مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

كشف المستور في فقه عباس ابراهيم النور(دعوة للحقيقة والمحاسبة) بقلم بشير معاذ الفكي -مستشار قانوني/ الدوحة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/24 2:51ص

[email protected]

ترددت كثيرا في كتابة هذه الأسطر عبر هذه الصحيفة الغراء الواسعة الانتشار، ولو لم يطلن، مع آخرين من القضاة السابقين، سيف اتهام السيد المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية "المستشار"، ونالن تهديده بكشف المستور، في معرض رده على مذكرة مقدمة من قضاة سابقين أحيلوا للصالح العام في عهد الانقاذ "مذكرة القضاة"، لما أقدمت على هذه الخطوة، وهي خطوة سوف لن أنطق من خلالها كفرا، أو أحيد فيها عن الحقيقة المجردة، براءة للنفس أمام الله والشعب السوداني ودعوة للمحاسبة، وتنفيسا عما حاك في الصدر من هول ظلم الأنسان لأخيه الأنسان.

ولمن فاتهم الاطلاع على مذكرة القضاة، يتعين أن أوجز ما تضمنته من حيث شكلها ومضمونها. فمن حيث الشكل، فهى مذكرة ممهورة بتوقيع قضاة سابقين من داخل السودان، ومعنونة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الحركة الشعبية، ورؤساء الاحزاب السياسية، وجهات أخرى. أما من حيث موضوعها، فقد تضمنت المذكرة نداءات مهنية مشروعة وصادقة بضرورة إصلاح وإعادة ترميم الجسد القضائي من واقع مسالب معلومة للكافة، ومن خلال آلية وإجراءات تولت المذكرة تحديدها وتفصيلها استباقا لمرحلة السلام القادمة.

ليت رد السيد المستشار على مذكرة القضاة اتجه إلى كيف يتم إصلاح وإعادة ترميم الجسد القضائي، وكيف تتم إعادة هيكلة السلطة القضائية لتتناغم مع اتفاقية السلام وتداعياتها، وكيف تعالج فاعلية أجهزة السلطة القضائية في ظل نظام فيدرالي، وكيف تقسم الوظائف القضائية وفقا لما ورد في الاتفاقية، وما هي الأسس التي سوف يتم بموجبها التعيين في الوظيفة القضائية، وغيرها من القضايا المصيرية التي تتطلب معالجات مهنية فورية.

لقد أتاحت مذكرة القضاة للسيد المستشار فرصة طيبة للخوض في حوار مهني يتناول المسالب التي اعترت الجسد القضائي في عهد الانقاذ، والتي اصبحت محل سجال في الصحف اليومية. وبدلا عن الخوض في ذلك الحوار المهني الذي من شأنه أن يفضي إلى حللة كل القضايا العالقة قبل المرحلة المقبلة، انكب السيد المستشار في الدفاع عن السلطة القضائية في عهد الانقاذ، وانبرى لتفصيل ما يعتقد أنه انجازات لها. تزامن دفاع السيد المستشار عن السلطة القضائية مع نشر الصحف اليومية في الخرطوم لآراء جريئة حول أوضاعها الراهنة، لدرجة أن أحد كبار المحاميين في الخرطوم، وفي خطوة نادرة، كتب مقالا اتهم فيه، بصورة لا لبس فيها ولا غموض، بعض القضاة بالفساد، وأكد، في معرض مقاله، على استعداده لتقديم المستندات والأدلة التي تبرر وتسند اتهاماته.

جاء رد السيد المستشار في زمان كثر فيه الحديث عن تفشي الفساد في دواويين الدولة، وكتبت فيه المقالات الصحفية، و منها على سبيل المثال مقال للمخضرم الدكتور حيدر إبراهيم على "الفساد ...هل أصبح ظاهرة سودانية"، ومقال للرائع د. سيد عبد القادر قنات "إنهيار العمارة، وأدب الاستقالة" المنشورين في هذه الصحيفة الغراء، ومقال للاستاذ الكبير عثمان ميرغني بجريدة الرأي العام، ومقالات وتعقيبات هنا وهناك.

على الرغم من كل تلك الأجواء المواتية للحوار، وكل تلك المقالات التي تناولت ظاهرة الفساد التي تجذرت في دواوين الأجهزة الحكومية، تمادى السيد المستشار (هداد الله) في تهجمه على الآخرين بأن وصم، في غيروازع من دين و/أو خلق، وفي تعميم مبتسر لا يخلو عن الغرض، الأغلبية الساحقة من القضاة الذين تمت إحالتهم للصالح العام في عهد الانقاذ بالانحراف، وتهددهم بالويل والثبور، وبكشف المستور، وذلك في مقالين له منشورين بجريدة الصحافة اليومية، حين قال في المقال الأول بأن الذين تولوا إحالة القضاة للصالح العام أحياء يمارسون المهنة، وأنهم على استعداد لكشف المستور عن أي شخص أحيل للصالح العام... ومن الملفات الرئيسية ،على حد تعبيره، وحينما ذكر في مقال آخر، بأن ذلك لن ينفي بأن قلة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة هي التي أحيلت لأسباب سياسية، وأن الاغلبية الساحقة من القضاة أتى قرار إحالتها للصالح العام لتطهير المؤسسة من بعض الانحرافات.

أنطوى تهديد واتهام السيد المستشار على قدر من المكايدة والمكابرة بالتدين والتعفف لا تحدهما حدود، فقد أصدر مقاليه المشار إليهما باسم مؤسسة الرئاسة، ومن لدن أصحاب الرسالة في ذلك المشروع الحضاري، الذي ما انفك مديره الهندسي يقبع في قياهب السجون، بدعاوى النفاق وتوقيع حزبه على مذكرة تفاهم مع أعداء الأمس وشركاء اليوم، ولسان حال السيد المستشار يقول ... أيها القضاة توقفوا عما أنتم فيه سائرون، فإن لم تفعلوا ذلك فسوف نكشف المستور.

ألم يكن من الأجدى بالسيد المستشار الكتابة والرد على تلك الأقلام التي تناولت موضوع الفساد في مؤسسات الدولة والسلطة القضائية الحالية، وخاصة مقال ذلك المحامي الذي جمع الإدلة والبينات التي تؤيد ما ذهب إليه من اتهامات؟ وهل خفي على السيد المستشار مايراه بأم عينه ويسمع عنه من إنفلات مريع في الذمم والأخلاق في كل مرافق الحياة بما فيها مؤسسات الدولة؟ ألم يسمع السيد المستشار بآراء بعض زملائه الصادقين والمتعففين من أهل الإنقاذ حول الفساد المستشري في البلاد، والتي كان آخرها انتقاد رئيس مجلس شورى المؤتمر الوطني لمؤسسات الدولة لضعفها في محاسبة المسئولين عن الفساد، وآراء د. غازي صلاح الدين حول المطالبة بالإصلاح والديمقراطية داخل الحركة الإسلامية.

من أكبر المآخذ على الانقاذ أنها أطلقت، لمسئوليها ومنسوبيها، العنان في التصرف في شئون البلاد و العباد، دون رقيب أو حسيب، وفي أخطر المسائل التي كانت حديث الكافة، لا ترى إلا الصمت والسكون من جانب الحكومة. فحين قدم الاقتصادي طيب الذكر المرحوم ابراهيم منعم منصور عرضحاله الشهير في الفساد الذي طال إجراءات خصصة مؤسسات وشركات القطاع العام، ولفت انتباه الحكومة والمجلس الوطني إلى ذلك الفساد، ودعاهما للتصدي لها، بات الصمت والسكون يخيمان على الحكومة والمجلس الوطني حتى تاريخه. لماذا الصمت والسكوت بعد أن تلمس رجل في قامة المرحوم ابراهيم منعم منصور، بحسه الوطني وخبراته الطويلة، مواطن خلل بّين في اجراءات الخصخصة المشار إليها، والفساد الذي اعتراها حيث انعدمت الشفافية، وتعارضت المصالح؟ لماذا الصمت والسكون بعد أن وصلت الجرأة بعدد لا يستهان به من المثقفين والكتاب والمهنيين لحد تناول موضوع الفساد ليس فقط في مجالسهم الخاصة، وإنما في الندوات والصحف اليومية. لماذا يعترض السيد المستشار على الأصوات التي تنادي بإصلاح وإعادة هيكلة السلطة القضائية من هنا وهناك ويصم تلك الأصوات بالانحراف والفساد؟

ألم يطلع السيد المستشار على الأرقام التي يقدمها المراجع العام في تقاريره السنوية، وهي التقارير التي تكشف حجم الفساد المستشري في السودان؟ أقولها للسيد المستشار بأن المال العام الذي تم إهداره فسادا بدعاوى التمكين أو خلافه، في عهد الانقاذ لهو كفيل، على أقل تقدير، بعلاج وإعاشة طفل شرق السودان الذي راح ضحية للسل، وطفل جنوب السودان الذي أذهلته أهوال الحروب، وطفل درافور الذي شهد المجتمع الدولي بمعاناته وكوارثه، وطفل وسط السودان الذي نهشت البلهارسيا في أحشاءه، وطفل شمال السودان الذي أقعدته الملاريا. وأقسم بذات الله بأن لكل من هولاء الأطفال، بما فيهم طفل الجنوب المسيحي، من الأهمية والمكانة عند الله سبحانه وتعالى، مثلما لرئيس جمهورية السودان، وربما أكثر.

ثم ألا يؤمن السيد المستشار بأن إهدار المال العام، أو التقاعس عن حمايته، أوعدم محاسبة من أهدره في دولة المشروع الحضاري، يعتبر ذنبا لا يغتفر ترتكبه الانقاذ في حق الشعب السوداني؟ ثم ألم يطلع السيد المستشار على قوله صلى الله عليه وسلم، فيما روي عنه:

( إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبين الله تعالى، أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد).

إنها المكايدة والمكابرة وربما المتاجرة بالتدين والتعفف ياسيادة المستشار، فلا تدين ولا تعفف لمن لا يقبل دعاوى الاصلاح، ومحاربة الفساد ومحاسبة مرتكبيه، ولا تدين ولا تعفف لمن يهدر المال العام ، أو يختلسه ، أو يتصرف فيه بوجه يضر بمصالح الآخرين، أو يهمل في إدارته، أو يتقاعس عن مساءلة من أهدره، أو اختلسه، أو تصرف فيه بوجه يضر بمصالح الآخربن، أو أهمل في إدارته.

وفي خصوص رد السيد المستشار على ما تضمنته مذكرة القضاة، ولما كنت من ضمن المشمولين باتهامه وتهديده المنوه عنه، فإنني، وعبر هذه الصحيفة الغراء، أدعو السيد المستشار، وكل القائمين على أمر القضاء، بشقيه الواقف والجالس، في الماضي أو في الحاضر، وكل الخصوم الذين ظهروا أمامي، وكل من له أدلة وبينات عن أي فساد ارتكبته في حياتي المهنية أو خلافها، أدعوهم جميعا بأن يبادروا بكشف ذلك أمام الرأي العام.

فقد ظل التلويح بالمستور، والتهديد والوعيد بكشفه، يحز في نفس، ويؤرق كل الشرفاء من أبناء الوطن. فإلى متي يحرم الشعب السوداني من الوقوف على ما أقترفه شاغلو الوظائف العامة في الماضي كانوا، أو في الحاضر، من جرائم ومخالفات انتقصت من حق ذلك الشعب المقهور؟ وإلى متي يحرم الشعب السوداني من الوقوف على حقيقة الفساد والجرائم التي ترتكب في حقه؟ ألا يمثل الخضوع للمكاشفة والشفافية والمحاسبة حقا للشعب، وواجبا على شاغلي الوظائف العامة؟

لقد غابت المحاسبة التي ظللنا وما زلنا ننادي بها ياسيادة المستشار، وفي أحلك الظروف التي مر بها السودان، حين طال سيف الصالح العام الذي أشهرته الانقاذ، خلال الشهرين الأولين من تسلمها السلطة رقاب آلاف من رجالات الخدمة المدنية، والقوات النظامية، ومختلف فئات الشعب السوداني من مهنيين ونقابيين ونظاميين واساتذة جامعات وخلافهم، وقفنا بقوة ننادي بضرورة المحاسبة واتباع الإجراءات القانونية على الرغم من كل الضغوط والمهددات التي كانت تحيط بنا. ولم يكن همنا في تلك الفترة حماية أنفسنا و/أو وظائفنا و/أو مصالحنا ،إن وجدت، من تغول القائمين على أمر النظام، بل كنا نستهدى ونستمسك بمبادئ مهنية وأخرى دينية وأخلاقية ظللنا، وما زلنا نؤمن بها، تتمثل في ضرورة الالتزام الصارم، في كل الأوقات ذات الصلة، بمبادئ سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، فنحن من جيل ومن نفر يؤمن بتلك المبادئ، ويعتبرها أعظم إنجاز بشري يقدم للإنسانية حتى تاريخه. ولتحقيق مرامينا بضرورة محاسبة كل من يفصل للصالح العام، قلناها لمجلس قيادة الثورة وقتها، عندما سدر في غيه بالفصل من غير محاسبة، بأن رب العزة والجلالة قد تنازل عن عدله المطلق، لعدل يتحقق بالإجراءات، حين يسأل اليدين، والرجلين، عما أقترفه صاحبهما في الحياة الدنيا، رغم علمه تعالى المطلق بذلك. قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله:
( اليوم نختم على أفواههم، وتكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)
صدق الله العظيم
(يس الآية "65").
ورجوعا إلى اتهامه وتهديده للقضاة السابقين، ولتسهيل مهمة السيد المستشار، وأولئك الذين تولوا إحالة القضاة للصالح العام في عهد الإنقاذ، أدعوهم بألا يكتفوا بنبش أضابير وملفات السلطة القضائية فحسب، بل عليهم أن يحشدوا كل الموارد المتاحة لديهم لتحضير، وتقديم الوثائق، أوالمحررات، أوالشهادات، أوالإفادات، أوالمستندات، أو الإقرارات (سواء كانت مشفوعة باليمين، ام لم تكن)، امام الرأي العام، بما يؤيد و/أو يثبت ما ذهب إليه السيد المستشار من اتهامات مرسلة، في حقي وفي حق الآخرين من زملائي، وصلت درجة الوصم بالانحراف.

وللسيد المستشار، وأولئك الذين تولوا إحالة القضاة للصالح العام في عهد الإنقاذ، و في سبيل انجاز مهمتهم في كشف المستور، أن يرجعوا بذاكرة الزمان سنوات للوراء قبيل الانقاذ، وأن يقوموا بزيارات مفاجئة إلى كل المحاكم التي عملت بها، وعمل بها الكثير من زملائي، بما فيها تلك المحكمة العتيقة التي تقبع في وسط الخرطوم (محكمة الخرطوم الجزئية) في تمام الساعة السابعة صباحا من كل يوم عمل، ليقفوا بانفسهم على سير العمل، ولهم في سبيل ذلك الدخول في ذلك المكتب المتواضع، بجوار قاعة ذلك الشامخ المرحوم القاضي اسماعيل البشاري، الذي مضي في سبيله، تاركا رسالة الماجستير الثانية له ( IN SEARCH OF A LEGAL THEORY IN SUDAN )، وهو يتحسر على عدم تمكنه من تحديثها لكي تعم الفائدة المبتغاة منها. وللسيد المستشار حق الإطلاع، وفحص الملفات، ومراجعة الأحكام، واستجواب المحامين، والخصوم، والشهود بغرض الحصول على معلومات قد تسفر عن كشف ما هو مفوض فيه.

كما أفوض السيد المستشار، وأولئك الذين تولوا إحالة القضاة للصالح العام في عهد الانقاذ، باستجواب أول رئيس قضاء في عهد الإنقاذ، وكل المحامين، والمستشارين القانونين بديوان النائب العام، وموظفي وموظفات المحاكم والعاملين فيها، والخصوم وشهودهم لدى كافة محاكم السودان، بما في ذلك محاكم الخرطوم، ومحاكم الأقليم الأوسط، والأقليم الشرقي، وإقليم دارفور بحثا عن أي معلومات قد تساعدهم في إكمال مهمتهم على أكمل وجه. وعند هذا الأقليم الأخير، أدعو السيد المستشار بأن يقف بنفسه على كيف أننا نزلنا رحمة على أهلنا بدارفور، وكيف كنا نفصل في قضاياهم، وكيف كنا ندرأ عنهم الحدود بالشبهات، وكيف كنا نعالج قضايا النهب المسلح، والصراعات القبلية، بصورة مهنية وانسانية تهدف لتحقيق قصد المشرع، وتفضي في النهاية إلى تصالح الخصوم، وإلى رتق النسيج الاجتماعي الذي أبلاه التهتك كما نرى الآن.

وفي سبيل الحصول على معلومات قد تساعدهم فيما هم فيه مفوضين، فقد يرى السيد المستشار ، وأولئك الذين تولوا إحالة القضاة للصالح العام في عهد الانقاذ، ملائمة الرجوع إلى كلية القانون بجامعة الخرطوم خلال حقبة السبعينيات، ومن قبلها المدارس الثانونية والوسطي، والأولية، وفوق كل هذا وذلك، إلى تلك الأسرة المتدينة والمتواضعة، الفقيرة والمتعففة التي تؤمن بكل ما هو خير، وتبغض كل ما هو شر، انطلاقا من تراث انساني وصوفي وسوداني خالص، من لدن السادة القادرية، والسمانية، وغيرهم ممن مضوا في سبيلهم وصعدت أرواحهم إلى حيث لا حيث، وعند لا عند.

وإن كان من رأي السيد المستشار، وأولئك الذين تولوا إحالة القضاة للصالح العام في عهد الانقاذ، أن الأسفار خارج السودان قد تساعد في، أو تفضي إلى كشف المستور، فإنني بموجبه أفوضهم بالسفر إلى الخارج، لمقابلة واستجواب كل أرباب العمل الذين عملت معهم، والآخرين الذين ربطتني بهم علائق عملية أو اجتماعية أو إنسانية.

يا سيادة المستشار، لقد نجحت في أن تجعل مني كائنا ليليا، واضطررتني لاجترار خواطر مهنية منسية كشفت فيها عن الممنوع، على الرغم من مشاغلي الكثيرة المتمثلة في آداء واجباتي المهنية المتشعبة، وفي إعانة المعوزين والمحتاجين والجوعى والمرضى بما يسره الله لنا من كسب فائق المشروعية، بالنظر لكلفة ما يبذل من جهد في سبيل الحصول عليه، فهذا شعار كل من امتلك ضميرا حيا، وتدينا صادقا خلال سني الانقاذ حين تمسح كثيرون بالدين ( إلا من رحمه الله)، وحين فسدت الذمم، وتلاشى الخط الأحمر بين المال العام والخاص، وانعدمت الشفافية، وتضاربت المصالح، وتقهقر الالتزام بالقوانين التي تحمي المال العام، وتلك التي تنظم تأمين مشتروات الأجهزة الحكومية وتحكم تنفيذ مشروعاتها، وحين"تطاولت العسرى وتمدد ضيق الحال"، حتى أن أصبح الفقر مرادفا للكفر.

أما وقد فعلت ذلك مضطرا، وأعلنت براءتي من أي فساد نال أو انتقص من حق الشعب السوداني من خلال الوظيفة العامة التي كنت اشغلها، فأرجو أن يكون ذلك ضربة البداية لتمليك الشعب السوداني الحقيقة عن أي مخالفات في حقه ارتكبها شاغلو الوظائف العامة في الماضي أو في الحاضر. وفي مقابل ما فعلت، أرجو أن يحصل الشعب السوداني، يا سيادة المستشار، على موافقة شغالي الوظائف العامة خلال فترة حكم الانقاذ على تدقيق وفحص أعمالهم، وحصر ممتلكاتهم، وتوثيق ما قد يثبت من مخالفات اقترفوها في حق الآخرين، وعندها سوف لن يكون مسموحا بالدفع أو الاحتجاج أو حتى الحديث عن "القوي الأمين، أوالأيدي المتوضئة، أو الأعين التي تدمع من خشية الله، فما نهش في جسد هذه الأمة وثرواتها مثلما نهشت بعض هذه الأيدي، ولا أقول كلها"، وبذلك يكتمل كشف المستور الذي تهدد به، و يقف الجميع على الحقيقة التي ربما قد تفضي للمصالحة.

ولكي لا يكون التهديد بكشف المستور سيفا مشهورا على رقاب الشرفاء، أناشد، من هذا المنطلق، كل من تبوأ منصبا عاما في السودان أن يكشف، بكل صدق وشفافية، الحقيقة ، فإن كان برئيا من أي حقوق في ذمته متوجبة الآداء للشعب السوداني، فعليه أن يعلن براءته على الملأ، وإن كان مذنبا فعليه أن يقر بذنبه، ويطلب العفو، ويؤدي التعويض المناسب، إن كان لذلك مقتضى.

علينا، في كل الأوقات، مواجهة الحقيقة فهي القيمة الوحيدة التي ربما قد تفضي للمصالحة ومن بعدها للسلام في السودان، فلا سلام بدون كشف الحقيقة ومحاسبة الفاسدين، ولتكن دعوة المخضرم د. حيدر ابراهيم لرصد ومحاربة الفساد الذي أقعد الشعب السوداني هي ضربة البداية في تكوين قطاع وطني مدني عريض، للنهوض بالمهمة على أكمل وجه.

فهل أولى الشرفاء من أبناء الوطن، في الحكومة أو في الحركة الشعبية أو في المعارضة، تلك الدعوة الاهتمام الذي تستحق؟

،،، وللفضيلة رب يرعاها... وشعب يحميها،،،
للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved