مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

نهضة الهند وأسرار النجاح بقلم محمد يوسف حسن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/17/2005 6:44 م

محمد يوسف حسن
نهضة الهند وأسرار النجاح
قصدت بهذا المقال، وما سبقه من مقال حول الصين، التعرف على شركاء نهضتنا الجدد ولسبر غور امكانيات هؤلاء الشركاء، خاصة وان كانوا فى حجم النمور الآسيوية المرشحين لقيادة العالم اقتصاديا بحلول العام 2020، لتستفيد بلادنا الى أقصى درجة وهى ترتاد أول درجات سلم النهضة الاقتصادية.
ظلت الهند لقرون خلت منبع تجارة العالم تمده بتوابلها وعطورها وفنها السينمائى المميز وسحرها وجمالها وفنها المعمارى المتمثل فى قصر التاج محل وحديث التاريخ عنها فى قصص البحارة والمغامرين الذين قدم بعضهم من أوربا وهم يلتفون حينها حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح. وقد بهرت الهند الناس سلما فى دعوى غاندى والجموع تتقاطر حوله كيوم خروج يأجوج ومأجوج داعيا للتحرر والاستقلال من نير الاستعمار البريطانى، متاعه فيها قطعة ثوب متواضعة يستر بها بعضا من جسده وصوم يزيد الجسد النحيف خفة ورشاقة وهو يستعين بعكازته فى حركته الجماهيرية يطوف بها سريعا أرجاء شبه القارة الهندية.
الهند يقطنها مليار وثمانين مليون نسمة (ستة وعشرون مرة ضعف سكان السودان) ينتمون لثقافات ولغات وديانات متعددة. ويبلغ تعداد المسلمين وحدهم ما يقارب المائة وأربعين مليون مسلم. وتبلغ مساحة الهند ثلاثة ملايين ومائتان وسبعة وثمانون كلم مربع أى ما يزيد عن مساحة السودان بأكثر من الربع قليلا. لقد جعل أبناء الهند من بلدهم قبلة طموحاتهم لا بلاد الآخرين برغم الفقر وهذه الكثافة السكانية والكوارث الطبيعية التى فى كارثة تسونامى وحدها فى ديسمبر الماضى قتلت أكثر من 600 ألف مواطن هندى. ولكن لم يدفع هذا الحدث الفظيع أبناء الهند للتكدس فى المطارات أو الموانئ للهروب الى بلاد الآخرين ولكنهم التزموا بلادهم. ان الحلم بالنسبة للنخبة فى الهند هو ليس الخارج وانما بلادهم الهند التى بدأت تصحو من ثباتها وتتلمس مواردها وتستشعر نفوذها. فى زمان العولمة والماكينات الضخمة أفرزت صدمة التبادل التجارى نموا اقتصاديا للهند بلغ 6,8% وظلت الهند تحقق نموا فى حدود 6% منذ العام 1994 وهو رقم ظلت تلهث وراءه لثلاثين عاما ولكنها نجحت بفضل رؤيتها الواسعة واستحقت بذلك وصفها بقاطرة الاقتصاد العالمى. والهند كسبت الرهان فى تحقيقها هذه الطفرة الاقتصادية، وخلافا للصين، فقد آوت هذا التعداد الهائل من السكان تحت مظلة الديمقراطية. ان المعجزة الهندية متمثلة فى توحد السياسة والاقتصاد تشكل نموذجا حقيقيا بالنسبة لكل البلاد الناهضة أو التى فى طريق النمو. والهند برهنت على أن الفقر ليس قدرا محتوما، كما أن الديمقراطية ليست حكرا لبلاد الغرب دون سواها. بالطبع ليست كل الامور وردية فهناك بقعا سوداء، فعلى الرغم من التقدم السياسى فان طريقا طويلا فى الجانب الاجتماعى ينتظر الهند لتحقق فيه عدالة وهى مسألة الفقر فى بعض الأقاليم. ان رياح التغيير هبت على الهند بسبب انتشار تعليم وخدمات تقنية المعلومات (IT) حيث تمثل مدينة كارناتاكا بوابة ادخال الحداثة الى شبه القارة الهندية عبر هذه التقنية التى تمثل ثورة العصر والتى القت بعيدا بالهويات وجعلت الاتصال يتيسر بصورة غير مسبوقة بين الفرد والعالم، بين ما هو محلى وما هو دولى. ان الطفرة التى تشهدها الهند تولد على كل المستويات، لقد وضعت بصماتها على الممارسات الروحية وعلى الثقافة وعلى الدولة نفسها. والشباب بطبيعة الحال هم مضمار هذه النهضة، حيث تسلحوا بالعلم وهم الأكثر تأثرا بالمؤثرات الخارجية. وكما يكثر فى الهند عشاق ترويض الفيلة والثعابين فانها فى عصر تطور خدمات الانترنت أصبحت تجذب أمواجا من عشاق هذه التقنية الحديثة. وعلى الرغم من ولوج الهند المتأخر لاستخدامات الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) الا أن الاهتمام بهذا المضمار أصبح متزايدا بدرجة كبيرة، حيث انتشرت مقاهى الانترنت التى لعبت دورا كبيرا فى ربط الناس بالشبكة الدولية وأدى ذلك بدوره الى تطوير تصميم مواقع شبكة المعلومات الدولية والى انخفاض تكلفة تطوير برنامج الانترنت وهو احد عوامل الانطلاقة وجذب المستخدمين للشبكة الذين يتوقع بلوغهم ما يفوق الخمسين مليونا حتى الآن. وحسب آخر احصاء فان نسبة 55% من بين الشباب فى الهند يفضلون العمل فى نشاطات تتعلق بالشبكة الدولية للمعلومات من تصميم وخدمات الانترنت وكتابة محتوى صفحات الانترنت وادماج المعلومات والتجارة الالكترونية (e-commerce). وبذلك أصبحت متاجر خدمات الانترنت الهندية هى الأفضل فى العالم لأن الهند تقود خبراتها فى خدمات الانترنت بصورة ضخمة حيث لم تترك تصميم صفحات الانترنت للهواة فقط ولكن لخبراء مختصين وذوو دربة والمام. كما أن الذخيرة من هؤلاء الخبراء فى تزايد مستمرحيث ارتفع العدد من ألفى خبير فى عام 1986 الى 222,590 خبير فى بداية العام 2002. ان التعليم فى مجال تقنية المعلومات أقل كلفة فى الهند بنسبة ثمانية مرات مما هو عليه فى أمريكا. ويضاف لأسباب نجاح الهند أن خبرائها فى هذا الحقل يجيدون الانجليزية وكذلك يجيدها معظم الهنود مما جعل الكثيرين يفضلون العمل فى تصميم صفحات الانترنت. والحكومة الهندية وعيت مقدرتها فى تقنية المعلومات والاستفادة منها فى تطوير الاقتصاد. وقد ابتكرت عدة برامج لتشجيع وتحسين الصناعة. ونظام التعليم الهندى يعول بشدة على الرياضيات والعلوم وهذا ما يجعل المعماريين والمهندسين، الأكثر فى أساسيات التصميم، يفضلون العمل فى مجال تطوير صناعة تصميم صفحات الانترنت. المدير الاقليمى للبنك الدولى قال فى ملاحظاته حول مناقشة تقرير "الهند..تحديات التنمية فى عالم متغير" ان الهند اكتسبت شعورا كبيرا فى الثقة بالنفس لأنها أولا كانت تقوم بالمفاوضات التجارية نيابة عن الدول النامية ثم قامت بتسديد كل ديونها لصندوق النقد الدولى كما أن أصحاب الأعمال الهنود لديهم الرغبة والمقدرة للمنافسة الدولية. ولعب الهنود فى المهجر كذلك الدور الخاص بهم لأنهم فى مواقع ذات تأثير واسع عبر العالم.
والسودان بدوره يمكن أن يستفيد الكثير من الهند فى المجال التعليمى خاصة فى تقنية المعلومات التى هى أداة العصر الضرورية. ولكن كيف للسودان أن يجعل من ذلك برامجا محدد الزمن والأهداف. وفى هذا أقترح على وزارة التعليم العالى ومصالح الدولة المختلفة فى المركز والأقاليم أن تجعل لها حصة سنوية من الدارسين فى مجال الهندسة والرياضيات وعلم الحاسوب تبعثهم للهند للتخصص فى مجال الهندسة والاحصاء والبرمجة وما يتصل بهذا المجال يصرف عليهم من مخصصات بناء القدرات والتنمية حتى نشيد ركيزة من متطلبات النهضة لا تتم بالعلم النظرى ولا بالشح فى الانفاق على مستلزمات التنمية ولكن برؤية واضحة وبرنامج محدد..كم من الخبراء نحتاج فى هذا المجال وكم هى حجم المسؤوليات التى تنتظرهم؟ فان لم تكن الرؤية فى هذا المشروع النهضوى واضحة ومرتبة فان من تقوم الدولة بابتعاثهم والصرف عليهم سيجدون طريقهم الى اسواق العمالة فى الدول الأخرى. لماذا لا نستفيد من الهند فى مجال التعليم سواء فى فتح المؤسسات التعليمية الخاصة أو التبادل الثقافى والاستفادة من الاستاذ الهندى فى مدارسنا وجامعاتنا الشئ الذى كان يتم سابقا عبر الاستاذ الانجليزى. والاستفادة كذلك فى تدريب أساتذة اللغة الانجليزية الذين تدهورت مقدراتهم وأساتذة الحاسوب لخلق نهضة تقوم على العلم لا على المشاريع التى يمكن اجادة وصفها على الورق دون تحضير العناصر الضرورية الأخرى ومنها الخبير الذى هو مفتاح الابداع فى انزال الرامج والمشروعات الى واقع محسوس. والأمر لا يقتصر فقط على الدولة فى جهازها الرسمى ولكن هى دعوة للقطاع الخاص للدخول فى شراكات فى مجال التعليم الخاص وتقنية المعلومات لكى تنداح المعرفة وتتوسع شرايين النهضة. ان أكثر ما أضر ببلادنا فى تقديرى هو انشغال الكل بالسياسة. ولذا تجد لكل نظام يتبوأ حكم البلاد ضحايا، حيث المعلم والمهنس والصحفى والطبيب والأديب يتركون الوطن لينتشروا فى بلاد الله الواسعة حتى وان تغير النظام الذى يختلفون معه. وتصبح عودتهم متعذرة لأسباب المشاكل الأسرية كالتحاق الأطفال بالمدارس أو الوظيفة المغرية أو الوظيفة المشقية والتى ربما يراها أفضل مما ترك فى بلاده. وفى هذا يكون قرار الأطفال الذين لم يروا البلاد أو لم يأخذوا كثيرا من ثقافتها حاسما فى ايثار الأسرة البقاء فى المهجر. وبهذا يفقد الوطن كوادر مدربة وطاقات يمكن الاستفادة منها فى البناء لتضاف الى أهل السياسة. ان أكبر التضحيات أن يبقى أهل الاختصاص يقدمون الخدمات لشعبهم فى أحلك الظروف والاسهام فى اصلاح الحال بتجويد الأداء لا ترك الناس وايثار النجاة. وتجدنى أقول فى نفسى هل انشغال الكل بالسياسة وتركهم لأهم ما تعلموا من حرفة أو صنعة أو ما يشغلون من وظيفة يفيد الوطن كثيرا؟ حتى الطبيب يترك عيادته ويهجر بلده الى مصر أو أسمرا أو انجلترا! بالطبع للسياسة رجالها الذين ينشغلون بها ليل نهار ولا يجيدون شيئا غيرها فلماذا هذا التسييس فى حياتنا.. فى حافلاتنا وفى أفراحنا وأتراحنا. ألا يكفى أن ندلى بدولنا فيها دون الغوص حتى النخاع وترك المصالح والمتاع؟!!

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved