ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
شهادة عن التصفية الجسدية للنخب الجنوبية بقلم أبو بكر القاضي
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 5/18/2005 8:23 ص
أبو بكر القاضي ـــ شهادة عن التصفية الجسدية للنخب الجنوبية ! تمر علينا هذه الايام ذكرى اغتيال الشهيد وليم دينق الذي تمت تصفيته جسديا في مايو 1968‚واذا كان محور مقالي سيدور حول سياسة النخبة النيلية (الاستعمار المحلي) في التصفية الجسدية للقيادات الجنوبية المثقفة باعتبارها القوة الديناميكية التي تحمل الثورة وهموم المهمشين‚ فاني سأنوّر مقالي هذا بارسال باقات من الورود للشهيدين داوود يحيى بولاد‚ ويوسف كوة باعتبارهما من قادة المهمشين الذين ادركوا ببصيرتهم ان المهمشين في السودان يمكن ان يحققوا النصر على استعمار النخبة النيلية عن طريق «تحالف المهمشين» تحالف هدفه العدل والمساواة بين ابناء الوطن الواحد‚ لذلك انشأوا تحالفا مع الحركة الشعبية ليس هدفه فقط هزيمة العدو المشترك في المركز وانما بناء سودان جديد‚ على اسس جديدة وبعقلية جديدة‚ الاستعمار المحلي هو تربية وثقافة في رؤوس ابناء النخبة النيلية‚ لذلك فان هزيمة هذا الاستعمار لا تتم بقوة السلاح فقط‚ نعم السلاح يعيد التوازن في قسمة السلطة والثروة كما حدث في اتفاقية نيفاشا‚ ولكن هذا لا يكفي لأن الاستعمار ما زال باقيا في العقول‚‚ لذلك فان هزيمة الاستعمار هي هزيمة فكرية بتغيير العقول والثقافة‚ فنحن لسنا ضد افراد او جماعة وانما نحارب ثقافة استعمارية استعلائية تحتكر السلطة والثروة تارة باسم الوطنية والاستقلال‚ وتارة باسم الثورة وأخرى باسم الاشتراكية وأخيرا باسم الاسلام‚ وعندما طرحنا شعار التهميش ادعوا ايضا انهم مهمشون ! كلمنت أمبورو يتحدث عن اغتيال الشهيد وليم دينق في لقاء فريد اجراه دندرا علي دندر وعبدالعزيز جمعة مع العم الطاهر‚ القديس عفيف اللسان واليد‚ الرمز‚ كلمنت امبورو بنيروبي في 23/1/2005 تحدث كلمنت بمرارة عن نقض العهود منذ تجربة أزهري الذي وعد بتحقيق تطلعات الجنوبيين في تحقيق الفيدرالية حتى عهد الانقاذ مع رياك مشار ولام اكول‚ وكلمنت هو زميل الدراسة للقديس ابل ألير صاحب القولة المشهورة عن نقض النخبة النيلية للعهود ! اللقاء المشار اليه كان باللغة الانجليزية ولغة كونغو كونغو (عربي جوبا)‚ وقد صاغ الحوار بالعربية الفصحى الاستاذ دندرا علي دندر رئيس مكتب الحركة الشعبية بالجماهيرية الليبية‚ هذا المكتب الذي لعب دورا اعلاميا تاريخيا في تعريف العالم العربي بقضية الحركة الشعبية عبر المواقع السودانية بالشبكة الدولية‚من هو النظيف السمح كلمنت امبورو؟ يلزمني تعريف العم كلمنت امبورو للقارئ غير السوداني‚ وللاجيال الحديثة من ابناء السودان فالسيد كلمنت هو أول جنوبي يجلس على كرسي «تنفيذي» سيادي في اول حكومة بعد ثورة اكتوبر 1964 برئاسة سر الختم الخليفة حيث شغل كلمنت منصب وزير الداخلية‚وصل كلمنت للوزارة بارادة جنوبية 100% ويروي مولانا ابيل الير في صفحة 27 من كتابه «جنوب السودان» كيفية اختيار كلمنت حيث يقول: «كان اساس الاختيار الكفاءة وقوة الخلق ولم يكن الوزراء الجنوبيين الذين تم اختيارهم للوزارة في الخرطوم عند تعيينهم‚ كلمنت امبورو كان في الفاشر‚ وأزبوني في كسلا‚ هلري لوقالي‚ وهو من اعضاء جبهة الجنوب‚ في الولايات المتحدة عند قيام الثورة التي اطاحت بحكم عبود‚وكانت غوردون مورتات في واد مدني‚ ولو يجي ادوك في جوبا وقد قامت باختيارهم جميعا اللجنة التنفيذية لجبهة الجنوب التي كانت مؤلفة حينذاك من السادة: غوردون ابابا‚ وداريوس بشير‚ وهلري ولوباري رامبا‚ وأزايا مجوك‚ وناتالي أولواك‚ وشخصي (ابيل الير)‚ ولم يكن احد من بين اعضاء هذه اللجنة قد سعى لدخول مجلس الوزراء او قبل الانضمام اليه الا هلري لوقالي»‚انتهى النقل من كلام مولانا ابيل الير‚من طرائف المثقفين السودانيين «في الجنوب والشمال» انهم كانوا حتى عهد مايو زاهدين جدا في الوزارة‚ وعلمونا القولة الشهيرة: «اذا استوزر المثقف فقد سقط»‚ خلفية هامة للدخول الى قصة مقتل وليم دينق اغتيال وليم لم يكن عملا معزولا وانما كان في اطار خطة محكمة كما يروي كلمنت امبورو في اللقاء المنوه عنه: كنا في طريقنا الى جوبا مع صديقي غوردون مورتات للتحري عن مجزرة جوبا يوم 11/7/1965‚ وقتها كنت رئيس حزب جبهة الجنوب‚ كالعادة هبطت الطائرة في واو للتزود بالوقود حتى تواصل طريقها الى جوبا‚ وفي مطار واو جاء مجموعة من أهلي لتحيتي‚ قال لي احدهم وهو يرتجف اتدري ماذا جرى امس هنا؟ لقد قام الجيش بتصفية كل ابناء المنطقة المثقفين‚ المجزرة تمت داخل الحفلة المقامة لابن السلطان سفرينو شير ريحان‚ احد سلطان منطقة قوقريال‚ ذهلت وصحت بأعلى صوت وبغضب شديد: ليس من مهمة الجيش قتل المدنيين الابرياء داخل المدن‚ بل مهمة الجيش حماية المدنيين‚ انتم يا ناس واو اخرجوا جميعا الى الغابة لحماية انفسكم من الجيش‚ وقتها كان المسؤول عن حامية واو اللواء الباقر الذي اصبح وزير للداخلية في عهد مايو وشارك في محادثات السلام في اديس ابابا‚ ثم ذهبنا الى جوبا وشاهدنا البيوت المحروقة والجثث‚ وعندما سألنا قائد الحامية اجاب قائلا: صدرت لنا تعليمات تقول الطريقة المثلى لحماية المواطنين من الانخراط في الانيانيا هي تصفية كل المثقفين المشاغبين بمن فيهم كلمنت امبورو نفسه للترهيب‚ تطبيق مبدأ «اضرب المثقف يخاف الجاهل»‚نفس المجزرة حدثت في ملكال‚ كل هذا يؤكد ان الحكام في الخرطوم لا يهمهم امر المواطنين في الجنوب بقدر ما يهمهم ثرواته‚ انتهى‚ المصيبة الكبرى هي ان هذه المجازر قد تمت على يد الجيش الذي يفترض ان يكون جيشا قوميا‚ يحمي التراب والعرض والارواح‚والأدهى وأمر هو أن هذه الروح الاستعمارية التي تستهدف فقط ارض الجنوب وثرواته الطبيعية ولا تبالي بانسان الجنوب على قول السيد كلمنت امبورو قد كانت في عهد «ديمقراطي» ثوري بعد ثورة اكتوبر‚ الحقيقة تقول ان الجيش القومي «المزعوم» لم يكن يعبر عن مصلحة الوطن والشعب السوداني بكل فئاته وأعراقه وثقافاته‚ وانما هو الاداة الاستعمارية لأبناء النخبة النيلية‚فالجنود الذين يقاتلون هم من ابناء الهامش لكن الضباط من ابناء النخبة النيلية‚ لقد كان الراحل المقيم يوسف كوة من أوائل الناس «خارج الجنوب» الذين ادركوا هذه الحقيقة‚ لذلك بادر بالاتجاه جنوبا للانضمام الى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق‚ثم من بعده ادرك الشهيد داوود يحيى بولاد هذه الحقيقة وهو من ابناء دارفور وقيادي بالجبهة القومية الاسلامية‚ ادرك ان النخبة النيلية تستخدم ابناء الهامش ضد بعضهم البعض من اجل ان تحكم هي لوحدها ودون غيرها‚ وما على الآخرين في الجنوب والغرب والشرق الا التبعية كأعواد الشطرنج‚ فانضم الشهيد يولاد للحركة الشعبية وتوجه الى دارفور عام 1991 بكتيبة من الحركة لتأسيس التمرد في دارفور‚ لهذا السبب بدأت بتحية النخبة المهمشة صاحبة الرؤية البعيدة التي لم يقدر لها ان تشهد «حسيا» التحول الذي يجري في السودان اليوم من فرز للكيمان وتمايز الصفوف حيث تحالف المهمشون في الجنوب والغرب والشرق لإنهاء الاستعمار الداخلي وتحقيق العدل والمساواة‚ كيف قتل وليم دينق ومن المسؤول عن قتله؟ هذا السؤال وجهه الأخ علي دندرا للعم كلمنت امبورو الذي اجاب بحسرة قائلا: ما زلت أذكر هذا الحادث حتى اليوم ولن يبارح مخيلتي‚‚ وها انت تعيدني الى ذلك اليوم المشؤوم‚ وقتها كنت في واو مشغولا بانتخابات عام 1968‚ وبالتحديد كنت في مباني رئاسة المديرية داخل مكتب محافظ واو كرم الله العوض نتابع التقارير السعيدة التي تأتي من غرفة احصاء بطاقات الناخبين‚ مفادها انني متقدم على كل المنافسين ومهما حصل‚ ان اقرب المنافسين لي لا يمكنه ان يزاحمني في الفوز بمقعد الدائرة‚ اثناء حديثنا سمعنا صوت طلقات نارية وأبواق تعزف ألحان النصر فوق سيارات الجيش التي تعبر كبري نهر الجور الى داخل مدينة واو‚ كنا مندهشين‚ماذا يجري هناك؟قالوا لنا انه طوف الجيش القادم من رومبيك‚ في اليوم الثاني بلغوني ان هناك شخصا يبحث عني اسمه الطيب الطاهر أرسله زميلي المحافظ كرم الله العوض ليبلغني انه ومدير البوليس وقائد الجيش غادروا الى رومبيك ليتحروا عن مقتل المرشح البرلماني وليم دينق وأن مساعد المحافظ يريد مقابلتي‚ قابلت مساعد محافظ واو فسألني سؤالا مباشرا: ما هو رد فعل الناس هنا في واو اذا علموا بمقتل السيد وليم دينق؟ اندهشت لهذا السؤال وقلت له: من تقصد بالناس في واو؟ قال لي الشارع‚ ثم اردف قائلا عليهم ان يعرفوا ان الانيانيا هم الذين قتلوا وليم دنيق‚ اندهشت اكثر لهذا الاستنتاج السريع‚تحركت وابن عمي الى مباني المديرية حيث حضرت اجتماعا طارئا عقده مساعد المحافظ ليبلغني رسميا ان وليم دينق قتل وان الوضع الامني في واو غير مستتب وشخصي مهدد بالقتل‚ هذا التقرير زادني اصرارا على معرفة الحقيقة بل ان اغادر واو‚ روي ابن عمي عثمان أونقانقا الذي كان سائقا لسيارة ضمن الطوف القادم من رومبيك قال: في ذلك اليوم كان طوفهم مغادرا رومبيك وسيارة وليم دينق في طريقها الى داخل رومبيك‚ وكان قائد طوفهم على علم بقدوم سيارة وليم دينق‚ لذلك عندما وصل الطوف الى كوبري ابيريو تخلف ومعه بعض الجنود والضباط‚ وأمر بقية الطوف بمواصلة السفر وانتظاره في منطقة شوبيت التي تبعد 12 ميلا من كبري ابيريو‚ قاطعت العم كلمنت سائلا: من هو قائد الطوف؟ اجاب العم كلمنت لا اعرف ثم واصل قائلا: حسب رواية ابن عمي ان قائد الطوف لحق بهم في شوبيت عند المغيب بعد ان انتهوا من عمليتهم‚وكان ذلك الطوف هو نفس الطوف الذي اشرت اليه في بداية هذه القصة‚ كان الجيش يحتفل اثناء دخوله واو بالنصر الكبير الذي حققه وهو مقتل وليم دينق‚ خلاصة القول ان الجيش السوداني هو المسؤول عن مقتل وليم دينق‚ ثم وقام ببث دعاية مفادها ان الانيانيا هم من قتلوا وليم دينق‚ هذه الرواية تحققت منها بنفسي من سجلات وزارة الداخلية عندما كنت وزيرا لها‚ وزيادة في التأكيد قال لي دفعتي محافظ واو كرم الله العوض بعد الحادث‚ ان صديقك وليم دينق ارتكب خطأ جسيما كونه رفض السفر تحت حماية الجيش السوداني‚فأرجوك لا تقع في نفس الخطأ حتى لا تلقى نفس المصير‚ بقراءة الحوار اجد ان العم كلمنت امبورو قد ادلى بشهادته للتاريخ‚ ومع ذلك اشعر بأنه لم يكمل شهاته‚ فليس كل ما يعرف يقال بل لكل مقام مقال‚ لقد تمت تصفية الشهيد وليم دينق جسديا رغم انه أول زعيم جنوبي يتحالف في برنامج واحد مع اصوليين شماليين فيما يعرف بمؤتمر القوى الجديدة بين حزب سانو وحزب الامة بقيادة الصادق المهدي وجبهة الميثاق بقيادة د‚حسن الترابي‚لم يشفع للشهيد وليم دينق توجهه الوطني «المتسامح» لدرجة انه تحالف مع القوى «الجهادية» من الاحزاب الشمالية ! ما هو موقف السيد الصادق المهدي من جريمة اغتيال وليم دينق؟ موقف السيد الصادق من جريمة اغتيال حليفه وليم دينق عام 1968‚ لم يختلف كثيرا عن موقفه بعد حوالي عشرين سنة من اغتيال وليم دينق‚ اعني حادثة الضعين في الديمقراطية الثالثة التي سجلها الاساتذة بجامعة الخرطوم‚ بلدو ود‚ عشارى في كتاب للتاريخ‚ لقد انحاز السيد رئيس الوزراء الى اهله «العرب» ضد الجنوبيين‚ وعجزت حكومته حتى عن اجراء تحقيق قضائي محايد‚ مصيبة النخبة النيلية انها تتعامل بعقلية انصر أخاك ظالما او مظلوما الجاهلية‚لقد وقفت قيادات الانقاذ تتفرج على المجموعة الامنية الانقاذية وهي تمارس الابادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور دون ان تأمرها بالمعروف وتنهاها عن منكر الابادة الجماعية‚ في ضوء هذه الحقائق الدامية هل هناك بصيص امل للتعايش وتحقيق الوحدة؟ لقد صرح ياسر عرمان في الخرطوم بأن 95% من الجنوبيين انفصاليون ! بالرغم من ذلك فان الامل معقود على تحالف المهمشين بقيادة الحركة الشعبية لبناء سودان جديد بعقلية جديدة لبناء سودان العدل والمساواة وللحديث بقية‚
للمزيد من االمقالات