مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

صاحب الوفاق إيقاظ الفتنة واحتقار المهنة بقلم محمد عبد الحميد

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/8/2005 8:10 ص

كان يمكن أن يفجر ما نشرته صحيفة الوفاق يوم عطلة ميلاد النبي(ص) بتاريخ 21 ابريل2005 جدلاً صاخبا بين فريقين أو تيارين فكريين في السودان هما في غاية الحماس لمن يثير وسطيهما أي موضوع خاصة وان السودان يمر بمرحلة انتقال تنذر بحدوث كل الاحتمالات، فالفريقين ورغم أنهما في حالة سكون وكمون ، إلا أنهما موجودان أحدها يسيطر على السلطة ويتمثل في تيار الإسلام السياسي الذي ينتمي إليه رئيس تحرير صحيفة الوفاق. و الآخر يمثله تيار المعارضة ويضم قطاع من التنويريين والعلمانيين بكل أصنافهم ومشاربهم الفكرية والسياسية .. والحق إن هنالك حالة تحفز كبرى تنتظم معسكر التنوير لتنقية صفوفه وذلك بحكم أنه لم يدخل حالة فرز حقيقي نسبة لما به من أخلاط شتى جمعتهم صفة المعارضة للسلطة الحاكمة "سياسيا" ولم يستطعوا بحكم مكونهم التاريخي وخلفياتهم الاجتماعية أن يدخلوا في مفاصلة فكرية حاسمة مع تيار الإسلام السياسي لأنهم يمتون له بنسب فكرى ويختلفون معه في المنهج المسلكى. على عموم الأمر كان يمكن أن يكون ما أثارته الصحيفة مدخلا لحوار فكرى مبدع بين المعسكرين لو أن الصحيفة أثارت قضية يمكن للخلاف أن يمتد فيها ويتشعب، شريطة أن يكون الموضوع قابل للجدل جوهريا ليحتدم حوله الخلاف وربما النقار والشجار، طالما كانت الأمة السودانية بعد تعيش حالة من التشكل وطورا أولى من التبلور.. حيث كان يمكن لها أن تثير قضايا تحفز العقل على النقاش الحر المفتوح حول" نظام الحكم في الإسلام" ومدى مطابقة الشورى للديمقراطية، وهل هما على خلاف أم أن أصليهما واحد وهو الممارسة الإنسانية في الشؤون الدنيوية.. وهل يعتبر الحاكم الآن خليفة للمسلمين. وهل سقطت البيعة عن كاهل المسلم طالما تعددت مشارب الانتماء السياسي، وهل يجوز شق عصا الطاعة على الحاكم الفاقد للشرعية القانونية حتى وإن كان عادلا.. وما مدى مشروعية أن يلي أمر المسلمين من هو غير مسلم، وما مدى فعالية الفقه الإسلامي في ظل العولمة، وأين تكمن قوة الدولة، أفي سياسة راشدة داخليا وخارجيا أم يجب عليها أن تستعصم "بثوابتها" في ظل متغيرات لم تطف لجهابذة السياسة الشرعية من أمثال بن تيمية، والماوردى بخاطر. وكيف يمكن أن تتعامل الدولة مع مؤسسات التمويل الدولية ذات الصيغ الربوية في حين تحرم الربا في التعاملات البنكية الداخلية. وأهم من ذلك كله كيف ومتى ومن المسئول عن انتكاس حركة العلم لدى المسلمين وما هي المداخل الحقيقية لنهضة الأمة.. وكيف يجب التعامل مع التراث.. هل هو خيرا كله أم شر كله وما هو المنهج للتعامل معه . وما مدى تحقق قيم حقوق الإنسان في الممارسة الراهنة سواء كان ذلك في التجربة الغربية أم على صعيد الدول الإسلامية. وإلى اى مدى يحض الإسلام على محاربة الفقر.. أباستئصاله كليا أم بالتخفيف منه، وهل هو قدر مقدور، أم انه نتيجة لنظام إقتصادى شائه.. وما إلى ذلك من موضوعات ليس بينها السفسطة أو الجدل الذي لا يفضي إلى شيء.

كان يمكن للصحفية ورئيس تحريرها أن يجعلا من كل هذه المحاور وغيرها مداخلا لحوار مطلوب ومرغوب بل ومغيب. بيد أن رئيس تحرير الوفاق قد ذهب مذهبا آخرا بنشر مقتطفات من قضية غير قابلة جوهريا للجدل خاصة وسط المسلمين السودانيين – إسلاميين وعلمانيين- فلأمر عندما يتعلق بإساءة الأدب أمام حضرة المصطفى (ص) لن يغدو هناك معسكران، لأن الخلاف بين هذين المعسكرين قائم على خلاف تصورات دنيوية حول أمور السياسة و المعاش. أما كأن يذهب الأمر للتشكيك في نسب الرسول الكريم (ص) إلى أبيه فذلك أمر ينطوي على حقارة لا يبررها حتى حق الإنسان في التعبير، بحسبان أن التعبير عن الرأي يتوقف عند حريات الآخرين بما فيها عقائدهم ورموزها إن كانوا أشخاصا أو أيقونات. وليت الأمر قد جاء في إطار كتابة رمزية مبدعة، تخترق المألوف وتعبر عن خيال خلاق كما فعل الأستاذ نجيب محفوظ في رائعته " أولاد حارتنا " أو كما فعل كازانتزاكس في رائعته " المسيح يصلب من جديد" فهاتان الروايتان قد سعتا وباستلهام مبدع لتأكيد انحياز الرسل لقيم الخير في الصراع الأبدي بين الحق والباطل، بينما الموضوع الذي نشرته الوفاق لا يكاد المرء يتبين فيه أثرا لرسالة، أو حفزاً لخيال، أو شحذاً لهمة لتمثل قيم الخير في سيرة ميلاد سيد بنى آدم، بل إ ن رائحة الفتنة من الموضوع تفوح كما تفوح الرائحة المنتنة من الجيفة. ولعل المفارقة تبدو غريبة عند استدعاء كيف أن" الشيعة" أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في تصديهم لرواية سلمان رشدي، رغم أن صاحب "الآيات الشيطانية" لم تصل به الجرأة لقول أو نقل جملة بلهجة استنكارية كما فعل صاحب الوفاق عندما أورد نقلا عن المقريزى ما نصه :( أي أب ذلك الأب الذي واعد الزانية رغم أنه متزوج من آمنة منذ أيام قلائل). الواضح أن صاحب صحيفة الوفاق يسعى لإشعال نار الفتنة في المجتمع من خلال انتهاج منهج صحفي قوامه الإثارة، وتأليب المشاعر لا حفز العقول للتدبر والتفكر بصورة أقرب للعبث بمهنة الصحافة .. فهو عادة ما يستخدم المنشتات العريضة الجاذبة والمثيرة مع خلو كامل من المضمون داخل الصحيفة، والاعتماد على نشر الموضوعات على حلقات للطرق على الموضوع واستعمال مخزون لغوى وتاريخي يكون في غالب الأحيان غير ذي صلة به. وهو في ذلك ينظر لضمان تسويق الصحيفة أكثر من نظره لتقديم مادة إعلامية أصيلة خبرا ومحتوى.. فشكل الصحيفة عموما لا يختلف عن الصحف المدرسية التي يشرف عليها ناشئة التلاميذ في الثانويات. إن أسلوب الإثارة و إيقاظ الفتن أسلوب صحفي رخيص و يقصى صاحبه خارج دائرة المهنية الصحافية بكل أساليبها و تقاليدها الأخلاقية المرعية.

إن من أهم مقومات مهنة الصحافة الدقة وتوخي الحقيقة والرصانة في طرح رسالة الصحيفة والعمل إجمالا بأخذ أسباب تطور المجتمع لا حفزه ودفعه نحو أتون الفتنة الدينية والمذهبية.. و أن أخلاق المهنة كانت تقتضي ضرورة عرض كتاب " المجهول في حياة الرسول" حسب الأسس الصحفية المرعية في هذا الاتجاه حيث كان يتوجب في بادىء الأمر أن يقدم المحرر نبذة عن الكاتب وعن كتابه، وعن الجهة الناشرة للكتاب، وملخص عام حول أهم المحاور التي يتناولها الكتاب - حتى إن كان من يستعرض الكتاب مختلف مع فحوى الكتاب - كل ذلك يأتي كمقدمة لاستعراض الكتب. حتى لا يضطر أن يدافع عن نفسه فيما بعد بوصف الجموع الغاضبة عليه بأنها عملت بأسلوب إبليس الذي يقول " لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى " كإشارة أنهم نزعوا الكلام عن سياقه. غير أن ما يلاحظ أن صاحب الوفاق قد جاء بهذا الكتاب في صفحة سميت " مناسبات " وهى الصفحة رقم( 7) من الصحيفة تحت عنوان عريض "مولد صاحب معجزة القرآن.. وأبعاد المعجزة" وإلى جانب العنوان صورة للكتاب الذي لا يمكن القارئ من الفهم بصورة محددة ماذا يريد المحرر !! هل يريد استعراض الكتاب أم يريد أن ينقله نقلا حرفيا خاصة عندما يقرأ في أول الصفحة أشياء تثير التشويش على القارئ كأن يجد مثلا "حلقة اليوم يكتبها حامد المهيرى" ولا يعرف القارئ من هو حامد هذا أهو كاتب الكتاب أم هو مجرد مستعرض له ؟ أم هو كاتب الموضوع الذي نقلته الصحيفة .. وعلى طول الربع صفحة الأولى فإن ما ورد فيها من حديث ليس عليه غبار ولا يثير أي نوع من الفتنة .. إلا انه وعند عنوان مختلف مسمى " مولد المصطفى " يتعرض الكاتب لمقارنة حيثيات مولد الرسول (ص) مع مولد سيدنا حمزة بصورة تشكك في أبوة أبيه له (ص) إذ يقول :( مما تقدم نجد أن أبا محمد عبد الله تزوج آمنة فولدت محمد، و جده تزوج هالة فولدت حمزة، وكان زواجهما في يوم واحد، وبذلك يكون محمد وحمزة في عمر واحد أو محمد أكبر من حمزة، لأن أبى محمد لم يمكث مع أمه إلا شهور قلائل على أكثر الروايات ثم مات. أما إذا كان حمزة أكبر من محمد بسنوات فسيكون في الأمر أمر). الاستنتاج في الجملة السابقة يكشف عن نفسية حقيرة ومثيرة للفتن والتشكيك في نسب أفضل بنى آدم طراً. غير أن صاحب الصحيفة أورده هكذا دون أدنى شعور بالحرج، ولم يفتح الله عليه بالتعليق ولو بكلمة واحدة ينصف بها رسول الله الكريم من هذا القذف الشنيع، بل أنه لم يذكر أنه سوف يقوم بالتعقيب على هذا الافتراء القبيح في حق الرسول(ص) ولو بعد حين في قادم أعداد الصحيفة. وعندما اندلعت المظاهرات ورفع البعض ضده شكوى للجهات الرسمية تردد عنه أنه أورد هذه المقتطفات حتى يقوم بالرد عليها في الأيام المقبلة..من هذه الحجة يستفاد أنه – أي صاحب الوفاق – غير متفق مع فحوى ما أورد في صحيفته، غير أنه لم ينوه لذلك منذ البدء.. ولو قد فعل لكان قد كفى نفسه شر اتهامه بإيقاظ الفتنة و"الردة".. ولو قد عمل بذلك لكان قد رعى تقاليد مهنته التي احتقرها أيما إحتقار.

محمد عبد الحميد



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved