ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
الحصاد المر : توثيق نضال الحركة الطلابية في التسعينيات بقلم ساره عيسي
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 5/15/2005 9:54 ص
لقد كتبنا في السابق عن الجراحات التي ألمت بالحركة الطلابية داخل جامعة الخرطوم وكيف أن النظام في الخارج قد استغل وجود تنظيم الاتجاه الاسلامي داخل الجامعة من أجل احداث المزيد من الثغرات و الخراب داخل جسد هذه المؤسسة العريقة ، وبعد تصفية الاساتذة وتشريدهم عن وظائفهم أعلن النظام ثورته التعليمية بقيادة البروفيسور ابراهيم أحمد عمر يعاونه المرحوم الزبير محمد صالح ، وهذا الاخير كان يتولي رعاية التعليم العالي ، كان تنظيم الاتجاه الاسلامي يتربع علي عرش اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بقيادة الدكتور التيجاني المشرف والذي حرص في الفترة الاخيرة علي اطلاق اسم ( رئيس حكومة الطلاب ) علي شخصه ، وكانت مجلة الجامعة التي يصدرها الاتحاد تزين صفحاتها بصور التقطتها عدسة تصوير مجلة الجامعة للتيجاني المشرف وهو يحتسي القهوة في القصر الجمهوري مع العميد عمر حسن البشير ، كان النظام متمسكا بنظرية أنه لا يمثل كيانا حزبيا من الذين كانوا علي رأس السلطة قبل نجاح الانقلاب ، والترابي ( عراب ) الانقلاب كان يتقاسم الخبز والغطاء مع رفقاء الديمقراطية داخل سجن كوبر ، وكان يحثهم بحذر شديد من أجل التعاون مع هولاء الضباط الوطنيين الجدد والذين أخذوا علي عاتقهم بناء دولة السودان وسحق حركة التمرد بقيادة العقيد جون قرنق . ونعود لثورة التعليم العالي من جديد حيث أعلن بروفيسور ابراهيم أحمد انطلاقة الشرارة الاولي لهذه الثورة وتمثلت في ما يلي : 1. زيادة الاستيعاب والقبول للكليات في الجامعة الي مستوي الضعف 2. الغاء التحويل من بنك السودان للطلاب الذين يدرسون في خارج القطر 3. ترشيد السكن والاعاشة ( وهذه كانت اخطر النقاط التي وردت في حيثيات ثورة التعليم العالي ) وكلنا نعرف ان التزام الدولة بدعم سكن الطالب واعاشته ساعد أبناء المناطق المهمشة من نيل حظهم في التعليم العالي ، ودعم السكن والاعاشة كان في يوم من الايام من القضايا التي كان يدافع عنها تنظيم الاتجاه الاسلامي ويعتبرها قضية دونها المهج والارواح ، ولكن بعد وصول جناحه العسكري الي السلطة قرر انهاء الحق وحرمان الاسر الفقيرة في السودان من حلم أن يتطلع ابناؤها للالتحاق بهذه المؤسسة العريقة ، أيد اتحاد التيجاني المشرف قرارات تصفية السكن والاعاشة من أول يوم ، ولجأ المرحوم علي عبد الفتاح الي تحليل الالفاظ التي تفوه بها الوزير وكان يقول ( أن الوزير قال ترشيد ولم يقل تصفية والترشيد هو الاستغلال الامثل لما هو متاح علي عكس التصفية التي تعني الالغاء ) ، كان ظاهر ثورة التعليم العالي الخير والنماء واعطاء المزيد من الفرص للطلاب ولكن باطنها كان يضمر حقد دفينا تجاه الجامعة لأن هذه الزيادة قابلها تخلي الدولة عن التزاماتها المتمثلة في توفير السكن والاعاشة ، والاتجاه الاسلامي في مناورة سياسية عمد الي استخدام ورقة لعب مغايرة عندما طمأن الطلاب القدامي بأن قرار الترشيد لا يشملهم بل يشمل فقط الطلاب الجدد ، فرفض الطلاب هذه الصفقة الخسيسة والمشبعة بالانانية وطالبوا أيضا بتثبيت حقوق الاجيال القادمة من طلاب السودان ، ومضي ابراهيم أحمد عمر في سياسته وأعلن تشكيل ما يسمي الان بالصندوق القومي لدعم الطلاب ، وشغلت وظائف الصندوق بمحاسيب النظام والذين تحولوا الي ملائكة رحمة لمن يؤيد الاتجاه الاسلامي وملائكة عذاب للذي يرفضه ، وتم نشر الاعلانات في الصحف وطلب من رجال الاعمال التبرع من أجل اسكان الطلاب الفقراء ، وتحول طالب جامعة الخرطوم من بين ليلة وضحاها من طالب يحظي برعاية الدولة واهتمامها الي مجرد شحاذ يسأل الناس أعطوه أو منعوه ، وطلب الزبير من لجان مساجد الاحياء أن توفر مظلات من الحصير وبعض الاسرة من أجل حل مشكلة الاكتظاظ الطلابي داخل الداخليات الضيقة ، وأصبح الامر برمته كأنه مهزلة ومسرحية يحيك خيوطها تنظيم الاتجاه الاسلامي ومعهم ابراهيم أحمد عمر . ولم تقتصر عملية التصفية علي طلاب جامعة الخرطوم فقط ولكن السياسة قد امتدت لتشمل مدرسة خور طقت الثانوية والتي صدر قرار بتحويلها الي معسكر للدفاع الشعبي ، كانت مدرسة خور طقت هي المعين الذي نهل منه أهل دارفور وكردفان والطريق الامن ليلتحقوا بالجامعات السودانية ، فتخرج من هذه المدرسة د.بشير عمر والبروفيسور محمد هاشم عوض وعدد كبير من اساتذة الطب والهندسة ، ولكن قرار تصفية موارد ابناء المناطق المهمشة كان قد صدر منذ بدايات الانقاذ ، فالبلد كانت في حاجة الي مسرح للحرب البغيضة وليس فصلا من أجل محاربة الجهل والامية ، تمت ايضا تصفية مدرسة حنتوب الثانوية ذات التاريخ العريق ومدرسة النيل الابيض الثانوية بالدويم ومدرسة خور عمر ، كل هذه المدارس كانت توفر المأوي والطعام والعلاج ووسيلة الترحيل لطلابها ، ولكن النظام أصر علي تصفية جميع المصادر حتي ولو كانت ثانوية . أنه يدهسون بعجلاتهم تراثنا وتاريخنا وموطن ذكرياتنا ولن يعرف أديبنا الطيب صالح من اين جاء هولاء الناس حتي ولو انتظر العمر كله . تم قبول الدفعة الدولي من الطلاب الجدد والذين طبق عليهم نظام الاعاشة الجديد ، هي دفعة الشهيد طارق محمد ابراهيم ، وهذه الدفعة كانت من اشرس الدفع النضالية التي حظيت بها جامعة الخرطوم ، فنتيجة للتدريب العسكري الذي تلقته هذه الدفعة في معسكرات الدفاع الشعبي في القطينة تمكنت من هزيمة الاتجاه الاسلامي وارغام كوادره علي المبيت خارج داخليات البركس ، ولاول مرة في تاريخ تنظيم الاتجاه الاسلامي وعلي الرغم من اعتماده علي جيش السلطة الذي يوفر له الحماية في داخل الجامعة يتعرض الي هزيمة ساحقة جعلتهم يتكومون داخل مسجد الجامعة بعد أن تم طردهم من الجامعة والبركس ، وسوف نعود لاحقا لسرد هذه التفاصيل المثيرة وقصة شعار ( كيزان فيران فزيتو ورميتو السيخ وجريتو ) . وفي خارج الجامعة كان د عبد الرحيم حمدي هو سيد الموقف الاقتصادي حيث أخترع ما يعرف بالبرنامج الثلاثي للانقاذ وهي السياسة الاقتصادية التي أوصلت السودان الي هذا الفقر المدقع ، ونجح عبد الرحيم حمدي ولاول مرة في تاريخ السودان في الغاء دعم الدولة للسلع الاساسية وهي السكر والخبز والدواء ، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تمادي وأعتدي علي أملاك المواطنين عندما أعلن سياسة أستبدال العملة ، ونجم عن هذه السياسة كساد في السوق وتردي في الحياة المعيشية فالاول مرة يعتاد السودانيين علي سياسة ( تقنين ) المال ،و بموجب هذه السياسة يحق للمواطن السوداني أن يتمتع بصرف مائة ألف جنيه من أرصدته الخاصة وباقي المدخرات تكون عهدة بطرف بنوك الدولة ، وقد أعطت الدولة نفسها حق الوصايا علي المواطن السوداني وتعطيه ( مصروف ) محدد من حر ماله الذي شقي من اجل أن يدخره ، وبرر د.حمدي هذه السياسة الغبية بأن الله قد أمر بها في قوله تعالي ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) ، أصبح كل أهل السودان سفهاء بنظر الوزير ويحظر عليهم استخدام مداخيلهم حتي يبلغوا سن الرشد ، وصدق المثل الشعبي الذي يقول ( التركي ولا المتورك ) . كان النظام متأثرا بالانظمة الشمولية في أوروبا الشرقية ، وبينما كانت هذه الانظمة تتهاوي بفعل الرياح الديمقراطية القادمة من الغرب كان نظام الجبهة في الخرطوم قد أعلن ضربة البداية من أجل بناء نظام مستبد علي شاكلة منظومة دول أوروبا الشرقية ، بني النظام عقيدته السياسية علي الدين الاسلامي وأعتبر أن كل الذين يعارضونه كفرة ومنافقين يندسون وسط المجتمع المسلم ، وكان حسين خوجلي وأحمد كمال الدين يصفون المعارضة السودانية ( بعناصر الطابور الخامس ) ، ونتيجة للدسائس التي تحيكها القوي الاستكبارية ضد السودان فرضت الدولة الدفاع الشعبي علي كل المتقدمين لطلبات الالتحاق بالجامعات السودانية ، ومن هنا عرفنا لماذا زادت الدولة من نسبة الاستيعاب للجامعات والمعاهد العليا ، لانها في الاساس كانت تريد وقودا يشعل فتيل الحرب القادمة ، كانت الجبهة الاسلامية تعتقد أنها تستطيع أن تؤثر علي تفكير هولاء الطلاب أو بما يعرف سابقا بغسيل الدماغ (Brain Washing ) وهذا الامر كان شائعا في دول أوروبا الشرقية حيث يتم تسليم النشء الي خلايا الحزب الشيوعي ليقوموا بتلقينهم مبادئ الشيوعية منذ نعومة أظافرهم ليصبحوا الطليعة التي تحافظ علي مبادئ الحزب في المستقبل ، نقل اتحاد التيجاني المشرف مكتبه الي معسكر الشهيد عيسي بشارة في منطقة القطينة وتم استجلاب اساتذة من الجبهة الاسلامية من أجل القاء المحاضرات والمواعظ علي الطلاب الجدد ، وكان من بين هولاء الوعاظ حسين خوجلي ود.التيجاني حسن الامين وياسين عمر الامام وغيرهم من جناح المحافظين داخل الجبهة الاسلامية . بالنسبة لجامعة الخرطوم وعندما تأكد الطلاب من صدق نوايا السلطة بأنها سوف تلغي نظام السكن والاعاشة عمدوا الي تاسيس ما يعرف بتجمع الروابط الاقليمية والاكاديمية ، وكان هذا التجمع هو بداية النضال من أجل استعادة مكتسبات الحركة الطلابية ، وكان من بين الطلاب الذين أشرفوا علي تكوين هذا الكيان كل من : 1- التيجاني زين العابدين 2- ابراهيم عبد الرحمن باخت 3- المحامي /محمد الحسن هلال 4- المهندس /النور جابر 5- اسامة محمد ادريس 6- د.محمد القرشي 7- الاستاذ / اسماعيل محمد علي وادي 8- المحامي / عبد الحليم وهو من أبناء دارفور 9- الاستاذ /فائز من كلية البيطرة 10- خالد اسماعيل ( خالد شيخة ) وهذا أحتفظ له بحكاية طريفة سوف أسردها خلال تناولي للأحداث وهناك عدد كبير من الجنود الاوفياء والذين خاضوا معركة استعادة مكتسبات الحركة الطلابية ، والذاكرة لم تسعفني باستحضار اسمائهم ، وقد مهد هولاء النفر لميلاد اتحاد الدكتور حاتم المهدي والذي قاد نضال الحركة الطلابية في أحلك الظروف السياسية التي مر بها السودان وسوف نواصل المشوار