مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

لوحة وطن-الحلقة الأولى بقلم يحيى اسماعيل

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/27/2005 9:06 ص

جلست اتامل في تلك اللوحة التي تقبع في مخيلتي والتي
أطلقت عليها وطني , رسمت الأنهار التي تنساب في كل
أرجائها وتقطعها طولا وعرضا وتجعلها منها أشبه بفستان
فتاة فاتنة فصله خياط ماهر وطرزة بمزاج فنان يجيد صنعته
, وجلت ببصري بعيدا ووقع نظري على خضرة الطبيعة الزاهية
والأشجار التي تتسامق وكأنها في سباق لقطف ضوء الشمس ,
حديقة غناء جمعت بداخلها كل مخلوقات الله من طيور ومهى
وغزلان وجاموس وأفيال وزراف , وازدانت الحديقة بهاءا على
بهاء بسياج النيلين- الأبيض الدفاق والأزرق المارد حين
يتعانقان في الخرطوم , عناق عاشقين التقيا بعد طول فراق
, ولكن فجأة تبدلت حالة النشوة بحالة أخرى لا ادري ماذا
أطلق عليها ولكنها حالة رفض أو سمها ما شئت , حينما
شاهدت أعمدة الدخان المتصاعدة والحريق الكبير الذي أشعل
في الحديقة ، وعجزت كل وسائل الإطفاء , عن إخماد السنة
اللهب الممتدة , لان الحريق لا تخمدة خراطيم المياة
العادية فهو حريق من نوع أخر , فقد ظن الجميع انه بعيد
من موطن الخطر .فهناك من راهن على كفاءة عمال الدفاع
المدني ومقدرتهم على إطفاء الحريق والذين عملوا ما وسعهم
ولكن كان الحريق اكبر من قدراتهم وخبرتهم .... وظلت
النار مشتعلة وتقطعت الحديقة إلى مجموعة من الجزر
الصغيرة . وشمر الكل عن ساعدة حين أحس بخطورة الحريق
الكبير الذي أهمل في بدايات اشتعالة . وتضافرت الجهود
لإنقاذ ما يمكن انقاذة , من تلك الحديقة المحترقة . وتم
الاستعانة بخراطيم المياه من الجيران والأصدقاء الذين
فجعوا في مصابنا الجلل . فالعديد من السكان قد فقدوا
ممتلكاتهم وقوتهم وآخرين فصلتهم السنة اللهب عن أهلهم
وذويهم . وخمدت النار في ركن الحديقة وتنفس الناس
الصعداء لاحساهم بقرب الفرج . ولكن لم تكتمل فرحتهم حتى
اشتعلت النار مرة أخرى في ركن أخر , وتطاير الشرر منذرا
باتساع دائرة الخطر مرة أخرى . وأصبحت الأصوات تعلوا من
أوقد تلك النار اللعينة ... من يعبث بالحديقة ! كيف
نصلح ونرمم الحديقة ... ومتى تعود الدوحة الغناء إلى
سابق عهدها وتعود الطيور المهاجرة إلى أعشاشها وأوكارها
التي هجرتها قصرا وانهالت الأجوبة :-
النار أشعلتها السياسة .. والحديقة يعبث بها الساسة عبر
تنافسهم اللا محدود ومحاولاتهم لفرض رؤيتهم على البلاد
والعباد . الساسة الذين يخوضون بحارا من الدم وصولا
لكرسي الحلاق . وترميم الحديقة يتم إذا تصالح الساسة
والسياسة .. وستعود الحديقة إلى سابق عهدها إذا نال كل
ذي حق حقة . وارتضينا جميعا أسلوبا للتعايش فيما بيننا .
حكاما ومحكومين بشرط أن نشارك جميعا في صياغته دون عزل
أو إقصاء ولنتعامل مع الوطن كحديقة عامة دون إن نحرق
شجرة أو نقطف زهرة .فالوطن لنا جميعا .
تأملت مرة أخرى في مكونات الحديقة ونباتاتها فوجدت أنها
خليط من النباتات فمنها التي ظلت على طبيعتها ومنها التي
أتت نتيجة لعمليات معقدة من التزاوج والانصهار
وكان نتاجها جيل يحمل ملامح الأمهات والإباء ويصعب فصل
نسبة لأنة اخذ من سمات الزوجين . ولكن النسل الذي أتى
يصر إصرارا يفتقر للعقلانية والعلمية بأنه امتداد خالص
لأبيه واسلافة الذكور الذين تمتد جذورهم إلى ما وراء
البحار وانه يتنكر لتلك المكونات من أمه الابنوسية .
ذات الجذور المتأصلة في ارض الحديقة . وظلت النبتة
الهجين تعيش في أوهام الانتماء للعرق القادم من وراء
البحار دون أن يدرى أن ذلك الجذر يتنكر حتى لنسبه لا نه
عرقه غير خالص . بل انه يجهلة تماما ولا يفرق بينه وبين
بقية مكونات تلك الحديقة التي ينازع على انه أفضل
نبتاتها . وحينما احتدم الجدل برزت نبتة صالحة لحل
المعضلة . وكانت من الحديقة المجاورة .فطرحت حلا وسط
للتعايش وأسلوبا امثل لحسم الصراع . أو الفراق . فقالت
أن الحديقة تضم العديد من النباتات والأشجار غير الأبنوس
والبان وأجلست النبتتين للحوار وبعد طول حوار توصلت إلى
حلول أوقفت الصراع ولكن لم تعالج أسباب الصراع . لان
أسباب الصراع عديدة وأولها الاعتراف بانهما من مكونات
الحديقة وليس كل الحديقة حتى وان كانا يمثلان بقية
الإطراف الصامتة ! وثانيها إيجاد صيغة للتفاهم مع
الآخرين والذين هم شركاء في كل شيء...
وضع أسلوب يعود بالنفع على الاخرين ويسمح بانسياب المياه
لكل النباتات . بغص النظر عن صغر حجمها أو كبره . كما ان
صراع النبتتين قد فتح الأبواب والنوافذ الموصدة أمام
بقية النبتات لتطالب بنصيبها من الرزق .
ولنا لقاء في حلقة أخرى

يحيى اسماعيل


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved