السودان الجديد يولد من رحم الصدام!!
يقال أن وراء كل مصيبة أو ابتلاء حكمة ربانية بغض النظر عن طبيعة هذه الحكمة الإلهية..وبصرف النظر عن وزنها وحجمها.
ليس بالضرورة أن تقاس وتقدر تأثير الابتلاء آت بمعايير ومقاييس الوزن والحجم وليست بالضرورة أن نتوقع بنتائجها في فترة زمنية محددة قد تطول أو لا تطول.
حسنا, من يعلم بذلك؟ قد يحدث اليوم أو غدا وممكن تحدث بعد غدا من يتكهن بذلك ؟ ممكن أن تطول وربما لا تدوم طويلا في السحق والغربلة وخلط الأبيض بالأسود ومزج ما يطلق عليهم بالزرقة مع القحطانيين وأذيالهم الحلوين الطريين ( الحناكيش وأشباههم_ عبدة كريمات تفتيح البشرة وعشاق الرقة والنعومة الزائدة المغطاة بالمساحيق والبدرة .
إذن العبرة ليست في حجم ووزن المصيبة وميعاد حدوثها وليست العبرة بين من ومن ؟ يا سيدي فليكن بين عيسى وموسى..فلتكن بين الشياطين والعفاريت ..ولتكن بين الحناكيش والقطط المغمضة ( الغبش ) الذين استيقظوا أخيرا تحت وطأة الظلم والتهميش والاحتقار والإقصاء والإبادة والتطهير من الوجود .
إذن أين تكمن العبرة والمغزى من ترحيبنا بحدوث الصدام وتبادل اللكمات ؟ فما العيب من حدوث المصائب والكوارث والمجاعات والفيضانات ؟ ولما الخوف والتوجس من الابتلاء آت؟ وما العيب من التراشق بالبنادق والمسدسات والمدافع الثقيلة والخفيفة؟ وما العيب من الصدام بين كلاب المساكين (الحقراء) وكلاب الحناكيش الذين في أعناقهم السلاسل الذهبية
إذن كيف يتم عملية السحق وغربلة الشوائب من المسحوق بدون حدوث عملية الصدام ؟ وكيف يتم تطهير المجتمع من الخرافات والأوهام التي تصنف البشر حسب ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم إلى فئات حقيرة وأخرى شريفة.
وجدير بالذكر بان الفئة الشريفة تتوهم بأنها ولدت شريفة ومن حقها الاستفراد بالقيادة ونسيب الأسد والاحتفاظ بهذا الامتياز وللابد وذلك علي حساب وحقوق الفئة الأخرى الحقيرة المسحوقة التي استعادت وعيها الذي تعرض لتزييف وتضليل لعقود من الزمن تارة باسم الدين وتارة أخرى بأوهام الصفوة والنخبة والرقة والنعومة وغيرها من مفردات ثقافة الدجل والشعوذة المصبغة بالكذب والنفاق ودموع التماسيح والقسم الغليظ المبطن بالارتباك والخوف من حبل المشنقة الإلهية وعذاب الله شديد .
علما بان هذه الفئة المتغطرسة المرتبكة التي تتنفس بالكذب والنفاق والتملق والهرولة لارتماء في أحضان أولئك الذين يصفهم بالأمس بعداء (الأمة والإسلام) والسيادة الوطنية والتدخل في الشؤون الداخلية وغيرها من الخزعبلات التي توظفها بصورة جيدة لتخدير المواطنين الإبراء المساكين الذين لا يملكون قوت يومهم.
هذه الفئة المتعالية علي عباد الله الصالحين لا تعير اهتماما بالصوت العقل والحكمة في تعاملها مع الفئات المسحوقة المهددة بالإبادة بل مستعدة في سبيل بقاءها أن تكذب وتتملق وتهرول وتذرف دموع التماسيح وتحلف بالنجوم والأرض والسماء وبالطور السين وبهذا البلد الأمين ومستعدة من اجل بقاءها ان تبيع الوطن والسيادة والشعب السوداني برمته بأرخص ثمن, ناهيك عن استعدادها التام لإنكار (المشروع الحضاري الإسلامي) الذي يتشدق ويتباهى به أمام شعوب العالم بالأمس القريب, وهنا يجب إن نقف ونتساءل: أين تلك الرومانسيات التي تبشر العالم (بالإنقاذ) والانعتاق النهائي؟ وأين وهم الجهاد الآن؟ وأين ثوابت الأمة وأركان الصلاة والزكاة وحج البيت لمن استطاع أليه سبيلا؟ وأين أحلام وطموحات موسى هلال الذي كان وبالأمس القريب ابنا بارا لإقليم دار فور قبل أن ينخدع بمشروع قريش 1-2 وربما 3 فأصبح الآن مسكينا وديعا يئن تحت رحمة الندم والحسرة وتأنيب الضمير وضيفا ثقيلا لذلك النظام الذي ضخم رأسه وخدعه بأوهام الإمبراطورية التي تشيد علي أنقاض الخراب والدمار وحرق القرى وقتل النساء والأطفال, أين تلك الإمبراطورية الآن؟
وفي هذا السياق كيف يتم تفسير المقولة المأثورة الشهيرة لوزير خارجية الحناكيش مصطفي إسماعيل الذي قال: ( نحن عين وأذن للمخابرات الأمريكية في هذه المنطقة) لقد تفوه بهذه النبرة التي توحي بالخوف والجبن والتملق والانبطاح وخاصة عندما حمي وطيس الضغوط العم سام علي إمبراطورية الحناكيش المنتفخة بثقافة الدجل والشعوذة والنفاق الديني.
جدير بالذكر, نحن لا نعشق الصدام في حد ذاته ولا نتعاطف مع الصدام بسبب سواد عينيه وخفة دمه, ونفضل ان يتراشق الصدام مع أخيه الصدام, وبنفس القدر نحن لا نعشق الحروب والصراعات بين البشر عموما, ناهيك عن القتال بين أبناء القبيلة الواحدة والعشيرة الواحدة .
نحن بالفطرة نعشق السلام والتعايش السلمي القائم علي أسس المحبة والمودة والاحترام المتبادل ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال بأننا نذعن للظلم والتهميش والإذلال واحتقار الإنسان لاجيه الإنسان مهما كان الحجج والمبررات لأننا علي يقين تام بعدم وجود مبرر واحد في هذا الكون يمنح الضوء الأخضر لشخص معين أو فئة معينة ان تحتقر فئة أخرى باسم وهم وخرافة التي تقول نحن شعب الله المختار ومن حقنا ان نذل من نشاء ونرفع من نشاء إلى عنان السماء.
إذن هذا يؤكد بأننا لسنا من دعاة الصدام والحروب ونزول الابتلاء آت من السماء إذا كان الأمور علي ما يرام وكما يجب ان يكون بين البشر من احترام بعضهم البعض من منطلق انهم بشر ولا يجوز لأحد منهم ان يتعالى علي الأخر بسبب كذا وكذا.
ولكن هذا لا يعني بأننا دائما نظل دعاة لخنوع والإذلال والتبعية والانبطاح لبشر مثلنا بالعكس نحن أحيانا نجد أنفسنا مجبرين للترحيب بالصدام وتبادل اللكمات بل نهرول لمعانقة الصدام وكيل الصاع بالصاعين وذلك في سبيل بقاءنا أحرار وكرماء فوق الأرض وتحت الشمس كما كرمنا الله .
وطالما ان غالبا يولد من رحم الصدام مجتمعات خالية من الأمراض الفتاكة مثل الغطرسة والاستعلاء والإقصاء. فإذا كان ان ذلك ممكنا بالصدام, إذن ما العيب من الترحيب بالصدام والتبشير بثقافتها السامية التي في كنفها يتماثل البشر لشفاء ويتطهروا من الخرافات والأساطير التي تجلب لهم المصائب؟ أليس الصدام هو العلاج السحري والشفاء العاجل؟ وهل يتم التغيرات الجوهرية والتحولات الكبرى في المجتمعات المريضة بدون عملية الصدام؟!
بالطبع لا يتم التغيير نحن الأفضل بعيدا عن تبادل اللكمات وكذلك ويصعب تعديل المسارات المقوسة بوهم ثقافة شعب الله المختار بمنأى عن الصدام لذلك نحن مضطرين أن نقول مرحبا بالصدام وبالحروب.. والكوارث ما كبر منها أو صغر.
نعم مرحبا بالصدام والعنف وتبادل اللكمات.. نعم مرحبا بالقسم الغليظ المبطن بالخوف والارتباك والإفلاس...نعم مرحبا بالزلازل والبراكين والفيضانات ..نعم مرحبا بالحروب والمجاعات ..مرحبا بجميع الكوارث والابتلاء آت ما كبر منها وما صغر
مرحبا بالزحف المكثف صوب المدن الكبيرة المتورمة بالتخمة والحنان المفرط...علما بان الزحف صوب المدن والعواصم أكثر جدوى من الزحف صوب الأحراش والغابات والحدود والصحاري..نحن نستغرب من الذين يفكرون بالعودة صوب أنقاض الخراب والدمار..هل انتم مغفلين؟ لماذا لا تزحفون صوب الجنات التي تجري من تحتها الانهار...لماذا التقهر نحو الخلف حيث الظلام الدامس والجهل والتخلف وشبح الموت يتربص بكم هناك.
ايها المسحقوين اعلموا بان زحفكم صوب المدن الكبيرة يقلق ويفزع الذين يمتصون دماءكم وينعمون بثمرة تعبكم ونضالكم المرير واتنم لا تدركون لك وهم يدركون تلك الحقيقة جيدا لذلك من الاحسن والافضل ان نكثف زحفنا صوب العاصمة بدلا من التقهر الي الخلف في اتجاه الجهل والتخلف والفقر والظلام الدامس.
مرحبا بالزحف المكثف صوب جنة الفردوس ...ومرحبا بالصدام والكراشنك وتبادل اللكمات ..مرحبا بصدام الشيطاين والعفاريت والصراصير والحشرات سواء كانت ضارة او نافعة.
ربما يستغرب بعض الناس من هذه النبرة واللهجة التي تتسم بالتشنج والعنترية والجنوح إلى العنف والصدام في الوقت الذي نحن في أمس حاجة لثقافة التي تبشر بقيم المصالحة والسلم والتعايش السلمي والتواضع والاحترام المتبادل بين البناء الوطن الواحد والجسد الواحد الذي من المفترض إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى .
ولكن يبدو أن هذه المدينة الفاضلة التي يتمناها كل البشر بعيدة عن المنال علي الأقل في الوقت الراهن إن لم تكن رابع المستحيلات بل تكاد تكون مجرد وهم كبير يعشش في الجانب العاطفي الرومانسي من عقل المواطن السوداني العادي الذي ينام متوجسا ويستيقظ مرعوبا ويتعظ من وسواس الشيطان بعبارة أعوذ بالله من الشيطان ثم يخرج من كوخه المدفون بالرمل وكالعادة يمتطي صهوة الأماني والأوهام الوردية وينطلق صوب المدينة أفلاطون الفاضلة التي تعيش فيها الحسناء الجملية التي تدعى (السودان الجديد) وما أدراك كما الحسناء الجميلة التي يتمنى الملايين الفوز بقلبها وحبها.
ولكن يبدو أن السكة التي تقود إلى قلب هذه الحسناء لم تكن سالكة ومفروشة بالورود كما يبدو لنا من الوهلة الأولى التي تسترشد بالأماني والأحلام الوردية بل هناك طرق وعرة وسلسلة طويلة من المنعطفات التي يصعب تجاوزها بدون وقوع صدام وكوارث وفيضانات وزلازل وبراكين ومجاعات .
وفي غمرة الصدام يصعب تفادي ارتكاب حماقات وجرائم ضد الإنسانية ولا مفر من تقديم المجرمين والسفاحين للمحاكمات إن كان ذلك عاجلا أم آجلا .
مبارك ابراهيم/