مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

في رحاب الدستور (1) الأزمة الدستورية: قصة الحلقة الشريرة بقلم إبراهيم علي إبراهيم /المحامي –واشنطون

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/14/2005 12:59 ص

في رحاب الدستور
(1)
الأزمة الدستورية: قصة الحلقة الشريرة

إبراهيم علي إبراهيم /المحامي
واشنطون

هذه المقالات نفردها لتبادل الأفكار وفتح الباب للتداول حول مفوضية الدستور والدستور الانتقالي، ونطمع في المزيد من المساهمات في هذا الموضوع الهام والحيوي.

في المأزق الحالي للخلافات والحوار الجاري بين الحكومة والحركة من جانب، وقوى المعارضة من جانب آخر، حول موضوع تشكيل مفوضية الدستور وصياغة الدستور الانتقالي والبدء في تنفيذ اتفاقية السلام السودانية، تتشابك الرؤى وتثور المخاوف في سباق مثقل بالهموم ومشوب بالحذر إلي ما يمكن أن تؤول إليه تشكيلة مفوضية الدستور، وتأثيراتها على الدستور الانتقالي، وعلى المستقبل الدستوري والسياسي لجمهورية السودان. وهنا تكمن الحاجة إلى سبر أغوار تجربة الماضي القريب لاستخلاص العبر منها، واستكشاف ما استبطن من المعرفة والفقه الدستوري التي ستلعب دورا في تحديد أقدار السودان القادمة.

في تاريخه الحديث شهد السودان العديد من الدساتير، ومشروعات الدساتير، وقائمة طويلة من الأوامر والمراسيم الدستورية المؤقتة، والمواثيق الدستورية، وعدد لا يستهان به من اللجان القومية الدستورية، ابتلى السودان في معظمها بعنصر التأقيت، مما قاد إلى عدم الاستقرار الدستوري الذي ظلت تعيش فيه البلاد واتسمت به الحياة السياسية، وحلقات من الفراغ الدستوري (دستور مؤقت-لجنة قومية-مشروع دستور دائم - دستور انتقالي- دستور مؤقت-مشروع دستور دائم...).

يعزي المؤرخ البريطاني "هولت" مشاكل السودان السياسية المتفاقمة والمتوارثة إلى استمرار هذه الحلقة الدستورية المفرغة نتيجة لانعدام الخبرة والمعرفة الدستورية لقادته السياسيين ونخبه الحاكمة. ولعل تتبع سيرة الأزمة الدستورية منذ منشئها قد يفيد في إثبات صحة هذه المقولة.

ترجع قصة البداية إلى قانون 1948 الذي قاطعته الأحزاب الموالية لمصر، ورفضها المشاركة في الدستور الجديد "قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية لسنة 1948"، رغم أن هذا القانون لم يكن القصد منه أن يصبح الدستور النهائي لجمهورية السودان، وإنما اعتبر خطوة في الطريق الصحيح للحكم الذاتي و وسيلة لتدريب وتأهيل السودانيين للحكم الذاتي.

ونتيجة لزيادة الشعور الوطني والحس السياسي والمطالبات العالية بمشاركة السودانيين في حكم بلادهم لتمهيد الطريق لتقرير المصير، بدأت الحكومة في عام 1951 في إعادة النظر في ذلك القانون والتدرج في مجال الإصلاح الدستوري. وكان تكوين أول لجنة سودانية لمشروع الدستور لسنة 1951 التي شكلها الحاكم العام، و رفعت توصيتها بتأسيس دستور للحكم الذاتي من نوع الديمقراطية البرلمانية، مضمناً فيه بالإضافة إلى الحاكم العام مجلس سوداني خالص للوزراء وبرلمان ذي مجلسين، وأن يعمل بهذا الدستور المعدل خلال المدة التي تسبق تقرير المصير، والى أن يتحقق هذا الهدف تكون جمعية تأسيسية قبل نهاية عام 1953م.

ظل العمل بدستور السودان المؤقت لسنة 1951 مستمرا حتى مطلع عام 1956، مع استمرار العمل بأحكام اتفاقية الحكم الذاتي لسنة 1953م، التي نصت على تمكين الشعب السوداني من "ممارسة حق تقرير المصير في جو حر محايد". وصدر الدستور المؤقت لسنة 1956م بعد أن أجازه مجلسي الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة. وكان هذا أول دستور انتقالي تجيزه الهيئة التشريعية لدولة السودان الحديثة باعتبارها جمهورية ديمقراطية ذات سيادة تشمل كل الأقاليم التي كانت يشملها السودان الإنجليزي المصري.

وبتاريخ 28/2/1956 أصدر مجلس الوزراء المنتخب قرارا بتكوين لجنة وزارية لتقديم توصيات عملية "لوضع دستور مستديم للجمهورية السودانية وقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية"، وأوصت اللجنة الوزارية بتشكيل لجنة قومية لوضع "مسودة الدستور" الدائم على أن تمثل فيها وجهات النظر المختلفة بقدر الامكان وذلك رغبة منها في أن يعطى كل سوداني الفرصة الكافية لإبداء رأيه في الدستور الذي سيكون أساس الحكم في البلاد، كما أوصت اللجنة بقيام جمعية تأسيسية لوضع دستور الجمهورية السودانية الدائم وإقراره. تكونت اللجنة القومية من (46) عضوا واستمر عملها لمدة طويلة وبلغت توصياتها خمس مجلدات كاملة، واستقر الرأي فيها على إقرار مشروع دستور السودان الدائم ورفعت توصياتها في ابريل 1958. وقد كانت هذه خطوة صحيحة في الاتجاه السليم لو قدر لها الاكتمال.

ولكن يبدو أن الصراعات الذاتية المستعرة بين الأحزاب لم تشأ للدستور الدائم أن يرى النور أبدا، وفضلت أن يحكم السودان بدستور 1956 المؤقت بدلا من المضي قدماً في إجازة مشروع الدستور الدائم لسنة 1956 الذي اخذ سنوات من المداولات، وتناوبت عليه العديد من اللجان الفنية، حتى ظهر فيما بعد باسم مشروع دستور 1958، الذي أجهض نهائياً ليصبح هذا النسق سنة تتسم بها الحياة السياسية السودانية.

وعلى اثر انقلاب نوفمبر 1958، قامت حكومة الفريق عبود بإصدار بعض الأوامر الدستورية التي سيرت بها عمل الدولة والحكومة، كما قامت بتشكيل لجنة قومية اشتهرت باسم لجنة ابورنات لإجازة نظام للحكم المحلي وذلك في عام 1961م.

وفي أعقاب نجاح ثورة 21أكتوبر تم تبني الميثاق الوطني لسنة 1964 الذي تمت صياغته على غرار الدستور المؤقت لسنة 1956. ومن ثم تم تبني دستور السودان المؤقت المعدل لسنة 1964 ليحكم البلاد أثناء الفترة الانتقالية، وتقوم بمقتضاه جمعية تأسيسية لوضع الدستور الدائم. وقد خضع هذا الدستور المؤقت نفسه لتعديلات خاصة بإدخال نصوص تتعلق بتحريم الإلحاد والترويج له وعدم الاعتقاد في الأديان السماوية. وقد كان من المقرر أن يتم العمل بدستور 1964 المعدل إلى مارس 1965 بعد إجراء الانتخابات لقيام جمعية تأسيسية يقع على عاتقها وضع الدستور الدائم وإقراره، ولكن لم يتم ذلك أيضا.

وفي بداية العهد الديمقراطي الثاني قامت الحكومة بتشكيل اللجنة الفنية للدراسات الدستورية في يناير 1966 وهي لجنة فنية شكلها وزير العدل د. محمد إبراهيم خليل للقيام بدراسات دستورية وتقديمها إلى اللجنة القومية التي أريد منها وضع مشروع للدستور الدائم. تكونت اللجنة الفنية من (9) أشخاص معظمهم من القانونيين، ثم تم تقليصها في ديسمبر 1966 بواسطة وزير العدل الجديد مامون سنادة لتصبح (5) أشخاص، ثم تم تعديلها مرة أخرى في يونيو 1967من قبل وزير العدل الثالث عبد الماجد ابو حسبو، بحيث أنيط بها صياغة مقررات اللجنة القومية. هذا إلى جانب اللجنة القومية لصياغة الدستور برئاسة د. مبارك الفاضل شداد، والتي تكونت من (29) شخصية حزبية، حددت لها مهمة صياغة الدستور الجيد. بعد أن فرغت اللجنة الفنية من أعمالها استمرت المناقشات داخل اللجنة القومية خلال الفترة من 22/11/1967- 10 يناير 1968م، وبعد خمسة أيام قدمت توصياتها للجمعية التأسيسية.

بعد صراعات وانقسامات حادة بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة حول الدستور شهدها عام 1967، ظهرت مقررات لجنة الاثني عشر الخاصة بالوضع الدستوري والإداري، ثم تقرير مؤتمر الأحزاب حول نظام الحكم، ثم ظهور مجموعة تدعو لتبني الدستور الإسلامي. وبتاريخ 22/7/1968 أقرت الجمعية التأسيسية اقتراحا بتعيين لجنة شئون الجمعية، ورئيس تختاره لجنة الدستور نفسها من بين أعضاء الجمعية التأسيسية أو غيرهم، على أن تكون مسودة الدستور التي تم وضعها في نهاية عام 1967 هي الأساس للمناقشة. وسميت اللجنة بلجنة مراجعة مسودة دستور 1967، على أن تقدم للجمعية التأسيسية في مدة ستة اشهر و ألا تزيد عن سنة. بالطبع لم يجز مشروع الدستور الدائم إلى انقلاب مايو 1969م. ومعروف أن مايو حكمت بسلسلة من الأوامر الدستورية إلى أن أجازت الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية 1973.

يلاحظ أن الأزمة ارتبطت دوما بعجز وفشل القوى السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية في إجازة الدستور الدائم للسودان. والجمعية التأسيسية من الناحية الفقهية الدستورية تنتخب مرة واحدة لإنجاز مهمة محددة هي إقرار الدستور الدائم للبلاد والنظام الأساسي للدولة وقوانين إدارتها (الدستور والتأسيس)، وبعدها تحل نهائيا والى الأبد ليحل محلها البرلمان. وكان من المفترض في الجمعية التأسيسية الأولى أن تؤسس دستورياُ لدولة السودان الحديثة بدستور دائم يضع النظام الأساسي لهذه الدولة الوليدة. إلا أننا عجزنا عن ذلك واستمرت الجمعية التأسيسية جمعية دائمة لا تؤسس لشيء، تطل برأسها من جديد كلما اقتربنا من التغيير وظهور مؤشرات عهد الانتقال الديمقراطي، دون تأسيس يذكر.

وتعكس قصة الجمعية التأسيسية مع الدستور قصة الفشل السياسي الذي لازم النخب الحاكمة حتى أصبحت معلماً بارزاً من معالم تاريخنا الحديث. ولعلّ المرحلة الانتقالية هي أهم مرحلة من مراحل التأسيس الدستوري للسودان القادم، وهي بذلك مكمن المصائب. فقد أخفقنا كثيرا منذ 1953 في عهد الانتقال الأول من الاستعمار إلى الحكم الوطني، و فشل الجمعية التأسيسية الأولى في مهمتها التاريخية. واستمرت هذه الدائرة الشريرة والحلقة المفرغة، فلم تنجز الجمعيات التأسيسية مهمتها الدستورية في كل المرات 1953، 1956، 1965 و 1985، واختلط حابلها بنابل البرلمانات. و شاءت أقدار السودان أن يدخل في هذه الدوامة من الفراغ الدستوري بصورة تؤكد إن فشل السودان يكمن في افتقارنا للمعرفة الدستورية وفقه بناء الدولة المطلوب توافره في القادة الوطنيين.

كذلك تعكس قصة الصراع حول إلغاء قوانين سبتمبر المشهورة قصة فشل دستوري آخر للجمعية التأسيسية والقوى السياسية كافة، حيث انشغلت الحكومة والمعارضة معاً في الفترة من 1986-1989 بإلغاء قوانين سبتمبر دون تكليف النفس عناء النظر في الأزمة الدستورية التي أنتجت هذه القوانين وأدت إلى هذا الصراع. فالبلاد كانت تعيش دون دستور حقيقي لذا اكتسب ذلك القانون الجنائي أهمية اكبر من الدستور نفسه، وانشغلت به القوى السياسية أكثر من انشغالها بأمر الدستور. إذ كان من الأجدى إجازة الدستور الدائم في المقام الأول ثم النظر في صلاحية القوانين الجنائية والمدنية ومدى ملاءمتها لذلك الدستور. هذه هي طبيعة الأشياء وترتيبها. ولكن شاءت القوى السياسية أن تلتوي على الصراط المستقيم وتسلك تلك الدروب التي خبرتها طوال العهود لإشعال النار والاحتراب السياسي الذي أدمنته. وهكذا فشلت آخر جمعية تأسيسية في إقرار دستور دائم للبلاد، في واحدة من أغلى الفرص للعهود الديمقراطية، وربما أخرها، لنيل شرف إجازة الدستور الدائم لجمهورية السودان. و تبقى الحقيقة المرة آخر قولنا وهي مثبتة بالتجربة والتاريخ وهي: أن لا أحدا كان راغباً في إجازة دستور دائم للبلاد، أو أنهم لم يفطنوا لأهمية ذلك مطلقاً، ولم يعو بها.

انتهى
إبراهيم علي إبراهيم المحامي
متخصص في شئون الكونجرس
واشنطون ،

* ملاحق للإطلاع:
الدساتير ومشروعات الدساتير السابقة:
- قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية لسنة 1948
- الدستور المؤقت لسنة 1951م.
- اتفاقية الحكم الذاتي لسنة 1953م.
- الدستور المؤقت لسنة 1956م.
- مشروع الدستور الدائم لجمهورية السودان لسنة 1956-1958م
- الميثاق الوطني لسنة 1964م.
- دستور 1964 المؤقت المعدل.
- تعديلات 1965-1966م
- مشروع دستور 1966-1967م
- تقرير مؤتمر الأحزاب 1967م
- قرارات لجنة الاثنى عشر بخصوص الوضع الدستوري 1967.
- مشروع الدستور الإسلامي مايو 1967 (مشروع أهلي)
- مشروع دستور 1968م
- دستور جمهورية السودان الديمقراطية الدائم لسنة 1973م.
- الدستور الانتقالي لسنة 1985م.
- دستور الإنقاذ لسنة 1998م

اللجان القومية للدستور:
- لجنة تعديل الدستور 1951
- اللجنة القومية للدستور 1956
- لجنة التطورات الدستورية 1961
- لجنة صياغة الميثاق الوطني 1964
- اللجنة الفنية للدراسات الدستورية 1966 (بتعديلاتها التي استمرت حتى 1967)
- اللجنة القومية للدستور 1966م
- مجموعة من اللجان القومية والفنية للدستور في الفترة 1966- 1968م
- لجنة الدستور الإسلامي 1968(لجنة أهلية)
- لجنة دستور مايو 1973
- لجنة الدستور الانتقالي 1985
- اللجنة القومية لدستور 1998



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved