قرأت مقالا للسيد الصادق المهدي في صحيفة سودنايل الالكترونية عن الفكاهة كان به من الطرافة والفائدة الكثير , ولا يمكن لمنصف ان يغمط السيد الصادق حقه او يبخس من نشاطه المتعدد الوجوه فالرجل من اميز السياسيين السودانيين في ثقافته الواسعة ولا يجاريه احد في نشاطه و (دينماكيته) , و المامه بعلوم الدين والدنيا , اتفقت او اختلفت معه . و اجدني مدين له فقد قام بعقد قران ابنتي المقاتلة الدكتورة اميرة علي المقاتل القائد كمال عبد الوهاب نور الدائم بشقة المناضل الكبير التيجاني الطيب بالقاهرة في حفل ضم جميع رموز المعارضة من شماليين و جنوبيين , وذلك قبل ست سنوات خلت . وها هو يتحفنا بجانب مشرق من شخصيته فله نصيب من تذوق الفكاهة و تعاطيها , وهذا يقودني الي الحديث عن بعض المتدينين وعن الذين يسمونهم رجال الدين فتجد الواحد منهم متجهما عابسا و (وشه لاعن قفاه) و كأنه اذا ابتسم او (فرد) وجهه يكون قد اثم او ارتكب ذنبا او كأنه كشف عن عورته !
و أمثال هؤلاء الناس يجعلون الحياة غير محتملة , ويضيقون وآسعا , ويعسرون ولا ييسرون و ينفرون ولا يبشرون , وهم من جهلهم لا يدرون انهم مخالفين لسيدنا رسول الله عليه السلام الذي يقول : ( يسروا ولا تعسروا , وبشروا ولا تنفروا ) او قال ما معنآه ان هذا الدين سهل فاوغلوا فيه برفق , وتبسمك في وجه أخيك صدقة .
و اورد السيد الصادق أمثالا من ضروب الفكاهات , ومنها النكات و الاقوال التي ينفس بها الناس عن ضيقهم و كربهم ويسخرون فيها من حكامهم , وحقيقة ما احوج الناس اليوم الي البسمة و الضحكة الصافية من القلب , فحيثما تلفت الواحد او استمع الي اذاعة او شاهد تلفازا صافحته و صدمته انباء الكوارث و الفواجع بفعل الطبيعة او بيد الانسان وصار المناخ اسودا قاتما كقلب الحسود ! ودعنا الان نتنقل بين بعض الفكاهات التي حدثت منذ عهد الاستعمار الانجليزي وحتي وقتنا الانقاذي الاستعماري الراهن , ففي عهد الجمعية التشريعية (1948م) , كان هناك نائب متيم الحب بالانجليز وهو عبد الكريم محمد , وقال ذلك العاشق : ( اذا خرج الانجليز من السودان فسوف نطير اليهم زرافات ووحدانا ) , و كانت هناك صحيفة اسبوعية صاحبها ورئيس تحريرها الاستاذ صالح عرابي , و كان قد افرد بابا ساخرا في الصفحة الاخيرة عنوانه (تلغرافات مستعجلة) فكتب فيه تلغرافا مستعجلا هكذا :
عبد الكريم محمد – طرف الجمعية
تطير ما ترك
الشعب السوداني .
ونجئ الي عهد الفريق ابراهيم عبود وتقول القصة ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة اجتمع برئاسة القائد عبود للنظر في امر منح مستخدمي الحكومة رواتبهم في منتصف الشهر وذلك بمناسبة الاحتفال بعيد ثورة 17 نوفمبر وهو تاريخ انقلابهم , واشتد الخلاف بين مؤيدين ومعارضين وحسم القائد الامر بقوله : والله انا شايف ما في داع للخلاف , فاذا جه (جاء) 17 نوفمبر في وقته كان بها واذا جه اول الشهر انتهي الموضوع .
وفي عهد حكومة السيد الصادق الثانية كان هناك انقطاع مستمر للكهرباء و الماء عشناه في العاصمة , وذات صباح عندما خرجت من المنزل شاهدت اعدادا من اطفال الحلة تتراوح اعمارهم ما بين الثامنة والتاسعة منتظمين في مظاهرة وهم يهتفون بنغم ولحن ( لا نور ولا موية – الصادق ككوية ) , وضحكت طويلا .
واما في عهد المشير المخلوع جعفر نميري وبعد ان عاد الي السلطة مرة اخري بانقلاب مضاد علي انقلاب هاشم العطا قام به صف ضباط سلاح المدرعات كافأهم النميري بترقيتهم الي ضباط , ولكن اجروا لهم امتحانا صورياً , فاعطوهم الاسئلة والاجوبة عليها ليستذكروها , وفي يوم الامتحان دخل أحد الممتحنين متزوداً ببخرة دسها داخل ( الكآب ) , وكان الترزي الذي يصنع ملابس وقبعات الجيش هو عابدين عوض , وجلس الرقيب الممتحن وخلع الكآب ووضعه أمامه , وأستلم ورقة الأسئلة , وكان أول سؤال فيها هو :
من هو آخر الأنبياء ؟ وأدخل صاحبنا يده في الكآب لاستخراج ( البخرة ) ونقل الأجابة إلى الورقة وكانت :-
هو عابدين عوض , فلقد أنتزع الرجل ( البادج ) المكتوب عليها أسم الترزي الصانع .
ونأتي إلى عهد الجبهة المتحدة ( الترابي _ البشير ) قبل الأفتراق .
فقد قال الراوي أن الشيخ الدكتور الترابي كان يصطاد السمك في النيل وبجانبه مواطن مسيحي , وكان المواطن يرسم علامة الصليب على صدره ويلقي بالسنارة في الماء ويخرج سمكة في كل مرة , والشيخ يهتف الله أكبر ويلقي سنارته وتخرج خالية , فغافل الشيخ المواطن ورسم علامة الصليب وقال الله أكبر ثم ألقى بالسنارة .
وقبل أستحواذ الجبهة على السلطة كان هناك عربجي برمج حياته على روتين معين وهو أنه يذهب بعد الأنتهاء من عمله إلى الانداية ويرتوي من المريسة وبعدها يرقد على عربة الكارو وينام ويترك العنان للحمار الذي يسير حتى يقف على باب داره . وبعد إنقلاب الجبهة حدث إنقلاب في سلوك الحمار وصار يقف أمام نقطة البوليس في كل مرة , ويأخذون الرجل إلى محكمة العدالة الناجزة ويقام عليه حد شرب الخمر ويجلد , وصار العربجي شخصية معروفة ومألوفة لدي شرطة النقطة , وأنقطع الرجل عن النقطة لمدة من الزمن والتقاه ضابط النقطة في السوق وسأله عن سر غيابه , فاجابه العربجي قائلاً : (( والله أصله خلاص بعنا الحمار الجبهجي )) .