مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

محمد طه محمد أحمد مرة أخرى بقلم شوقي إبراهيم عثمان -ميونيخ - ألمانيا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/23/2005 8:34 ص

محمد طه محمد أحمد مرة أخرى

لا شك أن شخصية الصحفي محمد طه محمد أحمد شخصية مثيرة للجدل، وهذه الشخصية لم أرها في حياتي، ولم أقرأ لها حتى مقالة واحدة، ولكن، لا أجده يختلف كثيرا عن معظم الإسلاميين، فالأمية الإسلامية ضاربة على كل المستويات، وفي كل الاتجاهات، حتى على مستوى مستشارية التأصيل التابعة للرئاسة أو وزارة الأوقاف. ولقد ضربنا مثلا لهذه الأمية الإسلامية عندما كتبت مستشارية التأصيل بعد اجتماعها الكبير وضم هيئة علماء السودان، هكذا أسمها، ووزارة الأوقاف، وعمداء كليات..الخ حتى أذاع بيانها الشيخ مولانا أحمد على الإمام من شاشة التلفزيون..الذي ختموه بقولهم "وقى الله بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن".

الفتنة قرآنيا تعني الاختبار أو الامتحان..وللفتنة مساران، وهي تعني أن يضعك الله أمام مسارين وعليك أن تختار بينهما، إما طريق الضلالة فهي مضلة وإما طريق الحق والنجاة وهي منجية‍! وكذلك الامتحان في المدرسة أو الجامعة يقود إما إلى نجاح أو إلى رسوب، طريقين لا ثالث لهما. وكما الامتحان في المدرسة أو الجامعة إجباري، فتنة الله سبحانه أيضا مسطورة وإجبارية، وهي من فعل الإرادة الإلهية وتقديراتها وحكمتها، لكي يثبت الحجة على عباده، فهو سبحانه لا يغيب عنه شيء، ولكن لا يظلم عباده، فإذا أدعى أحدهم الإيمان وكان في علم الله أنه ليس كذلك، يقيم الله الحجة عليه باختباره، يقول سبحانه: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"، العنكبوت 2-3.

وعندما يقول أحدهم "شر الفتنة"..كما قالت مستشارية التأصيل في بيانها عن قضية الأستاذ محمد طه محمد أحمد، فهنا طبقا لما سبق قوله، فهي قولة كمن يوسم إرادة الله وحكمته بالشر، فالفتنة ليست شر أو شرور، والفتنة في حد ذاتها ليست شر لأنها قضاء محكم، ولكن نتائجها هي التي قد تقود إلى طريقين: طريق شر أو إلى طريق منجية وعليك أن تختار وأنت في كامل اختيارك وحريتك. لذا الصحيح أن تقول "أعوذ بالله من مضلات الفتن..وليس من شر الفتن..!!". من أين تعلمت هذا؟ تعلمته من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ولقد تعود رجال الدين بدون فحص ترديد أن الفتنة شر، وأن يقولوا أعوذ بالله من الفتنة، وهذا لتقليدهم مخلفات أدبيات المفسرين الأمويين وشراحهم والمبررين لأفعالهم الظالمة لإرهاب العامة من الجمهور. لماذا؟ لأنه لو وقف شخص ما أمام سلطان ظالم وباجحه وقال له: أفعل هذا ولا تفعل هذا! فهي بالقياس فتنة للحاكم وإقامة للحجة: لأنه عليه أن يختار!! لذا يرغبون أن يخرس الجميع ولا تقوم للحق قائمة فيرهبونهم أن الفتنة شر!!

بالقياس، عندما تجهل مستشارية التأصيل هذه المسألة التي شرحناها، وهي أعلى قمة دينية في السودان، فأين يصبح الأستاذ محمد طه محمد أحمد من الإعراب؟! إذن ما أجهل الأستاذ محمد طه محمد أحمد؟ ما يحزنني في هذه القضية أنها صنعت جوا متكهربا، لا عقلانيا، لا يتفق مع الإسلام الذي يقوم على الحرية والحوار والفهم والتفقه. ولكن المشكلة، وكما فهمت من بعض المقالات، أن الأستاذ محمد طه محمد أحمد صنع لنفسه أعداء، ولنا أن نتشكك في دوافع هؤلاء الذين أخرجوا سيوفهم وكما يقولون للدفاع عن الرسول (ص)، بينما هم يرغبون من الانتقام من الأستاذ. خاصة أننا لا نرى أن هذا الأستاذ قصد عن عمد إساءة الرسول (ص)، ولكنه انتهزوها فرصة! فماذا كانت النتيجة؟

بما أنني من المؤمنين أن الأمية الإسلامية تضرب كل المسلمين، كبيرهم وصغيرهم، وبما أنني من أنصار القول أن الشباب المسلم بالمجموع هو ضحية للمؤسسة الدينية، التي تسحب عن المجتمع كتب التراث عن عمد ثم تطالبه بالتقوى، تأتي حرية الفكر ودراسة تراث المسلمين بحرية في مقدمة الضرورات اللازمة للفهم وللتدين وللاقتراب من أعتاب الفضيلة. إذن هذا الهياج الذي مارسوه ضد الأستاذ محمد طه محمد أحمد لا يفيد إلا العكس، إرهاب الجميع، وتنفير الجميع. ولا أدل على قولنا هذا من جهل الجميع بأن "المقريزي" هذا الذي أتت سيرته على الألسن سطرته المقالات ليس هو المقريزي المؤرخ والفقيه المصري المشهور، لا علاقة بينهما، فالصفحة التنصيرية الأمريكية، استخدمت أسم المقريزي من باب السخرية..فسمى الجارح لرسولنا الكريم (ص) نفسه "دكتور المقريزي"!

ولا يمنع القول أن الأستاذ محمد طه محمد أحمد قد خانه التوفيق، وسقط في شر أعماله، فأغتر وكأن لسان حاله أنه محا أميته الإسلامية، وأن قضايانا الإسلامية تمام التمام، ولم يتبقى له سوى التصادم مع تلك الصفحات العنكبوتية التنصيرية التافهة، بينما كان عليه الاشتغال بتهذيب نفسه والاشتغال بتنقية التراث الإسلامي وكشف ملاعب السلفيين الوهابيين الذين يسممون عقولنا بالخرافات الأموية التي تعشعش في عقولهم خدمة لسلاطين الخليج، وتصدنا عن فهم هذا الدين الحق والزود عن الرسول (ص) وآل بيته الطاهرين. هذه الخرافات الأموية هي التي يجب التركيز عليها وفضحها.

أقول عن ثقة، وليس هنالك من أتملقه، أو ليس لي مصلحة دنيوية أسعى لها، أنني محوت أميتي الإسلامية بجهد جهيد، وأجزم أن الدين الذي نتعبد به هذا هو أموي في كل شيء، في شكله ومضمونه وروحه. هنالك خدعة عمرها أربعة عشرة قرنا ومستمرة إلى اليوم. ولن تفهموا هذه الخدعة حتى تأخذوا علومكم الدينية والتاريخية من أدبيات أهل البيت ومدرستهم. وتذكروا دائما أنهم هم على حق، وهم الذين اضطهدوا على مر التاريخ، ولقد مدح الله القلة، وذم الكثرة، ولا تغركم الكثرة – انظروا حولكم هل ترون كتب التراث في بيوتكم أو في المدارس أو المكتبات؟ انظروا حولكم لماذا يطبعون لكم القرآن بدون تفسير؟ انظروا حولكم لماذا يحصرون التفقه على بعض أشخاص؟ انظروا حولكم لماذا يأتي تفسير القرآن كتفسير الطبري، وابن كثير، وابن جرير، وتفسير القرطبي، والزمخشري، والرازي، والجلالين..الخ وأسأل نفسك بعدها أين تفسير الرسول (ص)؟ وعندما تقرأ تفسير الآية الواحدة عند هؤلاء ستجد مقابلها عشرة تفسيرات كعصف العقل! واسألوا أنفسكم لماذا منعوا حديث الرسول (ص) قرنا ونصف؟ واسألوا أنفسكم لماذا حرق عثمان بن عفان المصاحف؟ يقولون لكم لتوحيد القراءة، ولكن حقيقته لحرق تفسير ما دونه علي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهم عن الرسول (ص)! واسألوا أنفسكم من هؤلاء "السلف"؟! ستجدونها كلمة خادعة. وهل هنالك عاقل يتعبد بالسلف؟ هل هنالك عاقل يتعبد بأيديولوجية؟!

نقول للكل، أن محوي لأميتي الإسلامية أتى متأخرا، وأحمد الله على ذلك، من أراد الله له الخير فقهه وفتح بصيرته بناء على الفطرة، ولقد جنبني الله تلك "البرمجة" الأموية وكنت على فطرتي أعواما طويلة فسهل على الفهم. ويعني ذلك، الخير كل الخير من محا أميته متأخرا. وليس معنى ذلك بالمجموع أن تحتقر كتب التراث، أو تذبلها، نحن لا نقصد ذلك البتة. ولكي نوصل لك المعنى، فكر في الذهب أين يوجد؟ يوجد في التراب، فهو مخلوط بالتراب، كذلك تراث المسلمين يشبه هذه الحالة. ولكي تستخلص هذا الذهب يجب أن تكون ماهرا في صنعتك، أن تشمر عن ذراعيك، وتحضر كيرك ونيرانك وغرابيلك..الخ.

وعندما تمحو أميتك الإسلامية لا تحتاج لكي تتنطع مثل هؤلاء المتنطعين في شكلك أو ملبسك..الخ أو في عدوانيتك، القضية كلها تنحصر في الفهم، والإقناع والاقتناع، وفي السلوك الطيب. ولكن تذكر دائما ليس هنالك قدسية للسلف، فكل كشيء في تراث المسلمين وتاريخهم قابل للبحث والدراسة والتحليل، والجرح والتعديل، والأخذ والرفض. لذا تجد الشيخ الترابي يدوخ السلفيين عندما يركز على القرآن – عندما يسحبهم للقرآن! بينما هم يتشبثون بالسلف تقليدا لبني أمية، فعلى سبيل المثال، قلب الأمويون بعض أحاديث الرسول (ص) الصحيحة..وأولوها عن عمد بشكل خاطئ نكاية بآل البيت! يقول الحديث: "الخلفاء بعدي أثني عشرة بعدة نقباء بني إسرائيل، وكلهم من قريش". هذا الحديث حير رجال الصحاح والمفسرين والحفاظ والمؤرخين، فقال مالك، والشافعي، وابن حنبل لا يجوز أن يكون خليفة المسلمين إلا من قريش! بينما قال أبو حنيفة يجوز. وهنا سخر الشيخ الترابي منهم في قناة الجزيرة وأصابني بالسرور والحبور عندما قال لهم، هل يعني لو في السودان عايزين حاكم نجي السعودية ونفتش لينا على قرشي ونروح نضعه حاكم علينا في السودان؟ طيب وين كلام الله أن أكرمكم عند الله اتقاكم، ولا فرق بين عربي وأعجمي..!! وكيف الخليفة عمر مثالهم الأكبر كان سيستخلف سالم مولى بني حذيفة لو كان حيا وهو ليس قرشيا بل من الموالي أيضا.

قديما دخل الأتراك في ورطة مع هذا الحديث النبوي لكي يحكموا العرب، وبما أنه أبو حنيفة قد جوز الخلافة لغير القرشي فما كان من الأتراك إلا التمذهب بمذهب أبي حنيفة بشكل انتقائي وفرضوه بالحديد والنار على مجموع العرب والمسلمين خمسة قرون أو أكثر، ليس لأنه المذهب الأصدق أو الأصح، بل لأنه يجوز لغير القرشي خلافة المسلمين! وما زلت في مصر إلى اليوم تجد المحاكم الشرعية تعمل بمذهب أبي حنيفة بينما عامة المصريين أنفسهم إما شافعيين أو مالكيين في معظمهم. لذا يقال المذهب الحنفي رفع بسيف السلطان!! وكذلك المذهب المالكي على يد أبي جعفر المنصور العباسي بدون تفصيل من جانبنا! ومن علامات الأمية الإسلامية في السودان، يأتي شخص مثل علي عبد الله يعقوب ويقول مقاوحا الشيخ الترابي أن الإسلام بني على أربعة! إنه يقصد المذاهب الأربعة! لذا تجد كل الدول المسلمة في أوروبا مثل تركيا، ألبانيا، الشيشان، البوسنية..الخ أحناف، تابعين لمذهب أبي حنيفة! بعض الجهلة الإسلاميين يفسر هذه الظاهرة بأن مذهب أبي حنيفة هو الأسهل بينما لا يكون مدركا أن هذا الحديث النبوي هو السبب! فإذا "السلف" الأموي لوى بعنق حديث واحد نكاية بآل البيت، فنتج عن ذلك تاريخ دموي، وسفكت بسببه دماء، وقامت عليه ممالك..الخ، فكيف يكون حال بقية التراث المنكوس على رأسه، والمقلوب رأسا على عقب؟

بناء على ما سبق قوله يجرنا الحديث إلى حقائق أخرى، خاصة نخاطب بها قبيلة اليسار والقوى الحديثة التي تنتهج نهجا مصادما لكل ما هو إسلامي بشكل أعمى وبدون إعمال العقل. نقول لهم، أن السودان مقبل في الفترة القادمة على مرحلة حريات وديموقراطية وستلعب فيها الشريعة الإسلامية دورا كبيرا، وعليه، لا يمكن الخوض في السياسة السودانية دون فهم حقائق الدين الإسلامي ومحو الأمية الإسلامية. ونؤكد أن محو الأمية الإسلامية هو شيء مغاير لما يروجه الإسلاميين السلفيين، وكما قلنا، هؤلاء لا يروجون سوى الشق الأموي من التراث الإسلامي. إذن محو الأمية الإسلامية ليس فقط ميزة لإخراس هؤلاء، بل هو الآلية الحقيقية لكي يكسب الفرد دينه ودنياه وميزة تفاضلية لهزيمة المتاجرين بالدين. فحتى الشخص الذي يرى نفسه سياسيا محضا على المسرح السياسي، ولا يرى في نفسه داعية إسلامي، سيعجز في طرح نفسه سياسيا إذا لم يك ملما بحقائق هذا الدين بشكله الصحيح – بمعنى آخر أن يمحو أميته الإسلامية.

وفي سياق محو الأمية الإسلامية، أتمنى أن أساهم للآخرين مستقبلا باستخدام منهجية هي أشد ما نحتاج إليها تتعلق بدراسة التراث الإسلامي، بعمل ما يسمى historiography ولا أجد الكلمة العربية المقابلة لهذه المفردة، ولكن هي بالوضوح بحيث يمكن الجمع ما بين دراسة وكتابة تاريخ المسلمين من جديد بتطبيق أسلوب الفحص النقدي ومن ثم تكوين صورة -graphy بشكل أوضح. وستجد مدلول اللفظة historiography مأخوذا من قاموس ميريام ويبستر:

1 a: the writing of history; especially : the writing of history based on the critical examination of sources, the selection of particulars from the authentic materials, and the synthesis of particulars into a narrative that will stand the test of critical methods b: the principles, theory, and history of historical writing
2: the product of historical writing: a body of historical literature.

وقبل أن نعطي بعض الأمثلة، يجب أن نذكر بشخصية مهمة تستحق المتابعة وهي الشيخ حسن بن فرحان المالكي، وهو شاب سعودي، ومنذ خمسة سنوات أستخدم هذا المنهج في إعادة قراءة التاريخ. وهو باحث مهتم بشؤون التاريخ الإسلامي والعلوم الشرعية، كما أنه خريج كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام (محمد بن سعود) الإسلامية في المملكة العربية السعودية، ويعمل الآن باحث تربوي في وزارة المعارف السعودية، له مجموعة من المؤلفات: كتاب بعنوان: (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) صادر عن كتاب الرياض في المملكة العربية السعودية، وله كتاب عن (بيعة على بن أبي طالب في ضوء الروايات الصحيحة) وكان ذلك بالاشتراك مع زوجته، كما أن له بعض المؤلفات طبعتها دار مركز الدراسات التاريخية بدولة عمان، (مع سليمان العلوان في معاوية بن أبي سفيان) وكتاب (مع الشيخ عبد الله السعد في الصحبة والصحابة) وكتاب (مع الدكتور سليمان العودة في عبد الله بن سبأ) وكتاب (قراءة في كتب العقائد - المذهب الحنبلي نموذجا) وكتاب (الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتخصيص الشرعي) وكتاب (داعية وليس نبيا) وغيرها. وتدور في الصحف السعودية منذ خمسة سنوات مناظرات هامة كلها تدور حول أطروحات المالكي، وهذا خلاف الاعتقاد السائد في السودان أو حتى اعتقادي أن فتح تراث وتاريخ المسلمين مرعب للسلفيين. وبالطبع لقي المالكي ما لقي من هجوم كاسح من المتحجرين السلفيين ولم نسمع أنهم كفروه ولكن أقصى ما اتهموه به هو التشيع والرفض وهي تهم جاهزة. ولكي تستوعب تحجر هؤلاء السلفيين السعوديين قررت المحكمة الشرعية السعودية قبل سنوات مصادرة الكتاب وإعدام الشيخ عبد الله الخنيزي الذي أثبت في كتابه (مؤمن آل طالب) أن أبا طالب مات مؤمنا وليس كافرا كما تقول كتب التراث المتأخرة وبعد تدخل الوساطات والاحتجاجات حول الحكم بالسجن والتعزيز!

للدخول وقراءة نص المقابلة التلفزيونية مع المالكي أدخل على هذه الوصلة، وهو نص جيد وممتع:

http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89100

فلنعطي هنا أمثلة: خذ قولهم في الصحف، أو حتى في المدارس قولة أبي جعفر المنصور: لا يفتى ومالك في المدينة! عندما تقرأ هذه القولة بمعزل عن سياقها التاريخي ستعتقد أن مالك بن أنس بلغ شأوا عاليا في العلم أو فات علماء زمانه!! ستعظمه!! بينما الحقيقة غير ذلك، بالدراسة الفاحصة المنهجية ستكتشف أن هذه العبارة هي أمر أو فرمان سلطاني! ولكن لماذا؟ سببها المدرسة النبوية الصاعدة في المدينة المنورة التي أسسها:

1) علي بن الحسين (لقبه: زين العابدين، سيد الساجدين) 36-95هـ، مات بالسم من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم.
2) وأبنه محمد (لقبه: باقر علم النبي، باقر علوم النبيين) 57-114هـ، مات بالسم من قبل إبراهيم بن الوليد أو هشام بن عبد الملك أيام خلافته.
3) وأبنه جعفر (لقبه: الصادق، البار، الأمين) 83-148هـ، مات بالسم من قبل أبي جعفر المنصور الدوانيقي، في أيام خلافته.

هذه المدرسة كانت تشد لها الرحال من كل الأمصار الإسلامية. وهؤلاء الثلاثة ورثوا علم الدين من الحسن والحسين، ومن ثم علي بن أبي طالب عن النبي (ص) عن جبريل. وبهذا التسلسل هم من ثبت أركان الدين وعلومه، خاصة جعفر الصادق الذي عاصر وورث علم أبيه محمد الباقر، وجده على زين العابدين. والإمام جعفر الصادق عاصر الخلفاء الأمويين والعباسيين، وعمره يقارب عمر أبي حنيفة، كما تتلمذ أبو حنيفة (80-150هـ) علي يده سنتين. ولقد بلغت شهرة جعفر الصادق أن تتلمذ على يديه أربعة ألف عالم في وقت واحد كلهم يقول عن جعفر بن محمد..الخ. ولقد غار أبو جعفر المنصور وخشي أن يفتتن المسلمون بجعفر الصادق ويسحبون منه البيعة ويعطونها لجعفر وحاول قتله سبعة مرات وفي الثامنة سمه. أمر المنصور أولا أبا حنيفة أن يكون مفتيا للدولة فرفض، لأن أبا حنيفة عرف فضل هؤلاء في علوم الدين، بل قبضه المنصور متلبسا يفتى المسلمين بالخروج مع زيد بن علي وثورته التي أستشهد فيها، فسجنه وسمه في السجن. معنى ذلك، أن أبا حنيفة نفسه كان متشيعا لآل البيت. فتحول المنصور لمالك بن أنس أن يكون مفتيا للدولة، فرفض في البداية، فهدده، فاستجاب وأمره بكتابة الموطأ 143هـ وكان أول تدوين كتابة الحديث في تاريخ المسلمين، وقال قولته المشهورة: لا يفتى ومالك في المدينة!!

فإذا فهمت أن أبا حنيفة ومذهبه أول المذاهب السنية، ولم يكن رؤساء المذاهب الأربعة يتميزون عن غيرهم في حياتهم عمن كان في طبقتهم أو يقلون عنهم، ولم يدون أحد عنهم أي شيء في حياتهم، بل بعد وفاتهم بعقود، وعلى مذهبهم، ستفهم أن من ثبت الدين هم آل البيت، لا غيرهم. حتى رجال الصحاح الستة مثل صحيح البخاري ومسلم..الخ أخذوا علومهم من آل البيت.

خاصة حتى القرن الهجري الثالث، كانت ذرية الرسول (ص) تضطهد وتقتل بالسم تارة وبالسحل مرة أخرى، وكانوا عرضة للملاحقة في كل عصر ومصر خوفا الحكام إعطائهم البيعة من قبل المسلمين. وأستمر الحال ما بعد القرن الهجري الثالث وإلى اليوم. ولقد نجح الحكام والسلاطين عبر هذه القرون في إقصاء أهل البيت في العلوم الدينية أو طمس حقيقة أن هم من ثبت هذا الدين لا غيرهم فاستعانوا بغيرهم من رجال الدين السوء، ورفع السلاطين من لا يستحق الذكر أو الرفع كما فعل أبو جعفر المنصور تماما.

ولكن فعلها معاوية (ولد قبل البعثة بخمسة سنوات وتوفي في 60هـ) قبل أن يفعلها أبو جعفر المنصور. ففي عصره وبتشجيعه ألفت كل الأحاديث الموضوعة الكاذبة على الرسول (ص) (لاحظ لم يكتب الحديث إلا في 143هـ)، بل زاد معاوية على ذلك، أمر ولاته في الأمصار فور تنازل الإمام الحسن له عن الحكم بأن يكرموا كل من يأتي بمحدثة أو فضيلة للشيخين (عمر وأبو بكر) فكثر الوضاعون والكذبة، وكان قصد معاوية رفع شأن الخلافة في روع المسلمين ومضاهاتها ببيت النبوة أو دفنها، لذا ما يسمى بالخلافة الراشدة في وعينا الجمعي الآن هي أحد آثار معاوية. وبعد أن كثر الكذابون والمنافقون، غير معاوية، أمر معاوية ولاته بأن يبرءوا الذمة من أية مسلم يتولى علي بن أبي طالب وآل البيت وأن يسحلوه ويحرموه من عطايا بيت أموال المسلمين، فكان الإمام علي يسب من منابر المسلمين ثمانين عاما، وأضطهد أي مسلم يقترب من آل البيت. هذه النقطة التكتيكية التي لعبها معاوية، غائبة عن ذهن المسلمين اليوم. فنعطي مثالا واحدا: مثلا الأحاديث التي تقول أن الرسول (ص) كان يستمع للغناء (وهذه لا تجوز في حقه الكريم) ودخل عمر فخافت المغنية وجلست على الطار، ومعنى ذلك، أن الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من رسولنا الكريم(ص)!

ولكن أخطر التفانين الأموية هي اختراعهم أن الصحابة بالمجموع، الصالح والطالح منهم، عدول لا يجوز ولا يسمح بالقدح في بعضهم أو جرحهم. وهذه خدعة وكيد للإسلام في صالح "الخلافة" في كل زمان ومكان حتى يوم القيامة. بهذا القانون نجحوا في المحافظة على أيديولوجية الخلافة التي تستعبد عامة وجمهور المسلمين، ولقد زرعوها عبر القرون في صلب الدين والشريعة. فخذ الإمام أحمد بن حنبل المتوفى في 241هـ ماذا يقول في مسانده: (والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين. والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة، البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة، من دفعها إليهم اجزأت عنه برأ كان أو فاجرا. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولى جائزة تامة ركعتين، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء، إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم، فالسنة أن تصلي معهم ركعتين من أعادهما فهو مبتدع، وتدين بأنها تامة ولا يكن في صدرك من ذلك شك.ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه. لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق..).

نجد مقابل فتوى بن حنبل قول رب العزة: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) ونفهم من هذا، عند قراءتنا للآية قراءة مبسطة وعادية غير تأويليه ولا استنباطية، إلى عدم وجوب طاعة السلطان الظالم التي توجب ضلالة المطيع له على السبيل السوي. أما إذا جئنا إلى السنة النبوية، فنجدها تحث على الابتعاد من الحكام الظلمة: فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: "سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم، وصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد على الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم على كذبهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض". نفهم من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن الفرد منا إذا صدق هؤلاء الظلمة، وأعانهم على ظلمهم وإجرامهم، فهو ليس من رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء.

إن الرأي الراجح لدى علماء أهل السنة والجماعة ومدرسة الخلافة هو: عدم الخروج عن الحاكم والصبر عليه حتى ولو كان جائرا، وذلك لكون إن شق عصا الطاعة في وجه الحاكم والخروج عليه يؤدي إلى الفتنة وإراقة الدماء وإشاعة الفوضى، وهو ما يفوق في ضرره الضرر الناجم عن جور الحاكم. وبذلك امتزجت هذه الأفكار الإسلامية التي توجب الخضوع للسلطة الحاكمة وطاعتها مع القيم السائدة في المجتمع العربي، مما أدى إلى الحفاظ على نمط الحكم الأوتوقراطي وحكم العوائل. حيث يستند بعض علماء الدين اليوم إلى بعض الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تحث، بل تؤكد طاعة أولياء أمور المسلمين، وهي في تقديرنا موضوعة من قبل الأمويين وغيرهم.

(حدثنا ‏محمد بن المثنى ‏ومحمد بن بشار ‏قالا حدثنا ‏محمد بن جعفر ‏حدثنا ‏شعبة ‏عن ‏سماك بن حرب ‏عن ‏علقمة بن وائل الحضرمي ‏‏عن ‏أبيه ‏قال ‏سأل ‏سلمة بن يزيد الجعفي‏ ‏رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله ارأيت إذا قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية ‏أو في الثالثة‏ ‏فجذبه ‏الأشعث بن قيس ‏وقال ‏‏اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ‏ما حملوا ‏وعليكم ‏ما حملتم).

(و‏حدثنا ‏حسن بن الربيع ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏‏عن ‏الجعد أبي عثمان ‏عن ‏‏أبي رجاء ‏عن ‏ابن عباس ‏يرويه قال ‏قال رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية).

(حدثني‏ ‏محمد بن سهل بن عسكر التميمي‏ ‏حدثنا ‏يحيى بن حسان ‏وحدثنا ‏عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ‏أخبرنا ‏‏يحيى وهو ابن حسان‏ ‏حدثنا‏ ‏معاوية يعني ابن سلام ‏ ‏حدثنا ‏زيد بن سلام ‏عن‏ ‏أبي سلام ‏ ‏قال‏ ‏حذيفة بن اليمان قلت يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر قال نعم قلت هل وراء ذلك الشر خير قال نعم قلت فهل وراء ذلك الخير شر قال نعم قلت كيف قال ‏يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثم إنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع).
كما استدلوا على ذلك بقول ابن عمر - رضي الله عنهما-:( إذا كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر، وإن كان الإمام جائرا فعليه الوزر وعليك الصبر).

ولا شك لدينا أن هذه الأحاديث واضح عليها الوضع، ولا تحتاج دراستها لا من حيث السند ولا المتن. من يقرأ كثيرا الأحاديث النبوية الصحيحة ويستطعم أقوال الرسول (ص) ويتذوقها بالمجموع يدرك الموضوع منها فورا. وبما أننا قد نقر أن الخروج على الحاكم قد يتسبب في إراقة الدماء، وهذا طبيعي، ولكن ليس هذا بالعذر أن نلتف على أقوال الرسول (ص) وله أحاديث كثيرة هي عكس هذه الأحاديث الموضوعة ولكن لا يخرجونها في الصحاح ويتهربون منها. مثل حديث العطية، وحديث المناشير:

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أبغض المسلمون علماءهم وأزهروا عمارة أسواقهم وتناحكوا على جمع الدراهم رماهم الله عز وجل بأربع خصال بالقحط من الزمان والجور من السلطان والخيانة من ولاة الأحكام والصولة من العدو. وفي حديث عن معاذ بن جبل عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث طويل نورد منه موضع الشاهد: (..ألا أن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا أنه سيولى عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم فإذا عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أحلوكم قالوا يا رسول الله كيف نصنع قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله). وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سيكون أمراء بعدي يعرفون وينكرون فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم ومن خالطهم هلك). وغير ذلك كثير..رحمك الله.

القضية بالنسبة لي واضحة، القضية ليست قضية خروج ودماء وفتنة..إلخ فتجدهم حتى نسوا قول عمر..متى استعبدتم الناس ولقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، القضية هي لم لم يركز علماء الدين السوء على النصوص القرآنية والنصوص النبوية التي تعلي من قيمة الحرية، وتخلق حولها أدبيات، فإذا سادت هذه الأدبيات، كفى الله المؤمنين شر القتال! فكثير من الناس، خاصة القوى الحديثة التي حرمت من الغوص في التراث الإسلامي وتاريخ المسلمين، لا تفهم، أو تعجز أن تفهم أن جوهر ضياع الديموقراطية في عصرنا وفي العصور الماضية لدى المسلمين سببه هذا الانحراف عن القرآن الذي رسمته الأصابع الأموية والانحراف عن بيت الرسول (ص)، لأن آل البيت سلام الله عليهم لديهم النصوص الحقيقية النبوية والفهم الحقيقي للرسالة الإسلامية. فخذ الإمام علي عليه السلام في خلافته يستأذنه الزبير وطلحة بقولهما له أنهما يرغبان مكة للعمرة، فيقول لهما: ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة! وسمح لهما، ولم يرفض لهما مغادرة المدينة ولم يعتقلهما..فخرجا للبصرة وحركا مؤامرة الجمل..الخ. وحقيقة، في كل التاريخ المسطور، اثنان لم يستعملا ما يسمى بشكل معاصر "حالة الطوارئ" أو مصادرة الحريات: الرسول (ص) وعلي بن أبي طالب عليه السلام!!

فإذن يجب الإدراك أن قضية الأستاذ محمد طه تأتي خصما على الحريات والعدل، بغض النظر من هو محمد طه أو ماذا كان تاريخه الشخصي، فكيف يمكن محاكمة شخص قبل أن يدافع عن نفسه، أو يقول فيه القضاء كلمته؟! وبما أن القضية الإسلامية بمجملها لم تحسم بعد وكما نعرضها في مقالنا هذا يصبح من المخجل أن يحرك عبد الحي يوسف وأمثاله غرائز العامة وعاطفتهم الدينية بدعوى الدفاع عن الرسول (ص) وآل بيته ولسانه يلهج بالأمويين في بيت الله ويدافع عنهم..أليس هذا بتناقض مخجل وجهل مركب؟ نتحدى عبد الحي يوسف وليقول لنا كيف استشهد الإمام الحافظ النسائي؟ وليقل لنا عن حديث لا أشبع الله بطنه!! وليقل لنا ماذا عن قوله (ص) اللهم إركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا؟

أخرج الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن عباس قال كنا في سفر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: انظروا من هما، فقالوا: معاوية وعمر بن العاص فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم إركسهما (وفي قولة أخرى: في الفتنة) ركسا ودعهما إلى النار دعا وعن أبي ذر الغفاري قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وقد مررت به: اللهم ألعنه ولا تشبعه إلا بالتراب.

وقد قال الإمام علي عليه السلام في كتاب بعث به لأهل العراق: والله لو لقيتهم فردا وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها، والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة، وإنّي إلى لقاء ربي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً، والصالحين حربا والقاسطين حزبا.

وفي الخاتمة، بدلا من دق طبول الحرب على المسكين محمد طه محمد أحمد فلينظر عبد الحي يوسف وأمثاله ماذا يفعل السلفيون الوهابيون في حرم رسولنا الكريم، يقول الشيخ يوسف بن السيد هاشم الرفاعي الكويتي في رسالته المفتوحة "نصيحة لإخواننا علماء نجد" نختار منها التالي من ضمن 57 موبقة في حق الرسول (ص)، فإذا كان في دمائه ذرة من الحمية والرجولة ليسمعنا صوته:

• هدمتم معالم قبور الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت الكرام رضى الله عنهم وتركتموها قاعا صفصفا وشواهدها حجارة مبعثرة، لا يعلم ولا يعرف قبر هذا من هذا، بل سكب على بعضها (قبر السيدة آمنة بنت وهب أم الحبيب المصطفي نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم) (البنزين) فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

• آويتم (ناصر الألباني) ونصرتموه وسمحتم له بنشر كتابه: (أحكام الجنائز وبدعها) الذي طالب فيه جهارا بإخراج قبر المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الشريف، وهذا الهراء ردده أيضاً في رسالته "تحذر الساجد" انظر (ص 68 – 69)، بل زاد على ذلك حين عد في رسالته "حجة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص137) من ضمن بدع المدينة المنورة كما يزعم "إبقاء القبر النبوي في مسجده" أ.هـ.

• سمحتم للمدعو مقبل بن هادى الوادعي المعروف بكثرة سبابه وطعنه على مخالفيه من العلماء والدعاة إلى الله وصلحاء هذه الأمة كما تشهد بذلك كتبه وأشرطته أن يتقدم ببحث في نهاية دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بعنوان (حول القبة المبنية على قبر الرسول)، وإشراف الشيخ حماد الأنصاري، طالب فيها جهاراً نهاراً بإخراج القبر والقبة الشريفة بدعة كبيرة وطالب بإزالتها وهدمها ومنحتموه على ذلك درجة الفوز والنجاح! فهل تكرمون من يحاد رسول الإسلام، حبيب الله، رحمه للعالمين وخليله عليه الصلاة والسلام؟!

• رضيتم ولم تعارضوا هدم بيت السيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين والحبيبة الأولى لرسول رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم المكان الذي هو مهبط الوحي الأول عليه من رب العزة والجلال، وسكتم على الهدم راضين أن يكون المكان بعد هدمه دورات مياه وبيوت خلاء، ومواطئ..فأين الخوف من الله تعالى؟ وأين الحياء من رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام؟

• حاولتم ولا زلتم تحاولون وجعلتم دأبكم هدم البقية الباقية من آثار رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ألا وهى (البقعة الشريفة التي ولد فيها) التي هدمت ثم جعلت سوقاً للبهائم ثم حولها بالحيلة الصالحون إلى مكتبه هي (مكتبه مكة المكرمة) فصرتم ترمون المكان بعيون الشر والتهديد والانتقام وتتربصون به الدوائر وطالبتم صراحة بهدمه واستعديتم السلطة وحرضتموها على ذلك بعد اتخاذ قرار بذلك من كبار علمائكم قبل سنوات قليلة (وعندي شريط صريح بذلك) غير أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد العاقل الحكيم العارف بالعواقب، تجاهل طلبكم وجمده. فيا سوء الأدب وقلة الوفاء لهذا النبي الكريم الذي أخرجنا الله به وإياكم والأجداد من الظلمات إلى النور ‍ويا قلة الحياء منه يوم الورود على حوضه الشريف..ويا بؤس وشقاء فرقة تكره نبيها سواء بالقول أو بالعمل وتحقره وتسعى لمحو آثاره!. والله تعالى يقول لنا: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" والله تعالى يقول ممتناً على بنى إسرائيل بطالوت وموسى وهارون: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(248) "وقال المفسرون: إن البقية المذكورة هي عصاة موسى ونعليه و.... إلخ.

شوقي إبراهيم عثمان
ميونيخ - ألمانيا
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved