ومهما يكن من أمر فأن البيان رقم (1) الذي أصدرته القيادة الثورية الميدانية للحركة في العاشر من ابريل الماضي والذي تضمن عزل الدكتور خليل إبراهيم محمد عن قيادة الحركة و تشكيل قيادة جماعية مؤقتة برئاسة المهندس محمد صالح حامد القائد الميداني، هذا البيان المثير تضمن اتهامات قاسية في حق القيادة السابقة وهو ما دفعنا للإتصال بمجموعة من أبناء دارفور الذين هم على صلة بالأحداث لاستجلاء الدوافع وراء هذا التحرك.
ولنبدأ بعبارة وردت على لسان قائد الانقلاب في مقابلة له مع سودانايل في 7\5\2005 حيث ذكر (أن الدكتور خليل إبراهيم نشأ في ظل نظام شمولي لا يقبل بالرأي الآخر) هذه العبارة هي المحورية لدى معظم من استطلعنا آراؤهم حيث أشاروا الي أن تنشئته السياسية ومرجعيته الفكرية وممارساته إبان عصر تمكين الإنقاذ ستظل عالقة بالأذهان إذ أضاف أحدهم بتهكم وسخرية (خليل ظل يهتف "هي لله هي لله" عقداً من الزمان ثم فجأة تحول إلى "هي لقرنق هي لقرنق") في إشارة لمبادرته الأخيرة لتكوين حكومة وطنية تحت قيادة قرنق، فمن أين له الصدقية أو شرف المعارضة؟ ألم يصف من قبل مبدأ المعارضة من الخارج بالخيانة؟ ألم يوصم القيادة الإرتيرية بالصليبية والصهيونية؟ وأين هو الآن إن لم يكن بأسمرا؟
.
إذن ماضي الدكتور خليل وارتباطه الوثيق بنظام الإنقاذ القائم وتكليفه خلال عقد التسعينات بمهام أمنية وجهادية خطيرة، هذا الماضي ظل يلاحقه باستمرار كشبح يانكو في رواية ماكبث لشكسبير لدرجة أن أية محاولة منه للتنصل تبدو وكأنها مجرد انتهازية سياسية لا قناعة حقيقية وصادقة، وللتدليل على هذه الانتهازية أشاروا إلى ركوبه موجة التمرد بدارفور وأدعائه بأنه الذي فجر الأحداث رغم أن الكل يعرف أنه و جد حصاناً مسرجاً فركب حسب تعبير الفريق إبراهيم سليمان وزير الدفاع الأسبق.
غير أن أقسي الاتهامات هي التي يتداولها أهل دارفور علي نطاق واسع في شأن الذمة المالية للقيادة السابقة، ومما يعزز هذا الاتهام هو الثراء المفاجئ والملحوظ للمقربين من عشيرته وهو ثراء لا يخطئه العين ولا يكذبه السمع علي حد قول أحد معارفه.
"هذه الحركة الإقليمية الوليدة والتي يقودها شباب مغمور يتحرك بإمكانيات أكبر وأوسع من إمكانيات التجمع الوطني الديمقراطي أو حزب الأمة حينما كان في المعارضة الخارجية حتى أن عربات الدفع الرباعي اليابانية لم تصل للمعارضة السودانية بأسمرا إلا بعد وصول العدل و المساواة" هذا ما قاله معارض سوداني مخضرم بأسمرا.
هذا الاتهام يقودنا مباشرة إلى الاستفسار عن الجهة التي تمول الحركة والثمن الذي على الحركة أن تدفعها في مقابل هذا التمويل وهو بالطبع ثمن يخصم من بند ومقدرات دارفور. القيادة السابقة حساسة جداً تجاه التطرق لهذه المسالة أو حتي مجرد السؤال وهو ما أشار إليه قائد الانقلاب عندما خلص الى توجيه أصابع الاتهام للمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي. من جانبنا لا نستطيع تأكيد ذلك إلا أن الذي لا يتطرق إليه الشك أن هناك جهة ما تمول الحركة بسخاء وفي ظروف الثورات التي تنعدم فيها الشفافية، يطل الفساد المالي برأسه.
ثمة ملاحظة أخرى لا يخفيها البعض و تتعلق هذه المرة بشخصية الدكتور خليل و قدراته حيث يشيرون الي أن الدكتور لا يتمتع بقدرات فكرية ولا سياسية معتبرة كما أن إمكانياته اللغوية متواضعة وقدرته على التعبير عن أفكاره وأهدافه ضعيفة وهو ذو شخصية ميالة دائما للعنف والصدام مما يرشحه لأن يكون مجاهدا بالدفاع الشعبيً لا قائداً سياسياً حيث الحنكة والهدوء، المختصر المفيد في هذه الجزئية هو أن الإختيار كان خاطئا لرجل خاطئ في مكان خاطئ.
من المآخذ الشائعة على القيادة السابقة هو أنه ورغم التمويل السخي والإمكانيات المادية الضخمة فإنها إخفقت في بناء وتطوير ذراع عسكري فاعل على الأرض، فالقوة العسكرية للحركة أقل من متواضعة مقارنة بالآلة العسكرية الكاسحة لصنوها حركة التحرير كما أن العدل و المساواة لم تخض معركة واحدة إلا وخسرتها ولا تسيطر علي شبر واحد من الأرض تستطيع إدعاء تحريرها، و لتغطية ضعفها العسكري ركزت على الساحة الإعلامية والدولية بانتهازية مخجلة حتى أن الدكتور خليل صرح لدى جريدة الشرق الأوسط بأن حركته أكبر حركة بدارفور بل و ذكر لدى الفضائية الارترية أنه يمثل 80% من الشعب السوداني و هو ادعاء لا يصدر من شخص متوازن يحترم عقل مستمعيه وبالتالي لا يحتاج منا لتعليق.
إفتقار الحركة لقاعدة جماهيرية بدارفور خصوصاً في أوساط المثقفين وفشلها في إستقطاب جمهور من خارج قاعدة الجبهة الإسلامية يطرح شكوكاً عميقة حول مستقبل الحركة، إذ يلاحظ أن الحركة تعتمد على عدد من مثقفي دارفورلا يتجاوزون أصابع اليد والذين هم بدورهم كوادر سابقون للإنقاذ ممن إدعوا خروجهم عن عباءة المؤتمر الشعبي.
أيا كانت الاتهامات والتي قد تكون حقيقية أو مغرضة فأن النتيجة العملية هي أن الحركة قد أصبحت أكثر ضعفاً من ذي قبل أن لم تكن قد خطت الخطوة الأولي في رحلة التلاشي.
هناك ثمة خيارات أمام الحركة يتعين النظر إليها بعين الاعتبار:-
1- قيام جهود وساطة لرأب الصدع و إعادة المياه لمجاريها وتوحيد الحركة من جديد وعلى أسس جديدة .
2- أن تكشف الحركة عن قناعها ووجهها الحقيقي بأن تعترف علي أنها ذراع عكسري لحزب آخر وتعود الي عباءة ذلك الحزب.
3- إستمرار تواجد حركتان بذات الإسم تحت قيادتين أحدهما ميدانية تسيطر على الأرض وأخرى سياسية في الخارج إلى أن يحسم أحدهما الصراع لصالحه.
4- قيام حركة التحرير بوضع حد لتواجدهما وتأكيد سيطرتها الميدانية علي الجميع.
4- أن تستبق أحدى القيادتين الآخر والدخول في عملية تسوية سياسية مع النظام القائم.
د. مجدي أحمد السنهورى
ملبورن – استراليا
8/5/2005