز العقبات الهيكلية والأدارية.

- بالنسبة للأتحاد الأوروبي فأن الساحة الأفريقية ليست محل الأهتمام الوحيد أو حتي الأكثر أولوية، لذا فأن الإستجابة لمتطلباتها قد لا تتم بالسرعة أو المستوي المطلوب.

- إستنادأ علي تجارب الولايات المتحدة غير السارة بكل من الصومال وأفغانستان والعراق أبدي الأوروبيون قدرا كبيرا من الحذر والتردد بل وعدم الرغبة في التدخل العسكري المباشر ولكن ربما يجدون في نهاية المطاف ما يبرر المساندة اللوجستسة والفنية أو حتي التدخل الجوي إذا لزم الأمر

وإذ نأمل أن تعطي هذه القراءة السريعة فكرة مختصرة عن دور بروكسل وأديس ابابا في ِشأن تعاونهما لوضع حد لأزمة دارفور، ربما من المفيد أن نقتبس من التقرير هذه الفقرة التي تلخص الوضع:

“All that said, however the AU, the EU, the U.S and other donors and the UN Security Council must face up to the fact that they have on their hands a still dangerous and indeed deteriorating situation in Darfur. Though AMIS was envisioned as a monitoring mission, it has become apparent that a mission with stronger protective Chapter VII mandate is likely to be required if the dynamics are to be substantially improved. Thus while EU support to the AU has largely been a success on technical level and within the parameters of the African Peace Facility, much more must be done via a larger, empowered international force to protect civilians and create conditions for a return of the displaced and more promising political negotiations.

عبدالرحمن حسين دوسة

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved