22/05/2005 م
على الرغم من الأحاديث المكررة خاصة من جانب الحكومة بأن الوضع في دارفور قد تحسن الا أن الذي يجري في أرض الواقع شيء مختلف تماما، فقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الشهري الأخير أن الوضع في دارفور لا زال متأزما وقال أن مسلسل الإستهداف توسع ليشمل منظمات الإغاثة وقال بأنه في يوم 8/3/2005 أطلق الجنجويد النار على بعثة الإتحاد الأفريقي بالقرب من معسكر أبو شوك بشمال دارفور. وفي 22/3/2005 أطلق الجنجويد النار على بعثة وكالة التنمية الدولية الأمريكية ونتج عن جرح 2 من الموظفين على طريق نيالا كاس. وفي 29/3/2005 تم اطلاق النار على سيارة تابعة لبعثة للامم المتحدة اثناء تحقيقهم لاحداث وقعت في جنوب دارفور وادت الحادثة الى جرح 3 من الموظفينز، فالأزمة قد أخذت طابعا جديدا من مراحلها وشواهد عديدة تأكد ذلك، فإستهداف منظمات الإغاثة يعني طردهم وإخراجهم من دارفور والهدف ليست في وجود هذه المنظمات فالمقصود حرمان المنكوبين ومنعهم من المأكل والحماية وبالتالي التجويع فالموت. كما أن النازحين لا زالوا متكدسين داخل هذه المعسكرات التي نمت وكبرت حتى بلغت مساحاتها مساحة المدن الكبرى مثل الفاشر ونيالا، والنازحون لا يستطيعون ليس فقد في العودة الى قراهم المحروقة بل أيضا لا يستطيعون أي تحرك خارج هذه المعسكرات حيث يمارس الجنجويد الإرهاب ضدهم، وحتى داخل المعسكرات لا يتوفر الأمن الكافي والأبعد من ذلك أن الأطفال لا زالوا يعيشون حالة من الفوبيا والرعب والكوابيس من جراء القصف الجوي والبري التي تعرضوا لها خاصة في معسكر كلمة جنوب شرق نيالا الذي يقع تحت خط سير الطيران الي مطار نيالا، فبمجرد سماع الأطفال لصوت هذه الطائرات المارة يصيبهم الهلع فيطلقون صرخات قوية لظنهم أنها غارة جوية وشيكة.
الحكومة من جانبها قامت بشراء ذمم الضمائر المرتخصة من رجالات الإدارة الأهلية لتكمل بهم مخططاتها المتبقية من التطهبر العرقي وذلك بدفع مبالغ لهؤلاء مقابل تقديم خدمات تتعلق بإستدراج النازحين والضحايا للعودة الى قراهم الغير الآمنة حتى يتم تسهيل مهمة الجنجويد بالقضاء عليهم بعيدا عن أعين المنظمات وقوات الإتحاد الأفريقي، فبعد التهجير القسري للمواطنين من قراهم ولجوءهم الى المعسكرات يتم الآن تهجير قسري مضاد من المعسكرات الى قراهم المهجورة حتى لا يطيب لهم مقام أينما توجهوا والأمثلة على ذلك كثيرة على سبيل المثال لا الحصر:
- في يوم 19/5/2005 قامت مجموعة مألفة من قوات الشرطة ورجال الأمن بالهجوم على النازحين في معسكر كلما جنوب نيالا بهدف ترحيلهم وقد جرح أكثر من 17 شخص.
- أحداث معسكر سوبا جنوب الخرطوم في 18/5/2005 والذي راح ضهيتها أكثر من ثلاثون شخصا بين قتيل وجريح ويتكون المعسكر من نازحي دارفور والجنوب والتي تعتبر مواقع الإستهداف الأولى للنظام، لخير دليل على إستهداف النظام للنازحين فرغم الإنذارات المتكررة من الأمم المتحدة على لسان مسؤول الإغاثة وشئون اللاجيين يان إغلان الذي زار المعسكر مؤخرا بمغبة ترحيل هذا المعسكر الا أن النظام رفض تلك النداءات مثل حدث في العام الماضي في معسكر مايو.
الحوادث اليومية في مسلسل جرائم الجنجويد قد أصبح أمرا مألوفا ولا يكاد يمر يوم دون أن يشهد فظيعة من أعمالهم الإجرامية وهذه بعض الأمثلة التي تأكد ذلك:
- في يوم 9/5/2005 هاجم الجنجويد قرية أم سيالة في شمال دارفور ونهبوا أكثر من 435 منزلا.
- في 11/5/2005 هاجم الجنجويد مجموعة من النساء اللاتي يجمعن الحطب قرب معسكرهن وقتلت واحدة وجرحت إثنتان.
- في يوم 14/5/2005 أفادت قوات الإتحاد الأفريقي أن الجنجويد هاجموا منطقة سليعة في جنوب دارفور وقتلوا رجلا وجرحوا ثلاثة أشخاص كما نهبوا أكثر من 146 منزلا.
- في يوم 17/5/2005 هاجم مجموعة من الجنجويد منطقة لبدو وقتلوا ثلاثة أشخاص وجرحوا ثلاثة أخرين ونهبوا أكثر من 140 منزلا.
ومن الشواهد التي تدل على أن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لا زال مستمرا، أن القرى التي هجرت وأفرغت من سكانها بقوة السلاح يتم حرقها وهي خالية فمثلا خلال الشهر المنصرم تم حرق أكثر من 60 قرية في ولاية غرب دارفور كما أن عدد مماثل من القرى المهجورة في جنوب دارفور لا زالت تدمر وتحرق ويتم نهب أجزاءها ومكوناتها التي يمكن الإستفادة منها من قبل الجنجويد مثل أعواد البناء التي يستعملونها كفحم وحطب الوقود حيث تحمل بالجمال الى المدن التي تعاني من نقص في مواد الوقود فيبيعونها بأسعار خرافية، أما مسألة إغتصاب الفتيات خارج المعسكرات قد أصبح أمرا شايعا فاللاتي يخرجن لجمع حطب الوقود فحدث ولا حرج، ففي الشهر المنصرم تم إغتصاب فتاة تبلغ من العمر ثمانية سنوات على مدار اليوم والليل قرب معسكر مستري بغرب دارفور، وقد إبتدرت قوات الإتحاد الأفريقي خطة لحماية الفتيات من الإغتصاب وذلك بخروج فرق عسكرية أفريقية معهن الى أماكن جمع حطب الوقود . أما الأمر الأكثر خطورة هي أن مثل هذه الممارسات لا يشجع النازحين بالعودة الى قراهم مما سيجعلهم يمكثون في معسكراتهم سنين طويلة ، وهذا يدل على أن ليس هناك أي مجال لممارسة الزراعة في القريب العاجل رغم أن فصل الخريف قد بقي له شهور قليلة، وعدم الزراعة يعني التجويع لسنين عدة مما سيؤدي الي موت عدد كبير جوعا كوسيلة أخرى لقتل الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة.
تعتبر الحكومة هي المسئول الأول لهذه الممارسات لأن مسئولية حفظ الأمن تقع على عاتقها مثلها مثل أي حكومة في العالم تحمي مواطنيها، الا أن النظام وبلا أدنى حياء تنصل عن تحمل هذه المسئولية بل أصبح هو الذي يهدد أمن مواطنيه بدعمه الغير محدود للجنجويد والتخطيط لهم وحمايتهم. ويبدو أن أحقاد دفينة تقبوا في دواخل هذا النظام ضد هؤلاء العزل، فالنظام غير مقتنع بترك الجزء الباقي من أهل دارفور أن ينعموا بالحياة وترى أن بقاءهم على قيد الحياة فشل لمشروعها الحضاري المبني أساسا على القضاء على هامش السودان. وتتضح هذه الصورة إذا تتبعنا مراحل تنفيذ هذا المشروع بتعني:
1- فالمراحل الأولى من جرائم القتل كانت تتمثل في القتل المباشر للمواطنين بواسطة الجيش والجنجويد برا وجوا بشتى أنواع الإستهداف من حرق للقرى، نهب الممتلكات، تدمير وتخريب شتى وسائل الحياة من أبار مياه ومحاصيل زراعية بزريعة أن هذه القبائل تدعم المتمردين بينما التمرد في وادي وأهل القرى في وادي أخرى فالقصد الحقيقي هي عملية خلط الأوراق للقضاء على أهل دارفور خاصة بعد أن فشلت في مواجهة الحركات المسلحة والهزائم المتعاقبة التي منيت بها في كل المعارك.
2- ثم أخذ الإستهداف عملية تفريغ القرى والأرياف لمنع أهلها من الزراعة كمصدر للرزق عن طريق التهجير القسري بممارسة كافة وسائل وأساليب الإرهاب حتى فرغت القرى تماما من سكانها وتم نشر الجنجويد لربط كل الطرقات المؤدية الى المزارع وبين القرى والمدن وممارسة شتى أساليب النهب والتعذيب والقتل لكل من يصادف في طريقهم وأغتصاب كل ما هو أنثى من البشر.
3- ثم أمتد الإستهداف الى فصل أبناء هؤلاء المستهدفين من وظائف الدولة وتضييق الخناق عليهم داخل المدن وإعتقالهم وقتلهم تحت ظلام الليل، ولم يسلم في ذلك الطلبة في الجامعات.
4- الآن تقوم الحكومة بالتخطيط للجنجويد في وضع اللمسات الأخيرة للتطهير العرقي عن طريق تمس كل ما يمكن أن يدل على أثر عن وجود قرية أو أطلال يمكن تعميرها في المستقبل وحتى الحدود التي كان يضعها المزارعون بين المزرعة والأخرى والمعروف في دارفور بإسم (كلنكاب) كي لا تحدث نزاعات حدودية, يتم حرق وإزالة تلك الحدود بعد أن تشابك الأشجار والأعشاب فأصبحت غابات وأدغال لا يمكن تمييز هذه المزرعة عن تلك. والأسوأ من ذلك أن بعض القرى قد إستوطن فيها الجنجويد بعد أن هجر أهلها قسرا وإستغلوا المزارع.
لقد ضربت حكومة الجبهة الإسلامية الإسلام بأرض الحائط ونسيت قول سيد المصطفي عليه الصلاة والسلام (( لذهاب الدنيا جميعا أهون الى الله من سفك دم بغير حق ))