نحن نشرب مياه الرهود والبرك المصفرة ببول الحمير والكلاب
والبقرة الهولندية المستوردة تشرب مياه المقطرة في حي المنشية!!
نحن في القرن الواحد والعشرون وفي كنف دولة بترولية.... ولكن ......أخواتنا وأمهاتنا في دار فور وكردفان وفي كل المناطق المهشمة المنسية عمدا يمشين عشرات الكيلو مترات يوميا لجلب مياه الشرب الملوث ببول الحمير والكلاب, ومع ذلك هن ونحن كنا راضين بقدرنا وحظنا (المشئوم), ولم نلقي يوما لوما علي جهة بعينها, بل دائما نكيل اللوم ونطلق اللعنات ظلما وجورا علي الطبيعة (القاسية) والبيئة( الجافة الشحيحة) التي شاءت القدر ان نولد وتتواجد فيها, والبيئة بريئة من هذه الاتهامات المنسوبة إليها زورا وبهتانا.
هم دائما يقولون لنا ان البيئة والطبيعة القاسية الجافة الصحراوية هي التي جارت عليكم وحولت حياتكم إلى بؤس وشقاء وجحيم لا يطاق, وبالتالي الدولة ليست لها ذنب في هذه المسالة, ونحن كنا نصدق تلك المبررات بسبب الجهل والتخلف والسذاجة التي تسود تلك البيئات وبصورة مقصودة ومبرمجة بمهارة عالية التقنية من قبل كل الأنظمة الجائرة التي تعاقبت علي السودان منذ( الاستقلال) الوهمي حتى هذه اللحظة.
قد يبدو مشهد الأول من الفلم الهندي الذي نشاهده الآن واقصد مشهد الذين يجلبون ماء الشرب من المسافات البعيدة فوق رؤوسهم وأكتافهم الضامرة. ربما يبدو ويكاد مشهدا عاديا ومألوفا في المناطق المهملة والمنسية,وخاصة قبل استخراج الذهب الأسود الذي يجري الآن من تحت أقدام أمهاتنا وأخواتنا النحيفات الشاحبات الواهنات ونحن نتعز بكفاحهن وصمودهن.
أما ألان دعونا نتأمل المشهد الثاني من هذا الفلم الهندي الطويل الممل .هل بإمكانكم تخمين المشهد القادم؟ هل تستطيعون ضبط أعصابكم من الانهيار عند مشاهدة هذا المقطع المؤلم من الفلم؟
أعزائي المشاهدين تأملوا جيدا صور..أمهاتنا وأخواتنا وهن يلدن تحت الأشجار وفوق الحمير وغالبا يفارقنا الحياة قبل أن يصلن إلى المستشفيات وأحيانا يموتن في داخل المستشفيات بسبب مضعفات فقر الدم وسوء التغذية.
وفي الجانب الأخر من الوادي وفي داخل العمارات منشية الشامخات يصرخن الناعمات أمثال(نعومة كمبل) يا ترى من ماذا ؟...الناعمات لا يبكين ويصرخن من وخز الإبر ولكن يبكين من الدلع والنعومة الزائدة الناجمة من حليب البقرة الهولندية المستوردة من حقول امستردام بالآلاف الدولارات التي تجلبها الذهب الأسود الذي يجري من تحت أقدام أمهاتنا ..والجنة تحت أقدام الأمهات.
ومهما كان وخز الإبر وعمليات الولادة القيصرية مؤلما وقاسيا أمهاتنا لا يبكين بل يتحملن الألم بصبر وشجاعة......... فلهن منا كل التحية والتقدير .
هم دائما يقولون ...يا أبناء دار فور النشامة ....ويا أبناء كردافان الحبيب ..ويا أيها المعذبون في كل مكان.. اصبروا وصابرو واتقوا الله لعلكم ترحمون.. ويقولون ان حياة البؤس والشقاء وأزمة ارتفاع أسعار الحبوب والسكر والزيت وغيرها من المسائل( العادية العابرة ).كل هذه المشاكل سرعان ما تتلاشى وتختفي وهي عبارة عن هذه السحابة التي تغطي سماء دار فور وكردفان الآن وفي هذا اليوم العظيم الذي شرفناكم بهذه الزيارة المباركة الطيبة.
وهكذا هم دائما يقولون لنا... انتم نموذجان فريدان في قوة التحمل والصبر وتقدمون أروع مل معاني ودلالات الصبر وقوة التحمل ومجابهة الشدائد والابتلاءات الربانية...يقولون إنها مجرد فجوة غذائية عابرة وبطونهم منتفخة ومتورمة من التخمة ورغد العيش ..ويقولون لنا ما خلقتم انتم إلا للعبادة وان العبرة من وجودكم أيها الأحباب في هذه الدنيا الفانية هي العبادة ..سبحان الله هكذا دائما....يتلاعبون بآيات الله الكريمة وشرارة الكذب والنفاق يتطاير من أفواههم وجوههم التي اسودت بلعنة الله لأنهم يكذبون ويضلون عباد الله بالكذب والنفاق ..وهم يأمروننا بالنهي عن المنكر وينسون أنفسهم ومن ثم ينغمسون في الليالي الحمراء الماجنة المسرفة المهدرة التي تمتص دم وعرق وقوت هذا الشعب المسكين المغلوب علي أمره.
هم دائما يخدرون الشعب السوداني بالأوهام وبالكذب وبالنفاق المغلف والمستتر بآيات الله الكريمة ودين الله بري من أوهامهم ونفاقهم . ألم يأمر الله بالعدل والمساواة؟ ألم ينهى الله الكذب والنفاق؟ هل أمة سيدنا محمد (ص) تكذب وتضلل الشعوب؟ هل الشعوب التي تدمن الكذب تتقدم ؟ كيف نثق نحن المواطنين المساكين أولئك الذين علي اكفهم مستقبل السودان ولكنهم يكذبون ؟ كيف تحثوننا بالصبر والصمود وتحدى الشدائد وانتم تنعمون بحليب البقرة الهولندية التي تنعم بالماء المقطر المستورد من الواحات الصحراوية ومن العيون والينابيع الجبلية؟!!!!! كيف تطالبونا بنوم عميق ونحن نتكور جوعا وانتم تتكورون من التخمة والدلع والنعومة؟!
هنالك فرق كبير يقدر ويقاس بسنين ضوئية ما بين المشهدين... مشهد البقرة الهولندية التي تشرب ماء المقطر ومشهد أولئك الذين يمشون بأرجلهم عشرات الكيلو مترات بحثا عن قطرة ماء ملوثة ومصفرة ببول الحمير والكلاب..وتحت أقدام هؤلاء البؤساء يجري انهار من الدولارات الماليزية ولست متأكدا إن كانت ماليزيا تتعامل بالدولار أو بعملة أخرى...عوض الجاز ربما يملك الإجابة الشافية
مبارك إبراهيم/