27/05/2005 م
طالب كلا من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ووزير خارجية أمريكا السابق كولن باول خلال زيارتهما للسودان العام الماضي الحكومة بضرورة تفكيك مليشياتها الجنجويد وتجريد سلاحها وتقديم قادتهم للمحاكمات والتوقف عن دعمها لهم، بيد أن الحكومة تماطلت وراوغت في تنفيذ تلك المطالب وإعتبرتها أضحوكة ستذهب أدراج الرياح، إلا أن الرجلين كانا يعنيات ما يقولان. ولو أنزلت الحكومة جزء من مطلبهما في أرض الواقع لجنبت نفسها من القرار 1593 حيث كان الأمر يحتاج فقط الى محاكمة قادة الجنجويد المعروفين لدى الجميع دون مسؤلي الحكومة، فالمجتمع الدولي آنذاك كان يريد معرفة نوايا الحكومة وجديتها في حل المشكلة.
الآن وبعد صدور القرار بدأت الحكومة تهرول وتتخبط لتشكيل محاكم محلية لمحاكمة المجرمين حتى تتفادى نتائج تلك القرار القاضي بتسليم قائمة ال51 للمحكمة الدولية التي خول لها الأمر من قبل مجلس الأمن الدولي‘ الا أن هناك معضلات وعقبات ستعترض طريق الحكومة لتنفيذ مخططها على النحو التالي:
1- من هم هؤلاء ال51 ؟ وما هي الأدلة التي تثبت جرائمهم؟ لا شك أن أسماء هؤلاء لا يعرفها الا المدعي العام للمحكمة الدولية كما أن الأدلة التي تدينهم بيده. فإذا إفترضنا جدلا أن الحكومة على سبيل التخمين قد أصابت في معرفة بعضهم فسيكون السؤال ما هي الجرائم التي إرتكبوها مع العلم بأن الحكومة ستدرك جزء من الجرائم لأنها هي من خطط لهم إلا أن هؤلاء كانوا طلقاء إرتكبوا من الجرائم ما خطط لهم وما لم يخطط لهم وفي حالة محاكمتهم من قبل الحكومة ستكون المحاكمات ناقصة مما سيفتح الباب واسعا للمحكمة الدولية لمطالبتهم مجددا لعدم نزاهة المحاكمات.
2- استحالة محاكمة مجرم بواسطة محكمة مجرم شريك في الإجرام اللهم إلا إذا تغيرت قوانين السماوات والأرض خاصة عند محاكمة أولئك المجرمين من مسئولي الحكومة بواسطة نفس الحكومة التي هم جزء منها سترسخ هذه النظرية.
3- القوانين السودانية لا تشتمل على نصوص لجرائم مثل الإبادة الجماعية، التطهير العرقي، جرائم ضد الإنسانية وجرائم ضد حقوق الإنسان مما ستضطر الحكومة من جلب مواد من خارج حدود السودان مما ستأتي هذه القوانين ناقصة غير مجودة.
4- المعضلة الأكثر تعقيدا هي أن قائمة ال51 تشتمل على أسماء تابعة للقوات التشادية وأخرى تابعة لبعض قوات الحركات المسلحة، فتشاد دولة قائمة بذاتها لها قوانينها ونظمها لا يمكن أن تقبل بمحاكمة قواتها بواسطة دولة أخرى كما أن الحركات المسلحة لن تقبل بمحاكمة قواتها بواسطة قوانين دولة حملوا السلاح ضدها لعدم إعترافهم بها أصلا.
أما المحكمة الدولية ومجلس الأمن قد حافظا على صمت تام و لم يصدر منهما أي شيء يمكن التعاطي معها بعد صدور القرار رغم إعلان الحكومة الصريح بعدم تسليم المجرمين ويمكن تحليل هذا الصمت بعدة إحتمالات:
1- إما أن المحكمة ومجلس الأمن تنتظران من الحكومة أن تفعل شيء ما حتى تخرج نفسها من تلك الورطة أي أن تقوم بالمحاكمات وطبعا بشكل نزيه.
2- أو أن المحكمة الدولية تنتظر أن تبدأ الحكومة بالمحاكمات حتى تدرج أسماء إضافية أخرى لم تكن مدرجة في القائمة حتى تكتمل وتتوسع قائمة المجرمين .
3- المحكمة الدولية وحسب لوائحها الداخلية تبدأ بدراسة الإدعاءات ثم تطالب بتسليم المجرمين بعد مرور12 شهر من رفع الدعوة أي أن وقت المطالبة لم يحين بعض.
4- ربما تريد المجتمع الدولي إعطاء فرصة لإتفاقيات السلام في الجنوب حتى تكتمل حيث إنه في حالة وجود كبار مسؤلي الدولة ضمن القائمة سيحدث فراغ دستوري في حالة تسليمهم وربما تحدث فوضى في النظام الدستوري للبلاد.
5- ربما تخطط المجتمع الدولي لأمر أكبر من ذلك خاصة إذا أخذنا في الإعتبار تصدي الحكومة ورفضها لفكرة تسليم المجرمين وقسم الرئيس البشير المتكرر بعدم تسليم المجرمين خير دليل.
6- ربما كل ما سبق ذكره صحيح.
ولكن بحال من الأحوال لا يمكن التفاؤل بهذا الصمت من قبل المجتمع الدولي ولا يمكن إعتبار ذلك ناتج عن تراجع في المواقف ولا يمكن إعتبار ذلك أن هذا الصمت تخدم الحكومة بل العكس ربما سينتج عن قسم البشير بقسم مضاد من مجلس الأمن وذلك هي الطامة الكبرى والأيام كفيلة بكشف كل السيناريوهات من الطرفين المجتمع الدولي والحكومة وعندئذ سيكون لكل حادث حديث.