مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

حوار الدين والعلم والفكر الأصولي بقلم الصادق المهدي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/22 3:40م

حوار الدين والعلم والفكر الأصولي
 
أعلنت الزميلة أركامانى بدء حوار حول قضايا الدين والعلم والسياسة وذلك للأهمية العملية والعلمية لهذه الموضوعات الشائكة. وقد قدمت أركامانى ورقة العمل الأساسية للحوار أحد أهم الأعمال الفلسفية لعالم الوراثة دوبجانسكي Biology of Ultimate Concern والذى قام بترجمته الدكتور فاروق محمد إبراهيم عالم الأحياء السوداني المرموق الأستاذ السابق بجامعة الخرطوم والمنسق الحالي لمشروع "السياسات المستقبلية للسودان GAPS" , وقام السيد/الصادق المهدي بكتابة مقدمة للترجمة العربية ننشر نصها هنا بأمل أن يشكل هذا العمل بما يوفره من معطيات علمية رصينة في مجال علم البيولوجيا الحديثة، أساساً ينطلق منه الحوار.

مؤلف هذا الكتاب هو ثيودوسيوس جريجوريفتش دوبجانسكي الروسي الأصل. وهو عالم وراثة معروف ومن دعاة التطورية البيولوجية. ولد في نيميروف بأوكرانيا في 25 يناير 1900 وكان والده مدرساً للرياضيات. عاش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1927 وتوفى فيها في 11 نوفمبر 1975. تلقى دوبجانسكي تعليمه الجامعي في جامعة كييف في الفترة 1917-1921 قبل أن ينتقل الى لننجراد "سان بيترسبورغ". انتقل للعمل بجامعة كولومبيا من 1940 حتى 1962. قام بأبحاث هامة فى مجال الوراثة، بخاصة في أنواع الدروسفيلا المختلفة. يعد دوبجانسكي أحد مهندسي التركيب التطوري الحديث الذى دمج الوراثة المندلية مع التطورية.

يمكن الوصول الى ترجمة الكتاب وملف الحوار على الارتباط التشعبى أدناه:
http://www.arkamani.org/sceince_fundamentalism/dobzhanski/fundamentalism_debate.htm

مقدمة لكتاب علم الأحياء ومعنى الحياة
بقلم السيد/ الصادق المهدي

مرات عديدة أعلن علماء باسم العقل أن الإله قد مات وأن التدين مرحلة طفولة سوف يتجاوزها الإنسان حتماً ويبني حياته خارج فجاج الدين. ومرات كثيرة أعلن مفكرون باسم أيديولوجية إنسانية أن الانتماء القومي قد انتهى ليخلفه انتماء فكروي إنساني.
 
ولكن ما برحت الإنسانية تؤكد عبر تاريخها أن الدين والقومية يقومان بدور هام في حياة الإنسان ويشكلان هُويته وجوهر حضارته.
 
لقد دخل علينا القرن العشرين وعمالقة مفكريه يعلنون انحسار الدين وزوال القومية ورسمت الماركسية بوصفها أهم تيار فكروي لوّن النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين صورة لعالم خال من الديانة والقومية. ولكن قبل نهاية القرن العشرين تراجعت الماركسية وتركز الاهتمام الفكري حول التمايز الحضاري الذى يقوم على الدين والقومية كأهم مقوماته.
 
صار الانتماء الديني يمثل ظاهرة لدى الإنسان في نهاية القرن العشرين. هذه حقيقة أنثروبولوجية لا سبيل الى انكارها.
 
هنالك حقيقة معرفية تستند الى معطيات العلوم الطبيعية وتقول : بعد البحث عن الروح لم يعثر لها على وجود في تركيب الإنسان العضوي. وبعد البحث عن الإله لم يعثر له على وجود في الفضاء.
 
ونظرية النشوء الكوني والحيواني تقوم على عوامل طبيعية محضة.
 
إن القراءة الأكثر رواجاً لفلسفة العلوم الطبيعية تقول أن كل الحقائق تكمن في الطبيعة نفسها. والعلم هو اكتشاف تلك الحقائق بلا حاجة لوحي أو دين يفسرها.
 
هكذا يبدو حال الإنسان مشدوداً بين حقائق أنثروبولوجية تتحلق حول الدين؛ وحقائق تجريبية معرفية تنكر الدين.
 
الإنسان المعاصر يعيش انفصاماً يزيد من شقائه الذى جلبته إليه ظروفه النفسية القلقة. فآماله أوسع من واقعه. ورغباته أضخم من قدراته. تمزقه الفجوة بينما هو كائن وما ينبغي أن يكون :
كأن عدة أرواح تقوم به
                  فليس يهدأ ولا تهدأ رغائبه !!

على طول تاريخ الإنسان الفكري المدون ظهر التعارض بين مقولات الدين وبين المقولات العقلانية. هذا التعارض تطرق إليه كثير من فلاسفة المسلمين في محاولة للتوفيق بين المقولتين على نحو ما ورد في كتاب ابن رشد : فصل الكلام فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال؛ وابن طفيل في كتابه : حي بن يقظان ... وهلمجرا.
 
وفي العصر الحديث صار لمقولات العقل والعلم الطبيعي هيمنة كادت تطرد مقولات الدين. حاول بعض هلماء الطبيعة التوفيق بين المقولتين .. أمثال هالدين وتيران وغيرهما.
 
الكتاب الذى بين يدينا من أهم ما طالعت في هذا الباب.
 
الأخ فاروق محمد إبراهيم من علماء السودان الذين لم يشغلهم الاهتمام بالقضايا الوطنية والاجتماعية عن المسائل الفكرية بل كان دائماً حفياً بها وقد اتصل الحوار الفكري بيننا ثلاثة عقود من الزمان لم يفتر أثناءها توقده الفكري وتصديه للحقيقة.
 
إن اختياره ترجمة هذا الكتاب جزء لا يتجزأ من الاهتمام بالقضايا الفكرية المعاصرة. والترجمة ليست مجرد استبدال رموز أجنبية برموز عربية بل توجب استيعاب مفاهيم متطورة في لغة أخرى وهى عملية فكرية معقدة. نعم اللغة العربية لغة غنية جداً بمفرداتها ومشتقاتها ولكنها قاصرة عن استيعاب كثير من مصطلحات العلوم الحديثة لأنها اشتقت وعُرفت خارجها. ويزيد الأمر صعوبة أن الترجمة جزء من تطوير اللغة مما يوجب درجة من التنسيق لتوحيد المفاهيم والمصطلحات.
 
إن اطروحة هذا الكتاب تتلخص في الآتي :
* الإنسان ينفرد بين كافة الكائنات الحية بالوعي بذاته. انه يعلم أنه حي وأنه يواجه ظروفاً متقلبة وأنه سوف يموت.
* هذا الإدراك الذاتي هو الذى دفع الإنسان للبحث عن معنى الحياة والبحث عن معنى الحياة هو الذى جعل الإنسان يتطلع للمعاني الروحية والخلقية والجمالية.
* هذا الوعي بالذات نشأ في دماغ الإنسان نشأة طبيعية.
 
هكذا ومن داخل المعرفة العلمية الطبيعية يصل مؤلف الكتاب، ثيودوسيوس دوبجانسكي، الى نشأة الأخلاق والدين في حياة الإنسان.
 
بهذه الاطروحة يعتقد دوبجانسكي أنه قدم تفسيراً طبيعياً للمقولات الخلقية والروحية والجمالية التى تداولها الإنسان.
 
لكن مازالت أمامنا عقبات فكرية هائلة. فـ دوبجانسكي يرى أن المادة أوجدت تلقائياً، وان الحياة انبثقت في المادة من تلقاء نفسها وأن الوعي الإنساني الفريد نشأ تلقائياً في الكائن الحي المسمى الإنسان، وأن المصير الكوني والإنساني يعتمد على تطور ذاتي الى نهاية الكون.
 
يمكننا أن نفهم التطور داخل المراحل الأربعة الآتية؛ ولكن حتى الآن يصعب علينا أن نفهم الانتقال من مرحلة الى مرحلة. تتعلق الصعوبة بالآتي:
* من العدم للوجود
* من الوجود الجمادي للحياة
* من الحياة للوعي الإنساني
* مصير الوجود
 
إذا سلّمنا بالوجود المادي فلا اشكال لأن الوجود المادي محكوم بقوانين الفيزياء والكيمياء. وإذا سلّمنا بوجود الحياة فلا اشكال لأنه بعد ذلك محكوم بقوانين البيولوجيا. كذلك إذا سلّمنا بوجود الإنسان فانه بعد ذلك محكوم بنظريات السيكولوجيا، والسوسيولجيا، والباراسيكولوجيا، والأديان المقارنة وهلمجرا. أي محكوم بقوانين العلوم الإنسانية التى يمكن أن يكشفها التطور العلمي في المجال الإنساني والاجتماعي... وهو تطور لازال في مراحله الأولية إذا قيس بتطور قوانين العلوم الطبيعية.
 
دوبجانسكي يقول ببساطة مدهشة أن علينا أن نعد التحول من مرحلة الى مرحلة تجاوزاً ذاتياً فالوجود المادي تجاوز ذاته ليوجد الحياة وهكذا.
 
أمامنا لتفسير الانتقال من مرحلة الى مرحلة أخرى أربعة تفسيرات هى :
* الآلية
* الحيوية
* وحدة الوجود
* الوحي
أيهما أعقل؟ أيهما أفضل؟
 
أولاً، ليس للعلم بمقوماته المعهودة قول في هذا المجال لأن العلم يعني بالمفردات المشاهدة أما الأحداث التى تقع خارج نطاق المشاهدة فلا يمكن للعلم أن يعطي رأياً قاطعاً في شئ يقع خارج التجربة الإنسانية. هذه الاستحالة هى التى أشار إليها النص القرآني : "ما أشهدتهم خلق السوات والأرض ولا خلق أنفسهم".
 
ثانياً، ليس للعقل وسيلة لحسم الجدل فالعقل لا يستطيع أن ينفي أو يثبت صحة النظريات المتعلقة بالانتقال من مرحلة الى أخرى.
 
وسائل المعرفة الإنسانية ثلاث هي: التجربة، والعقل، والالهام (الوحي درجة عليا من الالهام).
 
إذا سلّمنا أن التجربة لن تسعفنا في معرفة مراحل بطبيعتها تقع خارج التجربة مثل الانتقال من العدم للوجود ومن الوجود للحياة. وإذا سلّمنا أن الوسائل العقلية لن تجدينا في معرفة أمور تقع خارج المدركات العقلية .. لا يبقى أمامنا للمعرفة إلا وسيلة واحدة هى الالهام.
 
دوبجانسكي يقول ان الآلية كأساس للانتقال من مرحلة لمرحلة غير مُرضية. ويقول أن الحيوية التى تفترض وجود عنصر خلاق كامن في المادة تسبب في نشأة الحياة ثم فى نشأة الوعي الإنساني غير صحيحة. ويستبدل الفكرتين بفكرة التجاوز أو القفز من مرحلة الى مرحلة.
 
هذه الفكرة كبديل للآلية وللحيوية تزيد الأمر غموضاً. تماماً مثل الكسب لدى الأشعري الذى رفض مفهوم حرية الاختيار الذى قال به المعتزلة ورفض مفهوم الجبر الذى قال به المجبرة واستبدالهما بمفهوم غامض سماه الكسب لا هو جبر ولا هو حرية اختيار !!
 
اننى أوافق دوبجانسكي في ثلاثة أمور هامة :
1- أوافقه أن التطور الكوني والبيولوجي هو أكثر نظرية معقولة لتفسير التدرج والتنوع داخل المراحل الأربعة.
2- أوافقه أن القيم الروحية والخلقية والجمالية ضرورات حياتية يوجهها تكوين الإنسان وبحثه عن معنى الحياة.
3- أوافقه أن المراحل الأربعة قفزات في الوجود من حال الى حال.
 
ولكنني أخالف دوبجانسكي في قضية هامة هى اعتبار مفهوم القفز أو التجاوز أو التحول الذاتي كاف لتفسير الانتقال من حال الى حال.
 
وأقول أنه من بين الخيارات الأربع أي : الآلية - الحيوية - وحدة الوجود - الوحي؛ فإن الوحي أكثرها معقولية ثم هو أيضاً أنفعها.
 
تفسير التحول من مرحلة الى مرحلة عن طريق الوحي أكثر معقولية وأكثر نفعاً. وإذا توافرت للإنسان شفافية روحية أمكنه أن يوقن يقيناً عن طريق الوحي الذى يخاطب قليلاً من البشر أو الالهام الذى يمكن أن يحدث لكثير من الناس.
 
هذا النوع من المعرفة الالهامية تجربة ذاتية لا تنتقل من شخص الى شخص إلا عن طريق التصديق. التصديق والاقتداء هما أساس انتشار المعارف الالهامية من شخص الى آخر. غالبية الناس في هذا الصدد ليس أمامهم سوى البحث عن رسالة وحي وتصديق صاحبها إذا توافرت شروط التصديق. وعلى كثرة ما كتب في فلسفة الأخلاق فاننا لا نستطيع أن نحدد السلوك الخلقي القويم عن طريق التعريفات المجردة.
 
سئل سقراط : تتحدث عن الوسط الذهبي. كيف نهتدي إليه؟ .. قال : الوسط الذهبي يستحيل إدراكه نظرياً ابحث عن حكيم ثم قلده !
 
هذا الكتاب قيم لأنه يقفل الباب أمام المادية الصماء ويقدم أطروحة تجعل البحث عن معنى الحياة والتطلع الروحي والخلقي والجمالي في عالم الإنسان جزءاً من تكوينه البيولوجي. البحث عن معنى الحياة ضرورة حياتية للإنسان. ضرورة يفسرها دوبجانسكي تفسيراً طبيعياً يهزم المقولات المادية. ولكنه لا ينتصر للمقولات الايمانية وإن أكدَّ أن لها مبررات طبيعية. وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟
الصادق المهدي

للمزيد من االمقالات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved