بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقيات السلام السودانية:
النص المتفق عليه حول الدين والدولة
ترجمة وتحليل: د.محمود شعراني
إن الوثيقة التي تضم النص الخاص بعلاقة الدين بالدولة في اتفاقيات السلام والمكتوبة باللغة الانجليزية لم تتم ترجمتها إلى العربية ونشرها على الملأ حتى اليوم وهذه الوثيقة تفصل فصلاً تاماً بين الدين والدولة فيما يتعلق بالمسائل العامة بعكس ما تبثّه الحكومة في أجهزة الاعلام المختلفة من القول بتثبيت الشريعة في الشمال وحسم ذلك بنصوص وردت في اتفاقية ميشاكوس والدستور القادم وبشهادة الموقعين على الاتفاق ومن شهده من قوى عالمية نافذة وهذا ما أعلنه رئيس الجمهورية السوداني ونشرته صحف الخرطوم (الرأي العام عدد الجمعة 11مارس 2005م) وسأقوم هنا أولاً بترجمة النصوص المتفق عليها بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان والمتعلقة بموضوع الدين والدولة وذلك حتى لا أجعل من نفسي حكماً وحيداً على ما ورد فيها بل ليحكم الشعب السوداني بنفسه ولي ثقة في وعيه السياسي بحيث لن تنطلي عليه حيل السياسة ومناورات الساسة وسأعرض بعد ذلك لتحليل النصوص شرحاً وتفسيراً واستنباطاً ثم النظر في الدوافع التي دفعت الموقعين على الاتفاقية إلى عدم ابرازها وترجمتها من أجل النشر، فإلى الترجمة العربية للنص الانجليزي لنصوص الاتفاقية حول الدين والدولة:-
(سكرتارية السلام في السودان)
النص المتفق عليه حول موضوع الدين والدولة
اعترافاً منا بأن السودان قطر متعدد الثقافات والأعراق والإثنيات والديانات ومتعدد اللغات وتأكيداً منا على أن الدين لا ينبغى أن يكون عامل تفرقة. وعليه فقد اتفق الأطراف هنا على الآتي:-
6-1- إن الأديان والأعراق والمعتقدات هي مصدر للسلوك الأخلاقي القويم وهي مصدر إلهام للشعب السوداني.
6-2- يجب أن تكفل حرية الإعتقاد والعبادة والضمير لكل أتباع الأديان والمعتقدات والأعراف ولا ينبغي التمييز ضد أحد على هذا الأساس.
6-3- الأهلية للوظيفة العامة بما في ذلك منصب الرئاسة والخدمة العامة والتمتع بكافة الحقوق وكل الواجبات ينبغي أن يكون على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أوالمعتقد أو العرف.
كل مسائل الأحوال الشخصية والأسرة التي تشمل الزواج والطلاق والميراث والتركات ومسائل النسب والتبني يجوز الحكم فيها بقوانين الأحوال الشخصية (بما في ذلك الشريعة الإسلامية والقوانين الدينية الأخرى أو العرف والتقاليد) للمتقاضين.
6-4- لقد اتفق الأطراف على احترام الحقوق الآتية:-
الحق في العبادة أو الاجتماع من أجل كل ما له صلة بأي دين أو معتقد والحق في تأسيس أماكن لهذه الأغراض والدفاع عنها.
الحق في انشاء مؤسسات خيرية أو انسانية مناسبة والدفاع عنها.
الحق في الحيازة أو استعمال الأدوات والمواد الضرورية _إلى مدى مناسب_ المتعلقة بالطقوس والشعائر الدينية والمعتقدات.
الحق في الكتابة أو النشر أو الإصدار أو البث لأي منشورات متعلقة بهذه المجالات.
الحق في تدريس تعاليم الدين أو المعتقدات في أماكن مناسبة لهذه الأغراض.
الحق في التماس المساعدة الطوعية المالية والاسهامات الأخرى من الأفراد والمؤسسات.
الحق في تدريب أو تعيين أو انتخاب أو اختيار عن طريق الخلافة القادة الدينيين المناسبين وفق معايير ومتطلبات أية ديانة أو معتقد.
الحق في التمتع بأيام الراحة والعطلات والاحتفالات وفقاً لتعاليم الفرد الدينية والمعتقدية.
الحق في الاتصال بالأفراد والجماعات على المستوى القومي والعالمي فيما يخص مسائل الدين والمعتقد.
6-5- لأجلاء الشك والريبة فإنه لا ينبغي أن يتم إخضاع أحد للتمييز بواسطة الحكومة القومية أو الولائية أو المؤسسات أو المجموعات أو الأفراد _ على أساس من الدين أو المعتقدات الأخرى.
6-6- إن المبادئ الوارد ذكرها في المادة 6-1 و حتى المداة 6-5 ينبغي أن تنعكس في الدستور.
الجزء الثالث (2)
(البنيات الحكومية)
لكي تعطى الاتفاقيات المعلنة في الجزء الأول (A) فعالية وجدوى فإن الأطراف ضمن إطار السودان الموحد يعترفون بحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، وقد اتفقوا هنا على أن قسمة السلطة وهياكل الحكومة ووظائف ومهام بنياتها المختلفة، وفق الإطار السياسي للحكم في السودان ينبغي أن تكون على النحو الآتي:
(3-1) القانون الأعلى
(3-1-1) الدستور القومي للسودان سيكون هو القانون الأعلى في البلاد وكل القوانين يجب أن تخضع لهذا الدستور القومي. وهذا الدستور هو الذي ينظم العلاقات ويوزع السلطات والمهام بين مستويات الحكم المختلفة كما يحدد ترتيبات الشراكة في الثروة. الدستور القومي يجب أن يضمن حرية العقيدة والعبادة والممارسات الدينية بكاملها لكل المواطنين السودانيين.
(3-1-2) يجب تأسيس لجنة قومية ممثلة تسمى لجنة مراجعة الدستور أثناء الفترة الانتقالية لتضع أولاً مسودة قانونية دستورية إطارية لحكم الفترة الانتقالية وأن تدمج في هذا الإطار الدستوري والقانوني اتفاقية السلام.
(3-1-3) الإطار الوارد في الفقرة أعلاه ينبغي أن يطبق وفق ما يرتضيه الأطراف.
(3-1-4) أثناء الفترة الانتقالية يجب أن تقوم عملية مراجعة دستورية شاملة.
(3-1-5) الدستور لايمكن أن يعدل أو يلغى إلا عن طريق اجراءات خاصة وأغلبيات محددة وذلك حماية للشروط الواردة في اتفاقية السلام.
(3-2) الحكومة القومية:
(3-2-1) ستكون هنالك حكومة قومية تمارس صلاحياتها وتقر قوانينها كما تفعل بالضرورة الدولة ذات السيادة على المستوى القومي. وتعمل الحكومة القومية على أن تضع في كل قوانينها إعتباراً للتنوع الديني والثقافي لشعب السودان.
(3-2-2) التشريع الوطني النافذ الأثر في الولايات الكائنة خارج الجنوب السوداني ستكون مصادرهُ التشريعية هي الشريعة وإجماع الشعب.
(3-2-3) التشريع الوطني المطبق في الولايات الجنوبية أو في الإقليم الجنوبي سيكون مصدره التشريعي إجماع الشعب والقيم والأعراف السودانية (بما في ذلك التقاليد والمعتقدات الدينية وفق تنوع القطر السوداني).
(3-2-4) في حالة سريان أي قانون وطني حالياً أو في حالة سنه وإصداره من مصادر تشريعية دينية أو عرقية فإن الولاية أو الإقليم الذي تكون أغلبية ساكنيه لايمارسون هذا الدين أو تلك الأعراف.. فإنهم:
إما أن يقوموا بتقديم مشروع قانون يسمح لهم ويقنن لقيام مؤسسات أو السماح بممارسات في ذلك الإقليم لا تتعارض مع معتقداتهم الدينية و أعرافهم.
أو:
أن يقوموا بتحويل القانون لمجلس الولايات لتتم الموافقة عليه بأغلبية الثلثين أو ابتدار تشريع وطني يقنن لمؤسسات بديلة وضرورية حسبما هو ملائم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي نصوص الاتفاقية فيما يتعلق بمسألة الدين والدولة ولقد حاولت توخي الدقة والبساطة في الترجمة بحيث تكون في متناول فهم الجميع وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك.
وأول ما تجدر الإشارة إليه هو التصريح الرئاسي حول تثبيت الشريعة في الدستور القادم ولعمري فإن هذا التصريح غريب إذ كيف يحسم الدستور القادم أمر الشريعة وهو لم يظهر بعد للوجود وهو، أي الدستور، حتى وإن كان موجوداً فإن النصوص الفرعية لاتوضع قبله بل تشتق منه وإلا كان في هذا مخالفة للعرف الدستوري الذي بموجبه تؤسس الدساتير ثم توضع القوانين بعد ذلك، وما يزيد المرء حيرة أن اللجنة المكلفة بوضع الدستور لم تشكل بعد ولم يتم تعيينها ومن المفترض أن تكون هذه اللجنة لجنة قومية محايدة تمثل كل أهل السودان وبهذا يكون التصريح الرئاسي مؤثراً بصورة مباشرة على عمل اللجنة القومية المحايدة وهو تأثير يحمل في طياته توطيداً لرؤية قانونية بعينها هي رؤية حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي جاء التصريح الرئاسي على لسان رئيسه.
ولقد أراد المؤتمر الوطني الحاكم تأكيد وتثبيت (رؤيته للشريعة) في الدستور القادم عن طريق هذه الخطوة الاستباقية في سن التشريعات الاسلامية والنص عليها في اتفاقيات ميشاكوس كشرط مسبق للجلوس على طاولة مفاوضات السلام مع الطرف الآخر وقد يكون هذا هو التبرير الأقوى أو الاستخلاص المنطقي لقبول الحكومة التفاوض مع الحركة الشعبية التي قبلت بالتفاوض على هذا النحو رغم معارضتها التامة للدولة الدينية منذ أن أعلنها جعفر نميري في السودان وفيما أرى فإن الحركة قد قبلت بذلك على مضض بسبب ضغوط المجتمع الدولي الذي أراد أن يوقف الحرب الدامية والتي دامت لمدة أكثر من عشرين عاماً، هذا بالإضافة إلى أن هنالك تبرير آخر للحركة يبدو منطقياً ومقبولاً أكثر لدى المراقبين وهو أنه ووفقاً للاتفاقيات نفسها فإن كل إقليم عليه أن يضع قوانينه بنفسه وعليه فأنه من حق الشماليين رفض قيام التشريعات الدينية في إقليمهم متى ما رأوا فيها مالا يتناسب مع حقوقهم الأساسية وتطلعاتهم والرؤى الفكرية لتنظيماتهم ومؤسساتهم السياسية وقد يبدو هذا مخرجاً معقولاً للحركة الشعبية من مثل هذا الارتباك ولكنه يبقى مخرجاً مؤقتاً على كل حال خاصة وأن الوثيقة التي تتحدث عن علاقة الدين والدولة تكفل حرية الاعتقاد والعبادة وتمنع التمييز ضد أي فرد على هذا الأساس ولتوضيح ما أعني أقول أن هنالك فرق بين حرية الاعتقاد وحرية العبادة لأن حرية العبادة مكفولة بطبيعة الحال في كل دول العالم القديم والحديث وحتى في الاتحاد السوفيتي السابق لأنها تعني فقط الحق في ممارسة الشعائر والطقوس الدينية في دور العبادة لكل الأديان. أما حرية الاعتقاد فهي أمر آخر ولم تأت كلمة (الاعتقاد) مرادفة لكلمة العبادة وذلك لأن حرية الاعتقاد تشمل الحق في الاعتقاد في دين معين والحق في تبديله أيضاً وهذه هي الحرية الحقيقية وهذا يأتي متسقاً مع ما ورد في المادة (24) من دستور الإنقاذ سنة 1998م التي تنص على حرية اختيار الدين ودون الاضرار بهذه الحرية، والغريب هنا هو أن دستور الإنقاذ لسنة1998م يعد أحد مصادر الدستور القادم إلى جانب نصوص الاتفاقيات ثم أن المادة (24) من دستور الانقاذ مطابقة تماماً للمادة (18) من العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية فلماذا إذن تريد الحكومة السودانية تطبيق مستوى من الشريعة ينسف كل هذا الحق وينص على أحكام الردة في حالة تبديل المعتقد كما ورد في المادة 126 من القانون الجنائي الإنقاذي لسنة 1991م والساري المفعول. ثم إن رئيس الحكومة السودانية يؤكد على هذا المستوى من التشريع بل ويمدحه في الصحف اليومية ويشيد بالمشير جعفر نميري لأنه قد طبق هذا المستوى من التشريع وهو أول من جاء به في قوانين سبتمبر 1983م كأول رئيس سوداني يطبق الشريعة، وكل هذا إنما يؤكد لرؤية دينية التي يدعو حزب المؤتمر الوطني الحاكم لتطبيقها في السودان أي نسخة سبتمبر 1983م ويزداد الأمر تأكيداً بالاتفاق الحالي بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب جعفر نميري وقد أصبحا اليوم حزباً واحداً. وللمفارقة فإن رئيس الحركة الشعبية قد أعلن وقبل عدة أيام من تصريح المشير عمر البشير المذكور آنفاً، أنه ضد قيام الدولة الدينية في السودان وهنا يأتي حديث الدكتور جون قرنق متسقاً تماماً ومطابقاً لما ورد في وثيقة الدين والدولة وكل هذا وقع في مناخ تتبادل فيه الحكومة مع الحركة الاتهامات المختلفة باجهاض عملية السلام وستزيد خطوة ادماج حزب جعفر نميري مع الحزب الحاكم المسألة تعقيداً فنميري هو العدو الأعدى للحركة الشعبية فلن تقبل به شريكاً في سلطة لأنها تعلم أن الشعب كله قد لفظه، ووجوده كفيل وحده بتعطيل اتفاقية السلام بأكثر مما هي الآن. ثم إنني أعتقد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي تحولت الآن إلى حركة سياسية تريد أن يكون لها مواقع أقدام في الشمال وقاعدة جماهيرية وعليه فلن تجازف بمجاراة الحزب الحاكم إلى ما لانهاية خاصة وأن الجماهير السودانية المحبطة قد فقدت الثقة نهائياً في القوى السياسية التقليدية التي أضرّت كثيراً بالسودان منذ بداية الحكم الوطني. ولقد تقبل معظم السودانيين اليوم فكرة السودان الجديد الذي تنادي به الحركة ولازالت تنادي به وتعمل على أن يكون ذلك واقعاً فعلياً ثم هل تستطيع الحركة أن تهمل تطلعات الجنوبيين المقيمين بالشمال والأقليات غير المسلمة والكثيرين من المسلمين في الشمال من الذين تختلف توجهاتهم الدينية مع توجهات الحكومة؟؟. إن الحركة لن تستطيع أن تهمل كل ذلك لأن فكرة السودان الجديد من استراتيجياتها الأساسية ويقيني أنه لو اندلعت انتفاضة شعبية اليوم في أي صورة من الصور فإن الحركة ستنحاز إلى جانب الشعب لأن الإرادة والسيادة له أولاً وأخيراً.
أعود لوثيقة علاقة الدين بالدولة فأرى في المادة (6-3) أن الأهلية للوظيفة العامة بما في ذلك منصب الرئاسة والخدمة العامة والتمتع بكافة الحقوق إنما يقوم على أساس المواطنة وليس الدين فإين هذا كله من اجترار الحكومة للموروث الفقهي الذي لايعطي غير المسلم الولاية على المسلم في كل درجاتها ولا يعطي للمرأة حقاً متساوياً مع الرجل في المسائل العامة فكيف يمكن تطبيق كل هذا مع وجود النصوص التي أوردناها وترجمناها من الوثيقة الخاصة بعلاقة الدين بالدولة وفي غياب الفكرة التطويرية للتشريع الإسلامي لدى الحزب الحاكم. ثم إن هذا الصنيع يصادم أيضاً المادة (3-1-1) من الوثيقة المذكورة والتي وقعت عليها الحكومة وقد ورد في هذه المادة أن الدستور القومي للسودان هو القانون الأعلى في البلاد ويجب أن تخضع له كل القوانين وهو دستور روحه المواطنة وأساسه الحقوق المكفولة بموجب عقد المواطنة لا الدين أو المعتقد. وهكذا تصبح الخطوة الاستباقية بتثبيت الشريعة الاسلامية مجرد مزايدة أو مدافعة لحركة الهوس الديني داخل الحزب الحاكم نفسه أو خارجه. ثم إن اللجنة القومية لمراجعة الدستور الوارد ذكرها في المادة (3-1-2) ستقوم بعملية مراجعة شاملة للدستور أثناء الفترة الانتقالية وستواجه هذه اللجنة معضلة عدم دستورية بعض القوانين الغير متسقة مع نصوص وروح الاتفاقيات التي هي مصدر رئيسي من مصادر الدستور الذي ينبغي ألا يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي نصت اتفاقيات السلام على ضرورة الالتزام بها وتطبيقها.
ما الحل؟
رسالة إلى المزايدين بالموروث الديني الفقهي والمتهافتين على الحداثة:
أولاً أقول للمزايدين إنكم بصنيعكم هذا إنما تخاطبون العواطف الفجة ولا تخاطبون العقول لأن تطبيق الموروث غير ممكن كما أثبتت ذلك التجربة العملية ثم إن الإصرار على تطبيقه هو خطأ ديني في ذات الوقت لأنه مخالفة صريحة للأمر القرآني: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون..} وفعل التفضيل (أحسن) يعني أفضل بمقتضى حكم الوقت ولكم شواهد على ذلك من تاريخكم التشريعي نظريةً وتطبيقاً، وهذا هو عمر بن الخطاب الخليفة الثاني يمتنع عن دفع سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن أعز الله الإسلام على الرغم من وجود النص القطعي بذلك فهل خرج عمر بن الخطاب بصنيعه ذلك من الدين وشاهده القرآن: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..} تلك هي الحرية الحقة التي لا تستطيع أن تنوشها أسهم المؤلفة قلوبهم إغراءً لهم بالمال أو إكراهاً لهم بالسيف على الرغم من وجود آيات السيف في القرآن. أما الفئة المتهافتة على الحداثة فهي بالضرورة متحيزة لتجليات الحداثة في الغرب مصداقاً لنبؤة النبي الكريم: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب خرِب لدخلتموه..)) ومن هنا فالذين ساووا بين المسلم وغير المسلم في دستور 1998م وساووا فيه بين المرأة والرجل لم يفعلوا ذلك وفق منهجية علمية تطويرية وإنما هو قفز عبر الفضاء وقول بالرأي الفج _كما يعبر الاستاذ الشهيد محمود محمد طه_ ولعمري فإن مثل هذا الصنيع لا ثمرة له غير إبراز فضيلة العلمانية على الدين في مقام الحرية والمساواة بين جميع البشر. أما الدين المستنير فهو بلاريب حاجة البشرية كلها اليوم بعد أن فشلت وبالتجربة العملية كل الأيدولوجيات والفلسفات المعاصرة وكذلك الاتجاهات الدينية التقليدية في حل قضايا الإنسان المعاصر.
فما الحل؟؟؟
أرى أن تقوم الدولة المدنية في السودان المؤسسة على حق المواطنة وأن يؤسس وفق تشريع دستوري للمنابر الحرة ليطرح كل تنظيم ديني أو غير ديني برامجه على الشعب ليوعي الشعب ثم يحكم في كل هذه الآراء ثم يختار، وقبل ذلك فإن على كل صاحب دين أن يتمثل قيمه الأخلاقية الرفيعة في أدائه لعمله العام تنفيذاً لتعاليم دينه هو أياً كان هذا الدين لأن كل الأديان تدعو إلى للقيم الإنسانية الرفيعة وإلى مكارم الأخلاق والشفافية والصدق والاتقان وهذا هو ما نعنيه بإدخال روح الدين في السياسة وفي نفس الوقت فصل الدين عن الدولة لأن الدولة جهاز لادين له ووظيفته تقوم على الائتمان والاتقان والتجرد التام للمصلحة العامة.
د. محمود شعراني
رئيس المركز السوداني لحقوق الإنسان المقارنة
[email protected]