عفوآ أنا لست ضد من يرون إستعادة الحق بالسياسة أو ما يطلق عليه إسم المفاوضات أو الطرق السلمية ولكن
هذا ما لا يتطلبه واقعنا الآن ، فقد بادرنا بالسلم وطالبنا بأن يكون الحوار لغة بيننا طالما أن مطالبنا هى كلها
بنائة وأساسية ترقى الى مستوى آدمية الانسان ، ولكن للأسف الذى تعودناه ، بخست أشيائــنا ولم ترفع
حتى مستوى الإعتراف أو الوجود ، فكانت النتيجة أن نوصف بقطاع طرق و صعاليكآ يتخبطون فى
طرقات السياسة وأزقتها (صعاليك دارفور) ، فلامجال لنا للتفاوض . . ولابد من هدم هذا البناء .. قالها
رئيس الجمهورية علانية بلا إستحياء . . بلاهدىً أوكتابٍ منير ، وحينما إكتمل البناء وأستطال على الهدم
وتعمق على الإجتثاث وصار أبناء دارفور كتلةَ واحدة متمسّكين بمطالبهم وقضاياهم الإقليمية والوطنية
و أصبحت البندقية لغةً تجبر بالنطق والإعتراف ، ساروا يلهثون وراء التفاوض يضربون الأرض بحثآ
عن الوسطاء ، بعد أن أدركو خطورة الأمر الذى ربما قديبعدهم عن نعيم هذه السلطة و يوقع
عليهم عقابــاً وسخطاً دوليــاً ، فكان لابد من التنازل والإنكسار.
وبينما كنت أطالع إحدى دواووين الشاعر الإنسان الأستاذ أمل دنقل ، الذى وصف بالشاعر المتّمرد لرؤيته
الجريئة إتجاه قضايا وطنه السياسية و الإنسانية والإجتماعية فى وقت لجأ فيه كثير من الشعراء إلى الهروب
من مواجهة الحقيقة و قضايا الإنسان العام ، لاجئين إلى المتافيزيقيا الشعرية فى زمن يحترق فيه العالم ، كان
الشاعر يرى فى (كليب) وإبن سيدنا ( نوح ) الذى رفض أن يركب السفينة وفضّل أن يبقى فى الوطن رمزآ
لشجاعة من قالوا(( لا)) فى وجه من قالوا(( نعم)) ، فإستوقفتنى هذه القصيدة الملحمية (مقتل كليب والوصايا
العشر ) التى نشرت بعد خطوة السادات فى توقيع إتفاقية ( كامب ديفد ) ، فقد جعل فيها من شخصية (كليب)
الجسد أو الوطن المحتِروق ، وكليب هو وائل بن ربيعة شقيق الأمير سالم الزير الملقب بالمهلهل ، فهو
لايريد أن يصالح أخاه على دِمه مقابل أن يرضى بالحياة أو الملك ، وقيل أنه حينما نظر’كليب حواليه و تحّسر وذرف دمعة وتعّبر ورأى عبدآ واقفآ فقال له:
أريد منك يا عبد الخير قبل أن تسلبنى أن تسحبنى إلى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير، لأكتب وصيتى لأخى سالم الزير، فأوصيه بأولادى وفلذة كبدى . . فسحبه العبد إلى قرب اللبلاطة والرمح غارسٌ فى ظهره، والدم يقطر من جنبه ، فغرس ( كليب) إصبعه فى الدم وخـــط على البلاط وأنشأ يقول
وهنا تبدأ وصايا كليب العشر:
لاتصالح
. . ولو منحوك الذهب
لاتصالح
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما . .
هل ترى . . ؟
هى أشياء لاتشترى .
أما اليمامة فهى كبرى بنات كليب التى ’يقال أنها رفضت الدية وكانت تقول أنا لاأصالح
حتى يقوم والدى و نراه راكبًا يريد لقاكم ..نجد فى أقوالها الإصرار على إعادة الحق فهى لاتريد سوى :
أبى . . لامزيد !
أريد أبى عند بوابة القصر،
فوق حصان الحقيقة،
منتصبآ . . من جديد
ولعل هذا يذكرنى ما يجرى الآن فى أرضنا من حرق. . وقتل. . وذبح . . وتشريد. . وإغتصاب وشتى
دروب التنكيل بالنفس البشرية . . وما يجرى أيضآ فى طاولات المفاوضات المختلفة ووسائل الإعلام
المحلية إتجاه قضينتا الأساسية ، بعد تلك المحاولات الفاشلة فى تعتيم الموضوع التعامل معه بضبابية وعرض مناصب و
وإغراءات باهظة لقياداتنا كصكوكاآ للغفران مقابل التخلى والتنازل عن هذه القضية ولكن نقول لهم مثل ما قال
كليب لأخيه:
هى أشياء لاتشترى
بقلم مصصطفى أبو الجاز
الدوحة_قطر
[email protected]