![]()  | 
		
			![]()  | 
		
			![]()  | 
		
			![]()  | 
		
	
قصة قصيرة
للتو تباهت أمام والده بأسئلته البريئة ، طبع الأب قبلة على جبينه وخرج لعمله ، تقافز في بهو البيت كهر صغير ، اغتنمت أمه فرصة لعبه وانشغلت عنه في ترتيب أشيائها ، لحق بها ، وطرح عليها سؤالا ، كان الخامس أو ربما السادس كما خمنت لهذا اليوم ،  سحبت سبابتها على وجنته حتى انتهت عند هلال جبينه ، وأجابت بهدوء : نمتُ مساءً متأخرةً ، وضعتُ تحت وسادتي حبةَ سكر نبات ، وعندما استيقظتُ صباحا تحولتْ قطعة السكرِ ، وأصبحتْ أنت .
 فأجاب مبتسما :
- الآن فهمت كيف أصبحتُ ابنك .
مسحت شعره الناعم كشعر أرنب صغير بيديها الطريتين، ونام في حضنها متأثراً بالحكاية  الجميلة التي أكملتها له حول الطيور التي استقبلته ودخلت إلى غرفته من النافذة ، وكيف راح يلعب معها ، وعن الشمس التي تشبه قنديل جدته التي أنارت وجهه الجميل وجعلتها تراه مثل وردة  ، والمرآة الكبيرة التي أرسلها له خاله كهدية كي يمشط شعره ويتأمل صورته .
في اليوم التالي سألها ، كيف جاءتْ أخته الصغيرة ، فحكت له حكاية مماثلة عن قطعة سكر النبات ، ففرح ، وحكى الحكاية لأخته الصغيرة التي لم تفهم منها شيئا ، لكنها ابتسمت وراحت تلعب وتشد طرف شرشف سريرها بشغب .
***
كان يقلب وريقات كتاب حضانته ، عندما  اقتربت منه أمه ، جثت على ركبتيها بجانبه ، وراحت تهجّي له الحروف بدافع إثارة انتباهه وتعليمه ، شرد وهو ينظر إلى لوحة غلاف الكتاب الداخلية ، ثم عبثت يداه بالدفتر الوحيد الذي سحبه من حقيبته  ، طلبت منه أن يردد وراءها ، فتثاءب ،  ثم كرر بعض الحروف بصوت خافت غير آبه لجهد أمه ، وفجأة سألها :
 - ماما ، ماما ، لماذا هذه الصورة هنا ، ومكررة هنا بالقرب من الشمس ؟
أشار إلى صورة الغلاف ، وقارنها بالصورة التي ترافق الحروف التوضيحية في الصفحة التي تحاول شرح حروفها له  .
لم تجبه ، وطلبت منه أن يردد ما تلفظه بدقة ، فكرر السؤال نفسه ، عندئذ اضطرت للجواب بصوت خافت    "  هذه صورة الزعيم " ، فسألها :           -  لماذا وضعوها بالقرب من الشمس الحارة مثل النار  ؟
 تلعثمت الأم ، همهمت ، ثم أرغمته على تكرار كلمة "ضابط" كمثال على حرف الضاد في الصفحة التالية التي قلبت إليها هاربة من الصفحة السابقة محاولة إخفاء الصورة  ،  وجد صعوبة في نطق كلمة " ضابط"  ، وقال بأن المعلمة لم تعطه هذا الدرس ،  حاولت الضغط عليه ، وكررت الكلمة عدة مرات طالبة منه أن يقلدها ، انتبهت أنها تفعل ذلك لأول مرة معه، وتضغط عليه ، أحست ببعض الضيق ، رمشت صغيرها الذي راح  يلعب بقلم الرصاص غير مكترث  لما تردد من حروف لم يستسغها ، سحبت القلم  من يده ،  وتوعدته بألا تعطيه مصروفه ليوم غدٍ ، فصاح قائلا، والدهشة تعلو وجهه  : 
-	أريده  ، أريده .
-	لن أعطيك المصروف إذا لم تلفظ الحروف جيدا .
-	أنا بحاجته ، يا ماما ، كي أشتري به قطعة سكر نبات .
-	سكر نبات ؟!
-	نعم ، اشتريت البارحة ، قطعة سكر نبات ، ووضعتها تحت وسادتي،  ولم يأتِني ولد جميل ، وغداً  سأشتري قطعة ثانية وأضعها تحت مخدة أختي ، يمكن أن تأتيها بنت حلوة .
نظرت الأم إلى صورة الزعيم بالقرب من صورة الشمس ، ثم رمقت وجه ابنها البريء مرتبكة ، ولديها خشية من سؤال أكيد قد يطرحه أمام المعلمة حول الصورة ، ومِنْ ..
  
أسد محمد
كاتب سوري 
[email protected]