جاء فى الخبر ان السيد وزير العدل النائب العام قد اصدر قراراً بعدم الافراج عن مرتبكى جرائم المال العام الا بايداع مبلغ من المال لايقل عن المبلغ موضوع الدعوى او بتقديم صك مصرفى معتمد او خطاب ضمان مصرفى , وقال وزير العدل ان الفترة الاخيرة شهدت وبشكل مقلق ازدياداً فى التعديات الجنائية على المال العام , انتهى الخبر , قبل عدة اشهر قرأنا ايضاً فى الاخبار ان وزارة العدل تشرع بالتعاون مع نيابة الأموال العامة في وضع قانون جديد للمال العام وأكد وكيل النيابة في تصريح خاص إن الخطوة تأتي في إطار الحاجة لقانون خاص للفصل في بلاغات الاعتداء على المال العام خاصة وان هناك نيابة ومحكمة مختصة في هذا الجانب .. كما سمعنا قبله ان السيد وزير الدولة بوزارة المالية والاقتصاد الوطنى وجه المحاسبين بان ينطلقوا من مركز قوة وان يتعاونوا حتى لايأتى الاخفاق من قبلهم وان يقوموا بدور المراقب والموجه لاحكام الرقابة للحد من التلاعب ,, وبعده سمعنا ان الامين العام للاتحاد العام للمحاسبين السودانيين فى اجتماع للاتحاد فى مدينة مدنى قد قال ( كذا وكذا ) ..

هناك امر لابد ان يعيه السادة المسئولين قبل نشر التصريحات واصدار القرارات بشأن تفشى مايسمى ( بظاهرة التعدى على المال العام ) وهو معرفة اسباب هذا التعدى على المال العام واقتلاعها من جذورها , فقد ظللنا نسمع منذ سنين عددا بوجود (ظاهرة) وحسب علمى ان (الظاهرة) تعنى حدوث امر مفاجئ ملفت للنظر وبطريقة غير معتادة فى وسط معين وتكون فتراته ليست بالطويلة اى ليست دائمة , لكن التعدى على المال العام صار امراً دائماً وليست ظاهرة اما اذا اخذنا كلمة ظاهرة بمعنى آخر فهى تعنى (واضحة) وهنا يمكننا القول ان الاعتداء على المال العام صار امراً واضحاً جلياً ومعتاداً ومألوفاً وغير غريب وليست (ظاهرة) جديدة .

اذا اتفقنا مع السيد وزير العدل على مبدأ الايداع النقدى المكافئ للمال المنهوب كضمان فنقترح تكوين لجان من خبراء اقتصاديين مختصين فى التحليل المالى ولهم خبرات فى اسواق المال والبورصات العالمية ليقدموا دراسات مالية لتقييم المبالغ المختلسة ومعرفة نسبة الفائدة فى فتراتها واضافة ذلك لاصل المبلغ المختلس لان المبلغ المختلس ربما تم تشغيله وتضاعف ( اى نتعامل مع المختلسين وكأننا سلمناهم ودائع كالتى يتعامل بها بنك ام درمان الوطنى , فى نهاية فترة الاختلاس ناخذ منهم الاصل زائدا الفوائد التى اكتسبوها ) .

اذا لم تهتم الدولة بالجهاز المعنى بضبط وحماية المال العام , وتسهيل مهمة المسئولين عن رقابة المال العام فليس هناك فائدة من القرارات والتصريحات واللوائح , لذلك لابد اولا من تصريحات وقرارات ولوائح تعطى المراقب المالى الحماية اللازمة ليتمكن بحرية من اداء واجبه , وكذلك لابد من اعادة النظر فى الهيمنة المطلقة على المال العام من جهات بعينها والتى تنتشر فى كثير من الوحدات المالية خاصة التى تبعد عن اعين وايدى السلطات كالوحدات المالية فى المحليات البعيدة والسفارات السودانية بالخارج , كذلك يجب ان يتحلى المسئولون عن رقابة المال العام بالفطنة والثقة بالنفس والقوة فى مواجهة الذين يتهاونون فى تطبيق اللوائح المالية , كما عليهم تطوير المهنة بالمزيد من الاطلاع خاصة فى مجال التقنيات الحديثة لمجابهة التطور الذى حدث فى طرق التعدى على المال العام ثم من بعد ذلك اعطاء التوجيهات الصارمة للجان القانونية المختلفة التى تعمل فى التحقيق فى كل ما له علاقة بالتلاعب بالمال العام او التساهل او التهاون فى تطبيق اللوائح المالية وضروة العدل والانصاف وعدم التساهل او مراعاة العلاقات الاجتماعية والمهنية عند تقديم التقارير كما يجب اخذ آراء الجهات المحايدة فى مثل هذه التحقيقات وعدم الاكتفاء فقط بالملاحظات التى يتلقونها ..

صلاح الدين حمزة الحسن

ديوان الحسابات - الخرطوم