 |
 |
 |
 |
|
|
|
|
|
الجزء الاول
محمد الزين محمد
المركز النرويجي للدراسات الإستراتيجية، أوسلو
تستضيف النرويج في الفترة من 7-9 أبريل إجتماع منظمات المجتمع المدني للمشاركة في مؤتمر الدول المانحة الذي سينعقد أيضا بالعاصمة أوسلو في الفترة 11-12 من أبريل. وللنرويج دور كبير في إتفاقية نيفاشا الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية في ديسمبر2004م، ومن قبل ساهمت أيضا النرويج في أتفاقية أديس أبابا في مارس 1972م والموقعة بين حكومة مايو وحركة تحرير جنوب السودان بقيادة جوزيف لاقو. ولاهمية المملكة النرويجية في السياسة الداخلية والخارجية للسودان سنحاول في هذا المقال التعريف بالنرويج وملامح من علاقاتها بالسودان علي هامش مؤتمر أوسلو للمانحين.
تقع النرويج في أقصى الشمال الأوروبي وهى إحدى الدول الاسكندنافية . يحدها من الغرب ومن الجنوب بحر الشمال ومن الشرق السويد . أما من الشمال فيحدها القطب المتجمد الشمالي . تبلغ مساحة النرويج حوالى 340 الف كيلو مترا مربعا وتبلغ أطول مسافة بين مدينتين من مدنها حوالي 3300 كيلو مترا وفيها كثير من المناطق الجبلية التي يدوم الثلج فيها أكثر أيام السنة .طقس النرويج يتراوح في المناطق الوسطى والجنوبية بين بارد جدا شتاء ومعتدل صيفا أما في المناطق الشمالية فمتطرف في البرودة أغلب أيام السنة . وفيها بعض المناطق التي لا تغيب فيها الشمس صيفا ولا تطلع فيها شتاء وذلك لمدد متفاوتة .
بلغ عدد سكان النرويج بتاريخ 01/01/2000 أربعة ملايين و 478 ألفا و 497 نسمة . وقد بلغ عدد المواليد للعام الماضي (1999) حوالي 95 ألفا بينما كانت عدد الوفيات لنفس العام حوالي 45 ألف حالة وفاة أي بزيادة عدد السكان بما يعادل 14 ألف نسمة فقط فتكون هذه النسبة هي 3.14% من عدد السكان . وقد وصلت نسبة العجزة (فوق الـ 67 عاما) إلى 14% من عدد السكان أما نسبة الأحداث (دون الـ 15 سنة) فكانت 20%.وصل عدد الأجانب بتاريخ 01/01/2000 م بغض النظر عن أصولهم إلى 260 ألفا و 700 مهاجر بما فيهم المولودون من أصول مهاجرة . نصف هؤلاء من دول العالم الثالث أما نسبة الذين قدموا من دول اسكندنافية مجاورة فتصل إلى 20% . ويتجمع أغلب المهاجرين في المدن الكبيرة لا سيما أوسلو العاصمة التي تصل نسبة الأجانب فيها إلى 18%.
النظام السياسي الحاكم ملكية وملكها هو هارلد الخامس وكما هي برلمانية وبإنتخابات عامة حزبية ورئيس وزرائها هيل ماغني بونديفيك .
أما الاقتصاد النرويجي فهو اقتصاد قوي فالنرويج دولة بترولية ولديها ثروات طبيعية أخرى متعددة كالثروة السمكية والخشبية والمائية والمعدنية . العملة الرسمية هي الكرون النرويجي ،والان يعادل الدولار الأمريكي 3و6 كرونة.و أحرزت النرويج المرتبة الاولي لاربع مرات في برنامج التنمية البشرية كأفضل دولة في العالم في برامجها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية.
الإسلام في النرويج بدأ بشكل ملحوظ في أواخر الخمسينيات حيث كانت النرويج بحاجة إلى أيدي عاملة فكان العمال الباكستانيون وبعض العرب من أوائل المهاجرين المسلمين الذين دخلوا النرويج . ثم توالت جنسيات أخرى كالأتراك والبوسنيين والألبان ليصل عدد المسلمين مع بداية عام 2005 إلى أكثر من 90 ألف مسلم .وقد تم إنشاء أول مسجد في مدينة أوسلو عام 1974 ثم توالت الجمعيات والمساجد تبعا لعدد المسلمين وحاجتهم . أما الآن فإن مدينة أوسلو تضم أكثر من 30 مسجد و جمعية إسلامية، وتدفع الحكومة النرويجية إيجارات المساجد وفواتير الكهرباء وأنشطتها الثقافية بالاضافة الي أجور الائمة. و تشير الدراسات التاريخية إلى أن الرحالة المسلم ابن فضلان قد وصل أرض النرويج في القرن العاشر الميلادي بصحبة مجموعة من القراصنة الـ (Viking) .
كما تشير التقارير أيضا التي نشرت في السنوات الأخيرة إلى أن الشاعر والأديب النرويجي المعروف وصاحب النشيد الوطني Henrik Vergeland كان قد دخل الإسلام في بدايات القرن التاسع عشر (حوالي 1820) وأنه قد مات مسلما . ويعتبر هذا الأديب من أكبر الأدباء النرويجيين على الإطلاق . أما كيفية تعرفه على الإسلام قبل أن يكون في النرويج مسلمون فتشير التقارير إلى أنه كان قد درس الإسلام من بعض الكتب التي كانت متوفرة في المكتبات التي كان يعمل أصلا بها . وقد كان مما كتبه لوالده قبيل وفاته : إنني أموت وأنا أؤمن بالإله الواحد .
يعتبر مواطنو الدول الاسكندنافية من اكثر الشعوب الاوروبية حيادية وموضوعية تجاه العديد من القضايا السياسية و يعتقد النرويجيون ان دبلوماسيتهم قدمت خدمة عظيمة للشعب السوداني عبر إتفاقية نيفاشا، وهم بحكم عدم اطلاعهم الوافي على تفاصيل المشكلة وهذا اساسا ليس مطلوبا منهم وهم يعيشون لحظات فرح يستغربون لماذا لا نعيشها نحن السودانين بمختلف الأحزاب السياسية معهم؟ ولماذا الان، الحرب في دارفور وشرق السودان؟ طبعا غالبيتهم غير معنيين بالتفاصيل تماما.. المهم عندهم (اتفاقية) تم توقيعها بمساعدتهم، و أوقفت الحرب، ينبغي ان نفرح لها مثلهم ... ومهما حاول البعض ان يشرح لهم نواقص هذه الاتفاقية فهم لا يفهمون هذا، لان الاوطان في عرفهم لا تباع خاصة انهم كنرويجيين ظلوا تحت الاحتلال الدينماركي من عام 1390 حتى عام 1814 وما ان حل عن ظهورهم حتى وقعوا تحت الاحتلال السويدي من عام 1814 حتى عام 1905 اي انهم حديثو السيادة والاستقلال ولطول فترة الاحتلال التي عاشوها ظل احتفالهم كل عام في 17 مايو بالعيد الوطني كمناسبة قومية عظيمة تختلط فيها هتافات تدعو لحب الوطن، وبين دموع لكبار السن لحلاوة الاستقلال المجيد – ويعتبر النرويجين من الشعوب المعمرة - وجميع النرويجين نجدهم يحتفلون في اليوم الاول أمام القصر الملكي ، وفي الشارع الرئيس كارل يوهانس من ناحية القصر مرورا بالبرلمان وينتهي في المحطة الرئيسية للقطارات وسط مدينة أوسلو العاصمة والتي يبلغ عدد سكانها نصف مليون مواطن ،وتتواصل الاحتفالات حتي الليل في الطرقات، وكما يقول أهل السودان العميان شايل المكسر، وهذا يدل للروح الوطنية العالية للشعب النرويجي.
وبالرغم من ذلك نجد في صفحات التاريخ النرويجي، الجنرال كويسلنج الذي عمل كقائد للجيش النرويجي في الحرب العالمية الثانية، واشتهر في التاريخ لانه خان وطنه النرويج وتعاون مع هتلر والحركة النازية اثناء احتلال النرويج من الجيش الالماني وشكل حكومة محلية دمية لقوات الاحتلال، لم يتنازل او يبع اجزاء من الوطن او وقع وثيقة احتلال للوطن ام مجرد انه تعاون مع النازيين بحكم ميوله الفكرية والعقائدية، فقط تعاون مع النازيين وشكل حكومية نرويجية لحسابهم، و اتهم بالخيانة وقدم للمحاكمة بعد تحرير النرويج وحكم عليه بالاعدام واصبح اسمه (QUISLING) في القاموس الانجليزي والنرويجي اي باللغتين الانجليزية والنرويجية يعني ضفة (خائن) .. وهذا واقع فعلا راجع قاموس المورد انجليزي- عربي طبعة 1983 ص (751) فالقاموس يقول: الكويسلنج بائع وطنه خائن يتعاون مع محتلي بلاده وبخاصة عن طريق الاشتراك في حكومة دمية تقام فيها.
السودانيين في النرويج، وفدوا اليها في أواخر الخمسينات كأفراد يعملون في البواخر والسفن البحرية، وأخرين أتوا اليها فرادا، حيث جذبتهم الدول الاسكندنافية طلبا للعلم أو العمل. وبعد يونيو من عام 1989م أت اليها السودانيين زرافات و ازدادت الاعداد وتجاوز العدد الان حوالي 800 سوادني، وهي نسبة قليلة ، اذا ما قارناها ببقية دول أوربا مثل هولندا وبريطانيا وفرنسا، وبالرغم من هذا الوجود السوداني في النرويج فلا توجد جالية سودانية، جالية لكل السودانين تجمعهم بغض النظر عن المذهبية أو العرق. من ناحية أخري تعج النرويج بالجاليات وفعالياتها وأحتفالاتها وأنشطتها الثقافية والفلكلورية، ومن الجاليات البارزة: الجالية الصومالية، الأرتيرية، الأثيوبية، المغربية، العراقية، الكردية، الفلسطينية، الباكستانية، التركية، البوسنية، الالبانية، السيرلانكية ، ومن أمريكا اللاتينبة. وكل هذه الجاليات تجد دعم كبير من الحكومة النرويجية من دفع إيجار المقر والكهرباء وأجور الموظفين وكافة الانشطة الثقافية والاجتماعية والاعداد الكبيرة من المنظمات والجمعيات الانسانية والتي تعمل في مجال الاغاثة ، حيث تعتبر النرويج دولة متعددة الثقافات وتدعو للسلام العالمي. فيا أهل السودان بالنرويج تعالوا لكلمة سواء، جالية لكل السودانيين بلا تميز أو إقصاء، تعالوا بعقول مفتوحة وقلوب طاهرة رحبة، اللهم أفتح بيني وبين قومي.
ونواصل
محمد الزين محمد
أوسلو، 30 مارس 2005