TO READ THE BOOK PLEASE VISIT
www.sudanjem.com
BOOKS SECTION
البجه: المشكلة السياسية والحل
(هذه المجزرة المفرطة في القسوة ستظل طويلا في ذاكرة البجا مهما كانت دواعيها، لا لأنها بشعة وفاحشة في أسلوبها فحسب بل لأنها مسرفة في التحقير والاستهانة بالانسان الأعزل الى درجة سلب حقه في الحياة (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) ، ولأنها مهينة ومثيرة أبداً للمواجع، ولأن احداث هذه الخسارة الفادحة في الأرواح وسفك هذا الكم من الدماء في سبيل قمع مظاهرة أو التصدي للتعبير عن المطالب
بها أحداث السبت الأخير من شهر يناير لعام 2005 في بورتسودان، فقد وضعت هذه المعالجة الدموية مقدمة غير حميدة لحقبة مقبلة من علاقات الحاكم والمحكوم والمشروخة أصلا في هذه المنطقة اذ تخطت كل الخطوط الحمراء في المعاملات الانسانية)
البجه: المشكلة السياسية والحل
الاستغلال السياسي
يقول أندرو بول في كتابه (تاريخ قبائل البجه)
(فقد البجاوي كل الثقة في الأجانب، وذلك بسبب عزلته التي امتدت لقرون طويلة، فضلاً عن أن جميع الذين جاؤوا إلى أرض البجه كان هدفهم الأول هو استغلال المنطقة وسكانها. فمثلاً الفراعنة كانوا يبحثون عن الذهب، أما البطالسة، فعلاوة على الذهب، كانوا يرغبون في الأفيال لاستخدامها في غزواتهم في آسيا. ثم جاء السبئيون والحميريون بحثاً عن التجارة والربح وبقوا هناك كطبقة ارستقراطية حاكمة. أما الرومان فكانوا أقل جشعاً إذ كان همهم الأول هو التنقيب عن الرخام والأحجار الكريمة الأخرى لاستخدامها كتماثيل منحوتة وللديكور. ثم جاء الغزاة العرب بحثاً عن الذهب والأحجار الثمينة، ثم خلفهم بعد ذلك الحكم التركي (الذي كان يبحث عن استغلال أرضهم في زراعة القطن واستغلال موقع بلادهم الاستراتيجي في التجارة والحرب، ثم انتزع استقلال بلادهم وضمها بالقوة لما يعرف الآن بالسودان مشكلاً كياناً اصطناعياً جديداً، وهو أول من قضى على كيان دولة البجه القومية ــ المؤلف( الذي أسس نظاماً فريداً في الظلم والقهر والاضطهاد لم يسبقه عليه أحد. وأخيراً جاء الانجليز آخر غزاة بلاد البجه (ليس آخر الغزاة إذ أنهم خلّفوا بعدهم الانقاذ
ان ماتمارسة حكومة الانقاذ من اضطهاد وتفرقة عنصرية بارض البجا هو امتداد لمخطط اقصاء البجا نفذته الخرطوم بوحشية لم تراعي فية حرمات ولاقواعد اخلاقية او انسانية , فمنذ وصول حكومة الانقاذ الي مقاليد السلطة عن طريق انقلاب عسكري عام 1989 تم قصل اكثر من عشرات الالوف من عامل وموظف بجاوى من مختلف موسسات الدولة واكثر من مئات الطلاب تم فصلهم من مختلف المراحل التعليمية , وصادرت حكومة الانقاذ الكثير من اراض البجا ابرزها ارض مشروع القاش الزراعي و ملكتها ا لاخرين جلبتهم من شمال السودان وكذلك صادرت ارض بمنطقة ريبه بكسلا ونزعت ملكية منازل سكنية وعقارات بمختلف مناطق البجا رغم عودة ملكيتها لاكثر من الاف الاعوام . فضلا عن مصادرة الكثير من المحال التجارية والبضائع والسيارات حيث نزعت الحكومة عام 1991 سيارات لاند كروزر من سكان منطقة الساسريب بالقرب من كسلا بقيمة مليارات الدينار السوداني.كما درجت الانقاذ علي اتباع اسلوب التجنيد القسري بالجيش لابناء البجا , نتيجة لهذا الاضطهاد ظهرت الهجره الجماعية لابناء البجا الذي استقر في ارضة لمدة تزيد عن الاف الاعوام . ان التصفية العرقية التي يتعرض لها شعب البجا في شرق السودان والظلم والاضطهاد الذي يواجهة هذا الشعب كبقية الشعوب المهمشة في اطراف البلاد منذ عهد الاستقلال وظهر جليا منذ وصول الانقاذ للحكم هو ابلغ دليل علي التصفية العنصرية الجماعية لشعب البجا , حيث واجهت حكومة الخرطوم هذا الشعب الاعزل في احداث بورتسودان الاخيرة بالرصاص والذخيرة الحية فقتلت الابرياء و العزل الذين كانت مطالبهم ان ينالو حقوقهم اسوة بالاخرين وان يعيشوا في ديمقراطية حقيقية , فظهر مخطط الحكومه للتصفية الجسدية لشعب البجا معلنة بذلك تجاوزها مرحلة الاضطهاد والتعذيب والقهر ودخولها مرحلة التصفية الجسدية بالقتل والذبح علي مرائ ومسمع من العالم. وماذكر ماهو الاالقليل علي سبيل المثال لاالحصر. ظل ابناء البجا طيلة هذه السنوات يطالبون بحقوقهم متحملين اقسي انواع العذاب والقمع الذي تمارسة حكومة الانقاذ ,فكانت احداث بورتسودان الدامية والتي ماهي الا صورة حقيقية لاستمرار النظام في نهجة القمعي تجاه المواطنين العزل من شعب البجا وبقية الشعوب المهمشة مما يؤكد نوايا النظام السيئة في ممارسة الابادة الجماعية والتطهير العرقي قبائل التي تشكل مرتزقة للاستعمار ــ المؤلف). لقد كان الانجليز أكثر قساوة وبربرية واستغلالاً، فقد أفنوا البجه بأسلحتهم الفتاكة التي كانت تحرمها الدول الأوروبية واستغلوا الموقع الجيوبولوتيكي لبلاد البجه، وجعلوا الإقتصاد والزراعة تابعين لاقتصادهم يتحكمون في أسعار المحاصيل الزراعية مثل القطن الذي زرعوه لتشغيل مصانعهم في لانكشير. والأسوأ أنهم ضموا بلاد البجه لما يسمى بالسودان. أما الآن فلا زال الاستعمار يهيمن على بلاد البجه حيث تتعرض ثروات البلاد للنهب وسكانها للاستغلال. إن معظم السكان البجه كانوا يعملون داخل إقتصاد بسيط قائم على الإكتفاء الذاتي ولم يرتبطوا بالإقتصاد النقدي إلا بعد فرض الضرائب عليهم وعلى قطعانهم وانتزاع أراضي مزارعهم ومراعيهم وفناء قطعانهم، فأجبروا، بعد أن كانوا أصحاب أراضي، للعمل بأجر في مزارع الشماليين أو السكك الحديدية أو الميناء ... إلخ.
كما أن طبقة العمال الأجراء تواصل نموها في ظروف قاسية، كذلك فإن فئة المثقفىن والمهنيين والإداريين التي ما زالت محدودة، وانشأها الانجليز، وسيطرة الشماليين على التجارة والصناعة والزراعة، جعلت استغلال العامل البجاوي الأجير مستمراً.
وفي (السودان) حيث تشكل الأجهزة الحكومية والبرلمان والعمل السياسي بصفة عامة مدخلا إلى تحسين الوضع الاجتماعي الشخصي فإن الشماليين استطاعوا الاستفادة من هذه المناصب خاصة بعد ما عرف (بالسودنة) حيث حل الإداريون الشماليون محل الإداريين الانجليز... ولقد عمدوا لاستغلال هذا الوضع المتميز في (السودان) بصفة عامة وفي بلاد البجه بصفة خاصة، فأوجدوا طريق الرشوة والفساد والاختلاس لتوطيد أبناء جلدتهم في كل المراكز الحساسة. وهكذا نشأت جماعة شمالية مهيمنة من (السودانيين) تتميز بالجشع والانتهازية ولا يسرها شيء قدر هيمنتها على ما ورثته من الاستعمار البريطاني.
وبعد خروج بريطانيا من (السودان) نشأت جماعة شمالية نفعية جديدة في شكل حكومات وحكام (للسودان)، هدفها إثراء نفسها على حساب شعب البجه المقهور. وهكذا بدأ الصراع الاستعماري والإثني بين أقلية بجاوية مستعمرة مهضومة الحقوق وبين الجماعة الشمالية المسيطرة المستغلة. لقد توقع البجه أن يجلب لهم خروج بريطانيا من (السودان) حياة أفضل، لا أن يكون مجرد علم جديد يرفرف ونشيد جديد إلى جانب رئيس ووزراء مما خلق استياءً وبؤسا لشعب البجه لأن توقعات البجه لم تتحقق، ووعود الساسة صارت كذبا ومينا. على حين يرون الحكام الشماليين يركبون السيارات الفارهة ويرتدون الثياب الفاخرة ويسكنون القصور الفخمة. ويبدأون أنشطة جديدة في مجال الأعمال والتجارة ويسافرون لأوروبا كالأباطرة ويدخرون الثروات المستخرجة من بلاد البجه أو التي تمر عبرها، في البنوك الأجنبية وفي المشاريع التي تشيد لرفاهية الشمال، في وقت لا يجد فىه مئات الآلاف من البجه عملا ويعيشون في أكواخ مزرية، ويرتدون أسمالا بالية، ويتضورون جوعا وتفتك بهم الأمراض لإنعدام الرعاية الصحية ويفرض علىهم الجهل لعدم وجود المرافق التعليمية.
إن الجماعة الشمالية المسيطرة لا زالت مرتبطة بالاستعمار خوفا على مستقبلها وحرصا على المكاسب التي حققتها عن طريق الاستغلال والانتهازية ولا شك أن الاستعمار حريص على الاستفادة من مثل هؤلاء الوصوليين الجشعين، ومع تنافس الدول الاستعمارية حول هذه الفئة المسيطرة ظل طابع عدم الاستقرار سمة لأوضاع حكومات (السودان) الشمالية وتدهورت أحواله.
والفئة الشمالية المستوطنة في بلاد البجه، على صلة وثيقة بالسلطات الشمالية في الخرطوم، وهى تواقة إلى المحافظة على وضعها الاقتصادي ومركزها المتميز في بلاد البجه وتخشى حصول شعب البجه على حقه في تقرير المصير وتريد الاستمرار كوسيط للاحتكارات الدولية وقطاعات النخبة الشمالية المرتشية التي تتعجل الإثراء من ثمار الحكم، قبل أن تصحو جماهير البجه وتطالب بمكان لها تحت الشمس. ومن خلال مثل هذه الفئة الاستغلالية تسعى سلطات الخرطوم الشمالية إلى مد نفوذها في بلاد البجه، كما تغذي السلطات الشمالية هذه الفئة وتعمل على صياغتها وتشكيلها لارتباط مصلحة الطرفين.
إن موجة القومية التي تجتاح بلاد البجه تجد مقاومة عنيفة من المستوطنين في البلاد بالرغم من ضآلة عددهم، فإن لهم علاقات وثيقة بالسلطات السياسية والاقتصادية التي تمارس. فلقد أمسك الشماليون بزمام الحكومة في أيديهم، ففي معظم الأحوال هم الذين يختارون أعضاء اللجان التشريعية والسياسية كما أنهم هم الذين تشكل منهم الهيئة التنفىذية من الموظفين والعسكريين كذلك يقبضون على ناصية الاقتصاد أيضا ويسيطرون على رؤوس الأموال الخاصة بالتنمية كما يسيطرون على تجارة الصادرات والواردات، علاوة على أنهم هم المنتجون للمحاصيل التصديرية الرئيسية في القضارف وكسلا إلخ.
لقد اكتسب الشماليون مركزا مميزا في بلاد البجه، نتيجة لأعمال لجنة السودنة في أكتوبر 1954م. حيث قررت لجنة السودنة أن تجرى التعيينات والترقيات وفقا للتقاليد الإدارية الاستعمارية البريطانية المعروفة على أسس الأقدمية والخبرة. ولما كان البجه يفتقرون إلى الأقدمية والخبرة والمؤهل والولاء للاستعمار، فإن أعمال لجنة السودنة لم تحدث في أوضاعهم أي تغيير يذكر. واستأثر الشماليون بكل وظائف السودنة خلفا للبريطانيين، وكان تقدم التعلىم في الشمال قد خلق طبقة جديدة من المتعلمين الطامحين في خلافة الاستعمار البريطاني واستغلال شعب البجه، مما أحدث خيبة أمل كبيرة بين البجه ورأوا فىه تغيير سيد بآخر واستبدالا للاستعمار البريطاني باستعمار آخر.
وأعقبت عملية السودنة سلسلة من الأخطاء الإدارية والسياسية والتي توضح أن المسئولين الشماليين استغلوا مناصبهم في بلاد البجه والجنوب وكردفان ودارفور إلخ، كمــا أن ســلوك التـــجار الشماليين اتصــف بالانتـــهازية والجشــع. ولم يكتــفوا بالهيــمنة على اقتــصاد البــــجه، بل تدخــــلوا في شئون الإدارة لحماية هذه المكاسب غير الشرعية وبسط رجال الإدارة الشماليون حمايتهم علىهم لإشتراك المصالح واقتسام الغنيمة.
وتتركز المهارات السياسىة والفنية في المجتمع الشمالي في بلاد البجه نتيجة للنظام التعليمي الاستعماري، الذي خصص نسبة كبيرة من رؤوس الأموال العامة لإنشاء مدارس لتعلىمهم ليحلوا محل الانجليز في الإدارة وليست هناك أي مقارنة بين عدد هذه المدارس وما يفتح من مدارس في بلاد البجه بالإضافة إلى حاجز اللغة الذي يعوق التحاق البجه بالمدارس. إن مشكلة البجه تكمن في سيطرة الجماعة الشمالية على السلطة في الخرطوم، ومن ثم سيطرة الأقلية الشمالية المستوطنة على الحياة السياسىة والاقتصادية في بلاد البجه. وهذا الوضع يشبه تماماً الوضع في جنوب أفريقيا، قبل استقلالها، حيث كانت تسيطر الأقلية الأوروبية على الحكومة، في حين أن الغالبية العظمى من السكان الأفارقة ليس لهم أي رأي مطلقاً في اتخاذ القرارات وهذا هو حال البجه في بلادهم.
الوحدة الوطنية المزعومة
إن السلطة تدعي دائماً أنها في حاجة إلى الاحتفاظ بسيطرة المستوطنين الشماليين على السياسة في بلاد البجه حتى تحافظ على (الوحدة الوطنية للسودان). وهذا بكل بساطة يعني طريقاً غير مباشر للاحتفاظ بمركز الإمتياز الذي حصل علىه المستوطنون الشماليون في بلاد البجه، لأنه لا يمكن المحافظة على (الوحدة الوطنية للسودان) التي يطالبون بها إلا بهذه الطريقة. ولما كان المستوطنون الشماليون يتهمون البجه بالعنصرية، فإن ذلك يعني أن تظل الحكومة في الأيدي الشمالية الوافدة، كما يزعم الحكام أنه لو سيطر البجه على الحكومة في بلادهم فإن المستثمرين من الأجانب سيعتريهم الرعب نتيجة لعدم الاستقرار السياسي وأن اقتصاديات الدولة في الداخل سيعتريها التفكك لعجز البجه عن تسيير الخدمات الحكومية والنواحي الفنية الأخرى.
إن هذه الترهات المزعومة التي يطلقها الشماليون ما هي إلا محاولة يائسة لتغطية أنانيتهم، ولحماية إمتيازاتهم، بتغطيتها بإهتمام مصطنع في الوحدة الوطنية (للسودان). بالطبع فإن علىهم أن يدعوا أن البجه غير قادرين على إدارة إقليمهم لأنهم لم يحصلوا على نفس القدر من التعلىم الذي حصل علىه غيرهم تحت الحكم البرىطاني، الذي مكنهم من شغل المناصب الحكومية عند سودنة الوظائف الحكومية التي تحتاج إلى مهارات كبيرة. ولكن الحصول على هذه المهارات أصبح أملاً كاذباً بعد أن استمر الحكام الشماليون في تطبيق نفس السياسة البريطانية الاستعمارية في حرمان البجه من التعلىم ووضع حاجز اللغة عقبة في طريق تعلم البجه، مما مكن غيرهم من الاستئثار بالتعلىم في (السودان) ومن ثم احتفاظهم بالمناصب العلىا، ولكي يحققوا هذا في وجه قومية البجه الصاعدة سيطروا على الجيش والشرطة لفرض سيطرتهم المستمرة على البجه، هذا ولكن من البجه اليوم عدد كاف استطاع الحصول على أرقى التعليم اللازم لإدارة دفة الأمور في بلادهم بصورة تحقق الرفاهية.
إن الشماليين الذين يسيطرون على الحكم في الخرطوم ومن ثم في بلاد البجه يرون أن المحافظة على (الوحدة الوطنية المزعومة) تتطلب منع البجه منعاً باتاً من المشاركة في اتخاذ أية قرارات سياسية. وفى الوقت الذي تطبق نظريات التفرقة العنصرية بكل عنف وقوة على شعب البجه كما تحاول الآن الجماعة الشمالية المسيطرة على السلطة في الخرطوم، فإنها أما أن تنكسر أمام المقاومة، وأما أن تدفع هؤلاء الذين فرضوها بالقوة في مآزق مخزية، ولكن مهما كانت قوة استنكار العالم الخارجي لسياسة التفرقة العنصرية على أساس من السلوك الأخلاقي والقيم الأخلاقية فإن هذا الاستنكار لا يؤثر إلا قليلاً على هؤلاء الشماليين الذين يسيطرون على الحكم في (السودان) وبالتالي في بلاد البجه، والذين يعتقدون أن نظريتهم تبررها (الوحدة الوطنية المزعومة).
ومنذ البداية، كان البجه يعارضون فكرة دمج بلاد البجه في جمهورية (السودان)، لأن بلاد البجه كانت دولة مستقلة ذات سيادة قبل غزو الاستعمار التركي لها، وابتدأت المعارضة في أول الأمر من ناحية زعماء القبائل ثم تولاها فىما بعد رجال السياسة البجه والذين كانوا يتوقعون، وكانوا على صواب، أن يؤدي دمج بلاد البجه لجمهورية (السودان)، إلى الاحتفاظ بالسيطرة السياسىة والاقتصادية للشماليين لأن الاستعمار البريطانى هدف إلى تدريبهم للامساك بزمام السلطة بعد رحيله، حتى يفرضوا بطء التنمية في بلاد البجه وينظموها بحيث تحتفظ الجماعة الشمالية بالسيطرة إلى ما لا نهاية.
إن السياسة الرئيسية التي قدر للمجتمع المتعدد الأجناس في (السودان) أن يتطور على أساسها، هى سياسة المشاركة التي كانت تتضمن بالتالي قيام تنظيم دستوري طبقاً له يتصرف كل من البجاوي وغيره كشركاء في التنمية، والصعوبة الوحيدة بالطبع هي كون البجه شركاء مهمشين في هذا النظام، والعلاقة القائمة بينهم وبين الشماليين المسيطرين علاقة استغلال للبجه ومواردهم وموقعهم الاستراتيجي الهام.
توزيع السلطات
(76) تتوزع السلطة داخل أي مجتمع وداخل كل جماعة مكونة لهذا المجتمع بين أفراد هذا المجتمع وتلك الجماعة بصورة غير متساوية بالنظر إلى مستويات السلطة ومقدار النفوذ الاجتماعي وباختلاف الزمان والمكان وأيضاً الأساليب التي تمكن من الحصول على مكانة سامية في المجتمع والاحتفاظ بها أو فقدانها.
وفي (السودان) حيث يسيطر على السلطة أفراد من بعض قبائل (السودان) التي خدمت الاستعمار البريطاني، نجد أنهم يحافظون على الوضع الاستعماري القديم في بلاد البجه خوفاً من وصول العلم والوعي لشعب البجه، ومن ثم المطالبة بحقهم في الحياة الكريمة ومطالبتهم بالمشاركة في السلطة. ومخاوف هذه الجماعة المسيطرة نابع من أنهم وصلوا للسلطة بطرق غير مشروعة لأنهم ورثة الاستعمار البريطاني وبالتالي سادة على الشعوب التي كانت تحت سيادته في (السودان) ينهبون خيراتها ويستحلون مواردها.
ودانت لهم الحياة السياسىة فشرّعوا القوانين التي تحمى مكاسبهم وتجعلهم الفئة السياسىة الحاكمة. بينما يعيش شعب البجه رعية تابعة لا رأي لهم حتى في بلادهم.
ولم يكن الحصول على استقلال (السودان) نتيجة معارك ضارية تعمل على إنتزاع السلطة من أيدي الاستعمار البريطاني. بل كان في شكل منحة قدمها الاستعمار للذين نشأوا تحت أقدامه ونذروا أنفسهم لخدمته طوال اقامته وتعهدوا بالاستمرار في سياسته الامبريالية بعد خروجه.
وهناك حقائق تتعلق بعلاقات الجماعات الوطنية المسيطرة والأقليات تتضح في العالم المعاصر. فلقد ضعفت السيطرة الاستعمارية على الأهالي نتيجة تناقضات ونفقات باهظة. وبعد الحرب العالمية الثانية وجدت الدول الغربية أن المزايا العملية للمستعمرات قد تناقصت إلى حد كبير مع تزايد أعباء الاحتفاظ بالأسلوب القديم تزايداً كبيراً كما أنه لا يمكن وقف الحركات السياسىة الوطنية بدون قمع يتطلب نفقات عالية.
ولهذا فقد اتجهت الدول الاستعمارية في دول مثل (السودان) إلى خلق جماعة حاكمة مرتبطة بالاستعمار، تدافع عن مصالحه وتنتهج سياسته مع الأقليات المحكومة. ولقد كانت فترة الستين عاماً التي قضاها الاستعمار البريطاني في (السودان) فترة كافىة لخلق وإنشاء هذه الجماعة الشمالية المسيطرة.
فلقد كان في موقف بعض قبائل شمال (السودان) من الاستعمار البريطاني مدخلاً مناسباً لتأهيلهم ليكونوا ورثة الاستعمار. إذ نذرت هذه القبائل نفسها لخدمة الاستعمار البريطاني، حتى قبل دخوله السودان. وجاءت مكافأة الانجليز لهذه القبائل باستيعابهم في الوظائف الحكومية خاصة الشرطة والجيش، بينما حظروا تعيين البجه فيهما، (هذا الحظر مستمر حتى الآن من كل الحكومات الشمالية ــ راجع كتاب الأمن للدكتور بيومي)، كما قام الانجليز بنشر المدارس في مناطقهم لتأهيلهم ليحلوا محله في المستقبل.
ولقد استغلت بريطانيا التناقضات القومية في (السودان) فكانت تضرب قبائل شرق وغرب (السودان) بقبائل شمال (السودان) الموالية لها تماماً، مثلما حدث من فتك بالمواطنين البجه عام 1948 عند ثورتهم ضد الجمعية التشريعية، إذ هجمت علىهم شرذمة من الشرطة المكونة من قبائل الشايقية بقيادة ضابط انجليزي، أمام منزلنا في بورتسودان، وأطلقت علىهم النار دون تمييز أو رحمة، فشاهدنا الجنود الشماليين يطاردون الجرحى الزاحفين بعيدا عن ميدان المعركة ليقتلوهم. ولم يفد تدخل الوالد، الذي وصل من مكان عمله في تلك اللحظة، في إيقاف المجزرة. هذا إذا علمنا أن القبائل الوحيدة التي حاربت بريطانيا في (السودان) ووقفت في وجه جيوشه هي قبائل البجه في شرق السودان، وبعض قبائل كردفان ودارفور. فكان جزاء الاستعمار البريطاني لهم أن جعلهم فئة محكومة وتابعة.
لقد أخذت العلاقة في دولة (السودان) الحالية شكلاً عنصرياً بين شعوب ذات سيادة بدرجة متزايدة. وهذا لا يعني تناقص السيطرة الاستعمارية على شعب البجه وغيره من الاقليات بل يعني تغير شكل السيطرة. كما أن مثل هذه السيادة لا تعني نمو الديمقراطية لأن التخلص من الاستعمار البريطانى لم يأت بكسب لأغلبية السكان وإنما يمثل فقط انتقال النفوذ والسيطرة من طبقة حاكمة بريطانية إلى طبقة حاكمة من شمال (السودان). والجماعة المسيطرة في (السودان) من وراء ستار القومية والوحدة الوطنية تحارب الأقليات بنفس أسلوب الاستعمار. لقد صارت السياسات المتعلقة بالتصنيع وملكية الأراضي والمزارع والاستيراد والتصدير وما إلى ذلك في (السودان) في صالح الجماعة الشمالية الحاكمة الجديدة، التي تنطلق من العاصمة الخرطوم وتشمل الإمتيازات سكان شمال السودان، الذين انتشروا في كل أنحاء (السودان) يستغلون هذه الإمتيازات ويستغلون القوميات التي لا تستطيع الحصول على شىء من الوسائل التي توزعها الجماعة الشمالية المسيطرة من الخرطوم على أبناء جلدتها (الثلاث قبائل في عهد الإنقاذ) ومن جمعها معها الاستعمار.
لقد انتشر التجار الشماليون في كل أقاليم (السودان) وسيطروا على كل موارد الرزق والتجارة تماماً مثلما يفعل اليهود في اقتصاد الغرب والآسيويون في أفريقيا.
وبعد خروج بريطانيا من (السودان) بدأ البجه يبحثون لأنفسهم عن مكان تحت الشمس. فوجدوا أن ميراث الاستعمار قد تم تقسيمه وأنهم صاروا جزءاً من هذا الميراث، فلقد تسلم الحكام الشماليون الجدد الأرض ومن علىها من بشر. يتصرفون فىهما كيف شاءوا. وهكذا بدأ صراع رهيب بين البجه والحكام الشماليين، وطَرق البجه كل الطرق السياسىة ودخلوا كل الأحزاب والمؤسسات المطروحة علهم ينالون بعض حقوقهم. ولم يؤد هذا إلى نتيجة إيجابية بل صار البجه ثابتون على حالهم كما رجع الحال إلى الوراء بسبب النزاع حول تركة الاستعمار بين الأحزاب وتكشفت الحقيقة للبجه بأن ترفيعهم محدد سلفاً.
النظم السياسية الفاشلة
ووجدالبجه أن المناورات السياسىة والتدليس يشكلان قاعدة عامة عند الساسة الشماليين، فالوعود التي يقدمونها لا تنفذ، والشماليون لا يهتمون إلا بشئونهم الخاصة ويهمل باقي (السودان). كما أن هؤلاء الساسة الشماليين غير جادين في حل المشاكل الواقعية بل وهم غير أكفاء لحلها. ولم تكن الحكومات الشمالية التي تولت الحكم بعد خروج الانجليز عام 1956 من الأمانة بحيث تكسب الثقة ولا جادة حتى تكسب التأييد. وفىما يختص ببلاد البجه كانت الحكومات الشمالية كعادتها مشغولة بمناوراتها واقتسام الغنائم إلى حد صرفها عن كل تفكير جاد لتطوير بلاد البجه.
وهكذا نرى أنه بعد انقضاء قرابة نصف قرن على خروج الانجليز لا تزال مشكلة البجه ليست قائمة فحسب، بل هي تتفاقم، ولا زالت مقاليد الحكم في (السودان) كله في يد حكومة عنصرية شمالية مركزية تتكون كلها من مجموعة قبلية واحدة (1999) تسيّر أمور البلاد حسب مصالح المشاركين فيها.
إن الحكومة الموحدة التي تقوم على أساس قاعدة (صوت واحد للشخص الواحد) تضع شعب البجه كأقلية في وضع أدنى بكثير من وضع غيرهم وأدت إلى التمييز ضدهم واستغلالهم من قبل الجماعة الحاكمة.
إن وجود الخلافات الثقافىة والعنصرية في أنحاء (السودان) حقيقة واضحة اعترفت جميع حكومات الخرطوم بأهميتها في مناسبات عديدة، خاصة في محاولاتها لشرح سياستها تجاه جنوب السودان وإتفاقية السّلام التي وقعت مؤخراً (1997). ولقد اعترف الدستور الحالي التعدد العرقي والديني والثقافي في (السودان).
إن بلاد البجه وشمال (السودان) كانتا دولتين منفصلتين ورثتا علاقات تاريخية سيئة، واستمر الحكام الشماليون في تعميق هذه الخلافات و(السودان) بلاد فسيحة الأرجاء تضم شعوباً ذات اصول وثقافات مختلفة ودولا سابقة كانت تتمتع بسيادتها المستقلة إلى حد يجعل من المتعذر على أي دولة في العالم أن تفرض عليه الوحدة بالقوة، ولن يتمكن شيء في الدنيا من الإبقاء على (السودان) موحداً لأنه توحد بقوة الاستعمار وتنعدم فيه المساواة المطلقة، والفرص المتكافئة، والثقة المتبادلة. فلن يفيد دمج الشعوب التي كانت مستقلة ولها أعراق وثقافات عريقة مختلفة على غير إرادة أصحابها بل لا بد من إتاحة الفرصة أمام تلك الشعوب المختلفة لتعبر عن نفسها وتقرر مصيرها بحرية كاملة، فذلك أمر ضروري لتحقيق الذات ولإرضاء الذات، وهما مطلبان جوهريان ضروريان لضمان الولاء والنهوض بواجبات المواطن الصالح.
إن أنسب نظام للحكم والإدارة في أي بلد هو النظام الذي يلائم أوضاعه الخاصة، لا النظام الذي يطابق أي نموذج جاهز، والذي يحمل اسما براقاً. وقد أثبت نظام الدولة الحالي دون إيجاد وضع دستوري لبلاد البجه، وبالإضافة إلى أنه جعل الحكام الشماليين يستغلون شعب وثروات البجه، فإنه نظام ضعيف وليس عاجز فقط عن حل مشكلة البجه، بل عاجز عن حل مشاكل (السودان) في مجموعه. ولهذا فهو مرفوض لأن التجربة أثبتت عدم صلاحيته، ولماذا لا يحكم بجاوي (السودان)،يجب أن تكون الرئاسة دورية بين الأقاليم. وتولاها الشماليون لأكثر من أربعين عاماً فعليهم أن ينتظروا أربعين عاماً ليتولوها ثانية.
إن معدل نمو الإدراك السياسي لدى البجه يتعدى بمراحل فكرة التبعية السياسىة وأصبح رفض البجه لها يزداد يوماً بعد يوم. إذ أن المساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسىة التي كانوا يؤملونها إن لم يحققوها بأنفسهم فإن أحداً لن يحققها لهم.
كما أن رغبة البجه في الاستقلال ناتجة عن خلافات قائمة بينهم وبين الشمال، وهى خلافات بعضها طبيعية وبعضها من صنع الإنسان وللاختلافات التاريخية والثقافىة واللغوية والفوارق الاقتصادية بين بلاد البجه وشمال (السودان) ومساويء الساسة الشماليين وأن لكل واحد من هذه العوامل دور في زيادة المشكلة تعقيداً. وقبل هذا كله فإن بلاد البجه كانت دولة مستقلة ذات سيادة قائمة بذاتها وتم ضمها (للسودان) دون استشارتها.
كتبت الدكتورة نادية بدوي في كتابها X يوميات باحثة مصرية في حلايبZ عن البجه ما يلي (كم عانت قبائل البجه وانشغلت عن مصالحها الخاصة بالصراع الحزبي، ويشهد زعماء البجه وعلى رأسهم الشيخ محمد صالح ضرار، أشهر مؤرخي البجه، بأن أهله البجه لم يستفيدوا من حكومات الأحزاب إلا الحزازات والضغائن وكراهيتهم لبعضهم بعضاً. وهذا الأمر دفع بشيوخ البجه إلى التفكير في عمل حزب يضم كل قبائل البجه، خاصة أنه بعد الاستقلال كانت هناك نزعة لاستقلال شرق السودان عن الدولة على اعتبار أن الشرق يضم قبائل واحدة مشتركة في الأصل واللغة والمعتقدات).
مؤتمر البجه
وفى عام 1958م قام نفر من خيرة رجال البجه بتأسيس (مؤتمر البجه)، (قيل إنه تأسس كفكرة عام 1937 مع زيارة نهرو لبورتسودان تيمنا بحزب المؤتمر الهندي، وكذلك مؤتمر الخريجين في اأم درمان)، وهو حركة وطنية قومية تهدف إلى إيجاد وضع دستوري للبجه لإزالة التخلف والإضطهاد، ولكنه بدأ مطلبياً. وحصل في عام 1965م على 11 مقعداً برلمانياً ونسق مع حزب الأمة المنافس التقليدي لحزب الختمية. ولكن تسويف السلطات أفشل المؤتمر وانتهى من حيث بدأ، لكنه ألهم جيلاً جديدا اتجه للعمل العسكري حيث اقتنعوا بأن حكومات الخرطوم لا تستمع لغير أصوات المدافع، بحسب ما أعلنه الفريق البشير في العام 1991 إبان زيارته لمدينة بورتسودان عندما قال إذا أراد البجه نيل حقوقهم عليهم حمل السلاح مثل الجنوبيين.
إن طريق الصعود في السلم السياسي ظل منذ خروج الانجليز كما هو من حيث الجوهر مع تغير المسميات. فمهما ترفع البجاوي سياسياً فإنه لا يتعدى البرلمان إلا بعدد محدود من الوزراء الهامشيين، ويظل محكوماً بالقوانين والتشريعات التي تحد من وصوله إلى مركز أعلى من ذلك، إذ أن كل مناصب الدستوريين والوزراء وكبار المسئولين مخصصة للشماليين، وحتى تمثيل بلاد البجه للهيئات السياسىة والتنفىذية في الخرطوم ظل يقاسمهم فىها المستوطنون الشماليون.
ولم يجن البجه من الإنتخابات في بلادهم غير تعميق الخلافات فيما بينهم، وتوسيع الشقة بين القبائل حول مناصب أقل ما توصف به هي أنها تافهة تجعلهم خدماً وحاشية للحكومة في الخرطوم التي اختطت (سياسة فرق تسد) فخلا لها الجو السياسي، وانشغل عنها البجه بالتناحر والتنافس حول مكاسب هزيلة هى أقل من حقهم الشرعي بكثير.
الحكم الإقليمي والثروة
لقد وجدت الجماعة الشمالية المسيطرة مع نمو قومية البجه أنها قد أصبحت تحت ضغط متزايد يطالبها بتسليم مركزها الحالي، فىما يختص بالناحيتين السياسىة والاقتصادية، وهو مركز من الصعب تحمله في أفضل أحواله أما في أسوأ أحواله فإنه يتضمن العنف في النضال من أجل حصول البجه على استقلالهم.
وعندما شعرت السلطات الشمالية بالنمو المتزايد لقومية البجه، عمدت إلى تطبيق الحكم الإقليمي، بزعم أنه يعوض البجه عن سنوات الاستغلال الطويلة التي خلفتها السياسة الظالمة في الأقاليم، وأعطت فىها الإداريين الوافدين سلطات واسعة استغلوها في نهب الأراضي والأموال ودعم أبناء جلدتهم من المستوطنين في بلاد البجه وتملكوا كل الأراضي السكنية والزراعية وهيمنوا على الإقتصاد بدرجة صاروا معها يعتبرون أنفسهم حكاماً صغاراً وممثلين لحكام الخرطوم. فهل شاهد أحدكم بجاويا يمتلك أرضاً في الشمالية.
إن تطبيق نظام الحكم الإقليمي في (السودان) بالرغم من سلبياته الكثيرة وظلمه الواضح ـ فهو اعتراف موضوعي من قبل السلطة بوجود اختلافات إثنية وتاريخية بين شعوب (السودان) ـ ونظام الحكم الإقليمي الذي تم تطبيقه في بلاد البجه بوضعه السابق أو الحالي يخنق كل طموحات شعب البجه في الوصول إلى حياة كريمة حيث ظلت السلطة السياسىة والاقتصادية في يد الجماعة الشمالية المسيطرة فهي المستفىد الوحيد من تطبيق هذا النظام. ولتحقيق أطماعها قامت بإختيار مجموعة تتكون من أفراد عرف معظمهم بولائهم للسلطة وبالرغم من المؤهلات الورقية التي يحملها بعضهم، فإنهم لا يعرفون شيئاً عن مشاكل بلادهم ولا يهتمون بمعاناة شعبهم وما يلاقيه أبناء جلدتهم من ظلم وغبن - كما أنهم لا يكنون أي ولاء لبلادهم ولا يحترمون شعبهم ويعتقدون أن السير في ركاب السلطة يجعلهم في مصاف الصفوة المثقفة المتحضرة، كما يرون أن إنتمائهم إلى البجه إنما هو معرة يجب التخلص منها، ولهذا نجدهم يترفعون على أهلهم ويستعرون من التحدث بالبجاوية، وما علموا أنهم لولا أهلهم البسطاء هؤلاء لما نالوا هذه المناصب والحظوة عند حكام الخرطوم.
وحتى هذه الجماعة الموالية لسلطات الخرطوم الشمالية لم تترك لتنفرد بحكم البلاد فنجد بعض الأفراد المستوطنين ممن زرعتهم سلطات الخرطوم الشمالية ليمثلوا أطماعها وليكونوا يدها الضاربة في البلاد. وأصدق مثال لهذا وجود والي و نائب والي ومحافظ ووزراء ورؤساء مجالس بعض المدن الكبيرة من غير البجه. وهذا يؤكد أيضاً عدم جدية السلطات الشمالية فىما كانت تدعيه من أنها منحت البجه نوعاً من الحكم اللامركزى كما أنه دليل فاضح على هيمنة الجماعة الشمالية المسيطرة في بلاد البجه بصورة مباشرة.
إن السلطات الشمالية في الخرطوم تقبض بيد من حديد على كل صغيرة وكبيرة في البلاد فهي التي تحدد حجم ميزانية البلاد والإيرادات والمنصرفات والاستثمارات والخدمات وفي مجال الإدارة فهي التي كانت تقوم بتعيين الحكام الإقليميين والوزراء.
وتمتد سيطرتها حتى على أصغر الأشياء مثل استخراج جوازات السفر التي لا تصدر إلا من الخرطوم حتى يستفىد سماسرة وموظفو الخرطوم ويعتصرون شعب البجه حتى آخر درهم عندهم أما رخص الاستيراد والتصدير فهي لا تزال حكراً للتجار الشماليين وشركائهم في السلطة وعندما يعلن فتح الباب لاستيراد سلعة ما، يكون تجار العاصمة قد تلقوا? خبراً مسبقاً عنها وتكون بضائعهم محملة على السفن في طريقها إلى ميناء (بورتسودان). وهذا فىه اجحاف لتجار الأقاليم - وعلى هذا المنوال يتم إختيار المبتعثين من الطلاب والمعارين للخارج من موظفى الدولة، فعندما يصل طلاب وموظفو الأقاليم للعاصمة تكون أبواب القبول قد اقفلت وتنحصر المنافسة على المتقدمين من العاصمة والشمالية.
أضرار التنمية واستغلال الريف
يوفر إقليم البحر الأحمر (البقاء مع العسر RESAP) حالة نموذجية للبدائية الإقليمية، حيث تمثل مدينة بورتسودان، ثاني أكبر مدينه في السودان أربعين ضعف مدينة سنكات التي هي المدينة الثانية في الاقليم. ويبلغ سكان بورتسودان 80% من سكان الولاية، بنسبة نمو قدره 8%، مقارنة بانخفاض تبلغ نسبته 18% في سكان الريف. لقد ارتبط نمو بورتسودان، ولا يزال بتنمية الأجزاء الأكثر رخاء في السودان خاصة الاقليم الشمالي والعاصمة الخرطوم، أكثر من ارتباطه بتنمية البحر الأحمر. وقد كثفت هذه الحقيقة انكفاء البجه المهاجرين الذين يعيشون في المدن، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً على نظمهم الريفية التقليدية حيث يتضح ذلك في أساليب حياتهم داخل المدن، لأنه حتى الحصول على عمل في الميناء تلزمه العلاقات الإثنية.
ليس هناك أي دليل على Xتأثير المدينة الكبيرةZ في توليد التغيير في المحافظة أو حتى المدن الأقل مرتبة. وفي الواقع فإن منطقة البحر الأحمر تقدم مثالاً كلاسيكياً لإنهاك الحضر للبيئة الطبيعية حيث تدمر المناطق الريفية مواردها الشحيحة لتلبي طلب المراكز الحضرية للحطب والفحم النباتي والثروة الحيوانية والمياه الجوفيه مما يسهم من تدهور قاعدة الموارد الريفية. وقد أسهم طريق بورتسودان، الخرطوم في زيادة عزلة المدن الصغيرة عن مناطقها الداخلية.
لقد لعبت المدن وظائف قليلة للبجه في شكل الخدمات الأساسية التي تذهب كلها للوافدين الشماليين بينما قامت بدور فعّال للحكومة المركزية من ناحية اقتصادية واستراتيجية وأمنية. وتراجعت وظيفة هذه المدن كسوق للمنتجات الريفيه بشكل حاد بسبب تراجع الثروة الحيوانية والمنتجات الريفيه الأخرى نتيجة للجفاف والمجاعة (1984). وفي الواقع فإن المدن بالنسبة لمعظم البجه هي أماكن شراء واستهلاك أكثر منها للبيع والإنتاج. وعلاوة على ذلك فإن مصدر النقود الوحيد بالنسبة للبجه، في غياب الثروة الحيوانية ومساعدة منظمات الإغاثة الأجنبية، هو بيع الحطب والفحم النباتي وكلاهما يسهمان في تعجيل عملية التدهور البيئي. لذا فقد أصبحت كلفة عملية التحضر بالنسبة للبجه في الظروف الراهنة كبيرة تماماً عندما نقيسها من ناحية استنفاد الموارد ومن ناحية نتائجها الاجتماعية.
ومن أضرار التنمية أيضاً الطلب المرتفع على الكثافة الاحيائية، لا سيما لمواد البناء والوقود فما يزيد على 90% من المنازل في سنكات مثلاً، مسقوفه بجذوع أشجار الدوم وكذلك منازل الطبقات الدنيا في بورتسودان. وفي الواقع فإن خشب الدوم ينقل إلى داخل السودان إلى مناطق بعيدة حتى الخرطوم، وقد عزز الطريق البري المسفلت هذه العملية. ويفرض هذا الضغط على نوع واحد من النبات تهديداً على التوازن البيئي ويرفع قيمة هذه الموارد فيجذب المزيد من القضاء عليها. كذلك ارتفع الطلب الحضري على الحيوانات مما دفع الرعاة لتجاوز قوانين المحافظة على تكاثرها إلى جانب الطلب الشديد على المحاصيل مما زاد أسعارها على البجه الفقراء سكان الريف.
التنمية المدمرة
اجتذب نمو المراكز الحضرية في بلاد البجه أيضاً مهاجرين من غير البجه يتنافسون مع سكان البلاد الأصليين على الوظائف والخدمات الاجتماعية في مدن البلاد. وهذه المنافسة ليست في صالح البجه يسبب افتقارهم النسبي للمهارات والوساطة والمحسوبية، فأصبحوا يتنافسون بالتالي مع بعضهم البعض على العمل اليدوي المتاح مما يقلل أجورهم. كذلك تراجعت فرص الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية، خاصة التعليم، بسبب المهاجرين غير البجه في هذه المدن وتمتعهم بعلاقات مع المسؤولين فيها عن طريق العنصرية.
التأثيرات الاجتماعية السلبية مثل التفكك الأسري والبطالة والعلل الاجتماعية الأخرى. وإحدى السمات البارزه هي عمل الأطفال وتشردهم، الذي يمثل تغيراً رئيسياً في قيم وتقاليد البجه الاجتماعية المحافظة. وكذلك ليس ثمة دليل على اندماج البجه مع سكان الحضر والمجموعات الإثنية الأخرى إذ يظل معظمهم مرتبطين بمجموعاتهم القبلية.
لقد أثر التحضر سلباً على أسعار المنتجات الريفية. فقد تراجعت امدادات السلع ذات القيمة السوقية من المناطق الريفية كثيراً تحت ظروف الجفاف والتدهور البيئي حيث تنشأ معظم السلع التي يتاجرون بها من البيئة الطبيعية، إلى جانب هذا تنخفض أسعار الثروة الحيوانية مع الصعود الحاد في أسعار الحبوب.
تدخل الدولة على المستوى الإداري
نشأ الاحتكاك الأول للبجه مع الدولة في بداية هذا القرن من خلال التراتب الإداري الذي أنشأته السلطة الاستعمارية. وكانت نقاط الاحتكاك أساساً هي جمع الضرائب وتوفير بعض الخدمات الأساسية بصورة رمزية، حتى يقال أن الدولة سعت لتطويرهم. وقد أدى تقسيم ولاية البحر الأحمر إلى أربع محافظات إلى نتيجة فورية متمثلة في زيادة الإنفاق الحكومي للحفاظ على الجهاز الإداري الضخم على حساب الخدمات والتنمية، خاصة بعد الغاء الإدارة الأهلية. والمؤشر الآخر هو أن ميزانية التنمية في بلاد البجه لا تزال تدار من العاصمة الخرطوم. وقد عزي الفشل في تخطيط واستغلال الموارد الموجودة ومن ثم الأزمة الحالية في بلاد البجه إلى المركزية المفرطة في التخطيط التنموي والمالية ومهام الأفراد. ولم تتجاوز ميزانية التنمية على الإطلاق 3% من اجمالي الميزانية للفترة 86/1987م إلى 90/1991. وفي نفس الوقت لم يؤهل مستوى الولايات ليتعامل مع المشكلات الطارئة مثل المجاعة وإعادة الإعمار.
على مستوى المجالس، فإنها بلا مسؤولية، وتقوم لجان معينة بمهامها. أما المصالح الحكومية الفنية القليلة المخصصة لوقف تدهور البيئة فإنها بلا موارد مالية أو لوجستية.
ان أوجه الضعف هذه قديمة، كشفتها المجاعات، لأن المخططين الانجليز ومن جاء بعدهم قد نظروا إلى البجه، مثل الرعاة الآخرين كقوم تصعب إدارتهم أو تقديم الخدمات لهم. ولهذا قامت الحكومات بتقديم برامج لتطوير البجه لا تتلائم معهم فشلت جميعها. وبالرغم من أن الإغاثة أبقت على حياة الكثيرين، إلا أن الحكومة قلصت اسهامها منذ مجاعة 1984م كثيراً وتركتها لتسيطر عليها المنظمات الأجنبية. وقد قوبلت البدائل الأخرى التي قدمت للبجه (صيد الأسماك والتعدين) بحماس قليل بسبب نفور البجه منه، ويسبب افتقارهم للمهارات الفنية التي يحتاجها صيد الأسماك والتعدين. إن إقامة السدود على الخيران ليست أمراً فعالاً كحل فني من ناحية التكاليف ويصعب الحفاظ عليها وتعطله مشكلات تفاوت سقوط الأمطار في الزمان والمكان. وبهذا يتبقى خيار استقرار البجه الذي لم يتم أبداً بحجم معتبر، وإنما على أساس منح البجه، أصحاب الأرض الحقيقيين، فرصاً رمزية في مشروعات قومية ترعاها الحكومة الشمالية لفائدتها داخل بلادهم مثل الرهد وخشم القربة.
.
التهميش المتزايد
دفعت سلسلة من العمليات المناخية والرسمية (البقاء مع العسر RESAP) البجه إلى الإحتكاك بعناصر وقوى دولية. وهذا لا يعني أنهم كانوا منعزلين في جبالهم وإنهم خططوا للبقاء فقط على مواردهم هناك. فقد شكل انخراطهم في تجارة القوافل دعما اقتصاديا أساسيا، بينما كانت الهجرة الرعوية دائما مهمة. ولكن ما تكشف الآن هو الطبيعة المتغيرة للنظم الأوسع التي تتحرك داخل البجه اليوم. فالتنقل جغرافياً يقيده توسع المشاريع التي أقامتها الدولة دون اعتبار لحيواناتهم. ويبدو البجه في النظم الإدارية ـ السياسية السودانية كمجموعة هامشية، يتم تجاهل مشكلاتهم تماماً، بدلاً من الإهتمام بها. وهم يتأثرون من خلال ارتباطهم بالسوق، الذي يمدهم باحتياجاتهم الاستهلاكية، بتقلبات الأسعار وتوفر السلع عموماً.
إن تعيين أحد البجه في منصب وزاري أو منصب حاكم إقليم لا يحل المشكلة فليس ما يريده البجه هو اشباع القلة التي اختارت أن تبحث عن مصالحها الخاصة بتملق حكام الخرطوم الشماليين، والتجسس على شعب البجه والعمل كطابور خامس لحماية المناصب التي اكتسبوها عن طريق إذلال شعبهم وتحولهم إلى مخلب قط للسلطات، بل مايريده البجه هو وضع ضمانة دستورية تجعل المناصب في الحكومة وفى دوائر الأعمال حقاً لا منحة، وتحفظ للبجه حقهم في ثروات أراضيهم، وإلا فما هو معنى الحكم الإقليمي إذا لم يكن للبجه سلطة على إيرادات الميناء والجمارك والسكة الحديد ومناجم الذهب الموجودة على أرض البجه والتى تعتبر الثروة الحقيقية للبجه والتى تهدر في خزائن الخرطوم، بينما يموت البجه من الجوع والمرض. وأين هو حق البجه في تحديد السياسة الزراعية التي تدرأ شر المجاعات وتوفر لهم الاكتفاء الذاتي. في الرهد وبركة والقاش والقضارف وحلفا وغيرها.
ومن المهم أيضاً أن يكون المسؤول البجاوي متمتعاً بثقة أهله لا أن يكون ساعياً يعهد إليه الأعمال الدنيا ويحقق المصالح غير الدستورية لمن يستخدمونه من الساسة الشماليين فهو أسد على البجه ونعامة لحكام الخرطوم. وبمقارنة بسيطة لإنتماءات الوزراء القبلية يتضح لنا حجم الظلم الواقع على البجه. ففي ظل نظام الإنقاذ، فإن الرئيس ونائبه من قبيلة واحدة، أما مجلس الوزراء، فإن 99% منه باستثناء الجنوبيين، هم من الإقليم الشمالي الذي يقل سكانه عن مليون شخص. والأدهى والأمرّ أن تخصص وزارة ميتة، هي السياحة والبيئة أو الطرق، للبجه. لقد دأبت الحكومات على تخصيص الوزارات الهامشية للمهمشين مثل البجه.
إن التخلف الذي تعيش فىه أقاليم (السودان) لا ينتهى بحكم إقليمي تكبل سلطاته حكومة الخرطوم والحل لمشاكل الأقليات هو تقسيم (السودان) إلى دول على أسس إثنية.
وفقاً للنظام الفيدرالي في عهد نظام الإنقاذ قُسم السودان إلى 26 ولاية، ثم قسمت هذه الولايات إلى نحو 57 محافظة، ثم قسمت هذه المحافظات إلى 200 مجلساً. (كان عدد المجالس في عهد مايو 54 مجلساً واستنكر المختصون ذلك نسبة لعدم وجود الإيرادات المحلية والعبء الإداري المالي).
كتب الأستاذ عبد اللطيف البوني في دراسة أن اللامركزية أو الفيدرالية هي فلسفة تناقض المركزية، فبقدر ما تعني الأخيرة تمركز السلطات في أيدي محدودة ومكان واحد، تعني اللامركزية توسيع قاعدة المشاركة باشراك أكبر عدد من الناس. أما المكان، ففي المركزية يشار له بالمركز أو العاصمة، وفي اللامركزية يرمز إلى تعدد أمكنة صنع القرار وذلك باشراك ذوي الشأن في إدارة شؤون مناطقهم.
واللامركزية كما اعتمدتها الأمم المتحدة تنقسم إلى قسمين هما: أ ــ لامركزية تفويض، وهي تعني تفويض السلطة من الحكومة المركزية لأشخاص في الأقاليم مع الاحتفاظ للسلطة المركزية بحقها في ممارسة السلطة بشكل مباشر في أي وقت. ب ــ لامركزية تخويل، وهي تعني أيلولة السلطة بمقتضى نص قانوني لا ينقض إلا بقانون آخر لأشخاص يتم اختيارهم أو تعيينهم أو انتخابهم في المنطقة المحلية كممثلين للسلطة المركزية. والسائد في معظم الدول ثلاثة مستويات، وهي المستوى الاتحادي والمستوى الولائي والمستوى المحلي. في (السودان) ظل المستوى الثاني (الولائي) يتأرجح بين اسم المحافظة ثم الإقليم ثم الولاية.
سلبيات الحكم الفيدرالي
إن بعض المفكرين والسياسيين (أحمد عبد الرحمن محمد وبروفسير أحمد أبوسن، دراسة) يرون أن عدد الولايات قد أصبح كبيراً جداً، الأمر الذي يشكل عبئاً على خزينة الدولة المركزية من حيث تعيين 26 والياً وعدداً كبيراً من الوزراء وتوفير مخصصات مالية عالية وسيارات ومساكن، كما أن هذا العدد من الولايات لن تتوفر له الإمكانات والمقومات المحلية والكوادر البشرية، الأمر الذي من شأنه أن يقلل فعالية الحكم الفيدرالي وأثره في التنمية.
دعمت الحكومة المركزية الولاية الشمالية في عام 1991/ 1992 بمبلغ 000،500،37 جنيه، وفي عام 1992/ 1993 بمبلغ 000،300،56 جنيه، وفي عام 1993/ 1994 بمبلغ 000،000،140 جنيه، بينما دعمت الولايات الشرقية في عام 1991/ 1992 بمبلغ 000،700،30 جنيه، وفي عام 1992/ 1993 بمبلغ 000،800،36 جنيه، وفي عام 1993/ 1994 لم تقدم لها أي دعم مركزي. وفي الأعوام 97/98/99 حصلت ولاية النيل على دعم من الصندوق بلغ (18) مليار جنيه جعلها تحتل المركز الثاني في الدعم، بينما احتلت ولاية كسلا المركز الرابع بدعم قدره (15) مليار، علماً بأن سكان ولاية النيل يقل تعدادهم عن المليون نسمة وسكان كسلا أكثر من مليونين، ولكن صوت ولاية النيل هو المسموع بحكم وجود أبناء الولاية في مراكز صنع القرار، لذا فهم يستحوذون على كل المميزات. وبالنسبة للتعليم فولاية الجزيرة وحدها بها 300 مدرسة ثانوية. إن هذا مثال بسيط لسيطرة الأقلية على الثروة، حيث أن سكان الولايات الشرقية ثلاثة أضعاف سكان الشمالية ولا يجدون ثلث ما تجده من ثروة وخدمات، أضف إلى هذا احتكارهم بالمحسوبية للوكالات التجارية العالمية التي كانت في السابق ملكاً للتجار البجه في سواكن. أما سيطرتها على السلطة مفتاح الثروة، فتتضح من نتائج الانتخابات البرلمانية وما تستحوذ عليه من مناصب دستورية مقارنة بمقاعد برلمانية قليلة. ففي انتخابات عام 1958 جاء من الشمالية 4 نواب، وفي عام 1965 جاء 17 نائباً، وفي عام 1986 جاء 15 نائباً. أما من الشرق ففي انتخابات عام 1958 جاء 6 نواب، وفي عام 1965 جاء 15 نائباً (11 من مؤتمر البجه)، وفي عام 1986 جاء 26 نائباً، وبالرغم من أن عدد نواب الشرق أكثر، إلا أن 99% من الوزراء جاؤوا من الشمالية إلا في الانتخابات الأخيرة، حيث كان هناك وزير بجاوي واحد فقط مقابل أكثر من 15 من الشمالية. أما في عهد الإنقاذ، التي سجنت الوزير البجاوي الوحيد في العهد الديمقراطي، فهناك وزير بجاوي واحد فقط ولوزارة هامشية، خصصت للبجه والنوبة المهمشين، بينما يشغل 99% من الوزارات والمناصب الدستورية والنافذة، ناهيك عن رئيس الجمهورية ونائبه، أشخاص من الشمالية، لتأمين مكاسبهم وهيمنتهم على السلطة. إن هذا يجسد الظلم والاستغلال والتفرقة العرقية. وبالرغم من هذا، فإن البجه لا يسعون إلى مناصب، بل يطالبون بحقهم في تقرير مصيرهم.
فشل الحكم الإقليمي
بالرغم من الشعارات البراقة والنوايا الحسنة التي أعلنها الحكم المايوي (ويتبجح بها نظام الإنقاذ حالياً) بخصوص تطبيق الحكم الإقليمي، إلا أن الهدف الحقيقي غير المعلن هو إيجاد جواسيس للنظام في الأقاليم يكونون من سكانها. بالإضافة إلى إيهام السكان بأنهم يحكمون أقاليمهم، وشغلهم بالعراك في المناصب الهامشية. وآخر البدع في عهد الإنقاذ، هي مطالبتهم سكان الماطق المهمشة بالدفاع عن مناطقهم من التحرشات الأجنبية، بزعم أن حماية المناطق الحدودية هي من مسؤولية أبنائها، وفي نفس الوقت فإن هذا الدفاع المزعوم عن المناطق هو دفاع عن النظام الحاكم ورفاهية الحكام الشماليين وأهلهم، وتكريس لجيش الحكومة، الذي سخرت له كل أموال البلاد، ليتفرغ لحماية النظام. وقد فشل الحكم الإقليمي المايوي في تحقيق الأهداف المعلنة لعدة أسباب (التجاني مصطفى محمد صالح، دراسة) يمكن إجمالها فيما يلي: لم تكن الحكومة المركزية مستعدة في كثير من الأحيان لتفويض سلطاتها والتنازل عنها للحكومات الإقليمية. فشلت الحكومات الإقليمية في تحقيق التنمية المتوازنة وتنمية الريف. نتيجة لتفشي المحسوبية واستغلال النفوذ ــ في كل العهود الحزبية والشمولية ــ لم تنقل الكوادر الإدارية والفنية للأقاليم. كثير من القياديين الذين من خارج الأقاليم ترقوا على حسابها عن طريق المحسوبية دون حاجة فعلية لهم، ومن ثم شكلوا عبئاً على ميزانيات الأقاليم، وبالرغم من هذا لم ينفذوا النقل. (والأسوأ هو استغلالهم لسلطاتهم في نهب خيرات وأراضي البجه، مثل الحاكم العسكري الذي سوّر أرض زراعية في إحدى مناطق البجه وطلب من شركة عربية لتشييد الطرق والمطارات أن تحفر له عدداً من الآبار فيها. أنظر إلى هذا النموذج من الاستعمار المقنن!) من أكبر دواعي فشل الحكم الإقليمي، هو عجز الحكومة المركزية عن استقطاب موارد مالية كافية لمساعدة الحكومات الإقليمية لتصريف مهامها. وكان الدعم المركزي القليل مكرس للأجهزة الأمنية ــ الهدف الأساسي لتطبيق الحكم الإقليمي والهم الأكبر للأنظمة القمعية ــ التي تبتلع أيضاً جزءاً كبيراً من ميزانيات الحكومات الإقليمية بحيث لا يتبقى شيء للتنمية وتطوير الأقاليم. في فترة الديمقراطية الثالثة، كان حكام الأقاليم يهتمون بمصالح الحزب الذي أتى بهم أكثر من مصالح الشعب لضمان الفوز في الانتخابات القادمة ولحماية مناصبهم الهامشية. ومن لا يقم بحماية مصالح الخرطوم فإن مصيره الفصل. أنظر ما حدث للمحافظ في العهد الديمقراطي الأستاذ عثمان فقراى عندما رفض تحويل كوتة بورتسودان من المواد التموينية للخرطوم!
التفتيت الإداري وتآكل الميزانية
تنقسم ولاية البحر الأحمر (الموسوعة) إلى 4 محافظات و20 محلية، منها 8 محليات مدن، و12 محليات ريف. ونفس الشيء ينطبق على ولايتي كسلا والقضارف فقد تم تفتيتهما إلى محافظات ومحليات بلا موارد، وقد قضى هذا النظام الإداري على ميزانيات التنمية والخدمات في الولايات حيث تذهب كلها للفصل الأول. وهذه الولاية التي كانت محافظة في السابق ويديرها معتمد بدرجة دي إس أصبح الآن فيها وزراء و44 ضابطاً إدارياً، فكم يا ترى هي مرتباتهم ومخصصاتهم? ويوجد في ولاية البحر الأحمر وحدها 350 مكتباً حكومياً، وحوالى 600 منزلاً حكومياً، و3 استراحات، وكل هذه تلتهم جزءاً كبيراً مما كان يمكن توجيهه لمصلحة السكان الذين لا يجدون مستشفيات أو مدارس لهم، بل يجب تسريح كل الموظفين العاملين والساكنين في هذه المباني وأن تباع ويحول ريعها لمصلحة البجه.
الميزانية والإنفاق الولائي
تشكل الميزانيات والإنفاق عصب الأداء المالي بالنسبة للحكم الولائي (الموسوعة)، وبالتالي تحدد ثراء أو فقر الولاية أو المحلية. وهي من أهم المؤشرات التي تعكس مدى الرفاه والفقر بين السكان.
استحوذ الفصل الأول في كل ولايات البجه على أعلى نسب من مجمل المنصرف على القطاعات، حيث بلغ نسبة 82%. وجاءت أدنى مستويات الصرف على قطاعات الزراعة والغابات وقطاع الرعاية الاجتماعية، وشؤون المرأة والطفولة والآداب، حيث تدنت مستويات الصرف إلى 4% و1% للقطاعين. واحتل قطاعا التعليم والصحة مرتبة الوسط في الإنفاق، مع نسب مئوية تميل إلى الضعف. وهكذا تذهب معظم الأموال المخصصة للبجه (65%) إلى الفصل الأول وهو مرتبات الموظفين الذين يتم تعيينهم بالوساطة دون حاجة لتعيينهم، ويمارسون الفساد والتسلط على شعبنا، حتى لو كانوا من البجه فهل المشكلة هي اشباع القلة? بينما يتم اهمال قطاعات حيوية مثل الصحة التي ينفق عليها 3،26%، وينفق على التعليم 5% فقط. تبلغ نسب الإنفاق في محليات الحضر على الإدارة والتعليم والصحة 21% و30% و30% على التوالي، ويقابله في محليات الريف 3% و3،1% و4،1% على التوالي. ويبلغ نصيب الفرد من الإنفاق في محليات الحضر في الإدارة والتعليم والصحة بالدينار 1092 و246 و164 على التوالي، ويقابله في محليات الريف 69 و40 و27 على التوالي. وتشير المعلومات أعلاه بوضوح إلى التفاوت الكبير، بين محليات الحضر والريف وأيضاً إلى تفاوت نصيب الفرد في الصرف على الأوجه المذكورة.
وحول فشل الحكم الفيدرالي في عهد الإنقاذ (البروفسير محمد هاشم عوض، دراسة) أنه أثبت أن اللامركزية لم تؤدِ إلى نقل السلطة إلى مواقع البلاد المختلفة، وإنما أوجدت مركزيات إقليمية حصرت السلطة الإقليمية ومزاياها في عواصم الأقاليم، وسلبت المجالس المحلية سلطاتها وركزتها في عواصمها. إن مطالبة جماهير الأقاليم لم تكن ــ كما يقال ــ بحقهم في حكم أنفسهم ولكن في المشاركة في حكم البلاد كلها ــ أي السلطة المركزية، وبنصيبهم العادل في الثروة القومية المركزة ــ كالسلطة في وسط البلاد. لذا لا يمكن الزعم بأن في تمكين أبناء كل إقليم من حكم أنفسهم بأنفسهم هو استجابة لمطالبتهم بالمشاركة في حكم وثروة البلاد بأسرها. لم يصاحب التوجه نحو الفيدرالية أية محاولة تذكر لإعادة تقسيم الثروة القومية جهوياً علماً بأن العاصمة والإقليم الأوسط ــ اللذان يضمان 30% من السكان ــ يتمتعان بـ 70% من الناتج القومي. وفي ميزانية 1994/ 1995 لم يتجاوز المبلغ المخصص لدعم كل الولايات مبلغ 15 مليار جنيه للإنفاق الجاري و7 مليار جنيه للإنفاق الإنمائي. وتمثل هذه المبالغ 5، 6% من الموازنة العامة البالغة 349 مليار جنيه و6، 0% من الناتج القومي الإجمالي المقدر بــ 947، 2 مليار جنيه. (هذا يعني أن الميزانية المخصصة للتنمية تبلغ نصف ما يذهب للمرتبات والمخصصات الأخرى ـ المؤلف). أثبتت التجربة أن الإيرادات الذاتية للولاية الشرقية بلغت في الفترة من 1987 إلى 1990م، 19%. وهذا يعكس اعتماد الولاية المسرف على المركز، بالرغم من خيراتها الوفيرة التي يستأثر بها المركز ــ مما يخضعها للهيمنة المالية المركزية، بينما يؤدي اعتمادها أساساً على إيراداتها الذاتية للإبقاء على التوزيع الحالي غير العادل للثروة القومية على ما هو.
من الواضح أن الدعوة الفيدرالية كانت استجابة لمطالب أهالي الأقاليم بإشراكهم في السلطة والثروة المتركزة في الشمالية. ومما لا شك فيه أن هناك إرتباط عضوي بين المشاركة في السلطة من جهة والمشاركة في الثروة من جهة أخرى، إذ أن قيام سلطة ولائية معتمدة مالياً على دعم مركزي اتحادي يجعل السلطة الولائية تابعة وخاضعة للقرار المركزي. كما أن تحميل الولايات المتفاوتة القدرات والثروات مسؤولية تمويل وتنمية مواردها ذاتياً يعني الإبقاء على التفاوت في الثروات والنمو على ما هو عليه، بل فاقتها بإعادة توزيع تكاليف الحكومة بنسبة قدرات كل ولاية بدلاً من احتياجاتها كما كان الحال تحت الحكم المركزي. إن للولايات حق في موارد مالية كبيرة يستأثر بها المركز وحده ولا يمنح منها الولايات إلا اليسير في شكل دعم. فلو أننا حاولنا التوصل إلى نصيب الولايات الأفقر (وبها 70% من السكان وتنال 30% من الناتج القومي) من حصيلة الضرائب والجمارك (تأتي 99% منها من الشرقية) ورسوم الإنتاج والإيرادات القومية المقدرة بـ 245 مليار جنيه لعام 1994/ 1995 لوجدنا أنها حوالى 54 مليار جنيه. ومن هذا نحصل على رقم يمثل 27% من الدعم الاتحادي للولايات (15 مليار جنيه) زائداً الضرائب المحولة التي نرى أن جماهير الولايات الفقيرة يدفعونها والبالغة 44 مليار جنيه.
لو نظرنا إلى موارد مالية أخرى تجبى أساساً من الولايات الفقيرة وينفق معظمها خارجها منها الزكاة (يذهب 65% من الزكاة للحكومة المركزية ومنها زكاة الزراعة في القضارف وتوكر والقاش حيث يصرف على الشماليين من محاسيب الحكومة وموظفي ديوان الزكاة في الخرطوم، الذي يعد تكية ذات خمسة نجوم، بدلاً عن توزيعها على سكان الشرقية المستحقين لها) بالرغم من أن القاعدة الأساسية في توزيع الزكاة هو عدم نقلها من منطقة الجباية إلا إذا لم تتوفر بها مصارفها. (قامت حكومة الإنقاذ بفصل القضارف عن الشرقية وجعلها ولاية مستقلة لكي تستأثر بزكاتها وغيرها بحجة عدم وجود مصارف لها ولتحقيق هذا عينت لها والي شمالي من كوادر الجبهة). اكتشفت البنوك في الأعوام الأخيرة أن فروعها في الأقاليم الأفقر مصدر لودائع كثيرة قليلة الاستهلاك محلياً، مما شجعها على التوسع في إنشاء الفروع في الأقاليم بغرض جمع الودائع منها وتحويلها للمركز حيث الطلب أكثر من المودع محلياً. ولو احتفظت كل ولاية بودائعها واستثمرتها، لأصبح لديها أضعاف مجموع الدعم المركزي المقدم لها.
كذلك اتضح عملياً عجز الولايات عن توفير موارد مالية ذاتية بالقدر المفترض الذي يجعل الإعتماد على الدعم المركزي هامشياً، لأن كل إيرادات بلاد البجه الرئيسية أعتبرت قومية، حتى رسوم الدخول للمستشفيات! ويتم تحويلها للخرطوم مباشرة، فأصبح الدعم المركزي هو أساس تمويل الحكم الولائي بما يؤكد استمرار التبعية للمركز على نحو يفرّغ الحكم الذاتي الولائي من محتواه. إن شكوى جماهير الأقاليم كانت من مركزية ذات شقين ــ إداري واقتصادي. فقد تولدت الدعوات الانفصالية ــ التي جاء التوجه نحو اللامركزية كاستجابة لها ــ من تركز السلطة والثروة في أواسط البلاد. وإن كانت مطالبة الأقاليم بنقل نصيبها العادل من الثروة إليهم فإن مطالبتها بالنسبة للسلطة هي اشراكهم في مركزها القومي المشرف على البلاد كلها لا لتمكينهم من حكم أنفسهم فحسب. وهذا ببساطة يعني اقتسام السلطة والثروة بين المركز والأقاليم بصورة عادلة وذلك بالمشاركة في سلطة مركزية وثروة لا مركزية في تواجدهما إ هـ.
كتب الأستاذ عثمان ابراهيم شوف، وهو محافظ سابق لولاية البحر الأحمر ووزير ولائي حالياً، متحدثاً عن الأوضاع المزرية في هذه المنطقة واستغلال حكومات الخرطوم الشمالية لها، قائلاً Xيجب الاعتراف بخصوصية منطقة البحر الأحمر والتي تعتبر أكثر مناطق السودان جهلاً وفقراً ومرضاً، وبالرغم من أن هذه الحقيقة ظلت معروفة لأهل المنطقة، إلا أنها ظلت خافية على الكثيرين بسبب البريق الاقتصادي اللامع للإقليم الشرقي. فلا يمكن أن يكون هذا التخلف موجوداً في الإقليم الذي تبدأ مشروعاته من الفاو والقضارف وحلفا الجديدة وكسلا والقاش وتوكر ويعبرها الطريق البري وخطوط السكة الحديدية وأنابيب البترول إلى بورتسودان وسواكن حيث الموانيء الحديثة وأكبر محطات الجمارك في السودان ومناجم الذهب والموارد المالية الهائلة للقطاعين الخاص والعام وكلها تدر على الخزينة العامة مليارات الجنيهات في كل عام وهي تشكل أكبر ممول للخزينة العامة بسبب الصادر والوارد وتجارة الحدود ومصادر الثروة المعدنية ورسوم الخدمات. وبالرغم من المجاعات الدورية الطاحنة فإن حظ المنطقة من التطور ظل محدوداً ولم تتلق ما تتلقاه سائر المناطق الأخرى ويذهب العون لمناطق أفضل منها حالاً. وفي فترة تطبيق الحكم الاقليمي تمتعت المنطقة بسلطات إدارية ظلت معطلة وغير فعّالة بسبب المركزية المالية الشديدة. وكان الحكم الاقليمي بحق لا مركزية للسلطة ومركزية للمال وهذا مبدأ غير صحيح ولا يصلح أساساً لأي مهام تنمويةZ ا. هـ.
ميزانية البحر الأحمر
كانت ميزانية ولاية البحر الأحمر السابقة (د. علي الحاج، خطاب افتتاحي) 400 مليون جنيه للعام 93/ 1994، وفي العام 94/ 1995 أصبحت 5،2 مليار جنيه، وولاية كسلا من 1،1 مليار جنيه إلى 4 مليارات وولاية القضارف من 8،1 مليار جنيه إلى حوالى 3 مليار على التوالي أي بزيادة حوالى 2،6 مليار جنيه في العام للولايات الثلاث بمعدل أكثر من 2 مليار في العام للولاية الواحدة. (إذا نظرنا فقط للتضخم فإن هذه الزيادة قد حسبت وفق الأرقام وليس القوى الشرائية، بمعنى آخر Xكتر عدZ، أما عند مقارنتها بثروات بلاد البجه التي نطالب بها فإنها تقل عن بند إيرادات واحد في ولاية واحدة، فقد بلغ التحصيل الفعلي لإيرادات الضرائب بولاية القضارف للعام 1998، 6،9 مليار جنيه. إننا نرفض الوصاية علينا كالقصّر، يأخذون كل ثرواتنا ثم يستكثرون علينا الفتات منها. (إننا نطالب بالسيادة على أرضنا، وسنديرها بالطريقة التي تحقق السعادة لشعبنا ــ المؤلف).
عائدات الرخص
تمثل عائدات الرخص للعام 1996 (الموسوعة) أفضل الأعوام في تحصيل عائدات الرخص التجارية بالولاية، والتي بلغت أكثر من مليار دينار.
دعم الصندوق القومي للولايات
حصلت ولاية البحر الأحمر على دعم قدره 124 مليون دينار ــ خلال 1998 تفاصيلها كالآتي بملايين الدينارات:-
المياه، 19. الطاقة، 9. الصحة والتعليم، 46. البنيات الأساسية، 38. الدعم الجاري، 12.المشر
المشروعات التي تقام في الولاية (الموسوعة) تخلو تماماً من المشروعات الإنتاجية أو مشروعات التنمية الاجتماعية، التي يمكن أن تسهم في تحسين أوضاع السكان الحياتية في المناطق الريفية البعيدة عن المدن وفي نفس الوقت تعمل هذه المشاريع على تدمير البيئة التي يعيش عليها السكان البجه وحيواناتهم. وجميع المشروعات الريفية تنفذ في منطقة قبيلة واحدة تتبع لمسؤول بجاوي لبث الفرقة بين البجه، وبالرغم من هذا فإنجازها رديء، لعدم الكفاية والفساد في تنفيذها، وبالتالي تدني العائد المرجو منها.
ميزانية القضارف
بلغت الميزانية المصدقة لولاية القضارف للعام 1998 والعام 1999 بالدينار على التوالي الآتي:ـ
الفصل الأول (400،492،860)، (240،353،307). الفصل الثاني (000،896،923،1)، (348،933،667،19). خدمات رأسمالية (000،223،143)، (473،128،158). تنمية (600،438،341،1). صندوق دعم الولايات (000،000،120). التحويلات الرأسمالية (000،000،20)، (000،000،20). الجملة على التوالي أيضاً (000،050،440)، (181،530،485،4). الربط المقدر الذي تم تحصيله من أسواق المحاصيل بلغ 12 مليار جنيه.
زكاة القضارف
بلغت الزكاة التي تمت جبايتها عام 98/99 ما يلي:- من الزروع والأنعام وعروض التجارة والمال المستفاد ومستغلات المهن الحرة (3،339،364،555) دينار، يذهب 65% منها للحكومة المركزية بينما لا يجد البجه لا مستشفيات ولا مدارس ولا حتى ماء يشربونه.
الشركات والمؤسسات المالية في القضارف
يوجد في القضارف بنك القضارف للاستثمار برأسمال واحد مليار جنيه وهو شراكة بين وزارة مالية الولاية وعدة جهات محلية. وشركة سمسم للنقل والبترول ورأسمالها المدفوع 602 مليون جنيه وهي شراكة بين وزارة مالية الولاية وإتحاد المزارعين. شركة القضارف للنقل والخدمات ورأسمالها مائة مليون جنيه. وهي شراكة بين وزارة مالية الولاية والاتحاد التعاوني.
إن نظرة سريعة إلى المرسوم الدستوري الرابع عشر لسنة 1997م بشأن تنفيذ إتفاقية السّلام الموقعة بين الحكومة والفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الرئيسية، توضح لنا مدى الظلم الواقع على كاهل شعب البجه. فبالإضافة إلى مصادر الإيرادات الواردة في المرسوم الدستوري الثاني عشر تكون للولايات الجنوبية مصادر الإيرادات الآتية: ضريبة أرباح المصانع والشركات والمؤسسات الزراعية غير الاتحادية، حصتها من الضرائب الاتحادية، حصة من الرسوم المفروضة على تراخيص التنقيب، إيرادات المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية، صافي عائدات الجمارك والخدمات وغيرها، الدعم المالي للخدمات من الحكومة الاتحادية.
ثروات البجه
تدعي حكومات الخرطوم فقر بلاد البجه عندما يطالب البجه بنصيبهم في ثروات بلادهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بعرضها على المستثمرين الأجانب فإن الأمر ينعكس. ونظرة سريعة على ميزانية البلاد توضح الكثير. فقد بلغت أجور العاملين في القطاع الحكومي في بلاد البجه عام 89/ 1990م، 115 مليون جنيه وبلغت ميزانية الخدمات 55 مليون جنيه. وهذا يعني أن بلاد البجه التي يسكنها 4.5 مليون شخص، تقل ميزانيتها عن الإقليم الشمالي الذي يسكنه أقل من مليون نسمة وتبلغ ميزانيته للأجور 122 مليون وللخدمات 60 مليون. ومن هذا يتضح أن ميزانية بلاد البجه لا تتناسب مع عددية السكان أو إيراداتها، إضافة لهذا فإنها لا تنفق على خدمة وتطوير البلاد بل تذهب كأجور ومرتبات وإمتيازات لجيش من العاملين الحكوميين الذين يتم تعيينهم لأجل استرضاءات عنصرية وسياسية ولخدمة مصالح أنظمة الخرطوم في بلاد البجه وللتجسس على شعبنا، ولا يستفيد منهم البجه أي شيء، بل على العكس يقومون بتنفيذ سياسات الخرطوم لتحطيم البجه، إضافة إلى أنهم يلتهمون باقي الميزانية ضمن ما يتلقونه من امتيازات مثل المواصلات والسكن وغيره، حيث يشغلون مباني يحتاجها البجه كمستشفيات أو مدارس إلخ، أما بالنسبة للسيارات المخصصة للبلاد فإنهم يستعملونها لأغراضهم الشخصية ويتم الصرف عليها في الإصلاح والوقود من ميزانية البلاد بينما لا يجد البجه سيارة إسعاف واحدة صالحة للعمل في أي مستشفى لديهم وذلك حتى تنقضي الميزانية والسيارات.
إن الأرقام هي أفضل وسيلة لتأكيد ثراء بلاد البجه، ولو ملكوا أمر التحكم في ثروتهم لأصبحت البلاد تنعم بمستوى من العيش يضارع أرقى بلاد العالم. ونورد هنا ملخصاً لإيرادات البلاد التي تنهبها حكومات الخرطوم لتبددها في مشاريع لرفاهية الشمال وفي نزواتها وفسادها بينما تقوم في نفس الوقت بإتهام بلادنا بأنها فقيرة، وتترك شعبنا فريسة للجهل والأمراض والفناء من المجاعات. والآن دعونا نستخدم لغة الأرقام . . .
عائدات جمارك بورتسودان وسواكن لعام 1989، 6،230،2 مليون جنيه
عائدات مينائي بورتسودان وسواكن لعام 1989، 950 مليون جنيه
عائدات دلتا طوكر لعام 1989، 3،3 مليون جنيه
عائدات مشروع القاش لعام 1989، 3،7 مليون جنيه
عائدات مشاريع حلفا الجديدة لعام 1989، 82،9مليون جنيه
عائدات الخطوط البحرية لعام 1989، 8،9 مليون جنيه
عائدات مصفاة البترول لعام 1989، 89،7 مليون جنيه
عائدات مناجم الذهب لعام 1994 عائدات 7 أطنان من الذهب يباع وتحول قيمته لحسابات أركان نظام الجبهة في كل أرجاء العالم.
عائدات مناجم الرخام والمعادن الأخرى لعام 1989، 700 مليون جنيه
عائدات الضرائب لعام 1989، 600 مليون جنيه
عائدات 880،2 مليون طن من الملح 000،200،403 جنيه
في العام 1999 حقق ديوان زكاة ولاية القضارف ربطاً يقدر بخمسة مليارات و(553) مليوناً و(643) ألفاً و(393) ديناراً للربع الأول من العام المالي بنسبة أداء بلغت 42% ويقدر الربط الكلي بحوالى 13 مليار دينار للعام ذاته. بلغت عائدات ضرائب ولاية كسلا 4،16 مليون دينار. وبلغ حجم الصادرات في نهاية العام 1995 حوالى 550 مليون دولار والواردات 1139 مليون دولار.
العائد المتوقع من مشروع استخراج اللؤلؤ بالبحر الأحمر يبلغ 50 مليون دولار.
قيمة الثروة الحيوانية وزكاتها: جاء في كتاب تقديرات الزكاة والناتج القومي 1416هـ 1996م (مركز الدراسات الاستراتيجية ــ الخرطوم) عن زكاة الثروة الحيوانية، تقدر الثروة الحيوانية بحوالى 000،783،6 رأس، تنقسم إلى:- 000،648،2 رأس من الضأن، و000،023،1 رأس من الأبقار، و000،330،2 رأس من الماعز، و300،678 رأس من الإبل.
تبلغ القيمة الإجمالية للثروة الحيوانية حوالى 000،0760،35 دولار. وهي كالآتي:- القيمة الإجمالية للأبقار حوالى 000،600،204 دولار وزكاتها 050،549،2 دولار. وتبلغ القيمة الإجمالية للإبل 000،6600،4 دولار وزكاتها 580،542،2 دولار. وتبلغ القيمة الإجمالية للضأن 000،960،52 دولار وزكاتها 290،511 دولار. وتبلغ القيمة الإجمالية للماعز 000،600،46 دولار وزكاتها 066،466 دولار. وهكذا تصبح جملة زكاة الأنعام المتوقعة 986،978، 5 دولار.
جاء في كتاب تقديرات الزكاة والناتج القومي 1416هـ 1996م (مركز الدراسات الاستراتيجية ــ الخرطوم) ما يلي عن زكاة المحاصيل الزراعية، التقدير الإجمالي لقيمة المحاصيل وزكاتها:
الذرة: القيمة الكلية للإنتاج 400،983،122 دولار، الزكاة، 474،383،7 دولار
السمسم: القيمة الكلية للإنتاج 000،943،2 دولار، الزكاة، 300،294 دولار
القمح: القيمة الكلية للإنتاج الزكاة، 650،133 دولار
القطن: القيمة الكلية للإنتاج 000،3360 دولار الزكاة، 300،27 دولار
الفول السوداني: القيمة الكلية للإنتاج 800،122،1 دولار، الزكاة، 000،42 دولار
الخضراوات: القيمة الكلية للإنتاج 000،910 دولار، الزكاة، 300،27 دولار
زهرة الشمس: القيمة الكلية للإنتاج 000،780 دولار، الزكاة، 000،42 دولار
جملة الزكاة: 529،697،10 دولار.
التجارة وزكاتها، جاء في كتاب تقديرات الزكاة والناتج القومي 1416هـ 1996م (مركز الدراسات الاستراتيجية ــ الخرطوم) أن زكاة عروض التجارة وضريبة الأرباح هي:-
جملة رؤوس الأموال في الولايات الشرقية 8600 مليار جنيه (43 مليون دولار)
جملة أرباح الأعمال التجارية 840،2 مليار جنيه (5، 14 مليون دولار)
ضريبة أرباح الأعمال للعام 92/1993 كانت 710 مليون جنيه (36 مليون دولار)
زكاة عروض التجارة وضريبة الأرباح تعادل 750،219،1 دولار.
من هذه الأرقام يتضح بأنه لا توجد مقارنة بين ميزانيات ولايات بلاد البجه وإيراداتها حيث أن أرقام الإيرادات فلكية وهي كفيلة لو وظفت لصالح البجه أن تجعل البلاد لا ترفل في العيش الكريم فحسب، بل تؤمِّن لكل بجاوي مقومات الحياة العصرية المرفهة وسيذهب الفقر والجوع والجهل والمرض بلا رجعة، وكل هذا رهين بإرادة البجه في تحرير أرضهم وثرواتهم.
ينص االميثاق العالمي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تبنته هيئة الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966م، ووقعت عليه حكومة (السودان) في المادة الثانية منه على أن من حق أي شعب أن يتصرف بحرية في ثرواته وموارده الطبيعية التي ورد في آخرها بالحرف الواحد Xفي أي حال من الأحوال لا يجوز أن يحرم شعب من وسائل عيشه والإبقاء على حياتهZ. فهل تطبق هذه المادة على ثروات البجه? ولماذا يحرموا من ثرواتهم?