بعد إنتهاء الحرب الباردة، تحوّلت النزاعات المسلّحة من بين الدول إلى نزاعات أهلية داخل الدول، مما جعل المدنيين يشكّلون الضحايا الأساسيين لهذه الحروب ، ومعظمهم من النساء والأطفال. وقد أثرت هذه النزاعات على حق المرأة في المواطنة ومشاركتها السياسية ، فما زالت المرأة تعاني من عدم الموازنة ما بين النضال المطلبي العملي وما بين النضال الإستراتيجي للدفاع عن حقها في المواطنة و استمرارية مشاركتها في الحياة العامة.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المقال حق المرأة في المواطنة: تحديات وآفاق، ولقد دفعتني لكتابة هذا المقال أيضا تلك المناقشات التي دارت في الندوة النسائية التي إنعقدت في أوسلو في يوم الاحد 10 أبريل الماضي، والتي شملت المرأة في شمال وجنوب السودان وموضوعها حقوق المرأة وقيادتها ما بعد الحرب والتي نظمتها وزارة الخارجية النرويجية بالتعاون مع المعهد النرويجي للسياسات الخارجية وصندوق الامم المتحدة لدعم وتطوير المرأة. خاصة وأن المرأة السودانية كانت سباقة في المشاركة في العمل السياسي غير المنظم قبل بداية تعليمها في أوائل القرن العشرين وذلك أثناء نشوب الحروب الداخلية أو ضد الاستعمار حيث كانت لها مواقف في تأليف وإنشاد شعر الحماس ، ومداواة الجرحى وإعداد الطعام للمقاتلين ، وصناعة طبول الحرب، فأسست المرأة السودانية تنظيماتها مثل : جمعية إتحاد النساء الناطقات بالإنجليزية 1947، جمعية النهضة النسوية بالسودان 1952، الاتحاد النسائي السوداني1952، التجمع النسائي 1957، ، جمعية نساء السودان الشعبية 1959، رابطة المرأة الجنوبية 1964، الجبهة النسائية الوطنية 1964، ، إتحاد نساء السودان1969، جمعية بابكر بدري العلمية للدراسات النسوية 1979 ، جمعية رائدات النهضة 1983 ، رابطة المرأة الوطنية 1986 ، الإتحاد العام للمرأة السودانية 1990، مركز الجندر للبحوث والتدريب 1997، ... وغيرها ، وخلدت قيادات تاريخية أمثال: الدكتورة خالدة زاهر والأستاذة سعاد إبراهيم عيسى والدكتورة حاجة كاشف والأستاذة فاطمة طالب والأستاذة نفيسة المليك والأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم و الاستاذة نفيسة أحمد الامين والدكتورة فاطمة عبدالمحمود والدكتورة سعاد الفاتح البدوي وغيرهن ... الا أننا نجد حق المرأة السودانية في المواطنة مازال مهضوم، و مشاركتها في الشأن العام مازال محدود اذا ما قارناها بالمرأة النرويجية التي نجحت في أن تتبوأ مقعد الصدارة المتميز في المجتمع الاسكندنافي، حيث نجد أن مجلس الوزراء النرويجي يتكون من 18 وزير بالاضافة الي رئيس مجلس الوزراء، Kjell Magne Bondevik، ونالت المرأة النرويجية 8 وزارات من جملة 18 وزارة، ونالت المرأة أهم الوزرارات مثل: Kristin Krohn Devold وزارة الدفاع، Thorhild Widrey وزارة البترول والطاقة، Hilde Frafjord وزارة التعاون والتنمية الدولية،Laila Davoxy وزارة الطفولة والاسرة، Kristin Clemet وزارة التعليم والابحاث، Torild Skogsholm وزارة النقل والإتصالات، Erna Solberg وزارة البلديات، Valgerd Sarstad وزارة الثقافة والكنيسة.
تاريخية حق المرأة في المواطنة
تأتي فكرة المواطنة كمفهوم حديث مرتبط بنشوء الدولة القومية ، ولكن يمكننا أن نحلل هذا المفهوم من خلال التجربة التاريخية للدولة الإسلامية من عهد الرسول (ص) حتى العصر الحديث. ولكننا لا نود الخوض في دلالتها الجغرافية والمكانية أو المصطلحات من زاويتها الحقوقية والسياسية، أو نتتبعها عبر الحضارات السابقة على الإسلام مثل الحضارات القديمة "الفرس، البابليون، والفينيقيون" أو ما يطلق عليها الحضارات الشرقية، فالمجال في هذا المقال لا يسع لكل ذلك، ولكن يمكن القول فقط أن هذه الحضارات أعطت للرجل كل شئ تقريبا ونزعت من المرأة حق المواطنة. كما أن الحقوق في هذه المجتمعات كانت قاصرة على فئات معينة من المواطنين دون فئات أخرى. ولكن جاء الاسلام نصيرا للمرأة، فنجد أن مرحلة هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم وإرساء معالم الدولة في المدينة مرحلة حاسمة في تاريخ تطور مفهوم المواطنة، وذلك لظهور أول وثيقة مكتوبة تتناول أسس المواطنة في التاريخ العربي الإسلامي. وهناك أيضا إشكالية التفسير في وضع المرأة كمواطنة، وهى مرتبطة في وضعها من الناحية المدنية كما في مسألة الشهادة والولاية، ومن الناحية السياسية حيث الحث على أن تلتزم بيتها، وهنا تتعلق المشاركة السياسية بمفهوم المواطنة.
فقد يتفق الكثير من المهتمين بقضايا المرأة أن هناك حدود ترسم تتسع وتضيق وفقا لفتاوى العلماء وآراء الفقهاء وذلك حسب مدى وعيهم بالنوازل الحادثة في شأن المرأة ، والنظر الشرعي يؤكد أهمية الرجوع لأهل العلم في كافة القضايا الواقعة والمستجدة؛ لأن الشريعة جاءت وافية بمصالح المرأة ونصت على كثير من حقوقها وواجباتها الواقعة والمتوقعة. فمن الضرورة التمييز في قضايا المرأة وأحكامها بين القطعي والظني وبين الثابت والمتغير, وأعتقد أن الخلط بينهما زاد من ضراوة الاختلاف بين المتنازعين. والقاعدة: "لا إنكار في موارد الاجتهاد". يقول ابن تيمية: ( مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين). ومن المقرر شرعاً أن الأسلام بُني على اليسر ورفع الحرج وأدلة ذلك غير منحصرة يقول عز وجل : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ، ويقول عليه الصلاة والسلام : ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً)).ولكن المتأمل في حال كثير من فتاوى حق المرأة المعاصرة في المواطنة، يجد أن هناك نوع تشدد وتضييق يخالف مقاصد التيسير ورفع الحرج, وقد يكون السبب في ذلك: التعصب للمذهب أو للآراء أو لأشخاص العلماء, وهذا لا شك نوع انغلاقٍ في النظر وحسن ظنٍ بالنفس وتشنيع على المخالف والمنافس, مما يولد منهجاً متشدداً يتَّبعه الفقيه أو المفتي بإلزام الناس بمذهبه في النظر وحرمة غيره من الآراء و المذاهب؛ مما يوقعه وإياهم في الضيق والعنت بالانغلاق على هذا القول أو ذاك المذهب دون غيره من الآراء و المذاهب الراجحة.
يقول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: (( من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم))، فالشريعة الإسلامية شريعة تتميز بالوسطية واليسر ولذا ينبغي للناظرين في أحكام النوازل من أهل الفتوي والاجتهاد أن يكونوا على الوسط المعتدل بين طرف التشدد والانحلال، التوسط من غير إفراط ولا تفريط.
عالمية حق المرأة في المواطنة
أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدّولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية1966، والعهد الدّولي الخاص للحقوق السياسية والمدنية 1966، و
للمزيد من هذه الاخبار
للمزيد من هذه البيانات و المنشورات