وحتى الآن لم تتقدم المجموعة الأوربية بمشروع قرار ضد السودان, ولكنها تقدمت بورقة NON-PAPERللمجموعة الأفريقية رسمياً وطالبتها بتعديل مشروع قرارها حول السودان الذي ستقدمه أمام اللجنة في الأيام القادمة و ذلك بتضمين ما ورد من تفاصيل في تقرير لجنة التحقيق الدولية حول دارفور والتي تتعلق بالإنتهاكات الإنسانية في فقرات المشروع الذي تتبناه المجموعة الإفريقية الذي ينص على إدراج السودان تحت البند ال19 (بند التعاون الفني والخدمات الإستشارية لتعزيزوحماية حقوق الإنسان) وذلك لتجنيب السودان مشروع الإدانة تحت طائلة البند ال9 مستندة في ذلك على المبادئ الهادئة لإتفاقية السلام, وما زالت المشاورات على قدم وساق, واقتراح المجموعة الأوربية لتعديل فقرات المشروع الإفريقي وضع المجموعة الإفريقية بين أمرين أحلاهما مر أما أن تقبل بتقرير لجنة التحقيق الدولية كمرجعية لمشروع قرارها وهذا يعني أن السودان منتهك للصكوك الدولية لحقوق الإنسان خاصة وأن السودان أعيد ترشيحه لعضوية اللجنة في الدورة قبل الماضية و التي تضم في عضويتها 53 دولة من أصل191 دولة عضوء في الأمم المتحدة, والخيار الثاني أمام المجموعة الإفريقية هو أن تتقدم المجموعة الأوربية بمشروع قرار ضد السودان وفي ذلك فليتنافس المتنافسون و المرجح أنه في حال عدم استجابة المجموعة الإفريقية لمقترحات المجموعة الأوربية ستقدم الأخيرة مشروع قرارها مستندة على تفاصيل لجنة التحقيق الدولية.
و المجموعة الإفريقية بإصرارها لتمرير مشروع قرارها تريد أن تؤكد نشاطها وحيويتها وأهليتها في معالجة القضايا المتعلقة بالقارة السمراء بعد أن زاقت طعم النجاح في معالجة ملف حرب داحس والغبراء في جنوب السودان تحت مظلة الإيقاد وتحرص على ترسيخ استراتيجية و آلية قوية لمعالجة قضايا القارة السمراء بدلاُ من الوصايا الدولية و لكن رغم كل هذه السيناريوهات تظل أعمال اللجنة مفتوحة على المفاجاءات والإحتمالات. ويظل صمت المجموعة الأوربية حيال ملف السودان وعدم تسرعها لتقديم مشروع قرار إدانة هو استراحة محارب وليس استجابة لخيار المجموعة الإفريقية خاصة وأن المقررالمستقل Independent expert الخبير الغاني السيد أدو لم يقدم تقريره حول السودان ومن المتوقع أن يقدمه في نهاية هذا الأسبوع . ومن خلال متابعاتي لملف السودان من داخل القاعة 17 التي تستضيف اجتماعات لجنة حقوق الإنسان بصفة دائمة المشهورة بالمعارك و المرافعات والإتهامات وتصفية الحسابات, إن إفلات السودان من فخ العقوبات صعب التنبؤ به إلا بعد اجراء التصويت على مشروع القرار المقدم من أي جهة كانت ولا زالت المفاجأة الأوغندية عالقة في الأذهان عندما أكدت أوغندا تضامنها مع المجموعة الإفريقية لإسقاط قرار المجموعة الأوربية في الدورة 58 وعند اللحظات الحاسمة فوجئ الجميع بإمتناع أوغندا عن التصويت ليظل السودان تحت البند التاسع بفارق صوت واحد وكانت نتيجة التصويت 25 مع القرار و24 ضد القرار و البقية ممتنعه عن التصويت. في الوقت الذي امتنعت فيه أوغندا عن مساعدة السودان في الخروج من غياهب البند التاسع كانت قواتها تسرح وتمرح في جنوب السودان للبحث عن فلول جيش الرب بعلم الحكومة السودانية.
المجموعة الإفريقية أصبحت ركن شديد يأوى إليه السودان بعد أن انتهجت استراتيجية راسخة برفضها التام للتمشي الأوربي نحو ادانة دول الجنوب وتململها من المزاج الغربي الذي يتحكم في معايير حقوق الإنسان وهذا ما أكده بكل صراحة ووضوح وزير العدل على محمد عثمان يس في لقائه الصحفي على صفحات Swiss info السويسرية حين قال:- ( أقول بصدق نحن نرجع إلى إخواننا في الإتحاد الإفريقي وممثليهم هنا هم الذين جاءوا بمشروع القرار وقدموه للإتحاد الأوربي). ولكن هذا لا يعني أن يستكين السودان للمجهود الإفريقي في لجنة حقوق الإنسان فعليه أن يبذل المزيد للإرتقاء بملف حقوق الإنسان رغم أن اللجنة تعاني من تصدع في مصداقيتها ومن انتقائية في قراراتها القطرية, هذا ما أجمعت عليه المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان حيث طالبت الأعضاء ال53 من خلال الدورة الواحد والستون المنعقدة حالياً بجنيف بضرورة اجراء اصلاحات في أداء اللجنة وما وصلت إليه من تسيس وجمود وحتى اللجنة التي كونها الأمين العام كوفي عنان لجنة الخبراء رفيعي المستوى High Level Panel لتقييم أداء مؤسسات الأمم المتحدة وكيفية تحسينها, قد توصلت إلى قرارات مفادها أن لجنة حقوق الإنسان تعاني من تصدع في مصداقيتها ومن ابتعادها عن الحرفية (شهد شاهد من أهلها) وأوصت بضرورة توسيع عضوية لجنة حقوق الإنسان لتشمل أعضاء منظمة الأمم المتحدة ال 191 والمبادرات التي انهالت على الأمين العام لتصحيح مسار المنظومة الدولية تؤكد على ضروة مراجعة المنظمة إلى أدائها وسويسرا كبقية الدول التي يؤرقها أداء المنظمة الدولية على رغم حداثة سنها في انضمامها للأمم المتحدة تقدمت بمبادرة للأمين العام كوفي عنان تدعو إلى إمكانية اقامة مجلس دولي لحقوق الإنسان على قرار مجلس الأمن ليهتم بقضايا حقوق الإنسان. وهناك عدة سيناريوهات منها مقترح منظمة هيومان رايتس ووتش Human Rights Watch الأمريكية الذي ينص على أن تقصي لجنة حقوق الإنسان من عضويتها الدول التي ترتكب انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان وهناك من يطالب بتعزيز عمل ميكانزمات الدفاع عن حقوق الإنسان بزيادة الميزانية لمفوضية حقوق الإنسان بدلاُ من تركها عرضة لضغوط الدول التي تقدم مساعدات طوعية لتنفيذ سياستها من خلال اللجنة.
ولكن لا مجال لمقايضة أمن البشرية بما تجود به دول الشمال الغنية من دراهم ودنانير لخزينة المفوضية السامية لحقوق الإنسان مما أدى إلى انتكاسة في مجال احترام وصيانة حقوق الإنسان! و ليس بإمكان أحد التنبؤ بما تجود به الأيام لملف السودان في لجنة حقوق الإنسان المنعقدة منذ 14مارس الجاري والتي ستستمر حتى 22 يناير القادم لمناقشة قضايا مصيرية مثل التمييز العنصري وكراهية الأجانب وأوضاع الشعوب التي ترزخ تحت نار الإحتلال والإنتهاكات الإنسانية وغيرها كثير من الملفات التي تقع تحت طائلة القانون الدولي الإنساني.
__________________________________________________