مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ِكشف المستور (2) دعوة للحقيقة والمحاسبة بقلم بشير معاذ الفكي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/25/2005 7:26 ص

ِكشف المستور (2)
(دعوة للحقيقة والمحاسبة)
بشير معاذ الفكي
[email protected]

في مطلع تسعينات القرن الماضي، وعلى وجه التحديد خلال فترة حرب تحريرالكويت من الغزو العراقي، أعلنت جمهورية أرض الصومال، بإرادتها المنفردة، الاستقلال عن جمهورية الصومال، وظل رئيس الجمهورية الوليدة يطالب ويدعو ويحث المجتمع الدولي للاعتراف بدولته حتى يتسنى لها الانضمام إلى المنظمة الدولية، ونظرا لإنشغال المجتمع الدولي بأحداث تلك الحرب، لم تجد مطالبة ودعوة رئيس جمهورية أرض الصومال أذنا صاغية، ولم يعترف أي عضو في المنظمة الدولية بالدولة الوليدة. وفي لفتة دبلوماسية تستحق التوثيق، خرج المجتمع الدولي عن صمته بتصريح للسيد/دوجلاس هوج وزير خارجية بريطانيا - يومذاك- حين قال:-

"على المجتمع الدولي ألا ينسى، في ظل أحداث وتداعيات حرب تحرير الكويت، بأن هناك دولة جديدة ظهرت لحيز الوجود، اسمها جمهورية أرض الصومال".

في مقال سابق في الرد على اتهام السيد المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية للقضاة السابقين ("المستشار")، تقدمت بدعوة للشرفاء من أبناء الوطن لتكوين قطاع وطني مدني عريض للنهوض بمهمة كشف الحقيقة، ومحاربة الفساد بمختلف ضروبه وأشكاله، ومحاسبة الفاسدين في الماضي كانوا أو في الحاضر. ومنذ ذلك التاريخ دارت أحداث كثيرة انستنا جميعا النظر في تكوين ذلك القطاع المدني، وانستني تحديدا مواصلة ردي على سيادة المستشار.

فمن مدينة الدوحة، الوارفة التي لا يُظلم عند أميرها أحد، إنتاشت قذائف التكفبر المزودة بنظام التحكم عن بعد الشيخ البرعي في مرقده الآمن بالزريبة، فظللت لأسابيع أفكر عن دافع التكفير بعد وفاة ذلك الشيخ الجليل.

ومن مدينة نيويورك صدرت قرارات مجلس الأمن العاصفة التي أرجعت البلاد إلى عهود الوصاية الدولية، وهي القرارات التي شغلت ليس فقط الحكومة والمعارضة، وإنما العالم بأثره.

ومن مدينة لندن سطر السيد المحبوب عبد السلام رسالته المفتوحة إلى د. نافع على نافع والتي كشفت، وبالقدر الذي تبرع به السيد المحبوب من معلومات، عن عمق الدرك الذي قد تصل إليه مكائد هذه النفس البشرية، ونزواتها الشريرة نحو التسلط والتأمر. فأقل ما يمكن أن نخرج به من رسالة السيد المحبوب هو أن شعار "هي لله ... هي لله، لا للسطلة ... ولا للجاه" قد كذبته الأيام بشكل سافر، و قذف به اصاحبه، بكل ما تضمنه من مبادئ نبيلة، في مستنقع السياسة السودانية الآسن.

ومن مدينة لندن أيضاً شيع السودان المفكر والمثقف والسياسي المرحوم الخاتم الهادي أحمد رجب، فبعد رحلة معرفية متفردة وضعته في مواجهة صريحة مع كنهِ الوجود، عاش الفقيد حياة الفكر، وحياة الشعور، وحياة الضمير، بعقله السديد، وبذهنه الوقاد حتى ولج بهو الإيمان الفسيح، وبأوسع أبوابه مع الصديقين والشهداء. فإن تقاعس رفاقه السابقين وأعداؤه عن نعيه بالقدر الذي يستحق، فسوف نهنأ بجسمانه موارًا الثرى مع موتانا في أرض الجزيرة الخضراء، وسط أبائنا وأجدادنا الفلاحين، وأهلنا البسطاء والفقراء والمسحوقين، فقد كان، يرحمه الله، يحلم بالتغيير الإجتماعي طيلة حياته، وحينما انكشف الأمر، أنشأ حزبًا متحررَا عن ثقل الايديولوجيا، حزب يهتم بالتنمية المتوازنة، وبرفاهية أهل السودان البسطاء، والفقراء . وقد احسن الزميل محمد النعمان نعيه، وبتصرف مني أرجو أن يسامحني فيه، حين قال:-

وإن كنت قد مِت في ربيع المنافي، يا خاتم، فإن الذي قتلك ويقتلنا، بالحق، لهو صيف ذلك الوطن المختطف، وسيف (عباس إبراهيم النور) المقدس

ومن مدينة الخرطوم حدثني من أثق فيه بأن د. نافع على نافع المخاطب برسالة السيد المحبوب المشار إليها، ومن خلال تصريحاته في حملة التعبئة التي نظمتها الحكومة في مواجهة قرارات مجلس الأمن الأخيرة، إتهم القضاة السابقين بأنهم سبب كل ما حاق بالإنقاذ من كوارث، وتوعدهم بالمحرقة التي سوف يشعلها عليهم يوما ما. أطمئنه من خلال هذه الأسطر بأنه، فيما لو ظل مسيطرًا على الشأن العام، سوف لن يجد جسداً لسوقه للمحرقة، وأوكد له بأن مهمته في مطاردة أرواحنا سوف تكون ضربا من ضروب المستحيل.

عودة إلى ما انقطع من حديث في الرد على السيد المستشار، أقول بأنه في الشهور الأولى من حكم الإنقاذ ظهر شخص مرتديًا ثوب الإسلام الغشيب، وحاملاً كل تخصصات الحياة العصرية في بزته العسكرية، وفي عصاه السحرية التي لا يتوكأ عليها ولا يهز بها على غنم، فهي عنده صولجان للسلطة، ودليل على قدراته الخارقة العقلية والعضلية والمهنية، فهو المهندس، وهو الشرطي، وهو الطبيب، وهو الضابط الإداري، وهو الآمر وهو الناهي، وهو القاضي، وفي المنتهى فهو العقيد. قذق الرعب والخوف في قلوب أهلنا البسطاء، واشتهر بالغلظة والبطش، واستشرى أمره واستفاض، حتى إن دخل منطقة من مناطق الخرطوم، بات رجالها ونساؤها مؤرقين في مضاجعهم من شدة الوجل والخوف. وقد بلغت به الجرأة مبلغا جعله يتوهم أنه في قامة سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) عندما خاطب ذات يوم أغبر أصحاب المخابز والمتاجر وسيارات النقل العام قائلاً:-

" من أراد منكم أن تثكله أمه، أو يرمل زوجته وييتم أطفاله، فليغلق متجره أو مخبزه أو يوقف سيارته عن العمل" وكأنه لم يسمع في حياته عن حق مشروع يسمى (حق الإضراب عن العمل). صدق أهل السودان حين وصفوه برامبو، عندما كان يهبط علي البسطاء من أهلنا الرعاة في ضواحي الخرطوم من مروحياته العديدة ، لتوفير الأضاحي وخراف مناسبات من امتطوا صهوة السلطة بأخذها عنوة واقتدارا من أصحابها بالسعر الذي يحدده لتلك الفئة المغلوبة على أمرها، وما عليهم سوى أن يقبلوا به رغم أنوفهم، وكانه لم يسمع شيئا في حياته عن أحكام الشريعة في الأضحية والبيوع.

وفي أروقة المحاكم أضحى من المناظر المألوفة أن ترى ضباط الجبش ببزاتهم العسكرية، ونياشينهم، وعصيهم، وهم يدخلون محاكم الخرطوم بحثًا عن قضايا بعينها. ثم انتشرت محاكم الخيام، ومحاكم النظام العام في كل ربوع الوطن لآداء مهمتها المرسومة بطشاً وتنكيلاً بالمواطنين رجالاً ونساءً، بدون مراعاة لأبسط قواعد ما توافق عليه السلف والخلف، أو ما أقره الله سبحانه وتعالى حين تنزل عن عدله المطلق، لعدل يتحقق بالإجراءات على النحو الذي أشرت إليه في المقال السابق. ومن أشهرتلك المحاكم كانت محكمة الرائد (فلان العلاني) في منطقة الشجرة بالخرطوم، وهو نفسه الرائد الهمام، والزميل العالم الذي سولت له نفسه الأمّارة أن يطلّق إمراة تقطن أقاصي الدنيا بحكم مستفحل الغياب صادر عن محكمة عسكرية في حي الشجرة بالخرطوم تم توجيه إلى حيث تقطن تلك السيدة الحالمة، وهو نفسه الرائد الذي كان يصدر أحكاماً بجلد النساء بطيش وبغير مراعاة لسنة الله التي فرقت بين الرجل والمرأة في أكثر المسائل خصوصية حينما يتعلق الأمر بالجلد بالسياط، وهو نفسه الرائد الذي سعى له أهله، من كل حدب وصوب، طمعاً في حيفه وظلمه وبطشه، ليقتص لهم من خصومهم في مسعى دوؤب لتلك النفوس البشرية الشريرة لتحقيق مقاصدها، على حساب الآخرين وبأقصر الطرق. وفي حدود ما شاهده الكثيرون من المواطنين بمن فيهم العديد من القضاة السابقين، استطيع أن أقرربأنه كان من أبشع ما وقفت عليه وشاهدته في حياتي، ومازالت وستظل ذكرياته منقوشة في الذهن إلى يوم الدين.

إزاء تلك الظروف المأساوية والانتهاكات الصارخة، اجتمع نفر من القضاة السابقين في ليلة من ليالي تلك الفترة حالكة السواد، أقسمنا بالله، ثم بالشرف المهني، ألا نترك ما وقفنا عليه، وما شاهدناه يمر مرور الكرام. احتدم النقاش حول ما يمكن أن نفعله مع كل تلك السيوف المسلولة، واستقر الرأي أن نسطر مذكرة إلي مجلس قيادة الثورة ،يومذاك، "المجلس" وكانت مذكرة أغسطس 1989 التي جاءت في وقت اختفى فيه كل الساسة، والنقابيين، والمهنيين، والحزبيين، ولم يبق إلا صوت البندقية، ومجاهل بيوت الأشباح التي لا يصدقُ من يحدث الناس عنها إلا من إكتوى بنارها. تضمنت المذكرة مطالبات مهنية وانسانية في محاولة لصون حقوق أهلنا المستضعفين والبسطاء، بدءاً باستقلال القضاء، وسيادة حكم القانون، واحترام حقوق الانسان، وضمان الحريات الأساسية للمواطن بغض النظر عن انتمائه العرقي والسياسي والديني والجهوي، وإجراء المحاكمات العادلة، واحترام المؤسسات القائمة، وانتهاج مبدأ المحاسبة حينما يتعلق الأمر بالفصل للصالح العام، وانتهاء بوضع أسس تؤطر للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، في غياب الدستور وإعلان حالة الطوارئ. كانت تلك هي المواجهة الثالثة التي قادها جيلنا من القضاة السابقين مع عسف العسس، ومع تسلط الحكام في بلدنا المكلوم خلال فترة ثمانيات القرن الماضي، فهي ،بالحق، كانت صراعا بين المبادئي المهنية والمطامع السياسية. كانت المواجهة الأولى ضد السفاح جعفر نميري في عام 1981 وخرجنا منها بمكاسب ذاتية آنية، ولكنها مهدت السبيل للمواجهات التي أعقبتها. أما المواجهة الثانية فكانت بمثابة الزلزال الذي هز ودمر الكيان السوداني حتى الآن، ودارت أحداثها في عام 1983، وسوف يتولى مقال منفصل عرض حيثيات ومآلات تلك المواجهة.

بعد صياغة مذكرة أغسطس 1989، وتوزيعها على محاكم الخرطوم، وأمدرمان، وبحري لحشد رأي القضاة والحصول على توقيعاتهم، تسربت معلومات إلى المجلس بتحرك بعض القضاة، وتم استدعاء رئيس القضاء –يومذاك- السيد جلال على لطفي لاستجوابه حول مضامين وأهداف التحرك. وفي اليوم التالي مباشرة تم تشكيل لجان تحقيق شكلها رئيس القضاة بأمر من المجلس. قررنا، فيما بيننا، قبل أن تبدأ التحقيقات أن نحصر عدد القضاة الذين يمثلون أمام لجان التحقيق على الحد الأدنى تقليلاً لعدد الضحايا، وتبرع من القضاة من أبدى استعداده للمثول أمام اللجان، بغرض تبني المذكرة صياغة، وكتابة، وتوزيعا. كان من اللافت للنظر تركيز لجان التحقيق – بإيعاز من المجلس ورئيس القضاء - على ضرورة التعرف على الجهة السياسية التي تقف وراء المذكرة، وقد بات لنا جلياً أن المجلس كان يهدف من وراء كل ذلك إلى البطش بالخصوم السياسيين والتنكيل بهم، وكان يأمل في الحصول على مجرد مؤشر للإستناد عليه في تحقيق أغراضه. وقد بلغ الكِِبرُ برئيس القضاء وأعضاء المجلس إلى الحد الذي جعلهم يعتقدون ويقولون بأن قضاة (درافين) أمثالنا، لا يمكنهم أن يسطروا مذكرة بمثل ذلك الوسع والبعد والعمق. وقفنا بقوة وشجاعة شهدت بهما لجان التحقيق، ورئيس القضاْء، والمجلس نفسه حين أعلنا مسئوليتنا التامة عن المذكرة صياغة، وتوزيعا على الرغم من كل الأخطار التي كانت تحيط بنا، و أبدينا استعدادنا وجاهزيتنا لتحمل تبعات ما قمنا به حتى لو تعلق الأمر بالاعدام أو السجن أو بيوت الأشباح. تبنينا خطاً واحداً للدفاع مؤاده أن المذكرة تمثل، بالحق، رأئياً مهنيًا خالصًا من أية شوائب، فرضه علينا واقع ما يدور في الوطن من انتهاكات صارخة لاستقلال القضاء و حقوق الإنسان طالت العديد من أبنائه، في غياب من أنيضت بهم هذه المهمة، فهم إما في المعتقلات، أو في بيوت الأشباح، أو في المخافي، أو في رحلة الهروب إلى المجهول. اكتملت التحقيقات، وصدر قرار المجلس رقم (20) لسنة 1989 بإحالة (58) قاضي بمختلف درجاتهم إلى الصالح العام. وخلال الأيام القليلة التي تلت صدور القرار، قامت المدينة ولم تقعد، توقف العمل في العديد من المحاكم، وانهالت الاستقالات على مكتب رئيس القضاء توطئة لرفعها للمجلس، و تقدمت العديد من الجهات والمنظمات، والحكومات والأفراد بمناشدات تحث المجلس على إعادة النظر في قراره، وتم تكليف رئيس القضاء بمقابلة عدد من القضاة السابقين للإعتذار لهم عما حدث، ومن خلال تلك المقابلات عرض رئيس القضاء إعادة من قابلهم للخدمة، وكرر إعتذار المجلس، ومن مجموع ما قابله رئيس القضاء من القضاة السابقين، لم يجد عرضه قبولاً من أي واحد منا.

وبسبب ذلك القرار تحديدًا بدأ المجتمع الدولي، ممثلاً في منظماته الحكومية وغير الحكومية، في مراقبة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، وقد زاد من سوء حالة ذلك الملف، ما صدر بعده من قرارات إضافية في حق السلطة القضائية، ومن أحكام بالإعدام بدون اتباع الإجراءات القانونية المتعارف عليها صدرت في حق العديد من أبناء الوطن، ومن إحالات جماعية للصالح العام، ومن حرب دينية أعلنها نظام الإنقاذ ضد أعداء وكفار الأمس، وأصدقاء وشركاء اليوم، ومن حرب مأساوية أخرى مازالت مشتعلة في دارفور.

أصاب الأستاذ محمد موسى جبارة حين قال بأن الإنقاذ جاءت إلى السلطة السياسية في وقت وقف فيه العالم عند مفترق طرق لأول مرة منذ عام 1945، وأن العام 1989، شكل بدوره انتهاء الحرب الباردة التي غيبت سلطة القانون الدولي بما فيه من مواثيق لحقوق الإنسان، وأعاقت تنفيذه بالاستعمال السيئ لحق النقض. أشهد، في هذا الصدد، بأن الأستاذ محمد موسى جبارة هوالكاتب الوحيد على الإطلاق الذي تنبأ ،في تحليل رصين، بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1593 قبل شهور من تاريخ صدوره، حين أعلن بأن الصين سوف لن تتنازل عن مصالحها الضخمة مع الولايات المتحدة، وتستخدم حق الفيتو ضد أي قرار يصدر في حق السودان.

وفي صعيد الإعلام الخارجي المسموع، يومذاك، وهو الإعلام الذي كان محط سماع كل أهل السودان في سعيهم للمعلومة المحايدة، سمع السودانيون ذلك الصوت الجهير من إذاعة ال بي. بي سي، صوت المرحوم ماجد سرحان وهو يعلق على مذبحة القضاء وحالة حقوق الإنسان في السودان، الذي على حد قوله، لم يكتف حكامه بجلد نسائه، وبتعذيب رجاله في بيوت الأشباح، وبفصل موظفيه من دون محاسبة، بل تجاوزوا كل ذلك لينالوا من محاميه ومسشاريه وقضاته بنفس تلك الطريقة الباطشة. و سمع السودانيون كذلك، صوت الأخ ياسر عرمان من إذاعة الجيش الشعبي لتحرير السودان وهو يستنكر مذبحة القضاء والإحالة للصالح العام، ويردد أسماء المفصولين للصالح العام على مدى سنتين، واستمع السودانيون كذلك لإذاعة صوت أمريكا، ومونت كارلو، والعديد من الإذاعات الأخرى التي كانت تشجب بشدة القرار (20) لسنة 1989. و منذ صدور ذلك القرار، دخلت الإنقاذ في مواجهة صريحة مع المجتمع الدولي ممثلاً في منظماته الحقوقية العديدة، و بدأت تلك المنظمات الدولية في إصدار تقارير دروية عن حالة حقوق الإنسان في السودان، ولأول مرة يُوثق في تلك التقارير الانتهاكات الخطيرة التي طالت مرفق القضاء، فقد جاءت تفاصيل القرار (20) لسنة 1989، بما تضمنه من اسماء القضاة المفصولين ودرجاتهم، وأحوالهم في المرفق (4) من تقرير حالة حقوق الانسان في العالم، في باب:-

ATTACKS ON JUSTICE
THE HARASSMENT AND PERSECUTION OF JUDGES AND LAWYERS
JULY 1989 – JUNE 1990

هذه هي الحقيقة pure, smart and simpleياسيادة المستشار، وقد كانت الأمانة تقتضي، وأنت تتحدث باسم مؤسسة الرئاسة في جمهورية السودان، أن تبينها دون تحوير أو تأويل، بدلا عن توجيه اتهامات مرسلة للآخرين بالإنحراف والفساد بعد خمسة عشر عام من صدور القرار (20) لسنة 1989.

وإن كان سيادة المستشار من الذين يسعون للوقوف على الحقيقة، أو يوافقون على كشفها للرأي العام، أساله من خلال هذا المقال بأن يقل لي بربه، في شأن هذا السؤال الصريح الوضيح، لماذا ازهق الروح التي حرم الله، مستخدما سلاحه الناري من داخل منزله عند سماعه أصوات مواطنين جنوبين قد علت بالخارح فخُيل له بأنهم يستهدفون الحمولة التي قد جاء بها لتوه من دولة أفريقية الموقع، عربية التنصنيف، يسكر قادتها، ويخرجون عن الطور حين تصفهم بدعاة القومية العربية، فتم اختياره سفيرًا فيها لأنه يجيد التزلف بشعارات تلك القومية؟ لا أتوقع منه إجابة على هذا السؤال، على أية حال، ولكن حقيقة الأمر أن أولئك المواطنين، ومن بينهم القتيل، يتصايحون، حسب أعرافهم ، كلما استبد بهم الطرب فيتبارزون بالعصي التي يحملونها بسبب ثقافة الغابة التي نزحوا منها هربًا من نيران الحرب في الجنوب، فإذا بنيران القادم محملاً بالغنائم من أرض عمر المختار لهم بالمرصاد. ما استطيع قوله في هذا المقام هو أن أترحم على القتيل، فروحه، مع أرواح أخرى كثيرة، معلقة في ذمة هذا الوطن المكلوم، ورفاته هناك بجانب الخور، في إحدي مقابر الخرطوم الفسيحة، تنام نومة اللحود.

فإن نجحت في قتل ابن الجنوب جسديًا بسلاحك الناري يا سيادة المستشار، فإن محاولاتك اليائسة في قتلنا معنويًا بعد خمسة عشر عام من تاريخ إحالتنا للصالح العام، سوف لن تكلل بالنجاح على الرغم من أن نسائنا، وبناتنا، وشقيقاتنا، وأمهاتنا، وحفيدات بعض شيخونا من زملائنا القضاة السابقين قد وقفن واطلعن على عبارات القذف والتشهير التي سقتها في حقنا. أتمنى صادقا، أن تُتاح لنا الفرصة للإطلاع على أمرذلك الملف، للوقوف على مزيد من المعلومات والحقائق عن كيف تم إغلاقه، وكيف تم إطلاق سراح المتهم، وكيف تم إقتضاء الحق العام، ومعلومات عن المبلغ الذي تم دفعه على سبيل التعويض، وأهم من ذلك كله من قام بسداد ذلك المبلغ. وعند توفر تلك المعلومات، سوف يظهر من يتولى تمثيل أسرة القتيل on a pro bono basis للمطالبة بأية حقوق إضافية مستحقة لإسرته.

ثم قل لي بربك ياسيادة المستشار، وأنت أحد مهندسي القرار القاضي بتجنيد طلاب الشهادة الثانوية، لماذا دفعت بابناء أهلنا الفقراء والبسطاء والمسحوقين من العمال والفلاحين إلى معسكرات التدريب وسقتهم من بعد ذلك إلى محرقة الحرب في الجنوب، وبالتزامن مع ذلك، بعثت بانجالك للدراسة في أفضل الجامعات؟. مرة أخرى، لأ أتوقع من سيادة المستشار إجابة صريحة على هذا السؤال، ولكن حقيقة الأمر أن التمسح بالدين والعفة والطهروالوطنية، أصبح من الظواهر التي تهدد الكيان السوداني، وأضحى من ضمن المؤهلات لشغل الوظيفة العامة، ولتحقيق الأهداف والأغراض العامة والخاصة منها بأقصر وأرخص الطرق. أدعوا الشرفاء المختصين، من خلال هذا المقال، التصدي لهذا الظاهرة بقدر ما تشكله من خطر على الوطن.

تعلم يا سيادة المستشار، بأن ثِمة جرائم ومخالفات كثيرة قد تم إرتكابها في حق الوطن والمواطنين، وأن ما أشرت إليه بعاليه لا يمثل إلا غيض من فيض، ولكن بسبب ما اقترفتموه في دارين فقط من دوره العـديدة )دار القضاء، ودارفور)، فها نحن نرى الآن وطنا، بحجم، وتاريخ، ومساحة السودان، يُخدش حياؤه، و تُنتهك عُذريته في وضح النهار.

وفي الختام، وبمثل ما كان المبتدى، أذكّر الشرفاء من ابناء الوطن بأن لا ينسوا ، بسبب كثرة وتداعي الأحداث، الدعوة لتكوين قطاع وطني مدني عريض يتولى كشف الحقيقة، ورصد ومحاربة الفساد بمختلف ضروبه وأشكاله، وتعقب الفاسدين.

وللفضيلة رب يرعاها وشعب يحميها

نواصل ،،،

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved