( صلاح محمد عبدالدائم - شكوكو )
نحن كسودانيين نعايش مشكلات وهموم كثيرة .. وهذه المشكلات والهموم تكبل واقعنا وتحاصره من جميع الجهات والزوايا ... فالحياة السياسية فيها ما يكفيها من القضايا المعقدة .. والتي أرخت بظلالها على الحياة الإجتماعية والثقافية والرياضية .. وكل هذه المشكلات والقضايا تحتاج الى وقفات شجاعة ومعالجات حاسمة دون أن ننتظر السماء لتمطر ذهبا .
الرياضة كعالم خاص .. مليئة بمظاهر الإخفاق والفشل وهي كغيرها تحتاج الى نظرة تأمل .. بعيون فاحصة .. تحدد مكامن العلل والإخفاق .. ترسم ملامح التطور وفق خطط علمية مدروسة بتجرد ومصداقية .. بعيدة عن حمى الإستقطاب وحمية الإنتماء الأعمى ..
إن الواقع الرياضي الماثل أماما لا يبشر بخير .. ولا نكاد نجد شخصا واحدا يمكن أن يصف لنا الحال بأنه بخير .. فكل من تسأله يجيبك بواقعية وتلقائية بأن هناك علة ما في أساس البنيان الرياضي .. وطالما أن الأساس متصدع فالنتيجة الحتمية والمنطقية أن يأتي البنيان غير سليم ..
كثير من الناس يحاولون أن يجعلوا كل قضايانا تدور بين الهلال والمريخ .. فلا تكاد تثير قضية إلا وتحدثوا عنها من خلال هذا المنظور وكأن القضية برمتها هي الهلال والمريخ .. فأنت إما أن تكون هلاليا وإما أن تكون مريخيا .. وإن لم تكن هلاليا فأنت مريخي وإن لم تكن مريخيا فأنت حتما هلالي الإنتماء .
بهذا المنطق تصبح الحيادية والوقعية وحتى العلمية واقعا لا وجود له في الحياة الرياضية .. لأنك تعيش بين التوجس والريبة والشك .. حتى أصبحت الإنتمائية سمة من سمات الحمية .. والإحتراب والمشاحنة واقعا بين الناس .. وهذه الحالة المتأخرة ولدتها بعض الأقلام التي زكت نيران الخصومة والفتنة سوأء كان ذلك بوعي أو دون قصد منها .. وأصبح الناس بين مفتون بالهلال وثمل بالمريخ .. وأضحى أهل الموردة والنيل والتحرير إرثا من الماضي وبوابات عتيقة لمتاحف بالية لا يدخلها أحد .. بل أضحوا ( أناتيك ) في أرفف الزمان .
صحيح أن لكل الناس قناعاتها .. ولكل الناس مطلق الحرية في الإنتماء الوجداني لأي جهة وأي فريق لكن هذه الحدة يجب أن لا تكون معيارا للنظر من خلالها للآخرين .. بل يجب أن لا تكون معيارا لإستنطاق الآخرين وحصرهم حول لونين لا ثالث لهم وهذه الحالة ماهي إلا مظهر من مظاهر السلبية التي تغلف حياتنا الرياضية .. والتي أقررنا سلفا بوهن الممارسة فيها إبتداء .. إذن فما الذي يجعلنا بهذه الحدة الإنطباعية ؟؟؟؟ .
في تقديري أننا نعاني من أزمة حقيقية في في المفاهيم أرخت بظلالها على كل جوانب الحياة الرياضية فأصبحنا نبحث عن إنتماء الشخوص لتكون مدخلا لفهم أفكارهم ... وهكذا إزدادت درجة الإستقطاب حدة حتى بلغت أصحاب الأقلام والرؤى من الصحفيين الرياضيين الذين كان ينبغى عليهم الترفع عن هذه الحالة ( فكريا ) لينبروا لمهمة تصحيح الأفكار والقيم والمفاهيم .. بإعتبارهم رأس الرمح في العملية التقويمية .. وهم الذين يملكون أدوات التوجيه العام .. وهم الذين يحملون لواء الكلمة وموجهات الرأي العام .
لقد أصبح الشعار السائد هو :- (( لن أقرأ لك حتى أستبين لون قميصك )) بينما كان الأجدى أن يكون الشعار :- (( سأقرأ لك لإستبين أفكارك )) وكان من المفترض أن تدور الأفكار والإطروحات حول القضايا الحية .. التي تهم الجميع طالما أن التنافس شريف والتناول شفيف والإنتصار إلا وجه واحد من وجهي العملة .. لكننا بدلا من ذلك بدأنا نقرأ مفردات كالبارود وكلمات كالرعود .. وكل يغنى لليلاه ..
وهكذا أصبحنا هائمين في سوق الله أكبر تحت لواءين .. فكان حري بالرئيس البشير لأن يقول :- (( أنتم أكبر حزبين رياضيين بالبلاد )) لأن الرئيس قد أدرك أن الرياضة قد تحولت الى أحزاب وعصبية وحمية .. وهذا في طبيعة الحال واقع جسدته الوقائع وأكدته الأحوال .. أما بقية الأندية فعليها أن تقف في الرصيف لتصفق للعربة التي تحمل رؤساء الأحزاب الأخرى .
صحيح أن هذه الحالة لا ننفرد بها نحن في السودان ولكن .. وجودها لدي غيرنا لا يغير حالها ولا ينفي عنها السلبية .. لكن الفارق بيننا وبينهم هو أن لهم بعض الإشراقات في عالم الرياضة بينما مازالنا نحن متوقفين في محاطات قديمة وخنادق عفا عليها الزمان .
• نحن أول المؤسسين للإتحاد الأفريقي ( تاريخ ) .
• نحن أحرزنا كأس أفريقيا عام 1970 ( تاريخ ) .
• نحن الذين بنبنا دار الرياضة أم درمان في عهد الرومان ( تاريخ ) .
هذا قد يكون ذلك صحيحا .. لكن ماذا فعلنا بهذا الإرث التاريخي ؟؟ هل بنينا أمجادا فوقه ؟؟ هل بنينا بعده إستادا أو نصرا واحدا ؟؟ الحقيقة المرة أننا تهنا عن جادة الطريق وأصبحنا جميعا شيئا من الماضي ولا نمت للواقع بشيء .. ولا خير فينا إن لم نقولها لأنفسنا وإن لم نواجه بها هطرقة الزمان وهذا الواقع المزري .. إننا في حاجة ماسة الى وقفات نستفيق بها من غيبوبة الواقع وحالة البيات العام الذي نعايشه .. فهل تجدي هذه الصرخة أم أنها ستصنف بأحد لونين وتذوب في الأفق كالصدى الذي يذوب ويتلاشى ولا يرتد ..
----------------------
ملء الســــنابل تنحني بتواضـــع ........ والفـــــارغات رؤوسهن شوامـــــخ
----------------------
كلمــــــــات متقاطعــــــــة :-
• إستأذن القاريء الكريم في الإنقطــاع عنــه .. حيث سأكون في إجازة سنوية قد تستغرق فيها تداخلات الحياة معظـــم أوقاتنا .. وإن كانت في الخاطر آمال بأن نتواصل معكم بين مرامي النبال وإستراحة المحاربين ..
• الأخ العزيز / عزالدين محمد عبدالرحمن - فرنسا - أثقلت كاهلي بدين ثقيل أنا لا أستحقه (( والمشاهير )) أولى به مني فأنا إبنها ومن أحضانها وصلتك كلماتي اليك .. وليس هناك مايحجب حسن صنيعك لي من الناس فقد أهديتني وللمرة الثانية تذكرتين مفتوحتين على الخطوط الجوية الألمانية .. ولا أجد لك إلا الدعــاء بأن يجزيك الله عني كل خـــير .
• الأخ العزيز / عماد عبدالله عثمان - أمريكا .. لك التحية والتقدير وأنت ترسم بأفكارك بعض رؤى كاريكاتيرية من مناحي الزمن البعيد تتواصل بها مع الوطن فكريا ووجدانيا ..
صــــلاح محمـــد عبـــــد الدائم
( شكوكو )
[email protected]