ما من مرحلة في العمر تظل حية في خاطر المرء طيلة حياته سوى مرحلة الطفولة والصبا , لأن فيها البراءة والإنطلاق والعفوية , ولم تكتنفها بعد تعقيدات وتكاليف الحياة برهقها وهمها , ويمرح الخلان والرفقاء في الحلة في إنطلاق اللعب المسلى البريء . كانت هناك أنواع من الألعاب يمارسها الصغار في العصريات وكان اللعب يستمر إلى حلول الظلام , وكانت اللعبة المفضلة هي كورة الشراب وقد أفردت مقالة لها من قبل . وأول هذه الألعاب هي لعبة ( حرينا ) ويلعبها فريقان ويمسك كل واحد من اللاعبين برجله المثنية من الركبة إلى أعلى بيده وينط بالرجل الأخرى ماشياً ويحاول بيده الطليقة أن يمسك بالخصم ويدفعه حتى يفك رجله ويوقعه , ويكون عند ذلك منتصراً , وثاني لعبة وهي ثنائية بين أثنين وتمثل القوة وهي لعبة ( صراع صراع ) وهي مباراة في المصارعة حتى يرمي الواحد خصمه على الأرض ويصبح منتصراً , وفي هذه اللعبة ربما يكون المنتصر أقل قوة من الآخر ولكن يتفوق عليه في المهارة أو ( الحرفنة ) .
وهناك لعبة ( الثعلب فات ) وفي هذه يجلس اللاعبون القرفصاء في دائرة ووجوههم إلى داخل الحلقة , ويمسك واحد منهم بعمامة ملفوفة في يده ويمر مهرولاً خلفهم وهو يردد قائلاً (الثعلب فات فات وفي ديله ) ويردون عليه ( سبعة لفات )
ويقول : والدبة
ويردون : وقعت في البير
ويقول : وصاحبها
ويردون : واحد خنزير
ويقول : والهون
ويردون : ضرب التلفون
وخلال هذه المحاورة يرمي بالعمامة خلف أحدهم ويستمر في الترداد , وإذا لم ينتبه الجالس ووصل إليه بعد إكمال الدورة يأخذ العمامة ويأخذ بضربه بها على ظهره , ثم يجلس مكانه ويأخذ الآخر العمامة وتستمر اللعبة , وإذا أنتبه الجالس للعمامة قبل أن يكمل الآخر الدورة أخذها وطارده وضربه بها على ظهره , ثم يطوف بالعمة وتستمر اللعبة , ويتداول اللاعبون العمة .
وربما تلعب هذه اللعبة بأسم آخر وهو ( شليل ) وبعبارات أخرى وهي :
- شليل وينو
- ختفوا الدودو
- شليل وين راح
- ختفوا التمساح
ولعبة ( الثعلب فات ) يمكن أن يلعبها الأخوة والأخوات في الحوش داخل المنزل , مثلها مثل لعبة نط الحبل وهي أن يمسك أثنان بطرفي حبل ويحركانه في حركة دائرية وينط اللاعب في الوسط فوق الحبل قبل أن يصل إلى الأرض , ويمكن أن ينط الواحد أو الواحدة بالحبل منفرداً ممسكاً به كلتا يديه , ولعبة نط الحبل أكثر شيوعاً بين البنات .
وهناك لعبة ( المثلث ) أو ( البلي ) , والبلي كرات صغيرة ملونة من الزجاج يشتريها الصغار من بعض الدكاكين ويحتفظ كل واحد بمجموعة منها , وتكون اللعبة بخط مثلث على الأرض ويضع كل لاعب بلية واحدة أو أثنين داخل المثلث حسب الأتفاق ثم يخطون خطاً على مسافة من المثلث يسمى ( الميز ) , ثم يقفون عند المثلث ويرمي كل واحد ( الضرّاب ) وهو بلية كبيرة نحو الميز ومن يجيء ( ضرّابه ) على الميز أو قريباً منه تكون له أولوية اللعب , ويرمي اللاعب الضّراب نحو المثلث ويستخرج أو يكسب ما يتيسر من بلي ويليه في الرمي بقية اللاعبين , ويستمر اللاعب الأول في الرمي إلى أن يخفق أو ( يجّلي ) , ويكسب في كل رمية بلية واحدة . ومن اللاعبين من يجيء بضراب من الحديد من بلي عجلات السيارات وهذا النوع له قوة في إخراج البلي الزجاج وفي التمكن من الرمي .
وهناك لعبة ( سجّك ) وهو حفر شق في الأرض يوضع فيه عود صغير يبرز طرفه من الشق , ويمسك اللاعب بعود أطول يضرب به طرف العود الصغير فيطير إلى مسافة ويقع على الأرض , وهذه اللعبة أشبه بلعبة الرقبي الآن والتي يضرب اللاعب فيها الكرة بمضربه فتطير إلى مسافة بعيدة ثم تقع .
ويأتي العوم في البحر في مقدمة الممارسات المحببة إلى الأولاد بالرغم من تحذير الأهل والكبار من العوم في البحر خوفاً من الغرق ورغماً من عقوبة الضرب إذا أكتشف الأهل ذلك , فأن لذة اللعب في الماء و ( البلبطة ) , والقذف بكرات الطين والغطس والعوم , لا تعدلها لذة , ولكن لعبة أو رياضة العوم كانت متاحة لمن يسكنون أحياء أمدرمان القريبة من البحر كالموردة وبيت المال وأبو روف .
وبعد , فهذه هي الألعاب الشعبية التي كان يمارسها جميع أطفال وصبيان مدينة أمدرمان إلى قبل منتصف القرن العشرين .