عجبي لهذه الجزئية من مقال الأستاذ العتبانى ، لماذا تريد أستاذ العتبانى أن تهيمن اللغة العربية على السودان ؟ و لماذا يصبح السودان أكثر تمسكاَ باللغة العربية من غيره من دول شمال أفريقيا ، رغم أن السودان ليس عربياَ من الناحية القومية ؟ نعم إنها لغة القرآن الكريم و لغة الرسول (صلى الله عليه و سلم) ولكنها ليست لغةالأغلبية في السودان ، إنها مفروضة بالجبروت في المدارس ، و التى يريد بها بعض متحدثوها العمل في سوق العمل العربي .
ألأستاذ العتبانى الا تذكر أن الجامعة العربية قد رفضت إنضمام السودان الي الجامعة العربية باعتبار أن السودان ليس عربياَ و لو لا إصرار مصر علي إنضمامه الي الجامعة العربية و ذلك لإعتبارات ذاتية و متعددة لما تم إنضمام السودان للجامعة العربية. و كثير من دول العالم عملت علي إثراء ثقافاتها و حضاراتها باحياء اللغات المتنوعية في بلادها . فها هى كندا عندما أراد إقليم كوبيك بكندا الإنفصال بسبب إضطهاد لغته الفرنسية . و بعد مداولات كثيرة أسرعت الحكومة الكندية بإعلان اللغة الفرنسية و الإنجليزية لغتان رسميتان للدولة الكندية . و مثال أخر هناك بلجيكا التي تتحدث اللغة الفرنسية مع اللغة الهولندية ، و الأمثلة كثيرة فانجلترا و بعد صراع مرير إعترفت الحكومة بالغة الويلز و هي الأن تدرس في إقليم الويلز باعتبارها اللغة الرسمية بجانب اللغة الإنجليزية في إقليم الويلز . و نعود مرة أخرى الي كندا و نقول أن في اتاوا العاصمة تدرس اللغة الدينكاوية بجانب اللغة العربية و أية لغة يريد أصحابها تدريسها . فهذا و الله إثراء للتنوع الثقافي . و الحديث عن اللغة العربية يدفعني الي القول بأن الجاليات العربية في دول العالم تحاول عدم التحدث باللغة العربية مع السودانيين باعتقاد أنهم ليسوا عرباَ . فلماذا تود هذة الحكومة طمس لغات أهل السودان المختلفة من أجل هيمنة هذة اللغة ! هل تعتقدالجبهة الإسلامية بأن التحدث باللغة العربية يجعل السودانيون عرباَ من أصل الجزيرة العربية ؟ أبداَ يا أستاذ العتبانى ، إن السودان من أصل افريقى و مهما تحدث السودانيون باللغة العربية فإن سحناتهم غير عربية .
أن بالسودان لغات غنية ، مثلاَ اللغات في جنوب السودان و في شرق السودان .و خير مثال نجد أن اللغة البجاوية تدرس في مدارس المناطق المحررة في شرق السودان و يدرس بها تاريخ البجا و مملكة أكسوم و المماليك النوبية و غزوات قبائل (البلميين)التي لم يستطع الامبراطور الرومانى ديوكليتيانوس(304 - 284 ) أن يقاومها . و اخيراَ نقرأ باللغة البجاوية عن قفيلاي اور و العمدة دربكاتى الذي إشتهر بشهامته و وفائه ثم العمدة اهُدا موسى . و سوف يردد الشعب البجاوى أغابى الحب و الجمال للفنان محمد بدرى المكتوبة باللغة البجاوية و اغانى الشجاعة و البطولة للفنان أركاب . بل سوف ندرس كل المواد باللغة البجاوية . ويكفي الثورة البجاوية كتابة اللغة البجاوية بل و تدريسها في مدارس المنطقة . و ياحبذا لو حاول كل من له لغة في السودان أن يحافظ عليها وذلك بكتابتها و تدريسها. كل ذلك إثراء للثقافة السودانية المتنوعة . فالأستاذ العتبانى ، رغم إحترامي له ، فإنه يريد أن يطمس ثقافات الغير من اجل من يتحدث عن السودان في مجالس الجامعة العربية و سوق العمل العربى . بهذا يبيع الأستاذ العتبانى بثمن بخس كل الأرث الثقافى المتنوع الذى يملكه أهل السودان .
وفي زمن ليس ببعيد هاجمت الصحف السودانية تدريس اللغة البجاوية في المناطق المحررة و إعتبرتها نداء للإنفصال و إبتعاد عن الأصول الدينية . و يومها أجاب بعض أبناء البجا و قالوا أن ملايين من المسلمين الذين لا يفقهون اللغة العربية إطلاقاً يتمسكون بدينهم أكثر من أي عربى يذكر. الأ تعلمون أن المستشرقين أمثال روجيه غارودي لم تكن اللغة العربية هي لغة الأم عندهم ، فهم أهل فكر و منهجية في الإسلام بل أن المسلمين في دولهم أكثر تمسكاً بالإسلام من الدول العربية .
الأستاذ العتبانى إن تداعيات المرحلة تطلب المساواة و الوحدة ، ولم تحقق هذه الأهداف النبيلة ما لم نكن حريصين علي تطوير ثقافاتنا ، وهذا تماماً عكس ما تنادى أنت به من طمس لغات الأخرين . الأستاذ العتبانى أرجو صادقاً أن تصوب هذه الأفكار الخاطئة و التي يبدو لي أنها إرتبطت في ذهنك بسوق العمل العربى .
هاشم محمد الحسن.
كندا - أتاوا