مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الحصاد المر : توثيق نضال الحركة الطلابية في التسعينيات بقلم ساره عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/11/2005 4:43 م

انتهت مجزرة ديسمبر 1989 بخيرها وشرها ، ونجا فيصل حسن عمر من سيف العدالة ، وبلغت به المكابرة والثقة بالنفس في أن يفكر بالعودة للجامعة ومحاولة الانتظام في الدراسة والمكتبه وقاعات الطعام ، ونسي ان دماء القتيل لم تجف بعد وان ثأر الشهيد بشير قد تضاعف بعد مقتل التاية وسليم أبو بكر ولكن ثورة الطلاب عليه جعلته يعدل عن هذه الفكرة المجنونة فهرب من الداخلية وطلّّّّّّّّّّّّّّق جامعة الخرطوم الي الابد ، وعرفت لاحقا أنه تزوج من احدي قريباته والتحق بسلك الدبابين ومات في حرب الجنوب ، ربما يكون فيصل حسن عمر بريئا من هذه الجريمة البشعة التي اقترفها اذا خطر ببالنا ان التنظيم هو الذي دفعه الي القيام بذلك العمل الاجرامي ، وفي هذه الحالة يكون فيصل حسن عمر مجرد ( أداه ) للجريمة والتي وقف من ورائها تنظيم الاتجاه الاسلامي وسلطته في الخارج والذين قررا وقتها أن ينفذ حكم الاعدام في الشهيد بشير الطيب ، لأن التنظيم والسلطة صنوان فما الفرق أن تقام له محكمة في خارج الجامعة أو داخلها طالما أن حكم القتل سوف ينفذ ، تم اغلاق ملف قضية الشهيد بشير الطيب ، وبالنسبة لقضية اغتيال الشهيدة التاية أبو عاقلة وسليم أبو بكر فقد قيدت ضد مجهول ولم تتوصل السلطات حتي تاريخ اليوم الي رسم صورة محددة عن القتلة المأجورين ، كل هذه الدماء التي سالت وخضبت جدر الجامعة والرصاص المنهمر من كل مكان ولا زلنا نجهل حتي اسماء الضباط الذين أصدروا الي جنودهم الاوامر بتصويب فوهة مدافعهم نحو صدور الطلاب ، أحتاج كوفي عنان الي خمسة عشر عاما ليعرف أن في السودان هناك ( حصانة ) تحمي المجرمين وتجعلهم يفلتون من يد العدالة ولكننا كنا نعرف ذلك قبله بأعوام كثيرة ، فالحصانة أنقذت قتلة كل من بشير والتاية وسليم من يد العدالة وكان ذلك قبل سن قانون محكمة روما أو تكوين المحكمة الجزائية الدولية ، ولقد نقل الاستاذ/ محمد طه محمد احمد موقف السلطة وهو كان يري ان وزير الداخلية المرحوم الزبير محمد صالح ليس سيد أحمد الحسين الوزير أيام الديمقراطية الثالثة ، فمحمد طه كان محقا ، فالسيد سيد احمد الحسين لم يكن جلادا وكان مكبلا بقوانين حقوق الانسان وتوفير الحريات لدرجة أن الجبهة الاسلامية أستغلت ذلك واعتبرته نوعا من الضعف ، فكانت مظاهرات الاتجاه الاسلامي تخرج بسبب أو من غير سبب من غير أن يردعها رادع ، وكلنا نذكر قصة حاج ماجد سوار مع عميد كلية القانون السابق الدكتور /علي سليمان ، قرر ّّّ حاج ماجد سوار ومن خلفه تنظيم الاتجاه الاسلامي تحدي قرار الكلية وعمدوا الي ازعاج الطلبة في قاعات الدراسة عن طريق استخدام مكبرات الصوت ، تم فصل حاج ماجد سوار ولم يكن القرار سياسيا ولكنه كان ضروري من أجل انتظام الدراسة كما أنه حاول أن يعتدي علي عميد الكلية وفي رواية قيل أنه أشهر سكينا في وجهه ، جعل الاتجاه الاسلامي من هذه الحادثة أزمة مثل قضية المسجد الاقصي ، فخرجوا الي الشارع وهم يدمرون كل شئ في طريقهم ، لم يطلب استاذنا سيد أحمد الحسين من قوات الشرطة أن تستخدم الرصاص من أجل حماية نفسها وحماية منشأت الدولة والتي تعرضت للخراب ، بل أنه منع الشرطة من استخدام الغاز المسيل للدموع وطلب منهم السماح للمتظاهرين أن يعبروا عن رأيهم ، لم يكن سيد أحمد الحسين جبانا أو تنقصه المقدرة علي اتخاذ القرار وقد رأينا شجاعته عندما وقف في وجه النظام ولم يهادنه الي تاريخنا هذا ورفض كل دعوات المساومة ، أنه رجل نادر في عهد كثر فيه شراء الذمم والمواقف ، تحمل الاستاذ سيد احمد حسين كل بطش النظام وجبروته وتحدي ألته القمعية ولم ترهبه بيوت التعذيب ، أنه أبن حواء السودانية الشجاع والذي لم يعرف يوما معني الانحناء للجلاد ، قال الشاعر :
سيذكرني قومي اذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وفي تلك الليلة غاب ذلك البدر عن السماء بعد أن حجبته سحب الجبهة الاسلامية السوداء ، افتقدناه وبكينا علي عهده بحرقة عندما رأينا الرصاص الجبان وهو يحصد الطلاب داخل حرم الجامعة ، عرفنا وقتها أن عهد التسامح في السودان قد أنتهي ، وان البلاد الان يحكمها وحش كاسر لا يتغذي الا علي دماء الابرياء ، ونعود الي الفارس الجديد المرحوم الزبير محمد صالح وكان اختلافه عن سلفه سيد احمد الحسين كاختلاف كالثري من الثريا ، الفريق الزبير كان لا يتردد في سفك الدماء من أجل اقامة الدولة الاسلامية ، وكان يقول بهذا القول الي ان مات (( فليمت ثلثي هذا الشعب من أجل بقاء ثلث واحد يقيم الدولة الاسلامية )) ، فكان المشير الزبير يختار الموت لخصومه وعلي طريقته الخاصة ولكن الموت باغته ليكون من رعيل الثلث الاول من موتي الانقاذ من غير أن تقام الدولة الدولة الاسلامية في السودان ، وما تمت اقامته كان مجرد مسخ بغيض شوه صورة الاسلام ، كان الرسول يرفض قتل الذين يخالفونه في الدعوة ويسأل الله أن يهديهم حتي لا يقال (( أنه النبي الذي يقتل أصحابه )) ، ولو بني الاسلام علي قتل المخالفين لما بقي أحد من بني أمية ولا حتي الصحابة الذين دخلوا في الاسلام بعد فتح مكة لقد خاطبهم بقوله الكريم :
ماذا ترون اني فاعل بكم ؟
فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم
فقال لهم عليه السلام ( أذهبوا فانتم الطلقاء )
كانت الجبهة الاسلامية متأثرة بفكر الحجاج بن يوسف في ادارة الدولة ولذلك لم تكن تتورع في سفك الدماء اذا كانت تؤدي الي تدعيم ثوابت الدولة الاسلامية ، وروجت الجبهة لفتاوي مثل ( من مات ولم تكن في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) وانه لا تجوز الثورة علي الحاكم المسلم حتي ولو كان ظالما ، بل أنها طلبت من الناس تحمل الظلم لأنهم سوف يثابون عليه يم القيامة ، ولكن لماذا لم يصبر بني العباس علي ظلم بني أمية وهم أدري منا بحكم قربهم من عهد النبوة الي مكانة الحاكم المسلم ، اشعل بني العباس ثورتهم ضد الامويين مستخدمين بما نسميهم اليوم ( أهل الهامش ) والذين كانوا من الترك والفرس وغيرهم من الاعاجم ، ولم يذم أهل السير والاخبار العباسيين علي فعلتهم ولم تعتبر ثورتهم ضد الامويين جريمة كبري تدخلهم أبواب الجحيم السبعة . ان الناس قد ملت من حكم الامويين وفظائعهم وان مائة عام من الظلم وهي فترة حكمهم كانت كافية باشعال فتيل الثورة من جديد ، وكانت هذه بداية الثورات ضد الحاكم المسلم .
ان الجبهة الاسلامية غرقت في التاريخ الاسلامي كما غرق محمد طه في كتاب المقريزي ونقلت لنا اسوأ التجارب في الحكم لننتهي في مظلة سلام نيفاشا من غير أن نعرف لماذا حاربنا ولماذا أرتضينا الصلح ؟؟ أن قرنق لم يعتنق الاسلام ولن يقبل بدفع الجزية كما كان يصور لنا اعلام ( ساحات الفداء ) ، وما حدث هو العكس ، فرضيت الجبهة الاسلامية أن تدفع من حر مال نفطها جزية تدفعها وهي صاغرة كثمن للسلام وكتعويض عن الخراب الذي أحدثته في الجنوب .
ونعود من جديد لمسرح جامعة الخرطوم لنسرد مسلسل الفظائع التي أرتكبت في حق الطلاب بعد نجاح الانقلاب ، لقد أيد اتحاد التيجاني المشرف الانقلاب من أول يوم ، والتيجاني في مجاراته لجو الانقلاب سمي نفسه ( رئيس حكومة الطلاب ) ، وكانت هذه بداية الكفر بالديمقراطية وشرعنة دولة الطغيان ، وأحتاط النظام من أجل التصدي للخطر القادم من بوابة جامعة الخرطوم والتي عرفت بارثها النضالي في مواجهة الانظمة المتسلطة ، ولكن هذه المرة صرنا نتعامل مع عدو يعرف اسرار الجامعة وخفاياها ، عدو أعد العدة لمواجهة اي أحتمال يرجح بفرضية الاطاحة بسلطته ، الاتجاه الاسلامي كان يغرد باسم الديمقراطية في سماء جامعة الخرطوم وبني كل مجده علي ارثها ونضالها ومكانتها المحترمة بين الناس ، نال الاتجاه الاسلامي كل ما يريده من جامعة الخرطوم وهي أصبحت بالنسبه له وهو في هرم السلطة مجرد خرقة بالية يتوجب حرقها قبل أن يستخدمها الخصوم ضده في اللعب ، تم اختيار ابراهيم أحمد عمر ليقوم بهذا الدور تحت اسم وزارة التعليم العالي ، وابراهيم احمد عمر والذي نسميه الان ( الغراب الهرم ) داخل حلقة الانقاذ هو خريج كلية العلوم ولكنه عاد مرة أخري لجامعة الخرطوم لينال حظه من التعليم للمرة الثانية فدرس بكلية الاداب من أجل التفلسف في مجال العلوم ، وابتعث علي حساب الجامعة الي الخارج ليعود لنا وهو داخل بدلة زرقاء ويضع قبل اسمه كلمة بروفيسور في الصغيرة والكبيرة ، وعاد المشير الزبير الي واجهة الاحداث مرة أخري ، ففي هذه المرة طلب من سعادته ان يكون راعي التعليم العالي ، وتمت اقالة مدير جامعة الخرطوم البروفيسور يوسف فضل وتعيين في محله استاذ البيطرة الدكتور مدثر التنقاري ، وبدأ حفل التصفية والقضاء علي الخصوم ، فتمت اقالة كل عمداء الكليات واستبدالهم باخرين موالين للجبهة الاسلامية ، وكانت قوائم الطرد والاحالة للصالح العام قد أعدت بذكاء وساوي الطرد من الخدمة بين الاستاذ المشارك ومساعد التدريس ، وهناك من وصله خطاب الفصل وهو في بيته وهناك من وصله بالبريد ، وخطاب الفصل الوحيد الذي سلمه مدير الجامعة مدثر التنقاري الي يد المفصول شخصيا كان للبروفيسور محمد الامين التوم .
من هو بروفيسور محمد الامين التوم ؟؟
هو احد اعلام السودان في مجال الحاسب الالي والرياضيات وهو يحظي بدرجة Associate Professor وقد كان اسمه يتصدر نشرات الجامعات العالمية في مجال الرياضيات ، وكان هذا الرجل وطنيا لأنه بقي في السودان وفضل أن يدفع ضربية الوطن في شكل علم ومعرفه لطلاب السودان ، وهو أحد المؤسسين لمدرسة العلوم الرياضية حيث جعل خريجوها لا يقلون درجة علمية عن رصفائهم خريجي الجامعات البريطانية ، لقد استلم بروفيسور محمد الامين التوم خطاب الفصل الاول ولكن التزاماته الاكاديمية والمتمثلة في الاشراف علي بعض بحوث طلبة الدراسات العليا جعلته يتأخر قليلا في اخلاء المكتب ، ولكن مدثر التنقاري لم تنقصه اليقظة فسلمه خطاب فصل اخر ممهور بتوقيع المشير الزبير او بما يعرف اليوم في دنيا المكاتب ب Reminder . هذه هو أسلوبهم في التعامل مع العلماء والذين كانوا فخرا للأمة السودانية ، ولقد عرفت من بعض الزملاء و العهده علي الراوي أن بروفيسور التوم يشغل الان منصبا رفيعا باحدي جامعات دولة قطر والتي أعادت اليه اعتباره وثمنت مكانته العلمية ، وهناك غيره من العلماء في مجالات مختلفة طردهم النظام من وظائفهم بسبب لونهم السياسي ولكنني لا استحضر اسمائهم ، كان طلاب الاتجاه الاسلامي يتجسسون علي أساتذتهم داخل قاعات الدرس لينقلوا الي مسامع السلطة كل كلمة صغيرة أو كبيرة يتفوهون بها ضد النظام .
كان النظام في نشأته مقلدا للثورة الايرانية والتي قامت بتطهير الخدمة المدنية من الاشخاص الذين كانوا موالين لنظام الشاه ، ويمكننا تبرير ما حدث في ايران لأنها كانت ثورة شعبية ضد نظام شمولي فاسد ولكن لا يمكن تبرير ذلك التطهير في السودان لأن ما حدث كان انقلابا ضد سلطة منتخبة بواسطة الشعب ، كما أن الجبهة الاسلامية لم تتعرض للاقصاء من الحكم أو من حرية التعبير فما يا تري من الذي دفعها الي تشريد أساتذة الجامعات ؟؟
هذا جزء يسير من تاريخ مليئ بالحقائق وهذا ما استحضرته وما دفن لا زال في طي االنسيان ، ولم يتم قتل بشير وسليم والتاية فقط أو غيرهم من أبناء الهامش بل قتل كل ابناء السودان عندما مد النظام اذرعه وعمق حرب الجنوب ، ولا اعني بكلمة الهامش المصطلح الذي يطلق الان علي غرب السودان وشرقه لأن السودان كله الان أصبح هامشا ما عدا رموز المؤتمر الوطني والذين يدورون في فلكهم ، هولاء الشهداء كانوا من أبناء الهامش لانهم ماتوا من غير أن نقتص من قتلتهم ، فالجرح أعمق من الكلمات التي تعبر عن النزيف الحاد ،
فالوحش يقتل ثائرا
والارض تنبت الف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر
ساره عيسي

[email protected]


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved