مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

من هو الصحفي بقلم شوقي إبراهيم عثمان-ميونيخ – ألمانيا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/12/2005 11:09 ص

من هو الصحفي

سؤال غريب؟ أليس كذلك؟ خاصة أن الجميع يستطيع الكتابة. فنحن بهذا السؤال لسنا معنيين بالتوصيف الأكاديمي أو المهني إذ بالطبع أن كل من درس في كلية الصحافة والإعلام يمتهن مهنة الصحافة ويصير صحفيا، هذه لا شك فيها. ولكن لأن هذه المهنة قد يزاحمها الجمهور، والكل يمكنه الكتابة، تأتي هنا إشكالية من هو الصحفي، ولقد أثبت الواقع أن هنالك عشرات قد أحبوا الصحافة والكلمة المكتوبة وصاروا صحفيين رغم أنهم لم يدرسوا في كلية صحافة أو إعلام. ستكتشف أن لب العمل الصحفي ليست الكلمة المكتوبة فقط، بل ما تحمله الكلمة المكتوبة من معاني ودلالات. لأن الخبر أو المقالة أو الإعلان يحمل كل منهم فكرة. وعلى هذه النقطة الأخيرة يجب أن نركز، وعليها سنبني أطروحتنا من هو الصحفي.

عندما نقول فكرة، لا نقصد فكرة الصحافي المرحوم مصطفي أو على أمين، وحقيقة لا أذكر لأيهما، تلك "الفكرة" التي يكتبها في عموده اليومي، المغرقة في السذاجة. لكننا نقصد شيئا آخر. لقد أثبتت العلوم المعملية والدراسات الإنسانية أن عملية التفكير لا يمكن أن تتم إلا باستعمال اللغة، حتى قالوا – "التفكير"، أو "عملية التفكير" ليست سوى كلام صامت. إذن الحصيلة اللغوية للفرد، وقدرته على استعمال اللغة، وتحطيم القوالب اللغوية القديمة، أو الجاهزة، تؤدي إلى القدرة على التفكير الخلاق غير النمطي. ولا شك، أن حصيلتك اللغوية vocabulary تحدد بشكل ما قدرتك على التفكير.

ولكن، زادها الغربيون حبتين عندما وصلت أبحاثهم إلى ما يسمى باللسانيات العصبية neuro-linguistics، إذ درسوا نصفي الكرة الدماغية، وقشرتهما، والمراكز العصبية التي فيهما، وتحتهما ووصلوا إلى استنتاجات تقنية خطيرة في هذا المجال. فمثلا النصف اليمين للكرة الدماغية يتعلق بالقدرة على التخيل والخيال والتخليق، بينما النصف الأيسر بالعقلانية والتحليل العقلاني، الرفض أو الإيجاب..الخ. وهنا تصبح الكلمات أو الإشارات السلوكية الخارجية المرسلة نحوك مثيرات للنصف هذا أو ذاك. ولكن تخيل لو عطل أحدهم النصف الشمالي فيك، إذن يمكنه أن يقودك رغما عنك إلى ما يشتهيه وأن يقنعك بوجهة رأيه..مثلا. مثلا المحامي في مواجهة المحلفين والقضاة، أو السياسي الذي يخاطب في جمع ما، أو الصحفي الذي يكتب بتلوين ما..الخ.

بعد هذه الرمية، نستنتج أن الصحافة المطبوعة لها علاقة مباشرة بالتأثير في عقولنا، سلبا أو إيجابا، رغب الصحفي أم لم يرغب..الخ، لذا سموا الصحافة بالسلطة الرابعة. وقد يتخيل لبعض الصحفيين "أنه" أو "أنهم" شخصيا السلطة الرابعة، وهذه درجة من الغرور الأجوف، وإنما الصحافة المطبوعة أو الإعلام بالمجموع هي السلطة الرابعة، لأنها كمحصلة وفي مجموعها قد تؤدي للتأثير الجماهيري في اتجاه معين قد لا ترغبه السلطة التنفيذية أو الحكومات. فليس صدفة أن كممت حكومة الولايات المتحدة الإعلام الأمريكي المناوئ لبوش والدولي، وقد عاملت بعض المؤسسات الإعلامية المتحركة في الميدان معاملة عدو ولم تتردد في تصفيتها، أو قذف مقراتها بالصواريخ الراجمة، ولم تسمح بنشر سوى ما ترغب هي فيه.

ويحسن بنا أن نضيف النقطة التالية تكميلا للمعروف، إذ يندر أن يلاحظ الكتاب أو الجمهور الفرق ما بين العلوم الطبيعية والتطبيقية من جهة والعلوم الإنسانية من جهة أخرى. ففي العلوم الطبيعية والتطبيقية لا يمكن الكذب، يندر أن يكذب العامل في هذا المجال، فما أن يدعي الواحد منهم أنه أكتشف شيئا جديدا حتى يوضع تحت محك الاختبار، مثل الأدوية، أو العلوم الفيزيائية..الخ، وكذلك فأمنا "الطبيعة" هي بالمرصاد فلها قوانينها تكذب الغطاس، فلن يأتي أحدهم ويدعى أن التفاحة تسقط من أسفل إلى أعلى، لذلك يتمتع العاملون في هذا مجال العلوم الطبيعية بالحرية المطلقة في التفكير. ولكن خذ مجال العلوم الإنسانية، مثل الإقتصاد، والمجتمع والتاريخ، والإعلام..الخ يمكنك أن تكذب إلى يوم القيامة، ولن يكتشف كذباتك أحد، خاصة إذا كانت محبوكة حبكا جيدا - عندما تصغر الفجوة ما بين الحقيقة والكذبة، أو الحق والباطل. وكذلك –عكس ما يكون في العلوم الطبيعية- لا يسمح بالحرية الليبرالية في هذا المجال، تكمم الأفواه أو تصادر الأفكار، فخذ كيف أخذت البشرية قرون وقرون لكي تلغي الرق، وحتى من نادى بإلغاء الرق في تلك الحقب المظلمة أضطهد أو لم تؤخذ أفكاره بجدية – لأن الرق كان يجيب معه الثراء من خلال العمل غير المدفوع الأجر، كذلك، ستكتشف أنهم أعطوا العلوم الطبيعية كامل الحرية لأنها تزيد من الأرباح التجارية..!!

ما زال السؤال قائما من هو الصحفي؟ عندما نقول "أنه يجب على الصحفي أن يكون أمينا وصادقا" هذه عبارة حكم قيمة، لأن الأمانة والصدق قيمتان هن مطلوبات في هذه المهنة. وكذلك عندما تقول "الطبيب يجب أن يكون إنسانيا" أيضا هي حكم قيمة، لأن الإنسانية والرحمة قيمتان مطلوبتان في الطبيب. ولكن هل كل صحفي أمين وصادق؟ وهل كل طبيب أنساني وتعصر قلبه الرحمة؟ بالطبع لا. هنا إذن يجب أن نفرق ما بين ما هو حكم قيمة في ذاته والواقع العيني. فهنالك صحفي ربع أمين وآخر نصف أمين..الخ. إذن لكي يهذب الصحفي شخصه نحو الكمال، عليه أولا أن يفرق ما بين تناقضاته الذاتية وتناقضات المجتمع، وعليه ألا يحل تناقضاته الذاتية ويغلبها على حل تناقضات المجتمع أو الوطن – بتعبير آخر يجب ألا يبيع نفسه، وعليه أن يتجنب الوجبة المجانية.

أحتقر الوجبة المجانية: ما يقدم إليك من عطاء مجاني هو خطر – أنه يتضمن إما خدعة أو يستبطن واجبا مخفيا. ما له قيمة يستحق أن تدفع مقابله. بدفعك قيمة فاتورتك بنفسك تنأى بنفسك عن الامتنان، والشعور بالذنب والخديعة. ومن الحكمة دائما أن تدفع الثمن كاملا – فلن يشوب امتيازك شائبة. كن كريما بمالك ودعه يدور، فالكرم علامة فارقة ومغنطيس للقوة. هذا هو أحد قوانين القوة.

هذا القانون مطبق حتى في الحياة اليومية، فعرب الخليج لديهم مثل يقول : أطعم الفم تستحي العين. وقديما كان معاوية يوجب ضيوفه وجبة دسمة قبل أن يطلب منهم تسديد ثمنها سياسيا. وبما أن الصحفي أحد مفاتيح مهنته هي العلاقات العامة، عليه إذن أن يفرق بحسه الداخلي ما بين ما هو رشوة وما هو تقدير لشخصه، وعليه ألا يخلط ما بين خطين: خط احترام الذات self-esteem واحترام المهنة من جانب وما بين خط حب ورضا الآخرين عنه من جانب آخر. قد يسقط معظمهم في الخطأ عندما يتنازل أو يتهرب من قول الحقيقة لخوفه أنه سيفقد حب ورضا الآخرين عنه.

وهنا لدينا أمثلة: كتب الصحفي المحترم جمال عدوى أنه زار الكويت: "عبر رحلة لوفد من الصحافيين السودانيين دعتهم وزارة الإعلام الكويتية"، وهنا نقف قليلا لهذه الظاهرة..كيف نعرب هذه الدعوة من قبل وزارة الإعلام الكويتية؟ خاصة أن دولة الكويت مشهورة بالذكاء في تلوين الساحة الإعلامية إبان حروب الخليج؟ ألم يناقش برلمانهم بشكل مفتوح طلبات الأسئلة التي تقدم بها بعض الأعضاء عن تلك المبالغ المهولة التي كانت تدفعها وزارة الإعلام الكويتية كمرتبات (رشاوى) للصحفيين المصريين القاهريين وهم جلوس في كراسيهم في صحفهم المصرية؟ وماذا تعني هذه الدعوة للصحفيين السودانيين؟ ولماذا الصحفيين السودانيين في هذه الأيام؟ بالطبع، لا نحتاج أن نقول أن الدعوة هي رشوة لأنها فعلا هي رشوة، ولكن الأهم هي رشوة في سياق إستراتيجية تقريب ذهنية الصحفيين السودانيين للذهنية الخليجية. يقول أحمد الربعي وزير الإعلام الكويتي السابق في قناة الجزيرة في إحدى لقاءاته القديمة أثناء حرب الخليج: "كلما أقترب تفكيرك من تفكيرنا الخليجيين كلما قبلناك وانفتحت لك أبواب الخليج، وكلما أبتعد تفكيرك عن تفكيرنا كلما انغلقت الأبواب في وجهك وقطعنا علاقتنا بك". ومعنى كلامه هذا عليك أن تقبلهم كما هم، بقواعدهم الأمريكية والبريطانية، وحتى لو ذبح شعب العراق بكامله. إذن من يتعامل معهم يخسر دوما قلمه ويدجن بالتدريج ويصمت، ولا يستحق الذكر من يبيع نفسه فهو ساقط.

ولماذا نذهب زمنيا بعيدا، اليوم نزل هذا الخبر ويؤيد ما نقول: (يقول صاحب صحيفة المنارة العراقية أمس الخميس أن الكويت حظرت طباعة الصحيفة في الدولة الخليجية بسبب مزاعم بأنها تنتقد السياسة الأمريكية والبريطانية في العراق. وقال خلف المنشدي صاحب صحيفة المنارة أن وزارة الإعلام في الكويت أبلغته يوم الثلاثاء بأنها أنهت طباعة الصحيفة التي توزع في العراق فقط. وقال المنشدي الذي تطبع صحيفته في الكويت منذ تموز (يوليو) عام 2003 قالوا أن سبب الإغلاق هو أن الصحيفة انتقدت السياسة الأمريكية في العراق والجيشين الأمريكي والبريطاني هناك. وقالوا أن هذا يضر بعلاقات الكويت مع الولايات المتحدة وبريطانيا. ولم يتسن علي الفور الاتصال بمسؤولين كويتيين للتعليق. وكانت الكويت وهي حليف للولايات المتحدة نقطة بدء الحرب التي قادتها واشنطن ضد العراق وتستضيف ما يصل إلى 30 ألف جندي أمريكي. والكويت أيضا هي نقطة الانتقال الرئيسي للقوات الأجنبية التي تدخل العراق).

وبالمثل ما يفعله الإتحاد الأوروبي، أو إسرائيل (تدرب الصحفيين الإريتريين) أو الولايات المتحدة الأمريكية عندما "يدربون" الصحفيين الأفارقة، مثل برنامج الزمالة الذي يقوم به "مركز ستانهوب الإعلامي اللندني" من قبل "مدرسة لندن الاقتصادية" بالاشتراك مع جامعة ييشيفا اليهودية في نيويورك.

ولكي يتحصن الصحفي السوداني من هذه المؤثرات الخبيثة يجب على الدولة، والمجلس القومي للصحافة، ونقابة الصحفيين أن تحصن صحفييها. هذا التحصين يتركز في إعطاء الصحفي حقوقه كاملة، من مرتب، ومعاش، وتأمين صحي..الخ ولا يتركونه فريسة للحاجة والارتزاق من جهات خارجية أو أجنبية. لقد صدمت عندما فهمت أن معظم الصحفيين، ومعهم أيضا العاملين الفنيين في تخريج الصحيفة مثل مهندسي الحاسوب، والموظفين..الخ لا يتحصلون على مرتباتهم الشهرين والثلاثة! وهذه أزمة حقيقية، فإضافة إلى ما سبق قوله، إذا كان على هؤلاء أن يبحثوا عن لقمة عيشهم بوسائل أخرى غير ما "لا" يتقاضونه من مرتبات حتى يعيشوا فكيف إذن يمكن لهؤلاء متابعة ورصد الهجمة الإعلامية التي يشنها الغرب على السودان، وكيف يمكنهم وضع خطط مقابلة لها، وكيف يمكنهم تطوير المهنة..بينما هم يفتشون على ما يسد حوجتهم البيولوجية؟ قد تستهون الدولة، أو قد يستهون بعض الذين يجلسون في مفاصل الدولة بهذه المسألة ولا يدركون خطورة الأضرار التي تنشأ من هذه الوضعية.

فعندما يأتي تقرير ويقول أن الولايات المتحدة تضع ميزانية قدرها 21 بليون دولار في خدمة ماكيناتها الإعلامية تحت مسمى "حرب الأفكار" صممها باول فولفوفيتز من موقعه في البنتاجون وأيدته كوندوليزا رايس في أنها فعلا "حرب الأفكار"، يمكننا فهم قوة الريح القادمة. لقد أعدوا العدة لتغيير الإسلام نفسه.

لذا أقترح النقاط التالية لتجاوز هذه الأزمة بأن يؤسس كل العاملين في كل صحيفة على حدة بما فيهم الصحفيون والفنيين..الخ أي كل الذين يعملون بمرتب شهري، نقابة مهنية ومطلبية مستقلة مباشرة في مواجهة المالكين للصحيفة. هذه النقابات المهنية المستقلة لكل صحيفة على حدة ليست بديلة لنقابة الصحفيين الأم، ولكن الغرض منها أن تجلس مع مجلس إدارة المالكين للصحيفة لمناقشة كل شيء، بما فيه الدخل الكلي للصحيفة، سؤ التوزيع، تحسين الأداء، العجوزات المالية..الخ. يجب على المجلس الوطني (مجلس الشعب) والمجلس القومي للصحافة أن يضعا قانونا ينص أن الشركة الإعلامية أو الصحفية، "شركة ذات طبيعة خاصة" لا يمكن معاملتها مثل الشركات التجارية الأخرى. هذه الأخيرة من حق مالكيها أن يخفوا أرباحها السنوية عن العاملين..الخ، ولكن ليس شركة صحفية. "الطبيعة الخاصة" تأخذ مشروعيتها من الفهم العام القومي، إذ تعتبر الصحافة المطبوعة هي إحدى الجيوش القومية في الدفاع عن مكتسبات الشعب. لنتأمل كلمات المناضل الإسلامي أحمد بن بيلا: (كانت صوت العرب بشيرا بثورة الجزائر. ودورها في دعمها حتى النصر جليلا عظيما. وفضلها كبيرا في توحيد وتثوير وتعريب العمل من أجل الاستقلال. هناك شيء لم أذكره من قبل عن صوت العرب، وحدثت أخي جمال عنه. ففي اليوم الذي طلبت فرنسا المفاوضات معنا وحدثني الأخ جمال عنها جاء وزير خارجيتها، واتفقنا على أن يقدم كل طرف مطالبه، وتقدم الفرنسيون بعدة مطالب. تصورت أن يتصدرها وضع ال 2.5 مليون فرنسي في الجزائر، ومزارعهم وممتلكاتهم وكل الأشياء التي تخصهم. لكن فوجئت بأن الذي يتصدر حديثهم هو صوت العرب. كانت أكثر من جيش بالنسبة لهم.. كانت جيش يحارب...هي لليوم إذاعتي المفضلة. أذكر أن أول خطاب وجهته إلى شعبي في الجزائر كان من صوت العرب. كان بالعربية لكنه مكتوب بحروف فرنسية، فالعربية وكما قلت لك كانت ممنوعة).

فلا يعقل أن يقبض مالك الصحيفة، أية صحيفة، دخل الصحيفة ويحركه لأغراض أخرى لا تمت للصحيفة بصلة ثم يتهرب ويشوي الصحفيين والعاملين فيها على حديد ساخن مثل الكباب! بوضع فقرة في القانون التجاري أن شركات الصحف هي "شركات ذات طبيعة خاصة" تمييزا يضع مالكي الصحف على القضبان الصحيحة، وإن لم يعجبهم هذا القانون ليذهبوا ليستثمروا أموالهم في مجال تجاري آخر صريح. "شركة ذات طبيعة خاصة" ليست غريبة عن القانون التجاري فعلى سبيل المثال لا الحصر شركات الأدوية، يقول القانون أن الدواء سلعة ذات طبيعة خاصة لا يسمح لكل من هب ودب التعامل فيه، لا شراء ولا بيعا ولا إعلانا.

لا شك أن الأعداء المتآمرين على السودان، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، يقومون يوميا بعمل ما يسمى القصاصات الصحفية press cuttings وتترجم سفاراتهم تلك أو كل المقالات المهمة التي تنزل في السودان، يقيسون عليها الرأي العام. وعندما يكتشفون أن الرأي العام ضعيف من خلال ضعف العمل الصحفي، يمكنهم فهم كيف يتعاملون مع السودان وحكومة السودان. ولكن إذا كانت المقالات قوية، وراصدة لكل خطوة للتحركات الأجنبية بالتفصيل وإستراتيجياتها، وليست الخطابات العنترية بديلا لها، تجبن القوى الأجنبية في مواجهة السودان. إذن تقوية العمل الصحفي الإعلامي الداخلي بتقوية الدخل المالي لهم وتأهيل الصحفيين والفنيين تأهيلا وطنيا، ووقف تدريبهم في الخارج، يأتي على رأس العمل الإستراتيجي.

وبما أن "الإعلان" هو أحد أهم دخل للصحيفة، وللصحف عامة، تصيبني الدهشة أن صحيفة أو صحيفتين تستأسد بكل الإعلانات الحكومية أو الخاصة التجارية، بينما بقية الصحف لا تتحصل إلا فيما ندر. يجب إعادة النظر في هذه المسألة بشكل كامل. فمثلا لو أخذنا صحيفة الرأي العام سنجد أن الإعلانات تخنقها خنقا. ولقد فهمت بطريق غير مباشر أن المعلن قد ينتظر شهرا حتى يرى إعلانه النور. وتتهرب صحيفة الرأي العام من المقالات الطويلة لأنها تغلب المصلحة المالية حبا في الإعلان. وتفضل صحيفة الرأي العام المقالات القصيرة، وتعتبر المقالات الصغيرة مضرة ضررا كبيرا بحيث تخلق درجة كبيرة من التشتت بحكم العديد من الآراء التي قد تكون في كثير من الأحيان متضاربة في فهم أو تشريح الظاهرة أو الظاهرات التي تحيط بالسودان من كل جنب، وكذلك بالقصيرة تسعى الصحيفة إلى إرضاء العديد من كتاب الرأي وبالمجموع يهمها أن تزين صفحاتها بأكبر عدد منهم. هذا غير النقاط الأخرى، مثل "الاعتدال"، ويعنون بالاعتدال الرغبة في قدرة الصحيفة على اختراق دول الخليج أو مصر، إما حبا للتوزيع، أو الإعلان أو العلاقات العامة.

إذن يجب أن توزع الإعلانات الحكومية في شكل كوتات على الصحف. فمثلا الصحيفة الفلانية تأخذ إعلانات وزارة الزراعة والصناعة، وتلك وزارة التجارة..الخ ويصبح من المعروف، خاصة في المناقصات أو العطاءات، أن تلك الصحيفة هي التي معنية بالعطاءات المعينة، أو تلك بفتح الوظائف الجديدة..! أما الإعلانات الخاصة، التجارية وغيرها، فهي المشكلة، فمثلا، يمكن على الغرفة التجارية والصناعية أن تخلق التوازن المطلوب مع الشركات التجارية بتقديم دراسة إحصائية كل ثلاثة أشهر لفهم أين الميلان، وذلك باللجوء لأسلوب القصاصات الصحفية press cuttings للإعلانات التي فعلا نزلت، وعلى الشركات التجارية الخاصة أن تفهم أن هذا التوازن مطلوب وطنيا لصناعة وتأسيس صحافة قوية.

وبهذه الطريقة أيضا يمكننا أن نضرب على الفساد، فكما هو معروف، لا يخلو مجال الإعلانات من أسلوب حك ظهري kickback في كل المواقع وهم معروفون وينسقون مع بعضهم البعض ويخلقون شريحة مستفيدة على حساب القضايا العامة، مثل مجموع العاملين في الصحيفة، أو الصحافة بالمطلق.

فليس أقل إن لم يعمل بجميع هذه الأفكار أن يعمل كل العاملين في صحيفة ما –أية صحيفة- شركة توزيع يملكونها هم أنفسهم بأسهم متساوية، ولا يكون لصاحب الصحيفة يد في هذه الشركة..حتى يحسنوا من دخلهم المادي..بتوزيع صحيفتهم أولا التي يعملون فيها أجراء ولبقية الصحف أو أية مطبوعات أخرى ثانيا..وليتبارى إذن المتبارون!!


شوقي إبراهيم عثمان
ميونيخ – ألمانيا
[email protected]



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved