![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
الاسبوع الفائت اعدم «القتلة» ستة سودانيين بتهمة العمل مع الاحتلال‚ ولم تتحرك الخرطوم كما يمليه عليها ضميرها الوطني‚ قبل الاعدام وبعده‚ ولم تتحرك اي شخصية دينية في السودان‚ حتى ولو بمناشدة حيية‚ للمرجعيات الدينية في العراق‚ تلك التي ثبت عمليا اكثر من مرة‚ انها يمكن ان تتحرك وتتوسط لانقاذ الابرياء‚
لقد شهدنا جميعا‚ في حالات مشابهة كيف ان حكومات بأكملها‚ تتحرك وعلى اعلى المستويات‚ من اجل فرد واحد او فردين او ثلاثة‚ وشهدنا كيف ان كيانات المجتمع المدني كله تتحرك‚ وشهدنا كيف ان شخصيات تتحرك بمبادرات فردية‚ من اجل الانقاذ‚ غير ان كل ما شاهدناه‚ وشهدته الخرطوم ــ بالطبع ــ لم يعلّم الخرطوم شيئا‚ ولم يعلّم السودانيين على المستوى الرسمي‚ او المستوى الشعبي‚
هل اصبحت ارواح السودانيين‚ رخيصة الى هذه الدرجة المشينة من اللا مبالاة؟
السؤال‚ انطرح بشدة فيما كان الضحايا الستة‚ امام ستارة سوداء‚ ووراءهم من يشهر الكلاشنكوف‚ او يشهر البلطة‚‚ وهو ــ السؤال ــ انطرح بشدة‚ والستة استحالوا الى مجرد صور في الانترنت‚ تجسد القتل في ابشع صوره‚ وتجسد تلذذ القتلة في العراق بالدم البريء‚ وتجسد في الآن ذاته لا مبالاة السودان بأبنائه‚‚وهي لا مبالاة مشينة‚‚ومقززة في الوقت ذاته‚
الآن‚ يطرح السؤال بذات المرارة‚ والتقارير من العراق تتحدث عن اسر سودانية كاملة‚ استجارت ببعضها‚ في واحدة من مناطق بغداد‚ بعد ان تعسر عليها الرحيل‚ وتعسر عليها البقاء‚ في ظل القتل والترويع من الجانبين: جانب الحكومة العراقية التي تتهم السودانيين بدعم «القتلة»‚‚ وجانب القتلة الذين يتهمون السودانيين بدعم الاحتلال !
التقارير التي تتحدث من العراق محزنة: هذه الاسر ضربها الجوع حتى هشاش عظم اطفالها‚ وضربها البكاء‚ حتى جف دمع آخر امرأة مولولة‚ وضربها الخوف حتى آخر رجل صديد‚ ولا مغيث من سفارة السودان في العراق‚ ولا مغيث من الخرطوم‚ ولا مغيث من «معتصم» واحد من معتصمي آخر الزمان‚ في النظام الحاكم بأمر الله في ملتقى النيلين !
انهم يتحدثون عن السودان الجديد‚‚
ويتحدثون عن الدستور‚
ويتحدثون عن دولة المواطنة‚‚
و‚‚ و‚‚ في خضم كل هذا الحديث‚ الذي لا يقدم ولا يؤخر شيئا‚ في مصر السودانيين الذين ضاقت بهم السبل في العراق‚ يقفز اكثر من سؤال حار: اي «جديد» في السودان‚ والسوداني ما يزال ارخص من اي سلعة هامشية‚ سواء كان في السودان‚ او في خارج السودان‚‚ واي دستور‚ اذا لم يكن هذا الدستور محرضا في الاساس للدولة ان تقوم بواجبها ــ كما ينبغي ــ في حماية مواطنيها‚‚ وأي دولة للمواطنة تلك التي لا تهب مجتمعة‚ لاغاثة صرخة مواطن‚ واقالة عثرته حتى ولو كانت هذه العثرة بأرض العراق؟
السودانيون في العراق‚ ما يزالون بين ظلمين‚ يبكون ويستبكون‚ فمتى تسمع الخرطوم آخر البكاء؟
هاشـم كـرار
صحفي وكاتب عمود يومي في الوطن