جنجويد أوربا الطليق.. وحوار بنفس هادىء
ظلت وتيرة كراهية الاجانب فى المجتمعات الأوربية تتصاعد ونصيب المسلمين من هذه الكراهية هو نصيب الاسد ذلك ان لم نقل أن أعمال العنف والاضطهاد تستهدف فى الأساس المسلمين وليس غيرهم. وتأكيدا لذلك فأن المسلم الأوربى بالميلاد لم تسعفه حقوق المواطنة فى بلاده الأوربية من أن يجد الحماية والرعاية ولو بحكم القوانين السارية وليس بقوانين خاصة كما هو حال بعض الجماعات الدينية أو العرقية التى شرعت لها قوانين اضافية لحمايتها، كاليهود مثلا، الذين تتبارى الحكومات والبرلمانات الغربية فى توفير الحماية لهم رغم عدم حاجتهم لها بسبب أنهم لم يعودوا أقلية يمكن اضطهادها أو تعريضها لتجارب الماضى المريرة. فهى الآن صاحبة مال وقرار. وصاحبة دولة قوية يحج ويتقرب اليها كل من يريد أن يتولى مقاليد الأمور السياسية فى بلاده، وهى تخيف العالم العربى والاسلامى من طنجة الى اسلام أباد بترسانتها النووية وحمايتها الدولية ومصالحها التجارية ونشاطاتها الاستخباراتية وسيطرتها الأعلامية التى تقلب المفاهيم وتصورها على أنها هى الضحية. وحقيقة الأمر أن العرب والمسلمين فى بلاد الغرب أوضاعهم مأسوية. فالدولة التى يعيشون على ترابها لا تعترف لهم بحقوق ولا تسمح لهم بطرح قضية. فما يقع فى العراق ينعكس على أوضاعهم وما يجرى فى اسبانيا يدفعون ثمنه. وفى آخر الأمر فان بعض بلاد المسلمين محتلة والأخرى أموالها منهوبة وارادتها مسلوبة ولسياسات الغرب طائعة مجيبة. ووضع بعض العرب والمسلمين فى سجن أبوغريب بحراسة أجنبية وآخرين من الفلسطينيون فى سجن كبير أسواره الجدار العنصرى العازل، وبعضهم فى المنفى والشتات بسياسات اسرائيلية. فى مقال سابق تحت اسم "اليمين الأوربى المتطرف ومصير المسلمين" تعرضت الى بعض وقائع التهديدات التى تعرضت لها احدى الشركات البلجيكية فى اقليم فلاندر بسبب استخدامها لمسلمة بلجيكية محجبة، وكيف أن صاحب الشركة ومستخدمته المسلمة قد قابلوا ملك بلجيكا طالبين منه المناصرة والحماية بعد أن فقدوا الأمل فى حماية السلطات التنفيذية لهم والتى لم تحرك ساكنا لازاحة شبح ذلك الارهاب الشاخص برأسه وقرنيه.. وبدلا عن ذلك بررت تصرفات تلك الاحزاب على أنها تقع ضمن حرية الممارسة الديمقراطية وان خرجت عن النص وهددت أرواح الناس بالقول والفعل. وهذا يشبه ما قاله أحد الامريكان من أصل أفريقى بأن من يدمن المخدرات من البيض يجد الرعاية فى المستشفيات على أنها حالة مرضية أما من يدمنها من السود فالحبس وراء القضبان أولى كونه يهدد الامن والسلم للمجتمع الأبيض. والمسلمون يحاسبون فى دولهم وترصد حركاتهم وسكناتهم وما يصدر فى صحفهم الشاحبة وفضائياتهم العاجزة وتصريحاتهم التى لا تخيف فأرة وكل ما يصدر عنهم من قول انفعالى تتناوله مراكز البحث ووضع السياسات ومحاربة السامية ومكافحة الارهاب لتأوله وتحاجهم به فى المحافل الدولية تحت مزاعم الأعمال الارهابية أو معاداة للسامية. يقينى أن هذه الحجة يمكن أن تكون منطقية لو أن الغرب، الذى ظل يحدث الناس بأستاذية عن القيم والعدالة والديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان وعدم التفريق بين الناس بسبب اللون أو العرق أو الدين، اعترف بأن للمسلمين حقوقا وأن للفلسطينيين أرضا محتلة ومسلوبة وعمل على ارجاع الحق لأهله وسعى جادا للصلح بين الفرقاء، وحينها يمكن أن يوصم من يخالف تلك السياسات أو يعادى سامية أو يقوم بأعمال ارهابية بما ينبغى من أوصاف وأن يفرض عليه ما يستوجب من عقوبات.. ولكن، ولكن.. ما هى تلك الأسس والمعايير الأخلاقية التى يستند عليها الغرب ونساء وأطفال فلسطين يدخلون يوميا المحرقة الاسرائيلية؟ ومن الذى أمر وشجع جنود الاحتلال فى العراق على القيام بفظائع سجن أبوغريب، التى ستظل جرحا نازفا فى مشاعر كل مسلم ومصدرا لمرارات تدفع ببعض شباب الاسلام الى التعبير عنها بصورة فيها كثير من المخاطر والعنف، ما زال الفاعلون الحقيقيون لهذه المهانات من الكبار طلقاء، وهم يدعون خلاص وحرية الناس من جور صدام الى عدل بول بريمر، وهم ما زالوا طلقاء يتبادلون الادوار بينهم ويدفعون بحفنة قليلة من الجنود المأمورين ككبش فداء لجرائمهم وتكفن وتدفن فضيحة العصر الحديث بخرقة بالية لم تستطع ستر الرجلين كتب عليها بيد راجفة "تصرف بدوافع شخصية". هؤلاء لم يقرأوا ما جاء فى كتابنا العزيز:" لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى"(البقرة 256)، فأرادوا أن يكرهوا أهل الاسلام على اتباع غير دينهم فأصبح شيوخهم يتدخلون فى مناهج المسلمين كأنما أصبحوا هم شيوخا للاسلام لا شيوخا للبرلمانات .. ولا ما جاء فى القول المأثور على لسان سيدنا المسيح "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". تجاوزوا كل هذا كأنهم بلا خطيئة فراحوا يقيمون المحاكم وينصبوا المشانق فى كل أنحاء المعمورة لتأديب كل من يخالف أمرهم أو يرفع صوته فى الصلاة الجهرية أو تحدثه نفسه بتمنى حور الجنة.. ذلك فى نظرهم تفكير ارهابى..وفكر متخلف يستفز مشاعر الغربى مثلما تخيفه وتستفزه قطعة قماش على رأس فتاة مسلمة وضعتها حتى لا يستبيح عفافها شباب أفلام العنف ومعاقرة المخدرات وعديمى الاخلاق والقيم " يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" سورة الاحزاب الآية(59). فأصبحت فتيات المسلمين مشردات من المدارس لا تزرف عليهن دمعة فى مجتمعات ضاقت بالتعايش مع الاسلام.
لان كانت مليشيات الجنجويد هى الوجه المرعب، والذى تعمل بعض المنظمات الغربية العاملة فى دارفور على تسويقه دوليا خاصة لدى مواطنيها وحكوماتها وبرلماناتها، واختزال الصراع ونسبة الفظائع كلها فى دارفور لهذا البعبع، فان ما يماثل هذه الصورة فى بلاد الغرب هى ظاهرة تنامى الاحزاب اليمينية المتطرفة التى جعلت الاسلام والمسلمين لحمة نشاطها ودائرة حركتها، وهى الجنجويد الأوربى الطليق التى تريد أن تعاقب المسلم بجريرة أخيه المسلم وان كان الآخر فى أندونيسيا أو فى العراق. وفى الغرب ينسب خطأ المسلم الى دينه ولا ينسب خطأ المسيحى أو اليهودى الى دينه. ولتشويه صورة الاسلام تظل السلطات وأجهزة الاعلام تنسب أى عمل غير صالح صادر من مسلم أو يحمل اسما من اسماء المسلمين أو قادم من بلاد المسلمين بنعته بالمسلم أو بالعربى. وقد شهدنا فى حرب الجنوب المتطاولة كيف ظلت التغطية الاعلامية للمسألة تدور. فقد ظل كل تقرير أو خبر عن السودان يزيل، خاصة على صفحات الانترنت، بوصف أن الحرب فى الجنوب هى بين الشمال العربى المسلم والجنوب الافريقى المسيحى الوثنى. ولماذا اقتران الوثنى بالمسيح وبالجنوب مسلمون؟ لأن الرسالة تقتضى أن يوصف المسلمون بأنهم أشرار لا يشبهون الآخرين. ولما رسخت هذه الصورة بتطاول الزمان فى أذهان العامة فى الغرب أراد مروجوها اعادة تغليفها وترويجها على أن الصراع فى دارفور بين العرب والأفارقة مما أوغروا فى صدور البسطاء ببعض الأحداث والاحتكاكات التى تحدث لتصبح عندهم قاعدة وليس أمرا استثنائيا طارئا.
ان حادثة اغتيال السينمائى الهولندى ثيو فان قوخ فى نوفمبر من العام الماضى على يد مسلم متعصب بسبب محاولة الاول انتاج فيلم يسىء للاسلام كان لها أن تأخذ سبيلها للمحاكم فى جريمة جنائية يعاقب فيها المذنب على ذنبه دون ادخال المسلمين فى هذا النفق المظلم وهم لم يفوضوه لفعل فعلته هذه. ولو كانت الاحداث الأحادية مدعاة لأخذ الآخرين بجريرة غيرهم فأهل الاسلام يحتفظون بسجل زاخر من اعتداءات الأفراد والأحداث المبرمجة مثل فظاعات أبوغريب التى كان أهون لضحاياها الموت بكرامة من أن تكشف عوراتهم ويكدسون فوق بعضهم وتغتصب أعراضهم أمام أعينهم وهم مكتوفى الأيدى، حسب الوصفة السحرية التى استجلبت من محرقة غوانتانامو، امعانا فى اهانتهم وانتزاعا لاقوال واعترافات علها تستر عورة الفاعليين.. اذا لم تكن هذه المعتقلات هى بيوت الأشباح الحقيقية فبماذا نسميها..هى محرقة ولكن ليس للاجساد وانما محرقة للكرامة والقيم؛ تلذذ فيها عديم الكرامة باحتراق الكرامة لتظل غصة فى حلق كل مسلم حريص على كرامته معتز بقيمه. وكما جاء فى مقال الكاتب الصحفى بالأمم المتحدة بجنيف طه يوسف تحت عنوان "هل تقع أمريكا فى فخ عقوبات لجنة حقوق الانسان بجنيف" والذى نشر فى موقع سودانيزاونلاين بتاريخ 18 مارس الجارى أن لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان وهى تنعقد بجنيف الآن فى دورتها 61 تتعرض لانتقاد بسبب تآكل مصداقيتها؛ حيث طالب السيد كينيث روت المدير العام لمنظمة هيومان رايتس ووتش الى اجراء اصلاحات جذرية فى اللجنة لاستعادة مصداقيتها. أما مدير منظمة العفو الدولية فقد أشار الى التجاهل المشين للجنة طيلة السنوات الماضية لانتهاكات حقوق الانسان فى دول مثل الولايات المتحدة الامريكية خاصة فى معسكر غوانتانامو وما تقوم به روسيا فى الشيشان. وفى اتهام تقدمت به منظمة هيومان رايتس للجنة الدولية لحقوق الانسان طالبت فيه ادانة عمليات اختفاء المحتجزين فى أمريكا وما يتعرضون له من تعذيب واساءة معاملة فى اطار الحرب المعلنة ضد الارهاب. وأشارت الى أن هناك 550 معتقلا فى معسكر غوانتانامو تحاكمهم لجان عسكرية لا تتوفر على أسس المحاكمات العادلة. واتهمت المنظمة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكى بالموافقة على اخضاع المحتجزين بتهم الارهاب لتحقيقات تنطوى على اجبارهم للاعتراف أو الادلاء بمعلومات، وهو ما يتعارض مع مواثيق جنيف والمعاهدات الدولية التى تحظر استخدام التعذيب لانتزاع المعلومات. ولكن المنظمة أشارت الى أن وزير العدل الامريكى الجديد ألبرتو غونزاليس زعم أن تلك المواثيق لا تنطبق على معاملة غير الامريكيين فى الخارج، كأنما غير الامريكى ليس بشرا أو كأنما المواثيق الدولية شرعت لتحمى الغربيين دون غيرهم. وهذا ما يجعل من المسموح لوكالة الاستخبارات الامريكية استخدام وسائل تحط من الكرامة الانسانية؛ مثل التقييد بالسلاسل والاجبار على الجلوس فى أوضاع مهينة واستخدام الكلاب فى تهديد المحتجزين وتخويفهم بالتعذيب أو القتل أو أمرهم بخلع ملابسهم وتعريضهم للحرارة والبرد الشديدين أو الضوضاء والاضاءة الكاشفة أثناء التحقيق. وهذه الافعال تم استخدامها فى سجن أبو غريب وفى المعتقلات الأمريكية فى أفغانستان أيضا. كما اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش الامريكية وكالة الاستخبارات الأمريكية بالضلوع فى عملية منظمة لنقل المحتجزين بدون اجراءات قانونية الى دول مشهورة بممارسة التعذيب بشكل روتينى، الأمر الذى دفع عضو الكونغرس الامريكى ايرل بلامينور الى التحقيق فى أوضاع الشركة التى تتبع لها الطائرة المستخدمة فى نقا المعتقلين وهى من طراز بوينج 373 تحت اسم "غلف استريم" وتقع فى مدينة بورتلاند بولاية أوريغون. هذه الطائرة قامت بستمائة رحلة الى أربعين بلدا منذ هجمات 11 سبتمبر لنقل المشتبه بهم. وعودا لقصة المسلمة البلجيكية ذات الاصول المغربية وبعد سبع رسائل متتالية تفوح منها رائحة التهديد بالقتل قررت السيدة نعيمة ترك العمل فى تلك الشركة ولكن كبرياء صاحب الشركة، رجل الشرطة السابق، منعته من الاستسلام للابتزاز والاستغناء عن مستخدمته المخلصة. ثم عدلت السيدة عن ذلك وقلبت الطاولة على البربرية الجديدة بقرارها استبدال الحجاب بغطاء غربى يغطى الرأس مثلما أراد أتاتورك لنساء المسلمين فى التشبه بالافرنجة ولكنها أرادت احاطة شعرها بغطاء من البلاستيك وتوضع فوقه البرنيطة الأوربية، حيث قالت أن الحجاب جزء منها لبسته بقناعاتها وبما أنه ليس لأحد فضل الباسها اياه فانه ليس لأحد الحق فى نزعه منها. ولكن الرسائل عادت مرة أخرى وفى احشائها طلقات مسدس ولم تبذل السلطات المعنية ما يكفى لقطع دابر هذا الرعب وهى على غيره أقدر. وتزامنت هذه التطورات مع تجريم الحزب اليمينى الفلامنكى البلجيكى المتطرف للاجانب باعتبارهم ارهابيون وصدرت مجلة لشباب الحزب تدعو لاقليم فلاندر الحر (أى الخالى من الأجانب والأوباش) وصدرت لمسؤولين كبار أقوال تستخف بالمسلمين وتسخر من معتقدهم فلم تطال يد الأمن أو القضاء أى من أولئك أو تلكم الأفعال،،،