مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

الــــنــــكــات مــفــاهــــيـــم الــجـــزء الأخـيـر بقلم / عبد الماجد عباس محمد نور عالم

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/21 1:42م


بقلم / عبد الماجد عباس محمد نور عالم

كل حاجه لله الجكة دى لله و الجريه دي لله كل كل لله .. رجالاً يحملون السنين و يركضون خلف الآسي و التعب تتلاحق أنفاسهم و العرق سائل يطغى على الوجوه , و الجباه حرقتها الشمس بهجيرها فصلاها , والحيرة تتسكع في أعين أطفال الحي و الأسئلة تتساقط من بين جفونهم و رموشهم و التوجس و الريبة طالت من أعينهم لتستجلى كنه هؤلاء الرجال ذوي السراويل البيضاء و الخطوات المتثاقلة و الأنفاس اللاهثة المضطربة لا بد أنهم ثلة من عجزة المساجين أو بعض (المضامين ) يقضون جزءً من أحكامهم الشاقة و لا بد أنهم من عتاة الإجرام .. و لكنهم الآن عجينه هينة لينة و طائعة مطوعة بيد هذا الشاب الحدث الغرير صغير العمر و الخبرة و ماذا في الأمر لو أنه رق و رحم هذا الشيب المتناثر علي الرؤوس أو تلكم الصلع البراقة في وهج الظهيرة بدأت القافلة تميل في ركضها نحو الأشجار الظليلة المنثورة قرب جدران المنازل و أخيرا قرر ذلك الغرير أن يرخي العنان للقافلة و القي لهم الخطام فتفرقوا بين الأشجار و صاروا ينادون الأطفال ألا أن هلموا إلينا و أفيضوا علينا الماء تدافع الأطفال متسابقين لسقياهم ثم جلسوا في راحة.. تلك كانت كوكبة من فلذات السودان و نجوم مجتمعها مهندسين و أطباء و معلمون ... الخ و قد كان من بينهم المرحوم عوض دكام طبيب الأرواح و الأسنان الذي ينداح راحاً علي الأرواح بخفة دمه فيجلوها و الأسنان يسطعها البريق بريقاً علي بريق ..كان حظه العاثر أن يسأله الصبي عمو يا عمو أنت شغال شنو فيرد بتلقائية و عفوية سقطت عنه عوامل الظروف المحيطة و تأثيرات الشكل و علاقته بالمضمون و جدلية الأثر و المؤثر فقال له عمك دا دكتور يا ولد و ذاك قولاٌ يكذبه الشكل و إن وعها المضمون و احتوها .. فصاح واحداً من الأطفال مزنزناً ( زن...زن...زن ) و هذه الزنزنة عبارة عن جرس من الإنذار المنبه و المبكر و المحرض لضبط المتحدث متلبساً بشطحته ضبطاً لا يستطيع منه فكاكاً وهى في نفس الوقت شكلاً من التعبير المهذب طرحاً و مضمون شفرتها لا يفكها إلا الراسخون في علم الشطحة و النطحة و المولعون بكشف كل فالتة منفلتة و الباحثون عن ضروب سعة القول و الهائمون بأوزانه و زناً و دوزنة ..
يقال أن جعلياً كان سائراً بجوف الليل وحيداً فريدا ثم مر بمنطقة خربة يُظنَ أنها مسكونة بالجن و الهوام و أذ بقطة تقفز فجأة بلا سابق إنذار (فيصوت) الجعلي من( الخلعة و المفاجئة ) فألتفت فلم يرى أحداً فقال لنفسه و الله دا لو كان شاقي كان( اسهل) عديل كده.

قلنا أن النكات في السودان تتقارع علي رؤوس القبائل متبارية ٍ متبارزة في حرب لا هودة فيها فلتجدن الشاقي صائداً متصيداً للجعلي بمكر ٍ ودهاء يفوق مكر دهقان ٍ تراخي العمر فيفتل له فتلةً من الحماقة و العوارة و التهور ثم يلصقها بالجعلي لصقا لا فكاك منه ثم لا يجد الجعلي بد من أن يفتري هو الاخر فرية تنتقص من قدر الشاقي و قيمته ليعطنه بصفة الخبث و سوء المكر و حب الوقيعة و الغادرة الدسيسة الماكرة و ..و.. و على هذا النهج يستمر التناطح بين جمع قبائل السودان في غربه و شرقه و شماله و جنوبه... تكاد المعالم أن تتشابه و الاركان تتطابق و يندر أن تخرج قبيلة تخرج من صفة تحقير عدوتها أو منافستها ولا تسعي لها منتقصة و حطتٌ من قدرها بشتى الوسائل و حتى لو كان اختلاقاً و ادعاء ً و ما أكثر الادعاءات و الاختلاقات فتلك إذاً فطرة ٌ متأصلةٌ بالمجموعات الاجتماعية التي تقوم علي العشائرية و القبيلة و نزعة الاعتداد و تضخيم الذات المتفشية في دول العالم الثالث وخاصة في بلدٍ كالسودان فهي بها متزرةً مستوزرة رداً و حكما و حتى انك تجد مؤسسات الدولة و تنظيماتها السياسية قامت علي هذا الولاء عاطفة و نشأة ثم صارت صيرورة تمنع و تعيق من تعميم هذا الولاء و تطويره تطويراً موسعاً ليشمل كل الوطن و لعل المؤسسات التنظيمية جاءت في الأصل و الأساس لتحول ضيق هذا الولاء و صغره إلى مساحاتٍ كبيرة و واسعة و من ثم تذوب هذا الارتباط القبلي المعيق لنشأة العاطفة القومية الواعية بالتنوع و الموحد لسمتها و نسيجها و لعل مشكلة السودان تنام اجنتها و جذورها هناك في تربة هذا الرفض القائم علي تحقير الآخر و انتقاص قدره سوى إن كان ذلك ادعاءً أو افتراءً و قوقعة الولاء القبلي و صدفة الانكفائية الفكرية المدعية للتميز و النقاء المستعلي بلا بصرٌ و لا تبصير و لعل النكتة تعمل كسجل الذات المتسربة فيتسرب من خلالها كل المترسب في الأعماق و يسقط دون وعي ٍ من العقل المتحكم و المصانع للدهن و المداهنة فينسكب هذا المخزون المترسب بتلقائية و عفوية .. ليجد النكتة كمرةً راصدة و مصورة لهذه الأعماق المضطربة و هذه بعضاً من لقطاتها و محاولة لقراءتها ..

و من طرافة النكات السياسية ما حكى عن ممارسة الإنقاذ و نظامه و ما جرى فيه من نكات فهو بالحق أثرى جواً و طقساً ينبت النكتة فانك تكاد تلمح لكل وزارة و مصلحة نصيباً مفروضاً من المضحكات فما أن أضحكت وزارة حتى تداعت لها الأخرى بالمقهقهات لتحتار علي أيهما تضحك فمن عجيب مصلحة الزكاة و توأمتها الأخرى مصلحة الضرائب فكانت لها في بدايات عهد الإنقاذ فن من فنون التقييم و أسلوبٌ من أساليب الجباية المخيفة و المروعة مما جعل الداخل إلى السوق تاجراً أو زائراً في خطرها الداهم و للتجار من هذا الروع الكثير فيقول لك مقيم الضرائب إن كانت قيمة بضاعتك خمسمائة ألف جنيها أنها تعادل مليون و تطالبك بنصفه فأن احتججت بأنها تبلغ نصف هذا المبلغ طالبوا بدفع مبلغ الخمسمائة أولاً لحين إعادة التقييم ... فقامت لهذا الملمح نكتة زعمت أن واحد ٍ دخل السوق و بينما هو يدعو يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم ... اللهم افتح علينا أبواب رزقك و بينما هو منهمك بطرق أبواب الرزق مستفتحاً فإذا بجاره يركض خارجاً من السوق بساقي نعامة ..فحركت فيه هذه الركضة الشمار فاسرع خلفه ليستجلي الأمر فتمكن من إيقافه ثم سأله : - يا أخي أنت جاري كدا مالك رد عليه قائلاً:- ديل ناس الضرائب جو السوق بقولو أي واحد عند رأسين بشيلوا منو رأس .
فقال له :- طيب أنت البجريك شنوا.
رد عليه قائلاً :- يا خوي الناس ديل أول حاجة بضمنوا حقهم بعدين بحسبوا .
لعل هذا الحال يغني عن السؤال .

لا يختلف الناس بالرغم من اختلاف مشاربهم و مجمل أهواءهم علي أن أهل حلفا قد جبلوا علي خفة الدم و طلاوة الروح و امتلاك ناصية المرح و قرابه فيصبوا في النفوس ما شاءوا من أنواع المرح صبا يفتر الثغر منه فترقص الأعماق منتشية من الحبور و يطرب كل ذوب لب ٍ و وقار و قد جاء أحدهم إلى داره عائداً من مكان عمله و كان ذلك في نهاية الشهر فإذا بزوجته منتظرة للماهية و بلهفة لتسد به رقع الديون المترسبة من الشهر المنصرم و ذلك أمرٌ يشكو منه كل ذو راتب لضعفه أولاً و لغلاء المعيشة و ركض السوق ثانيةً... فأذا بها تناديه يا محمد صالح أنت وين الماهية ... فرد عليها محمد صالح مطنطناً ...أصلوا الحكومة قالت ايه.. اتبرعت بنصف المرتب لدعم الانتفاضة الفلسطينية فقالت ليه طيب وين نصف الماهية الثاني فقال:- دا أنا اصلوا اتبرعت بيهو لليهود عشان يطلعوا صليبم .
عندما تريد الحكومة للناس أن يتفرعنوا فرعنة ً يتفوقون بها علي الفرعون نفسه و أن يكونوا بابويان أكثر من البابا و أعراباً أنقي تعرباً من الأعراب و أن يتفلسطوا أكثر من الفلسطينين أنفسهم فلا يكون المردود آلا عكس المقصود فكل أمر ٍ جاوز الحد انقلب إلى الضد ... تري كم من حدٍ قد جاوزوه و كم من قيمةٍ قد حاولوا تقويمها فقوضوها و كم من عاطفة أرادوا إزكائها فباندفاعهم و غلوهم بددوها وضيعوها و لله المشتكي و لا حول و لا قوة آلا بالله .. و صار أمرهم كأمر الدب الذي أنقذه رجلاً من شوكة كانت برجله فتبعه و الرجل سائر و لما أجهد التعب الرجل تظلل بشجرة و نام و لكن ذبابة مثل ذبابة د / محمد عبد الله الريح تمرست في الثقالة و تموضعت في السخافة لا تكل و لا تمل من الانتقال بين الجفن و الآنف و صديقنا يبحث عن غمضه و لكن المقلقات الطوائر لا يتركن من للنوم سائر .. و هكذا يأبى من طوق الجميل عنقه إلا أن يرده فما كان الدب إلا أن اخذ صخرةً ركينةٍ متينة ثم صار يترصد الذبابة حتى إذا استقرت بعين صاحبنا لم تلبث الصخرة آلا قليلا فبعثرت الرأس مزقاً مزقا .. هذه صخرة ٌ و الراتب صخرةٌ أخرى و الأمر مشدود ٌ بعضه إلى بعض شدا و اللبيب بالإشارة يفهم .. فهل فلح خصم المرتب في دعم الانتفاضة أم جلب عاطفة محمد صالح لمساندة الثورة الفلسطينية فماذا تقول لهذه النكات الغنية المضامين فهل عجز ساستنا عن قراءة هذه الإشارة و المؤشرات فأضلونا السبيله و ما لهم آلا ينسجمون و يتناغمون مع هذا الوطن الشعب .
و لعل شعر الهجاء و ادب القفشات و الارجيز جزءٌ لا يتجزأ من ادب المسامرة و التبارز بين الأشقاء الشعراء كمبارزة الفرسان بالسيوف بغرض إجادة فن القتال و التمتع بممارسة الفروسية فهاهو ذا من السودان الدكتور البرمكي يمد رمح أبياته ليصيب الشاعرة البرمكية في انفها فتقارعه أنفاً بأنف و البادي اظلم ..
فقال البرمكي :-
يا ذات الأنف التفاحة انفك في وجهك واحة
فوهات كهوف ٍ مظلمة ٍ الآفات ترتع فيها مرتاحة
ثم ترد عليه الشاعرة البرمكية مهتاجة ً محتجة وهي تدافع عن انفها و تقزعه واصفة ً انفه بالانديزي الذي أحار جبال الألب في تضاريسه فقالت :-
لقد قلت قولاً باطلاً و زعمت زعما ً مفترى
حاشا لست مثلك إذ حملت الشامخات من الذرى
الألب والأنديذز فيك تحيرا و هلل الأماتونج و كبرا

لا تعرف هل الحديث هنا عن طور بورا و كهوفها و أخاديدها و متاهاتها المظلمة ما أخافت الأمريكان و وفرت ظلمة كهوفه حصناً آمناً للقاعدة و لكن الاماتونج يخبرك أن الجغرافيا الطقسية لهذا النص سوداني الاصل و الملمح ثم أن العهد فيه أيضا اشار الية العبارات فالتهليل و التكبير شاع في عهد الإنقاذ و ارتبط بالجنوب و عرس الشهيد ... و هكذا دائماً يكون النص فضاح والكتابة تعرية للنفس و للذات و العقل ما يبصر ما لايبصر العامة و يقرأ ما وراء السطور و الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء .
قلت أن السياسة مازالت تكشف عن عمق جذرها المتجذر مكانة ً و تمكناً في ضمير هذا الشعب الذي أثقل منكبيه ميراث المحن المتداعية تداعي الآكلة فماله أكثر السخرية و أطال و عاش عليه ردحاً من الزمن و الزمان لا يعيي و السخرية لا تنتهي و البسمة قد تكون كاستلال الشوك من ذابلات الورود فجاء الشعر محتجاً علي النكتة ليست بالنثر فقط ... فتجادع أبياته و تقطع تفعيلاته و دوزن قوافيه وزنزنه موضوعاته جاكة ٌ بعد جاكة .. فها قد اطل علينا القلم المبدع في سدره الليلي حطاباً يحتطب شعراً يصور صراع القصر و الشيخ الترابي فتفردة شاشة دكتور البوني عبر عموده الشهير حاطب ليل فأخرج لنا من كتشينة منتصف الليل سرداً للذي حدث مهنئاً لنا النجاة من المصايب و لكن الزمان خياب للأمنيات و التمنيات .

ربك لطف جنب بلادنا مصايب
أمريكا كانت خلت بلادنا خرايب
الولد الحريف بسرعة لمه الورق
بوص قام جدع فك ليك الشايب
أو كما قال ليثبت أن ادب الكوشتينة ليست حكراً علي السياسة الامريكية و حدها و أي واحد يلعب كشتينتو و لو عشر طيبه أو بصرت لو أردتها أو كش الشايب (قص ) و هاك (الاتو) دا
لا شك من أن المجتمع يبدع و يعبر عن مكنوناته بوسائل عديدة جادة و ساخرة طريفة أو عنيفة نتيجة لملابسات الظروف المحيط به و للسياسة في ذالك القدح المعلى و النكتة واحدة من أشكال هذا التعبير و هي جديرة بالدراسة و المتابعة .


للمزيد من االمقالات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved