مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

من الذي يبيع الاخر في مزاد طرابلس بقلم سارة عيسي-السودان – أمدرمان

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/16/2005 9:48 م



من الممكن أن يكون أحدنا قد شاهد فيلم ( Civil action ) للممثل جون ترافولتا ، وقصة الفلم مستوحاه من رواية الكاتب ( جونثان هار ) ,اخرج الفلم ستيفن زيليان ، وتعود أحداث الفلم الي قصة أهل مدينة صغيرة قاموا باستدعاء محامي لامع من أجل أن يترافع عنهم في قضية تلوث مياه الشرب والتي أدت الي وفاة 12 طفلا ، وسبب التلوث أن شركتين قامتا برمي مخلفاتهما الكيماوية في مجري النهر ، وانتقلت هذه المخلفات الي مستوي المياه الجوفية المخصصة للشرب ولوثتها ، رفض المحامي اللامع قبول هذه الدعوي لأنه كما وصف نفسه بأنه محامي تعويضات ( injury lawer ) وفي هذه الحال يجب تحديد شخص المدعي عليه حتي ينزع منه التعويض ، وفي طريق العودة يتوقف هذا المحامي عند الجسر ويتأمل مشهد المياه وهي تجري تحت الجسر ولكنه عيناه التقطت مشهد حاوية لنقل البضائع مرسوم عليها شعار شركة كبيرة ، ومن هنا قرر هذا المحامي قبول القضية لأنه حدد هدفا كان يسميه ( white man at a prime of his life ) ، شخص أبيض قادر علي الدفع ذلك كل ما يريده ، ولكن هذا المحامي لم يكسب القضية رغم استعانته بفريق كامل من علماء الجيولوجيا ليثبتوا أن التلوث سببه هو المخلفات الكيماوية التي ألقت بها الشركتين في مجري النهر ، وتورط المحامي جون ترافولتا وفريقه في المزيد من الديون الي درجة أنهم رهنوا منازلهم وخسروا كل مدخراتهم المالية ، وفي الاخير توصل هذا المحامي الي تسوية مع الشركة المسببة للضرر يتم بموجبها دفع مبلغ 8 ملايين دولار كتعويض يخصم منها أربعة مليون دولار أتعاب المحاماه وباقي المبلغ يقسم بالتساوي بين أسر الضحايا ، ويجتمع جون ترافولتا مع أسر الضحايا ويعرض عليهم الصفقة ولكنه وجد منهم الرفض التام ، وعلل جون ترافولتا توصله الي هذه الصفقة بأنه خسر الكثير من المال ولم يعد قادرا علي مواصلة القضية فردت عليه المتحدثة باسم أسر الضحايا ( لا يمكن مقارنة ما خسرته بحجم ما ما خسرناه ) "How can you even compare what you've lost to what we have?" ، لأن هولاء الناس خسروا أرواح ا أطفالهم وأن خطر التلوث لا زال قائما وخرب حياتهم البيئية التي هجرتها الطيور والحيوانات البرية ، وقد نسي مستر (جان ) وهو اسم جون ترافولتا في هذا الفلم جملة وردت علي لسان المتحدثة باسم أسر الضحايا عند ما وافق علي تمثيلهم في القضية ، وهي ( أن كل ما أريده هو الاعتذار فقط )( All I want is an apology ) ، رفضت أسر الضحايا الاعتذار وغرق مستر جان ومكتبه في الديون ولم يتبقي له الا ما قاله هو يسجل اسمه لدي نقابة المحامين ( dollar quarter , portable Radio and buss ticket )، فقد المحامي ( جان ) كل ثروته ولكنه أستطاع أن يدافع عن انسانيته لأول مرة ، وهكذا نجحت الدراما في معالجة ما يعجز عنه الكتاب والقلم في فلم ( Civil Action ) ولنترك الان هذه المقدمة وان بدت انها ليست ذات صلة بالموضوع الذي أود التطرق اليه وهو موضوع أزمة دارفور والمطروح للنقاش الان في قمة طرابس برعاية العقيد القذافي .

لقد نجح أبناء دارفور في كسب تأييد المجتمع الدولي تجاه قضيتهم ، فلقد أجمعت دول العالم ومن خلفها منظمات العون التطوعي والانساني ممثلة في كيان الامم المتحدة أن ما حدث في دارفور اذا لم يرتقي الي مستوي الابادة الجماعية فانه يعتبر الفظائع الاوسع التي ترتكب في حق المدنيين العزل ، فدارفور أرض جرداء ولا تحيط بها موانع طبيعية مثال الجبال الشاهقة أو الغابات الكثيفة ، وهذه الخاصية مكنت الطيران السوداني من أحراق كل المنطقة من اجل محاربة خصومه من أبناء المنطقة الذين اعلنوا الثورة علي الظلم وحرب الابادة ، كان الموقف الرسمي العربي ضعيفا هذا اذا لم نقل أنه مؤيدا بالكامل من وراء الستار لسياسات النظام الاستئصالية ، فالجامعة العربية وصفت ما يحدث في دارفور بأنه صراع عادي بين المزارعين والرعاة ولكنها لم تشر الي عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة القصف الجوي الكثيف وهذا سلاح لا يملكه الرعاة ولا المزارعين بل تملكه الدولة المسيطرة علي الحكم ، نجح أبناء دارفور من انتزاع الاعتراف من أطراف المجتمع الدولي وهذا أمر عجزت الحركة الشعبية عن تحقيقه في خلال عشرين عاما منذ بدء النزاع في جنوب السودان ، فمجلس الامن الدولي هو الجهة الوحيدة التي نجحت في كبح رغبات النظام الانتقامية لأنه أصدر قرار منع تحليق الطيران الحكومي في بالمنطقة الا باذن من مجلس الامن ، ولولا هذا القرار لكان الملايين في عداد الموتي لأن النظام لا يأبه لحساب الارقام الفلكية عندما يشرع في ارتكاب المجازر ، لأنه يحارب من اجل ايدلوجية مسبقة تصور له أن ما يفعله هو حرب من أجل أعلاء كلمة الله ومحاربة الصهيونية العالمية ولا يهم في هذه الحالة كم عددا من الضحايا الذين سوف يسقطون طالما أن هدف الحرب مقدس ونبيل ، فرموز النظام الان خائفون من سيف العدالة الدولية ويسلكون الان طرقا وعرة من أجل النجاه ، وبلغ بهم ضيق الحال أن يتخابروا لصالح المخابرات الامريكية في سبيل أن ينجوا من المحاكمة ، ولذلك كان الجنرال (قوش ) في رحلة الشتاء والصيف الي مقر المخابرات الامريكية في فرجينيا يحمل معه أخر الاحلام بالبقاء في الحكم من غير أن يسأله أحد كم عددا من الضحايا قد قتل في دارفور ؟؟

وهذا ذكرني برحلة امرء القيس الي القسطنطينية وهو ينشد العون من القيصر من أجل مواصلة الحرب حيث قال :

بكى صاحبى لما راى الدرب دونه وايقن انا لاحقان بقيصرا
فقلت له لاتبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذار

ولكن كل هذه المكاسب الان معرضة للضياع والتلف لأن هناك طرف من أبناء دارفور قرر أن ينقلها الي منبر أخر ، وهو منبر القمة السداسية المنعقدة في طرابلس برعاية العقيد القذافي ، والجديد في هذه القمة أن بعض ابناء دارفور وافق علي قبض المال من خزانة العقيد كثمن للكارثة التي وقعت ، فأعطاهم العقيد مبلغ لا يسد الرمق وهو سبعة ملايين دولار واعطوه بالمقابل حق التكلم بأسمهم ، فالامر كله لا يعدو عن كونه صفقة متبادلة تمت بين الحكومة السودانية والتي سوف تحضر القمة بأربعة وزراء برئاسة المشير البشير وبعض أبناء دارفور الذين وافقوا علي بيع القضية بثمن بخس في مزاد طرابلس ، ونتيجة لذلك عاد تصلب المواقف مرة أخري لمفاصل الحكومة السودانية فها هي الان ترفض السماح للمستشاريين العسكريين الكنديين من مساعدة قوات الاتحاد الافريقي الفقيرة في المعدات ومكائن الاتصال ولكنها في المقابل توافق علي نشر عشرة الاف جندي أجنبي في جنوب السودان ، وهذا يعني ان النظام لا يزال يحمل حقدا علي أبناء هذا الاقليم وسوف ينتهز فرصة انشغال المجتمع الدولي باي قضية اخري حتي يعود ليكمل مسيرة القتل والمجازر التي انتهجها منذ بداية هذه الازمة ، والنظام يريد حرمان أهل دارفور من أي رعاية دولية تساعد في وقف العنف ومحاربة الفوضي ، وهو الان بصدد سحب القضية من مجلس الامن الي خيمة العقيد حيث تدار الصفقات الخفية علي حساب الدماء التي أريقت والانفس التي قتلت ، ليس الامر مرهونا بالمال الذي يدفعه العقيد مقابل الارواح التي فقدت ولكن ما نريده لا يزيد عن الاتي :

الاعتذار والاعتراف بالجريمة
التعهد بعدم تكرار ذلك في المستقبل
بناء البنية التحتية وبناء القري وتوفير الدواء والغذاء للمشردين وغيرها من الاشياء التي يحتاجها الناس
أما مسألة التعويضات فسوف تترك للسودانيين ونبل أخلاقهم ، فالشعب السوداني شعب متسامح والله عفو يحب العفو ويأنف اهل السودان من أخذ مال الديات ، ولكن النظام الي الان لم يقدم خطوه واحدة تجاه تلك المطالب الثلاثة التي أشرت اليها مع أنها ميسورة وسهلة التطيبق ولكنها صعبة علي النظام لأنها تمس بمبادئه المقدسة والتي تعتبر حربه في دارفور هو الحق بعينه أليس هم في حرب مع الصهيونية العالمية ؟؟ ، واذا قبلنا مضطرين لمبدأ قبض المال مقابل الانفس التي تقتل فهذا مبدأ يحمل أطنانا من الخطورة لأن الدولة سوف تستمر في سياسة القتل طالما أنها تملك المال الذي يسكت أفواه المطالبين بالثأر ، وقد لجأت الحكومة الي هذه السياسة مؤخرا فقبل أيام ذهب علي عثمان وفي معيته ابراهيم احمد عمر الي دارفور وهم يحملون زكائب من المال من أجل دفع ديات الذين قتلوا في هذه الحرب ، وقام الوالي عثمان كبر باخراج مسرحية هزيلة حيث نقل تلفزيون النظام صورا لبعض المواطنين وهم مصطفين من أجل استلام مبلغ الديات ، وكان مظهرهم اشبه بالذي يقطع تذكرة من أجل دخول دار السينما وليس مظهر شخص فقد حبيبا له في هذه الحرب ليقبض ثمنه علي عجل ويتواري بسرعة عن انظار الكاميرا التي كانت تصور المشهد ، انه ليس من شيمنا أن نتزاحم في الصفوف من أجل قبض ثمن قتلانا بهذه الطريقة التي فيها خسة واساءة كبيرة لأخلاقنا السودانية ، اننا ليس للبيع ولسنا معروضين في سوق النخاسة حتي يظهرنا الوالي كبر ونحن نزاحم بعضنا بعضا في الصفوف من أجل قبض ثمن الدية الرخيص والذي لا يزيد عن مليون جنيه ؟؟

وموسي هلال داعية الحرب ومجيش الجنجويد لم يفوت حظه ايضا من هذا السوق ، فقد عرض للناس أيضا مبدأ التزاوج علي سنة الله ورسوله ، ولكن ماذا سنفعل تجاه جرائم الاغتصاب المنظم التي قامت بها مليشيته ؟؟ وان النظام في الخرطوم يستفز مشاعر الناس عندما يعرض مجرم موسي هلال علي شاشة الفضائية السودانية وهو يقدم هذه الحلول الوقحة ، فالرجل قاتل ومطلوب للعدالة الدولية ومكانه السجن وليس اجهزة الاعلام السودانية والتي تصوره بالبطل الذي يملك زمام المبادرة في دارفور بفضل التسليح والمال الذي منحته له الحكومة .

وان ما يحدث في طرابلس هو نتاج عملية مصالحة بين المؤتمر الوطني وشريكه الشعبي بزعامة الترابي ، فقبل أيام قامت محكمة سودانية باطلاق سراح بعض المعتقلين من كوادر المؤتمر الشعبي والذين أتهموا سابقا بتدبير محاولة انقلابية من أجل قلب نظام الحكم ، فحتي الاحكام التي صدرت كانت مخففة وقابلة للاستئناف وهناك مجال للعفو الرئاسي وغيرها من المزايا التي يتمتع بها رموز المؤتمر الشعبي ، فالترابي خرج قبل أيام من اجل المشاركة في عزاء أحد اقربائه ، كما أقتص النظام من قتلة المهندس عصام البشير المحسوب علي المؤتمر الشعبي ، كل هذه المؤشرات تنبئ بقرب التزاوج من جديد بين الحزبين في القريب العاجل بعد طول البعد والشقاق ، فالمؤتمر الشعبي لم يجد شيئا خارج سرب السلطة وفقد الكثير من الرجال والاموال بسبب هذا التناحر ، فالعناصر الوحيدة التي ظل صوتها مسموعا من حزب المؤتمر الشعبي هم ابناء دارفور والذين ركبوا موجة هذه الازمة من أجل تشكيل ضغط علي النظام ومن بين هولاء د.علي الحاج و.خليل ابراهيم ، فهولاء كانوا علي رأس السلطة عندما سحل الطيب ( سيخة ) جسد الشهيد يحي بولاد في عام 1992 ، أن ما آمن الشهيد بولاد به قبل ثلاثة عشر عاما من الان لا يختلف عن ما نؤمن نحن به اليوم من قضايا تمس هذا الاقليم ، ان هذا الرجل الذي دهسته حوافر الجنجويد كان يحمل في جوانحه هم القضية وأنه مات واقفا ولم ينتظر الطائرات الحربية لتهدم الجدار فوق راسه .

واخشي أن يفعل العقيد مع أهل دارفور ما فعله قديما مع أهل فلسطين ، طلب العقيد من الفسطينيين رفض اتفاقية كامب ديفيد والتي كان بموجبها سينال الفلسطينون حكم غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية مقابل الاعتراف بالدولة اليهودية ، حرض القذافي اهل فلسطين وطلب منهم المجئ الي ليبيا بلدهم الثاني من أجل مواصلة النضال ضد العدو الصهيوني ، يقول المثل العربي :

( ضيعت البكار علي طحال )

وافق الفلسطينيون علي صفقة العقيد ورفضوا صلح كامب ديفيد ليجدوا أنفسهم بعد عشرين عاما مشردين في الصحراء المصرية بعد أن طردهم العقيد من بلده شر طردة والقاهم علي قارعة الطريق ، فقد الفلسطينون الوطن الام بسبب الوعود التي قطعها لهم العقيد وفقدوا الوطن الثاني ليبيا لأن وجودهم كان بمزاج العقيد والذي تعكر فجأة ليأمر برحيلهم ، والان هم في رحمة شارون الذي أستغل الفراغ الذي تركوه ليملأه بيهود أوروبا الشرقية ،فالعاقل من اتعظ من عمل غيره والجاهل من يتعظ من عمل نفسه .

وللحديث بقية

سارة عيسي

السودان – أمدرمان

[email protected]



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved