ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان
لو كنت هو! بقلم هاشم كرار
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 3/17 9:14م
ــ لو كنت هو لترددت مرتين‚ لا‚ لا لترددت ثلاث مرات‚ قبل ان أفكر في مخاطر العودة‚ الى السودان! كان ذلك حديثا‚ لأحد الفرنسيين‚ ذات امسية من امسيات «مونت كارلو»‚ في عام 1985 ‚‚ تحديدا في الرابع من ابريل‚ من ذلك العام‚ الحديث‚ بثته «مونت كارلو» من مطار شارل ديغول‚ بعد وقت قصير‚ من ضبط «لوفتهانزا»‚ كانت قادمة من نيروبي عبر الخرطوم‚ كانت الخرطوم‚ وقتذاك‚ تمارس غضبتها الكبرى‚ في الشوارع‚ وأزقة الحارات‚ ضد نظام جعفر نميري‚ كانت تتنفس برئة واحدة‚ هواء «مضمخا» برائحة الغاز المسيل للدموع ‚‚ وكانت حلاقيمها مجرحة بالهتاف: لن ترتاح يا سفاح! كان «السفاح» بحسب هتافات الخرطوم‚ في اميركا‚ وكان العالم كله يتابعه‚ وهو يهم بلملمة أشيائه على عجل من واشنطن للطيران الى الخرطوم ‚‚ وكان العالم كله يتابع الحلاقيم المجرحة بالهتاف‚ ويتابع «العصيان المدني»‚ الذي كانت دائرته تتسع في كل يوم‚ حتى إذا ما كان يوم الرابع من ابريل‚ وطارت «اللوفتهانزا» دخل كل «الطيران المدني» في العصيان! كان الصحفيون‚ بألسنتهم الطويلة‚ وفضولهم ومسجلاتهم الصغيرة‚ وكاميراتهم‚ في انتظار «اللوفتهانزا»‚ آخر طائرة أقلعت من الخرطوم‚ تلك التي لم تشم في تلك الأيام «أجمل من رائحة النضال ‚‚ رائحة»! تدفقت الألسنة الطويلة‚ بالسؤال‚ امام صالة المغادرة: ــ هل أنت قادم من الخرطوم؟ ــ لا! ــ وأنت؟ ــ لا‚ و ‚‚ و ‚‚ و ‚‚ حتى إذا قال «صاحب الجملة الأولى» في هذه الزاوية (Yes)‚ تكأكأت حوله الألسنة الطويلة‚ والمسجلات الصغيرة‚ ــ الآن‚ الآن‚ وانت شاهدت كل الذي يجري في السودان ‚‚ في الخرطوم‚ ماذا كان يمكن ان تفعل إذا ما كنت أنت النميري؟ لم «يلتفت» الرجل‚ ولم يتلعثم‚ قال بفرنسية شارل ديغول: ــ لو كنت هو ‚‚ لترددت مرتين‚ لا‚ لا لترددت ثلاث مرات‚ قبل ان أفكر في مخاطر العودة الى السودان! وــ حاول النميري‚ ان يخاطر‚ لكن قبل ان تهبط طائرته‚ في مطار القاهرة الدولي‚ بساعات‚ كان شعب السودان‚ الذي كان يحتشد كله في الشوارع بالهتافات الوضيئة‚ والعرق‚ والاصرار‚ قد أهلك «نظام مايو»‚ للشارع إرادة‚ هكذا قالت شوارع الخرطوم‚ مرتين‚ وهي تسقط بالهتاف والدم والعصيان المدني‚ دكتاتوريتين: دكتاتورية عبود‚ والنميري‚ بالمناسبة‚ أتذكر كل ذلك الآن‚ ورياح ابريل بدأت تهب‚ وأتذكر كل ذلك الآن‚ وانا انظر الى لبنان ‚‚ لبنان الذي «استورد» الى المنطقة أجمل ما انجبت اوكرانيا في تاريخها المعاصر: ثورة المخمل‚ الثورة‚ تعدي‚ لا أقول مثل «الانفلونزا»‚ وانما مثل «البسمة» و«الضحكة»‚ تلك هي الثورات‚ الآن‚ تقتلع الأنظمة «الفاسدة بالطبع»‚ تماما ‚‚ مثلما تقتلع الضحكة كل جيوش الحزن‚ من القفص الصدري‚ الثورات الآن: لا دخان يعكر البيئة‚ ولا شرطة شغب‚ ولا هراوات‚ ولا رصاص «فشنك»‚ او حتى‚ ولا قطرة دم‚ انها الثورة بالورد‚ ورفيف العلم‚ والابتسامة‚ والهتاف الذي لا يجرح حلقوما‚ شكرا أوكرانيا‚ و ‚‚ حين «تعطس» اوكرانيا «المخمل» سيصاب كل العالم بالانفلونزا المخملية‚ انظروا للبنان‚ الآن‚ وامسكوا الخشب!