بقلم: احمد الحسكنيت [email protected] Email:
من المتعارف عليه أن العمل الدبلوماسي في جوهره وصميمه ، توطيد وشائج التقارب والتفاهم ، وتبادل المصالح بين الدول والشعوب بشكل متماثل ومتكافي (على الاقل معنويا وأدبيا) . وفي جانبها الاخر النظر باهتمام وعناية لمشكلات ومتطلبات رعايا الدولة في بلاد الاغتراب، وتظليل مايعتريهم من صعاب وتصاريف الاقدار ، وتوفير الحد الادنى من الرعاية والعناية لهم واسرهم .
ولكن بالنسبة إلى الحالة السودانية .... فيمكن وصف السفارات بأنها أوكار تمارس فيها سياسة موظفي وزارة المالبة في جباية الضرائب المدونة خارج الميزانية الرسمية للدولة ! (يعني دون اورنيك مالي15) وبعض من سياسات إدارة السجون ومخافر الامن التي توقع عليك عقوبة الحضور بين الفينة والاخرى للتوقيع على سجلاتها الصفراء ... بأنك مازلت على قيد الحياة ولم تحرر لك شهادة الوفاة بعد ......!! وبموجب هذه العناية الفائقة ! فانت مطالب بدفع فاتورة التمتع بهذه الحياة .... واستنشاق الهواء ...!! فوثائق السفر السودانية (وأقصد الجوازات "دفاتر السجل الضريبي للسودانيين") ، مدتها عامين تنتهي على إثرها مفعولها كما استمارة السيارة في دول الخليج ...!! وعليه فانت مرغم لزيارة المسجل الضريبي ((السفارة)) أينما كنت لتجدد هوية الانتماء الضريبي ودفع بعض أتاوات السمسرة ...والفضائية ... وشريان الشمال .... وحفرة الرهد وكنانة .... !! ومسميات شتى ما أنزل الله بها كتاب ولاخطرت بعقل جان ... لوطن أضحى ضيعة خاصة لمنظري المشروع الحضاري ... وسماسرة البورصة والمضاربة ...!! وقبل هذا وذاك مرتعا ومزرعة خصبة للجلابة لتحسين الاحوال .. والتسلط على رقاب العباد .
أما الدبلوماسيين السودانيين فكانهم خريجي أكاديميات التسويق التي تخرج مندوبي المبيعات وسماسرة البورصة !! عوضا عن الاستجداء والتدليس ..!!
إن دبلوماسية الاستجداء والتدليس كانت تفلح عندما تكون الكوارث بلون العروبة ... من فيضانات الشمالية... وقحط بالشمالية ( يسمونها تلطفا فجوة غذائية ....إلى تعثر حمار الحسانية .... فتتبعها تنمية مرافق ومطارات وطرق ...!! إلى مليارات سد مروي ..!! ويتضاءل هذا الجهد الدبلوماسي وتضمحل الموارد والاعانات العربية والاسلامية وقبلها تجف مواعين الدولة ..إلى درجة الشح والعدم .. عندما تدور نوائب الدهر وخبائث النظام العروبي على جنوب السودان .. وجبال النوبة ... ودارفور ..!!
لان أعين هؤلاء الدبلوماسيين تقرأ سطراً وتتخطى سطراً ، وأفئدتهم تتلو كل الكتاب وتنسى سهواً أية (الأعراب أشد كفراً ونفاقا) ...
تستحضر ذاكرتهم كل المواقف ... عدا موقف المساوة والايمان (يا أيها الذين أمنوا إن خلقناكم من ذكرٍ وانثى وجعلناكم شعوبا ...)
تستنكر ممارسات الاسرائيليين ... وتستلطف غوغائية نظام الخرطوم وهمجية الجنجويد استرضاء للعروبة واعلاء للاسلام ..!!
**
من المؤسف حقا إستجابة بعض الدول العربية والاسلامية لدبلوماسية الشحتة والاستجداء العروبي الاسلامي ، وتناست عمدا وغطرسة إستغاثات المقهورين وتجاوزات الانقاذ الشيطانية بحق الانسانية التي تمقتها كل الاديان والاعراف ، وتستبراء منها الشعوب قاطبة .
إستمسكو بالعروبة ... مناً .. وأذى ... وكبرياء .. فاستحقروا واستسخروا شعوب السودان المختلفة ..!! فاستمسكنا بما فطرنا عليه الرحمن بهذه السحنات والقسمات ... والعرقيات .. وتسابقنا يوم يشهد الاشهاد على التقوى والعزة عندما يحكم العليم ... وانها لم تكن وغى عرقيات كما تدعي دبلوماسية النظام ... ولا داحس وغبراء كما يزعمون .
فاذا كان خزي وعار افول نجمهم بالاندلس .. وتفريضهم بفلسطين يلاحقهم .... فلن يكن لهم الفخار والعزة باستعلاء جنس .. واستعباد اهل السودان وذيقهم الذل والهوان ..... نحن نقول انه سودان نسيج وحده ...متسامح جنسه ....وسيذهب الدجالون ...دبلوماسي الاستجداء إلى مزبلة العنصرية النتنة ....
لكم كنا بحوجة منهم إلى التوبيخ ... نعم التوبيخ الدبلوماسي الرصين فقط .....وقد شاركناهم النواح ... ولطم الخدود على فلسطين !!
فتغاضوا عنا .. بل زايدوا عندما .. نزلت شياطين الانقاذ تستعرض فنون هلاك النفس البشرية تسومها صنوف الذل وويلات العذاب والهوان...
ان نفوسنا اشمأزت من هكذا مواقف وهكذا تغاضي ...من دبلوماسية ( مصر ... والجزائر ... وباكستان ...) وإشمأزت من هكذا استعلاء ومزايدة باسم العروبة والاسلام .... وهم يمضون زمراً للركوع والسجود في حضرة اسرائيل ....!!! ويستأسدون في سد قرار دولي .... يحترم أخلاق الشعوب والبشرية في معاقبة المجرمين الطغاة ..؟؟
أي رهان هذا ... وأي رهن للاوطان تم ... باسم الدبلوماسية ...؟؟ إن تعاستنا تكمن في عدم فهمنا لعلم الدبلوماسية ...وشقاوتنا تزداد عندما نحاول فك طلاسم الألسن الزلقة ..لانها مارست الخديعة مرات عدة .. ورهنت مواقفها واوطانها وقبضت الثمن .
ان ثورة دارفور سوف تمضي بعون عفاريت سليمان ؟؟ رغم هلوسات العروبيون وتوجسات المنتفعون إلى غاياتها ... إلى سودان تشبهنا ... رداً على الرئيس الراقص ... والدجال الفاجر الذي أقسم في أحد أغاني رقصاته بان ليس هنالك ولو حالة اغتصاب واحدة في دارفور..وان هولاء يبحثون عن السلطة والسلطة لاتشبهم !! أن بحث العدالة عن الجناة لن يتوقف ...ودبلوماسية المكابرة وقفزات القط الذكي (وزير الخارجية) وتنطيط الاحمق (عبدالرحيم محمد حسين) وحيل (صلاح قوش) لن تؤخر ساعة الحساب والمساءلة .
**
همس الوداع:
ظل المزارع لسنوات يفلح ارضه ويزرع قوته كما عهد اسلافه ، كلما هطل المطر .. فدفعته وفرة المحصول في احدى سنوات الرخاء إلى إقتناء مذياع ومنه نما إلى سمعه أن في الدنيا دول وحكومات ...!! وفي السنة المقبلة كان الخير وفيراً ببركة السماء !! وفي نشوة الحصاد فاجأه نفر كريم ..!! فساءلهم من انتم ؟ أجابوا الدولة .
فاخذوا يعددون عليه الجباية ...!! فما بقي له سوى قوت اليوم .. فصاحوا أيضا هذا لنا ..!! فسألهم مستعجباٌ لماذا؟
أجابوه .... ضريبة الماء !! مس الرجل جنون القهقهة ...وإلتف حوله جمع غفير يستعجبون ويتسألون ..؟؟ فأجابهم في قهقهة عالية ....لسنوات كنت أحسب أن الله رب الماء والسماء ..والهواء .. قبل ان اقتني هذا المذياع اللعين!! فيقنعني أن في الدنيا دول .. وأن حكومتنا تملك صكوك هطول الماء.!!!
الا رحم الله شهداء الجنوب الذين أبرموا صكوكهم ومضوا......... هذه هي الدبلومسية .
أحمد الحسكنيت
الرياض
1/4/2005 م